شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم ( 3 )فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
أما بعد ، فيا عباد الله : مازال الحديث موصولا في بيان شمائل الحبيب المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . وكنا في الجمعتين قد تحدثنا عن طرف من تلك الشمائل والخصال العظيمة ، ونكمل في هذا اليوم بعض مما تبقى من شمائل وخصاله عليه الصلاة والسلام . فمما جاء في بيان سيفه الذي كان يحارب به عليه الصلاة والسلام : ما جاء في سنن أبي داود : كانت قبيعة : (( وهي رأس المقبض الذي يكون في مقدمة السيف )) " كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة ." أما درعه : والدرع : " هو الجبة من الحديد " " فقد جاء عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد لبس درعين ظاهرا بأحدهما على الآخر." بمعنى : أنه لبس أحدهما على الآخر اتقاء من ضربة السيوف والرماح . وأما ما جاء في بيان عمامته التي كان يلبسها عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في صحيح مسلم : من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح ، وعليه عمامة سوداء . وجاء من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عند الترمذي : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتمّ ( يعني لبس عمامته ) سدلها بين كتفيه " يقول شيخ الإسلام رحمه الله : " إن اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم الذؤابة ( يعني ذؤابة العمامة ) اتخاذه عليه الصلاة والسلام لها بين كتفيه إنما لم يكن ذلك في أول أمره ، وإنما لما رأى ربه عز وجل في المنام – كما أثبت بذلك الحديث في السنن ، وقد جاء في صحيح البخاري أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ملتحفا ، وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه ، وعليه – وهذا هو موضع الشاهد – وعليه عصابة 0 بينتها رواية أحمد : " وعليه عمامة " " وعليه عصابة دسماء ( أي أن هذه العمامة قد تلطخت بالطيب الذي كان في شعره عليه الصلاة والسلام ) " وأما ما جاء في بيان جلسته عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد مستلقيا واضعا إحدى قدميه على الأخرى" وجاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه – كما في سنن أبي داود - : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد ،- وفي إحدى النسخ : إذا جلس في المجلس احتبى بيديه " بمعنى : أنه جمع ساقيه إلى بطنه ، وربط بيديه حتى يكون في مقام المتكئ . " وكان عليه الصلاة والسلام يحتبي " وهذا الاحتباء : هو القُرْفُصاء الذي ورد من فعله عليه الصلاة والسلام فالقرفصاء هو الاحتباء . وأما اتكاؤه عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن سمرة : " أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره عليه الصلاة والسلام " وجاء في الصحيحين : " إطلاق الاتكاء " قال عليه الصلاة والسلام :(( وكان متكئا ، ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس ، وقال : " وشهادة الزور أو قول الزور " فمازال يكررها حتى قلنا : " ليته سكت " وقد جاء في صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتكئ وهو يأكل قال عليه الصلاة والسلام : (( لا آكل متكئا )) وقد كان عليه الصلاة والسلام يتكئ على بعض أصحابه متى ما احتاج إلى ذلك – كما جاء في مرض موته عليه الصلاة والسلام فإنه خرج عليه الصلاة والسلام ليصلي بالناس وقد اتكأ على بعض أصحابه . وأما ما جاء في فراشه عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (( كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه من أدم ( يعني من جلد ) حشوه من ليف ( وهو ليف النخيل ) )) وأما ما جاء في عيشه عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في صحيح البخاري من قول محمد بن سيرين رحمه الله أنه قال : " كنا عند أبي هريرة رضي الله عنه ، وعليه ثوبان ممشقان ( يعني مصبوغان من الطين الأحمر ) وعليه ثوبان ممشقان من كتان ، فتمخط في أحدهما فقال : " بخ " وتقال : " بخٍ " قال : " بخ او بخٍ " وهي كلمة تقال عند الإعجاب بالشيء والرضا به قال : بخ بخ ، أبو هريرة يتمخط في الكتان ! والله لقد رأيتني وإني لأخِرُّ ما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحجرة عائشة رضي الله عنها من الجوع حتى يأتي الآتي فيضع رجله على عنقي يظن أن بي جنونا وليس بي جنون ، إنما بي الجوع وأما ما جاء من حديث أنس رضي الله عنه في المسند أنه قال : " ما شبع النبي صلى الله عليه وسلم من خبز ولا لحم إلا على ضفف " يعني : إلا إذا نزل به الضيفان فكان يأكل منه عليه الصلاة والسلام . وأما صفة أكله عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في صحيح مسلم : من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث ، وكان يلعقها قبل أن يمسحها عليه الصلاة والسلام . وجا في صحيح مسلم : من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال : " أُوتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر ، فجعل يأكل وهو مُقْعٍ ( والإقعاء : هو أن ينصب قدميه ويجلس بإليتيه على عقبيه ) قال : " وهو مقعٍ يأكل من الجوع " وجاء في صحيح مسلم : من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " ما شبع آل محمد عليه الصلاة والسلام ، ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين " وفي رواية البخاري : " من طعام البر ثلاث ليال تباعا " وجاء في سنن الترمذي : من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة هو وأهله لا يجدون عشاء ، وكان أكثر خبزهم الشعير " وجاء في صحيح البخاري : من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قيل له : " هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم النِّقي ؟ ( والنقي هو الدقيق الأبيض ) فقال سهل رضي الله عنه : " والله ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقيل له :" هل كانت عندكم مناخل في عهده عليه الصلاة والسلام ؟ قال : لا ، إنما نأخذ الشعير فننفخه فيطير منه ما شاء الله أن يطير، ثم نأخذ الباقي فنثرِّيه ( أي نعجنه بالماء ) وجاء في صحيح البخاري : من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال : " ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خَوان ( يعني على طاولة ) ولا أكل في سُكرُّجة ( وهو الإناء الصغير الذي يوضع فيه الطعام ) " ما أكل عليه الصلاة والسلام على خوان ولا في سكرجة ولا خُبِز له خبزا مرققا " فقيل لقتادة : على ماذا يأكلون ؟ قال :كانوا يفرشون السفر ( وهي المصنوعة من الجلد او الثياب ) يضعونها على الأرض ثم يضعون عليه الطعام . هذا هو أكله وعيشه عليه الصلاة والسلام . أما إدامه الذي كان يأكله في بعض الأحيان : فقد جاء في الصحيحين : من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال : " كنا بمر الظهران ، فأنفجنا أرْنَبا ، فسعى إليه القوم ، فلُغبوا ، فأخذتها فأمسكت بها ، فأتيت بها إلى أبي طلحة فذبحها ثم بعثت بوركها (( وفي لفظ : بفخذها )) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله ." وجاء في الصحيحين : أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قُدِّم إليه لحم دجاج ، فتأخر رجل لما رأى أنها تأكل النتن ، فلما رأى أبو موسى رضي الله عنه تأخره قال : (( تعال ، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج )) وجاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام : (( نعم ، الإدام الخل )) وجاء عند الترمذي حثه عليه الصلاة والسلام على " الزيت " قال : (( كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة )) وجاء في الصحيحين : من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتتبع الدُّباء في القصعة " والدباء : " هو القرع " قال أنس : " فلم أزل أحبها منذ ذلك اليوم " وجاء في رواية ابن ماجة أنه عليه الصلاة والسلام قال في الدباء أي القرع قال : (( نكثر به طعامنا )) وقد جاء في الصحيحين : من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء والعسل . وجاء في مستدرك الحاكم عنها رضي الله عنها أنها قالت :" كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب التَّفْل " والتفل : " هو ما بقي من الطعام " وأما فاكهته عليه الصلاة والسلام : الفاكهة التي كان يأكلها فقد جاء في الصحيحين : من حديث عبد الله بن جابر رضي الله عنه أنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل القُثَّاء بالرطب " والقثَّاء : هو ما يشبه الخيار، لكنه أطول منه بعض الشيء قال : " كان يأكل القثاء بالرطب " وجاء في السنن : من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطيخ بالرطب وفي رواية أحمد رحمه الله : " أنه عليه الصلاة والسلام كان يأكل الخِِرْبِز بالرطب " والخِربز : هو البطيخ الأصفر وكان عليه الصلاة والسلام إذا أكل البطيخ بالرطب قال – كما جاءت بذلك رواية أبي داود – قال : " يكسر بَرْدُ هذا بِحَرِ هذا ، وحر هذا ببرد هذا " وأما شرابه عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في سنن الترمذي : من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان أحب الشراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الحلو البارد " وجاء عند الترمذي : أنه لما أوتي إليه عليه الصلاة والسلام بلبن ، فشرب منه ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( من أطعمه الله طعاما فليقل : اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه ، وإذا سقاه الله لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، فليس هناك شيء يغني عن الطعام والشراب سوى اللبن )) وأما ما جاء في صفة شربه عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في سنن الترمذي : من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه انه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا " ولتعلم : أن هناك أحاديث وردت بالنهي عن الشرب قائما ، فيكون الأفضل أن يشرب المسلم قاعدا ، ولكنه عليه الصلاة والسلام فعل هذا أعني الشرب قائما لكي يبين عليه الصلاة والسلام جواز الشرب قائما . وجاء في الصحيحين : من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من ماء زمزم ، فشرب قائما " وكان عليه الصلاة والسلام – كما جاء في الصحيحين – يتنفس في الإناء ثلاثا ، يعني يتنفس خارج الإناء إذا شرب فإنه يشرب بثلاثة أنفاس وكان يقول عليه الصلاة والسلام في حكمة ذلك – كما جاء عند مسلم : (( أنه أروى وأمرأ وأبرأ ) ) وجاء في سنن الترمذي : من حديث كبشة بنت ثابت رضي الله عنها أنها قالت : " شرب النبي صلى الله عليه وسلم من قربة معلقة ، فقمت فأخذت موضع شربه – وفي رواية ابن ماجة : " تستقي بركة موضع فمه عليه الصلاة والسلام " فالتبرك بآثاره عليه الصلاة والسلام هذا من خصائصه ، ولذا الصحابة رضي الله عنهم لم يتبركوا بآثار أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا بآثار غيرهم . وأما تعطره عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في سنن أبي داود : " أن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أنس كانت له " سُكَّة " يتطيب بها " قيل : إن السكة نوع من الطيب وقيل : وهو الأظهر إن هذه السكة إناء كان يضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم عطره ، فكان يتعطر منه . وجاء في صحيح البخاري : أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرد الطيب وجاء في صحيح مسلم : قوله عليه الصلاة والسلام : (( من عُرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة )) وجاء في رواية أحمد : " من عُرض عليه طيب " أما ما جاء من التعليل بأنه من ريحان الجنة فإنه حديث لا يثبت عنه عليه الصلاة والسلام . وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بان لا ترد ثلاثة أشياء إذا عُرضت على المسلم : قال عليه الصلاة والسلام – كما عند الترمذي من حديث عمرة – قال : (( ثلاث لا تُرد : اللبن ، والدهن ( والدهن : يعني الطيب ) اللبن والدهن والوسائد )) فمتى عرض عليك أخوك المسلم وسادة أو لبنا أو طيبا فإنه لا ينبغي لك أن ترده ــــــــــــــ لم ؟ لأن المنة بهذه الأشياء قليلة جدا وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : " أنه كان يشتد عليه الأمر إذا وُجدت منه الرائحة الكريهة " وجاء في معجم الطبراني عن أنس رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم – وقد قال الألباني في الصحيحة بمجموع طرقه يكون حسنا – قال رضي الله عنه : " كان النبي عليه الصلاة والسلام يُعرف بطيب العود إذا أقبل " وأما صفة كلامه عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في الصحيحين : من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " ما كان عليه الصلاة والسلام يسرد الكلام كسردكم " وجاء في رواية الترمذي بزيادة : " كان يتكلم بكلام بيِّن فصل يفهمه من جلس إليه " وجاء عند البخاري : من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا حتى تُفهم عنه وفي رواية الترمذي : " حتى تُعقل عنه " وقد جاء عند أبي داود : من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم كان في كلامه ترتيل أو ترسيل . وأما ما جاء في ضحكه عليه الصلاة والسلام : فقد جاء في المسند من حديث عبد الله بن الحارث بن جَزْء بفتح الجيم وإسكان الزاي قال : " ما رأيت أحدا أكثر تبسما من النبي صلى الله عليه وسلم " وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والله إني لأعلم أول من يدخل الجنة ، وآخر من يخرج من النار رجل يؤتى به فيقال : " اعرضوا له صغار ذنوبه ، فتعرض عليه وهو مشفق من كبارها قد خُبئت عنه ، وهو مشفق من كبارها ، فيقال له : " عملت كذا وكذا في يوم كذا " وهو مشفق من كبارها ، فيقال : " اجعلوا له موضع كل سيئة حسنة " قال : " إني عندي ذنوبا لا أراها هاهنا " قال أبو ذر : " فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه " . وجاء في الصحيحين : من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال : " ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم عليه الصلاة والسلام " أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان توابا رحيما أما بعد ، فيا عباد الله : أما مزاح النبي صلى الله عليه وسلم : فقد جاء في مسند الإمام أحمد ، وسنن الترمذي عن أنس رضي الله عنه :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول له : " يا ذا الأذنين " ليس سخرية منه عليه الصلاة والسلام ، وإنما هو لبيان الواقع ، لأن لكل شخص أذنين ، فكان عليه الصلاة والسلام يمازحه . وجاء في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح صغيرا وهو أخ لأنس ، وكان معه طير ، وكان يقول عليه الصلاة والسلام : (( يا أبا عمير ما فعل النغير)) والنغير : أحد الطيور. وقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي : أن هناك رجلا يقال له : " زاهر " وكان يسكن البادية ، وكان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان عليه الصلاة والسلام يزوده من المتاع والطعام ، وكان عليه الصلاة والسلام يحب زاهرا . وكان زاهر رجلا دميما ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، وهو في السوق يبيع متاعا له ، فاحتضنه عليه الصلاة والسلام ، احتضن زاهرا من خلفه وهو لا يبصره فقال زاهر : " أرسلني " وهو لم يبصر النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما التفت رأى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : " فجعلت آلُ ( يعني لا أقصر) أن ألصق ظهري بصدر النبي صلى الله عليه وسلم ثم كان عليه الصلاة والسلام يقول : (( إن زاهرا باديتنا ، ونحن حاضروه )) بمعنى : أنه مما يستفاد منه لنا في البادية ، وهو يستفيد منا في الحاضرة فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام قال : " فلم آل أن ألصق ظهري بصدره عليه الصلاة و السلام " ثم قال عليه الصلاة والسلام مناديا في السوق : (( من يشتري مني هذا العبد ؟ )) ولا شك أنه عبد ؛ لأنه عبد لله عز وجل فقال زاهر رضي الله عنه : " والله لو عرضتني لوجدتني كاسدا " يعني لا يرغب فيّ أحد فقال عليه الصلاة والسلام : (( لكنك عند الله لست بكاسد )) وفي رواية : (( ولكنك عند الله غالي )) وأما بكاء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بكاؤه من خشية الله ، ومن شفقته على هذه الأمة : ما جاء في سنن النسائي : أنه عليه الصلاة والسلام في صلاة الكسوف في السجود جعل ينفخ في سجوده ، ويقول : (( رب ألم تعدنى أن لا تعذبهم وأنا فيهم ؟ ألم تعدني أن لا تعذبهم ونحن نستغفر )) عليه الصلاة والسلام وأما بكاؤه عليه الصلاة والسلام رحمة : فقد جاء في صحيح البخاري : من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال : " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وابنته أم كلثوم تُدفن ، فرأيت عينيه تذرفان " يعني تدمعان عليه الصلاة والسلام والحديث يطيب بذكر خصائله عليه الصلاة والسلام ، ولايزال حديثنا موصولا عن هذا الرجل العظيم صلوات ربي وسلامه عليه .