سرطان الدم النخاعي المزمن ..يتميز هذا المرض بأننا نعرف بشكلواضح الاختلال الكروموزومي الوحيد الذي يؤدي إلى نشوء هذا المرض وهو عبارة عن تبادلقطعتين من كل من كروموزوم 9 و 22 مما يؤدي إلى نشوء كروموزوم يطلق عليه اسمكرروموزوم فيلادلفيا ويؤدي ذلك إلى فقدان الخلايا خاصية الموت المبرمج وبالتالي إلىتكاثر كريات الدم البيضاء بلا حدود مع عدم فقدانها خاصية التميز , ولذلك تظهر هذهالخلايا بشكلها الطبيعي وان كان بأعداد كبيرة جدا في النخاع العظمي وكذلك في الدمنتيجة انهيار الحاجز بين النخاع العظمي وبين الدم.
إلا أنه كما ذكرنا سابقا هناك مساحةمحدودة للنخاع العظمي وذلك فإن تكاثر كريات الدم البيضاء الشديد يؤدي إلى ضعف إنتاجكريات الدم الحمراء وفي معظم الأحوال يحصل هناك تزايد في الصفائح الدموية والخلاياالمنتجة لها كذلك يحصل في هذا المرض ظهور إنتاج للدم خارج النخاع العظمي عادة فيالطحال والكبد وقصور وظائف الكبد جزئيا على الأقل . كما أن تكاثر هذه الخلايا بشكلكبير يؤدي إلى استهلاك طاقة الجسم في إنتاج هذه الخلايا ويؤدي كذلك إلى زيادة مايسمى بفضلات التمثيل الغذائي مما يسبب بعض أعراض المرض .
أعراض مرض سرطان الدم النخاعي المزمنبعض المرضى لا تكونلديهم أعراض لفترة طويلة , ويكتشف المرض عندهم صدفة عند إجراء تحليل للدم فنجدتكاثرا لكريات الدم البيضاء وعند إجراء مزيد من الفحوص نصل إلى هذا التشخيص . وهناكمرضى آخرون يوجد لديهم بعض الأعراض الخفيفة مثل أعراض فقر الدم (ضعف , إرهاق , صداع , خفقان بالقلب , ضيق في التنفس عندبذل مجهود) ويوجد لديهم أعراض نتيجة تضخم الطحال أوالكبد مما يؤدي إلى سوء هضم وشعور بامتلاء عندأكل كمية بسيطة من الطعام . بعض المرضى الآخرين تظهر لديهم أورام في أعضاء مختلفةمن الجسم نتيجة إنتاج النخاع العظمي خارج الأماكن الطبيعية .
تشخيص مرض سرطان الدم النخاعي المزمنتعطى الصورة المرضيةأعلاه مع وجود تكاثر في عدد كريات الدم البيضاء المتعادلة والخلايا المكونة لهااشتباها قويا بوجود المرض . يتم التأكد من التشخيص بإجراء فحوص كيميائية علىالخلايا , وإجراء فحوص الكروموسومات للكشف عن وجود كروموزوم فيلادلفيا الذي يعتبرالمؤكد للتشخيص .
علاج مرض سرطان الدم النخاعيالمزمنيمكن السيطرة على أعراض هذا المرض وعلى إنتاج الخلايا المتكاثربواسطة عقاقير كيماوية تعطى عن طريق الفم بسهولة مثل عقار هيدروكسي يوريا Hydroxyurea ولكن يحصل أن هذا المرض بعد فترة تستمر في المعدل من 3-5 سنوات ينتقلإلى طور أشد خبثا يشبه سرطان الدم الحاد ويكون أقل استجابة للعلاج من سرطان الدمالحاد الذي لا يسبقه سرطان دم نخاعي مزمن وعند ذلك يصعب السيطرة على هذا المرضفيؤدي عادة إلى الوفاة .
خلال الثمانينات من القرن العشريناكتشف أن إعطاء حقن انترفيرون تحت الجلد بجرعات كافية يحدث اختفاء لكروموزومفيلادلفيا المسبب لهذا المرض مما بعث آمالا كبيرة في التخلص من هذا المرض وبشكلنهائي ممكن , ثم في نفس الفترة تقريبا أظهرت الدراسات أن إجراء عملية زراعة للنخاعالعظمي في مراحل مبكرة للمرض تحدث أيضا اختفاء للمرض بشكل نهائي واختفاء للكروموزومالمسبب للمرض الذي يسمى بكروموزوم فيلادلفيا والفارق هو أن إعطاء عقاقير انترفيرونلفترة تطول عدة سنوات يعقبه عودة المرض في معظم الحالات بعد إيقاف هذا العلاج , وانكان بعض المرضى يبقون خالين من المرض بشكل شبه دائم بينما المرضى الذين أجريت لهمزراعة نخاع عظمي يتخلصون من هذا المرض نهائيا .
طبعا زراعة النخاع العظمي هذه عمليةليست سهلة وتترافق مع نسبة وفيات بين 15-20% في معظم المراكز العالمية مع نسبةمعاناة من أعراض مرضية مختلفة تصل إلى 40-50% بينما إعطاء حقن انترفيرون يسبب بعضالأعراض الجانبية أثناء فترة العلاج ولكن يمكن التخلص من هذه الأعراض بعد إيقافالعلاج أو بواسطة إعطاء عقاقير أخرى مثل مهبطات الحرارة ومضادات الالتهاب . علىالجانب الآخر كما أسلفنا في معظم الحالات يعود المرض مرة أخرى عند إيقاف العلاجوذلك بسبب أن أنه بالرغم من اختفاء الكروموزوم المسمى بكروموزوم فيلادلفيا إلا أنالخلل الجيني يمكن اكتشافه في معظم هذه الحالات بواسطة فحوصات الحامض النووي ممايدلل على أن الخلل الجيني لا يزال موجودا بالرغم من علاج الانترفيرون .
يبقى أن نقول أنه خلال عام 2000-2001تم الإعلان عن اكتشاف عقار جديد يعطي عن طريق الفم أحدث رجة في وسائط الإعلامالعامة حين أصبح الحديث يدور حول التخلص من هذا المرض نهائيا دون الحاجة إلى زراعةالنخاع العظمي وهذا العقار عبارة عن عقار يعطى عن طريق الفم يدعى جليفك Gleevec وهذا العقار هو عبارة عن عقار يثبط الإنزيم النشط الناتج عن كروموزوم فيلادلفيا إلاانه من المبكر أن نقول أن هذا العقار فعلا يقضي على المرض نهائيا لأن الفحوصالجزيئية للحامض النووي في حالات المرضى الذين استجابوا للعلاج والذين اختفت لديهممظاهر المرض واختفى الكروموزوم المسبب للمرض المسمى كروموزوم فيلادلفيا أظهرت أنالاختلال الجيني لا يزال موجودا في معظم الحالات إلا انه نتيجة لنجاح هذا العلاجبشكل كبير في القضاء على الاختلال الجزيئي للمرض المتمثل في الإنزيم النشط الناتجعن كروموزوم فيلادلفيا فإننا نستطيع أن نقول أن هذا العقار أدى إلى تأجيل اتخاذالقرار بزراعة النخاع العظمي اصبح يمكن الاستغناء عنها نهائيا في هذا المرض..
يتبع ..