مؤسس "بنك الفقراء" وحائز "نوبل": إقراض الفقراء أقل مخاطرة من الأغنياء البنغالي محمد يونس بدأ قروضه ب27 دولارا ووصل بحجمها إلى 3 مليارات دولار دبي- جمعة عكاش هذا الرجل، يثير الدهشة في كل كلمة من كلماته، تختزن الحروف في جمله طاقات غير مرئية قد تتفجر بعد وقوعها على السمع بدقائق، ربما هذا كان التفسير الوحيد للتصفيق الذي استمر مطولا خلال إلقائه ورقة عمل ضمن فعاليات مؤتمر "القادة في دبي"، منتدى الأعمال 2007، أمس الإثنين 19-11-2007.
الجملة الأقوى في حديث البروفيسور محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل، هي قوله "إن إعطاء الفقراء قروضا هي عملية أقل خطورة من إقراض الفئات الأخرى بالمجتمع".
هذه الفكرة بالذات هي التي قادته إلى نوبل أولا ثم إلى الثروة ثانيا، وهي ثروة لم تغير فيه لباسه المحلي التقليدي لكنها غيرت فيه ثقله من كفة المحلية إلى العالمية؛ حيث أصبح يعرف بمقرض الفقراء على مستوى العالم وحاصد نوبل السلام. 99 % معدلات سداد القروض أسس يونس منذ ثلاثين عاما بنك "غرامين"، الذي بات يعرف فيما بعد ببنك الفقراء في بنغلاديش، واضعا نظاما للقروض الصغيرة التي تمنح للطبقات الفقيرة جدا، وهو في مسعاه لم يعرف الخوف من الفقراء؛ إذ يقول "إن المؤسسات المالية التقليدية تعتبر إقراض الفقراء مخاطرة كبيرة، وعدم القدرة على السداد هو أول الأزمات مع العملاء الفقراء، لكن البنك الذي أسسته، يتمتع بمعدل سداد يصل إلى 99%، وهو أعلى بكثير مما تقدمه المصارف التقليدية، ولكن من الصعب تغيير مواقف تلك البنوك وسياستها التي تتبع استراتيجيات معينة".
بدأ محمد يونس عمله في الإقراض المصرفي بمبلغ 27 دولارا، قدمها إلى 42 شخصا في إحدى القرى البنغالية، وذلك ليقوم بمساعدتهم على سداد قروضهم المتراكمة.
وفي الوقت الراهن يقوم يونس بإدارة مؤسسة يصل رأس مالها إلى 3 مليارات دولار أمريكي، ويتجاوز عدد عملائها في الدول النامية والمتقدمة 7 ملايين. الهدف ..فقراء العالم وفي معرض وصفه للعمليات البنكية التي تمارس في مؤسسته، قال يونس "أنشأنا مصرفا فريدا من نوعه تجاوز التقاليد البنكية المتبعة، فالبنوك بشكل عام تستهدف أصحاب الثروات والدخل المرتفع من الرجال، في حين نتوجه نحن إلى الفقراء ونتعامل بشكل خاص مع النساء، يتمتع مصرفنا بقلة الإجراءات والشروط والقيود، فنحن نثق بعملائنا، وقد حققنا نجاحا منقطع النظير".
أهم العقبات في المعاملة مع النساء وهو قلة ثقتهن في المؤسسات البنكية، تجاوزها يونس وبنكه وباتت العميلة تتخذ قرار الاقتراض بنفسها من دون العودة للأزواج، وهو امر يراه يونس ذا تأثير إيجابي على الأسرة، وهو يفضل أن تكون صاحبة القرض امرأة.
ويشير يونس إلى أن 64% من أصحاب القروض كان هدفهم منها الخروج من حال الفقر التي يعيشونها، ويتطلع أن تصل النسبة إلى 100%.
ولم يقابل يونس أحدا من الصحفيين على انفراد، ولم يخصص مؤتمرا صحفيا للحديث عن بنكه وعملائه، وهذا عادة أصبحت دارجة على ما يبدو في مؤتمر القادة بدبي تبنته أيضا شخصيات مرموقة أخرى، منها كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والمقاول العالمي ريتشارد برانسون ولم يعرف من أين دخلا وخرجا. النشأة حتى الجائزة محمد يونس، أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة "شيتاجونج" إحدى الجامعات الكبرى في بنغلاديش، ولد عام 1940 في مدينة شيتاجونج التي كانت تعتبر في ذلك الوقت مركزا تجاريا لمنطقة البنغال الشرقي في شمال شرق الهند، كان والده يعمل صائغا في المدينة، وهو ما جعله يعيش في سعة من أمره فدفع أبناءه دفعا إلى بلوغ أعلى المستويات التعليمية، غير أن الأثر الأكبر في حياة يونس كان لأمه "صفية خاتون" التي ما كانت ترد سائلا فقيرا يقف ببابهم، والتي تعلّم منها أن الإنسان لا بد أن تكون له رسالة في الحياة .
ووفقا للمعلومات المتاحة، ففي عام 1965 حصل على منحة من مؤسسة فولبرايت لدراسة الدكتوراه في جامعة فاندربيلت بولاية تينيسي الأمريكية، وفي فترة تواجده بالبعثة نشبت حرب تحرير بنغلاديش (باكستان الشرقية سابقا) واستقلالها عن باكستان (أو باكستان الغربية في ذلك الوقت)، وقد أخذ يونس من البداية موقف المساند لبلاده بنغلاديش في الغربة، وكان ضمن الحركة الطلابية البنغالية المؤيدة للاستقلال، التي كان لها دور بارز في تحقيق ذلك في النهاية.
وبعد مشاركته في تلك الحركة عاد إلى بنغلاديش المستقلة حديثا في عام 1972 ليصبح رئيسا لقسم الاقتصاد في جامعة شيتاجونج، وكان أهالي بنغلاديش يعانون ظروفا معيشية صعبة، وجاء عام 1974 لتتفاقم معاناة الناس بحدوث مجاعة قُتل فيها ما يقرب من مليون ونصف المليون.
وبسبب تفاقم أوضاع الفقراء في بلاده، مضى يحاول إقناع البنك المركزي أو البنوك التجارية بوضع نظام لإقراض الفقراء بدون ضمانات، وهو ما دعا رجال البنوك للسخرية منه ومن أفكاره، زاعمين أن الفقراء ليسوا أهلا للإقراض.
لكنه صمم على أن الفقراء جديرون بالاقتراض، واستطاع بعد ذلك إنشاء بنك "غرامين" في عام 1979 في بنغلاديش، لإقراض الفقراء بنظام القروض متناهية الصغر التي تساعدهم على القيام بأعمال بسيطة تدر عليهم دخلا معقولا، وهو الأمر الذي دفعت لجنة نوبل لمنحه جائزة السلام العالمي لعام 2006، وأثارت دهشة عالمية. يتبع ,,, |