وقفات مع سورة القارعة : الشيخ زيد البحري فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري أما بعد ، فيا عباد الله : إن هذه الخطبة بمثابة الفاصل بين خطبنا في الجمع الماضية وبين ما يتبعها من موضوعات تُحدث في الجمع الماضية عن السحر وعن العين ، ولهذين الموضوعين توابع فأحببت أن أجعل هذه الخطبة بمثابة الفاصل بين تلك المواضيع وبين المواضيع اللاحقة ذلك لأن القلوب بحاجة ماسة إلى أن توعظ بين الفينة والأخرى أن توعظ وأن تُرقق وأن تُذكر بكتاب الله جل وعلا ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في صحيح مسلم كان يقرأ سورة " ق" في خطبة كل جمعة ذلك بان " الموت " هو أعظم ما توعظ وترقق به القلوب ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي – قال عليه الصلاة والسلام : (( من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ )) و ((إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ )) و ((إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ )) وحديثنا – عباد الله في هذا اليوم عن سورة من سور القرآن – هذه السورة هي قصيرة في آياتها لكنها تحمل معاني ومواعظ عظيمة لو ظللت في تفسير كل آية من هذه السورة لظللت خطبة كاملة أو أكثر، ولكن لأقتصر على ما تحصل به المنفعة والموعظة وعلى ما يحصل به المقصود إن شاء الله تعالى . هذه السورة هي سورة :" القارعة " سميت بهذا الاسم : لأنها تقرع القلوب بشدة صوتها ولذا قال عز وجل : (({فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ } أي تصخ بصوتها أسماع الناس حتى تكاد أن تصم أذانهم ، وذلك حينما ينفخ إسرافيل في الصور قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( كيف أنعم وإسرافيل قد التقم الصور ينتظر متى يؤمر حتى ينفخ فيه )) قال عز وجل : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ } ذلك هو يوم الوعيد {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } يعني : مسرعين من الأجداث : يعني من القبور {مُّهْطِعِينَ – يعين مسرعين - مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ – من شدة الأهوال لا يرتد إليهم طرفهم - وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } ((فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ{8} فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ{9} عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ{10} )) ما مقدار هذا اليوم ؟ ((فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )) بينما المتقون يُخفف عنهم الحساب تفضلا وكرما منه جل وعلا {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ )) ليسوا بفائتين الله جل وعلا لا فوت لا نجاة كيف تكون النجاة ؟ أين يكون المهرب ؟ {كَلَّا لَا وَزَرَ } {كَلَّا لَا وَزَرَ } كلا لا مهرب لا مفر أين المهرب ؟ وأين المفر {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } وعلى أحد وجوه التفسير : {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } بحجة بقوة بقدرة ولا طاقة لكم {وَلَوْ تَرَى )) لرأيت أمرا عظيما {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } يعني من القبور (( ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } يخرجون : حفاة عراة غرلا لا مال لا جاه لا أولاد {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا )) أتينا وليس علينا من اللباس شيء لا مال لا لباس لا كسوة لا متاع وكذلك نرد يوم القيامة ، ولكن السعيد هو : من عمل بطاعة الله جل وعلا حتى ينجو من ذلك اليوم العصيب الرهيب {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ – يعني ما أعطيناكم - وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ )) والذي يوضع وراء الظهر إما ما هو التافه الحقير الذي لا فائدة منه {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ } ترى قريبك ترى حميمك ترى ابنك رؤية واضحة لا يشوبها شيء ، ولكن لا سؤال في بعض المواقف يوم القيامة لا يسأل أحد أحدا ((وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً{10} يُبَصَّرُونَهُمْ )) (({وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ )) فإذا عرف الأخ أخاه والابن أمه أباه (( فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33} يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37} )) ((يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ{11} وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ{12} وَفَصِيلَتِهِ- عشيرته - الَّتِي تُؤْويهِ{13} وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ{14} كَلَّا ) ) لا حصول لما يتمنى((كَلَّا إِنَّهَا لَظَى ))اسم من أسماء الجحيم عائذا بالله منها {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } صغيرين حقيرين محتقرين فبالله ، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } قيام ينظرون كأنهم لم يلبثوا إلا يوما واحدا ((قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ{112} قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ{113} )) {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً } {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ )) {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } أول اليوم أو آخره بل إذا رأى المجرمون تلك الأهوال التي تستقبلهم في يوم البعث والنشور يعدون على أحد وجوه التفسير يعدون ما كانوا فيه من العذاب في القبور كأنه نوم كأنه نوم ولذلك : في حديث " البراء " : (( إذا رأى المجرم العذاب في القبر قال : رب لا تقم الساعة رب لا تقم الساعة ،)) لأن هناك أشد وأعظم مما يكون في القبر {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } بينما المتقون تُقدم لهم النجائب – كما قال المفسرون – لا يسيرون على أقدامهم تفضلا من الله جل وعلا {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً } يعني : يركبون النجائب {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً } وأي سوق ؟! أي سوق ؟! يُساقون وهم لا يبصرون ((وَنَحْشُرُهُمْ - على ماذا ؟ على الأقدام ؟ لا والله على الوجوه ((وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } يرونها وتراهم يرون النار وتراهم النار {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً } وهي تراهم {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ )) تكاد أن تتقطع من الغيظ حنقا على أهلها حنقا على العصاة حنقا على المجرمين عائذا بالله من الجحيم عائذا بالله من الجحيم عائذا بالله من الجحيم ثم قال عز وجل – والحديث والله يطول ، والله يطول ، ولكنني أخشى أن أطيل ((الْقَارِعَةُ{1} مَا الْقَارِعَةُ{2} )) ((مَا الْقَارِعَةُ ))استفهام تهويل وتعظيم وتفخيم – كما قال جل وعلا : ((الْحَاقَّةُ{1} مَا الْحَاقَّةُ{2} )) يعني : يوم تحق في ذلك اليوم الأمور يوم تتبين الحقائق ، فيعرف كل ما قدم وما أخَّر هي سماها الله عز وجل – وأسماؤها كثيرة : الأزفة : لأنها قريبة – كل منا يقيس سواء كان في عمر متأخر أو في عمر متقدم ، تلك السنون التي مضت كأنها قبل دقيقة كأنها لم تكن، كذلك الدنيا ، ولذا قال عز وجل : ((أَزِفَتْ الْآزِفَةُ{57} لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ{58} )) لا أحد يستطيع أن يكشف أهوالها {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ – من الخوف - كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ } {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ } وهم في غفلة في هذه الدنيا – كما قال عز وجل مسميا هذا اليوم بأنه يوم الحسرة : (({وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ – يعني في الدنيا - وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ثم قال عز وجل : ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ )) استفهام آخر بينه جل وعلا ، وأعظم ما يُفسر به كتاب الله عز وجل أعظم درجة يُفسر به كتابه جل وعلا ثم قال – في بيان هذه القارعة - : ((يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ )) نوع من الحشرات مبثوث :هذه هي أحوالنا يوم القيامة يصورها الله جل وعلا لنا تقول عائشة : " يا رسول الله ، الناس عراة ! الرجال والنساء في صعيد واحد ! فقال عليه الصلاة والسلام : (( يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض )) ((كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } من ؟ الأولون والآخرون : ((قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ{49} لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ{50} )) أين القوة ؟ ((هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ{38} فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ{39} )) إن كان لكم كيد وقوة وقهر في يوم القيامة فكيدون ((هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ{38} فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ{39} )) {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ )) يوم يُغبن فيه الكفار إذا رأوا منازلهم قد ورثها أهل الجنة وكذلك يُغبن من قصَّر في الطاعات فلم يحظ بالدرجات العلى من الجنة في ذلك اليوم يتنادون فيما بينهم يتنادون فيما بينهم { وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ{32} يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } في بعض المواطن يبصرون ويسمعون {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ )) ما أبصرهم ! وما أسمعهم ! يرون الأهوال ((فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } حديد قوي تبصر به ما كنت تنكر في الدنيا : إما إنكارا بلسان الحال وإما إنكارا بلسان المقال يبصرون الأهوال ولذلك : إذا وقفوا على النار أبصروها ((وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{27} بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ – وكذبوا - وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{28} )) لا ومن الموقف يسحبون إلى نار جهنم على وجوههم أيضا {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } {يَوْمَ يُدَعُّونَ – يعني يوم إذا وقفوا على شفير جهنم يُدفعون دفعا ((يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً{13} هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ{14} أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ{15} )) ((يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ{4} وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ{5} )) كالقطن المندوف الذي يتطايرفي الهواء {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } لا يبقى أحد {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً } ((إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً{4} وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً{5} )) ماذا تصير ؟ تصير كالغبار : ((فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً )) ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً{105} فَيَذَرُهَا )) يذر أصولها من الأرض((قَاعاً صَفْصَفاً{106} )) يعني : مستوية ((لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً )) لا ارتفاع ولا انخفاض {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } لا ، وهذه الجبال مع الأرض ((وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً{14} فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ{15} )) حتى هذه الأرض ولذا : هي تزلزل والنبي عليه الصلاة والسلام جعل الزلزلة في الدنيا توطئة لما يكون في يوم القيامة ولذا : يكون في آخر الزمان وأنت تسمعون وتبصرون ما يحدث الآن من كثرة الزلازل : قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل )) بل كما على أحد وجوه التفسير تكون هناك زلزلة قبيل يوم القيامة من هذه الزلزلة يشيب لها الولد وتضع الحامل حملها : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{2} )) من يراهم يقول : هؤلاء سكارى ، لا يعرفون أين يذهبون ؟ هنا الآن في هذه الدنيا إذا حصلت زلزلة ثوان فقط ماذا يحدث للناس ؟ كأنهم سكارى فما ظنك بيوم القيامة : إذا زُلزلت هذه الأرض إذا زلزلت كلها : ((إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا )) يعني : حُركت حركة شديدة مع هذا الصعق ، مع هذه الطوام ( (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ )) سميت طامة : لأنها تطم ما عداها من الطوام ، تُنسى كل الطوام إلا هذه الطامة ثم قال عز وجل مفصلا لما يكون في يوم القيامة من الأحوال قال :((فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ{6} فَهُوَ- في ماذا - فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ )) في عيشة مرضية من رجحت حسناته على سيئاته {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } لا ظلم ((لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )) وزن نملة ((خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ{8} )) {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } جل وعلا وصية لقمان العبد الصالح (({يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ – يعني : الخصلة السيئة - إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } ((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} )) في جنة عالية ((لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } ((فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} )) لا يكلفون عناء في قطف الثمار ليست مقطوعة ولا ممنوعة ((قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24} )) من أيام الدنيا ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ{41} وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ{42} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{43} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ{44} )) من أحسن العمل والقول في دنياه يجد الثواب الحسن ((وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } ((وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ{8} فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ{9} )) من رجحت سيئاته على حسناته فالويل ثم الويل له {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ - خسروا أنفسهم فحسب ؟ لا بل أهليهم خسروا كل خير وحصل لهم كل شر ((إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ } ((وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ{103} تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ{104} )) تتغير البشرة يتغير الوجه تتقلص الشفاه فترتفع ((سَأُصْلِيهِ سَقَرَ{26} وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ{27} لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ{28} لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ{29} )) ((وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} )) يا ليتها كانت الموتة الأخيرة ((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} )) هلك عني السلطان والجاه والمال والحجة ((خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} )) ((فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ )) ((وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ{10} فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً{11} )) يقول : يا هلاك كما قال جل وعلا لما رأوا النار ويضيق عليهم فيها : (({لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً } ((وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ{10} فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً{11} وَيَصْلَى سَعِيراً{12} إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً{13} )) إنه كان في الدنيا مع أهله مسرورا يجتمع مع إخوانه ويلمز المؤمنين كما قال عز وجل في آخر سورة المؤمنون : ((حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ{110} إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ{111} )) ((فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ )) مسكنه ماذا ؟ هاوية وهي النار وقال بعض المفسرين : ((فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ))أي يُقذف في النار على أم رأسه ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ )) الأصل :(( وما أدراك ما هيْ )) يعني هذه الأم :(( وما أدراك ما هيْ )) لكن أوتي بهاء ، وهي هاء السكت للسكت (( وما أدراك ما هيْ )) ما هي هذه الأم ؟ فسرها جل وعلا : ((نَارٌ حَامِيَةٌ )) ((نَارٌ حَامِيَةٌ )) نار ؟ لا ليس الأمر مقتصرا على هذه النار كما قال عز وجل - من الأعلى نار ومن الأسفل نار - : {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ )) اللحاف نار الفراش نار (({لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ – أي فراش - وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ )) الثياب نار ((فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } (({تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } شديدة الحرارة ((وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ } {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } ((ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ{67} ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ{68} )) بل تُغلق عليهم النار بأبواب مؤصدة ، ولكن على هذه الأبواب أعمدة فلا يدخل إليهم خير ولا يخرج منهم شر يرجع عليهم لهب النار وعذابها وسلاسلها وأغلالها ((فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ )) تأكلهم النار تأكل الجلود {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ )) لم يقل بدلناهم لحوما غير لحومهم ؟ لأن الجلد هو الذي يشعر الإنسان فيه بشدة الألم بل كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى : ((تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ )) أي تأكلهم النار أكلا فلا يبقى إلا أفئدتهم فإذا لم يبق إلا الفؤاد أعيدت أبدانهم مرة أخرى ـــــــــــــ إلى متى ؟ يوم ؟ سنة ؟ قرن ؟ لا والله أبد الآباد (( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً } ولأترك لك شدة النار أي نار ؟ نار الدنيا لتضع شيئا من بدنك لا على هذه النار ، وإنما قريبا منها حتى تتذكر ولذا الأحنف بن قيس كان يقول :" حسِّ يا أحنف " يضع أصبعه عند المصباح عند النار عمر رضي الله عنه يضع أصبعه عند النار ، ليس في النار ، ويقول : - من القائل ؟ الفاروق من القائل ؟ أبو حفص من القائل ؟ عمر بن الخطاب من القائل ؟ المُبشَّر بالجنة من القائل ؟ الرجل الفاضل بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر فكان يقول لنفسه : " يا ابن الخطاب هل لك على هذا من صبر ؟ ضع نفسك أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه تجد أن نفسك لا شيء فلتتق الله – عبد الله أقول ما تسمع وأستغفر الله لي ولك فاستغفره وتب إليه إن ربي كان توابا رحيما |