عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-27-2013, 09:16 AM
 










||الفصــل الــأول ||







تمايلت أغصان الأشجار الخاوية من معظم أوراقها تحت تأثير نسمات العصر ، و كادت الشمس تلامس الأفق ما جعل دفأها القليل يخفت تدريجيا.
شدت "روينا" معطفها المبلل -إثر مقلب من بعض الأولاد المزعجين لم تجده مضحكا- حول صدرها و عنقها أكثر بينما تطلق تنهيدة عميقة و تحث الخطا أسرع صوب منزلها.
في نهايات أكتوبر يكون للشتاء طيف يصيب بالقشعريرة دوما ما تراه ملائما لاكتئابها في مثل هذه اللحظات.

لم يكن نهارها هذا اليوم .. و الذي قضت نصفه في رحلة مدرسية إلى المتحف ، جميلا بأي شكل من الأشكال !

مازالت "إيما جيفرسون" -زميلتها المعتدة بنفسها- تتفنن بابتكار الطرق لإذلالها و إهانتها مذ كانتا في الصف الرابع ..... و إن اختصر هذا الإذلال اليوم على حساسية شديدة من عطرها السخيف غالي الثمن !!
جعلها ذلك تستمر بالعطس بجنون .. و تصدم تمثالا ضخما في منتصف المتحف فاقدة للسيطرة !!

التمثال الجميل الشهير لفارس شاب يقف شاهرا سيفه ، كان في حالة ممتازة رغم الزمن ما جعله تحفة لا تقدر بثمن ....
و هي كادت تحطمه !!
و بالطبع أوشك ذلك أن يعرضها لمتاعب لا حصر لها ..... لكنها كانت منشغلة جدا بنوبة حساسيتها الصاخبة لتلاحظ ذلك !
أطلقت روينا تنهيدة عميقة ... تتساءل بأسى لما هي خرقاء حتى العظم رغم أنها تحترف رقص الباليه الذي يتطلب خفة و رشاقة شديدين !!


أثناء سيرها في حيهم الهادئ استشعرت روينا ذلك الصمت الحزين و الجميل في آن معا ، كأن الكون أقر بعظمة المغيب و أسى رحيل الشمس بيوم آخر.
أطلقت تنهيدة أخرى وهي تتطلع لخيال منزلها الذي اقترب ، لقد باتت ترى في كل ما حولها لمسة شجن شاعرية.


ربما بوسعها استلهام شيء ما من مشهد المغيب البسيط و الجميل هذا ... لتقوم بتجسيده في رقصة الباليه الكلاسيكية التي تنوي تقديمها في مسابقة المواهب المدرسية !


_هييه ... روينا !!

تزامنت تلك الصيحة المفاجئة و قفز أكثر إنسان سمج في الوجود أمامها على الرصيف الخالي ،
"ستيفن" .... كان ضخما و كبير الحجم بنقيض تام و صغر عقله ....
الفتى ذي الثمانية عشر عاما و الذي يكبرها بسنة فقط ، كان ينتمي إلى ذات الحي المتواضع مثلها تماما ،
لكنه كان أكثر من محظوظ بقامته الضخمة التي سمحت بإنضمامه لفريق الركبي ليبرع في شيء ما في حياة المدرسة المروعة !

عجيب كيف أن ستيفن -و رغم كونه ذا وجه عريض غير وسيم و عيون سوداء كشعره صغيرة تعكس بلاهة تامة- قد استطاع أن يكون أكثر شعبية منها ،
و هي التي بوسعها أن تبدو فاتنة ك.إيما جيفرسون و أكثر ، فقط إذا ما استطاعت أن تتأنق مثلها و تقضي الساعات تصفف شعرها و تعتني بجمالها !!
لكن الحقيقة الجارحة كانت أنها لا تملك مكانة في المدرسة تؤهلها حتى للحديث مع ستيفن ، و الشكر كل الشكر ل.إيما جيفرسون على ذلك !!

ابتسم لها ستيفن ابتسامة عريضة .. فتذكرت على الفور أكثر شيء لم تكن تطيقه في هذا الفتى ، كان ستيفن يهيم بها حبا على نحو مبتكر البلاهة تجده منفرا للغاية !
تساءلت كيف لم تلحظ أنه وراءها و هي التي تمتلك دوما رادارات من شأنها كشف وجوده في أي بقعة قربها !!

منحت روينا الفتى المبتسم بوداعة واحدة من أفضل تكشيراتها و هتفت :
_ابتعد عن طريقي ستيفن .... لست في مزاج ملائم لأتعاطى معك !

لم يتحرك ستيفن و لم يبدو عليه الانزعاج من جفائها ، قال بوداعة لم تلائم أبدا تقاسيم وجهه الشرسة :
_هل أنت بخير ؟! .... سمعت أن بعض الأولاد من المدرسة قد نفذوا ملقبا سخيفا عليك !

ابتلعت روينا استنكارها الحانق من لهفته و سؤاله المهتم ..... هي حتى لا تستلطفه كصديق بعد أن كان السبب في ضياع حلمها يوم أوشكت أن تلمسه ، أجابت باختصار :
_أنا بخير .

لكن ستيفن استمر يقول كأم قلقة :
_أنت واثقة .. تبدين شاحبة ؟! كان عليك أن تخبريني .... كنت لأحطم لك رأس أي شخص يجرؤ على مضايقتك !

تململت روينا في وقفتها في منتصف الرصيف و نقلت حقيبتها لكتفها الآخر قائلة بتذمر :
_نعم حتما كنت لتفعل .... لكني لا أريد ذلك ، لا أريد أي شيء منك سوى أن تتركني بسلام !

قالتها و خطت لتتجاوزه .. لكنه أمسك بذراعها قائلا بغضب :
_و لكن لماذا ؟! والدك طلب مني أن أعتني بك و أنا أفعل أفضل ما أستطيع لأكون لطيفا ، لكنك لا تطيقينني فلماذا ؟!

استبد بها الغضب أشد فصاحت :
_اترك يدي ستيفن أنت لجوج و سمج للغاية .... ليس علي تقديم أي مبررات لك ، و أكون شاكرة لو تجاهلت طلب أبي و لم تتحجج به مجددا ، فأنا أستطيع العناية بنفسي و لا أريدك في إثري !!





~تنبيه ... الرجاء عدم الرد !



[/size]
__________________




افتَقِدُني
music4