- إبتسم ليتحدث :" حقاً ؟! إذن من فعلها بيتر ؟ إن لم تكن أنت فمن قام بطعنك ؟ لماذا لا ترغب بإخبار الجميع بالحقيقة ؟ ربما يكون شخصاُ مقرباً منك .. ربما والدك "
- فتح عينيه بصدمة ونظر لوجه الطبيب المبتسم قبل أن يتحدث بغضب :" أغلق فمك .. بالطبع لم يكن أبي .. ولا شأن لأحد بهذا الأمر أيضاً .. الأمر يخصني أنا وحدي .. أتفهم ؟"
- الطبيب بتفكير : ربما لديك إنفصام بالشخصية ولهذا السبب قمت بطعن نفسك .. أتعلم الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض يظنون أن شخصاً مقرباً لهم هم من قاموا بإيذائه .. ربما أنت ايضاً تعاني منه .
- هذا غير صحيح .. أنا لا أعاني من أي شيء .
- لا أنت لم تفهم قصدي ربما يكون لديك صديق خيالي بيتر .. وهو من قام بطععنك وإن لم يكن كذلك قد يكون شخص احببته بالماضي ورحل عنك .. دعني أرى ربما أمك أو أختك مثلاً .. هل تخيلت إحداهما وأنها من قامت بطعنك ؟
- فتح عينيه بصدمة شديدة وهو يحاول جاهداً ألا يظهر ضعفه أمام أحد .. أن لا يبكي أمام الطبيب على الأقل تحدث بصوت مخنوق وكأنه على وشك البكاء : لا .. لا .. لست مريضاً .. وأنا لم أتخيل أي شيء .. كل ما حدث كان حقيقة .
- تحدث بتفكير : الغريب في الأمر أنك لم تضع ضمن خياراتك أن صديقك الخيالي أو أياً كان من تخيلته يطعنك .. قد حبسك هنا وهو ينوي قتلك بعد فشله في فعل ذلك .. تباً قد تكون في خطر .. بسبب نفسك .
- تحدث بغضب عارم :" أغلق فمك .. لن أتخيل مثل هذه الأمور البلهاء .. أتنوي دفعي للجنون ؟ كيف تريد مني أن أطعن نفسي وأنا اتخيل وجود أحدهم .. لست كذلك أنت لا تقهم أي شيء .. والآن أخرجني من هنا حالاً .. لقد إنقضت الساعة .. هذا يكفي اليوم أرجوك "
- أظن أنك محق لقد إنتهت الساعة .. لا بأس أظن أنني سأراك غداً .. وسنتحدث عن أختك وأمك .. أتمنى أن تكون متعاوناً بطريقة أكبر "
لم يتلقى الطبيب اي إجابة مما دفعه لنهوض وفتح الباب .. لم ينتظر بيتر كثيراً .. بل خرج بسرعة من ذلك المبنى وبدء بالركض منذ خروجه منه وحتى وصل لشاطىء البحر .. توقف وهو ينظر لذلك المنظر أمامه شاطىء البحر .. وأشعة الشمس التي صبغت باللون الأحمر معلنتاً إنسحابها من عرش السماء لتسمح لظلام بإحتلال موقعها بكل جدارة !
بقي يقف بلا أي حراك قبل أن يطلق تنهيدة متعبة وتبدأ الدموع بالترقرق في عينيه اللتين صبغتا باللون الأحمر .
تحدث بهدوء ويأس مجارياً في ذلك هدوء المكان :" لكن .. لم تكن خيال أبداً .. أنا لم أتوهم ذلك .. أقسم أنها كانت كامي .. ولكن .. هل حقا أنا لدي مرض نفسي .. ولماذا لم يظهر إلا الآن ؟ .. ( إبتسم بحزن شديد ليردف ) : هل هنالك من يرغب بدفعي للجنون ؟ ولكن لماذا ؟"
كان ذلك الرجل يراقبه من مسافة قريبة .. إقترب منه بخطوات هادئة تحدث بشيء من التوتر :" صغيري بيتر .. لماذا لا لن تتوقف عندما ناديتك قبل قليل "
نظر لوالده بحقد شديد قبل أن يعيد نظره إلى شاطئ البحر .
تنهد باتريك بقوة قبل ان يضع يده على كتف صغيره الذي أبعده عنه بحركة عنيفة غير متوقعة !
تحدث الصغير بغضب شديد :" لا تتجرأ وتلمسني أتفهم ذلك ؟ أنت هو السبب في ما يحدث لي الآن .. أنت السبب في كل ما يحدث .. لقد ارادوا الإنتقام منك أنت ! .. وأنا من عليه دفع الثمن مضاعفاً .. أقسم لك إن أجبرتني على العودة إلى ذلك المختل مرة أخرى فأنت ستندم وبشدة .. أنا لا أريد ذلك .. لا أريد العودة إليه سيدفعني للجنون .. لماذا لا تفهم ذلك أبي ؟"
- نظر لإبنه بحزن شديد قبل أن يتحدث بأسف :"ولكن إن كان كلامه صحيحاً فأنت سوف تؤذي نفسك بيتر .. سوف .. تقضي على نفسك لذلك ....."
- تحدث بصدمة : " وهل تصدق ما قاله لك ؟ أبي ! أنا لا أصدق ذلك .. لماذا لا تثق بي ؟ "
- أجابه بحنان :" بُني ليس الأمر أنني لا أثق بك أو ما شابه .. ولكنك لست بخير .. أعني أنت شخص له مقدار كبير في قلبي وأنا أخشى عليك لذا أريد أن اراك بخير .. أن تبتسم وتلهو كالبقية .. لا أريد أن تكون ..."
- تحدث بهدوء ممزوج بالبرود : " لا بأس أبي .. لا تصدقني أنا .. ولكن حلمك ذاك لن يتحقق أبداً .. وإن حدث لي أي مكروه .. إن قتلت من قبل شخص آخر .. أو إن نجح ذلك الطبيب بإقناعي بأنني مجرد شخص مريض نفسياً وقتلت نفسي .. عليك أن تعلم أنك السبب في ذلك .. والسبب في رحيل إبتسامتي وسعادتي عني أيضاً .. أنت السبب في كل شيْ سيء حدث لي "
أنهى كلماته الحادة تلك ليبدأ بالسير إلى المنزل بمفرده بذهن شارد .. ملامح وجه فارغة تماماً من أي تعبير أو مشاعر .
تهلل وجهه بسعادة وهو يرى ذلك الشاب يقف برسمية أمامه وقد أحنى رأسه قليلاً :" لقد أتيت إذاً"
- تحدث برسمية شديدة وهدوء :" أجل سيدي .. فأنا كما أخبرتك سابقاً تحت أمرك "
- إبتسم بغرور وهو يمسح على شعر محدثه الناعم : " أحسنت يا صغيري .. والآن لقد أصبحت مهمتك أكثر حساسية .. فبيتر بحسب ما قاله الطبيب النفسي مصاب بمرض إنفصام الشخصية .. ويظن بأنه هو من حاول قتل نفسه .. ولهذا السبب سيكون عليك حمايته من نفسه ."
- نظر لسيده بدهشة وبقليل من الحزن قبل أن يجيب :" أجل سيدي بالطبع سأفعل "
- تحدث بسخرية :" كم أنت طيب القلب أن تحزن على ذلك "
- إبتسم بهدوء ليتحدث :" إنه في الخامسة عشرة فحسب ... أن يصاب بمثل هذا المرض .. إنه لأمر محزن "
- عبث بشعره مجددا وهو يتحدث :" فقط لو كنت أكثر قوة .. لو أنك فقط لا تهتم بالجميع لكنت الفائز .. ولأصبحت أنت هو قائد هذه الأسرة "
- أغمض عينيه بهدوء : " سعيد أنني لم أتملك تلك القوة سيدي .. فأنا أشعر بالرضى على نفسي بهذا الوضع .. بكل حال .. أنت أخبرتني ليلة أمس أنك ستقوم بعقابي على تأخري بالقدوم إلى هنا .. فمتى سيكون موعد العقاب ؟"
- ضحك بمكر وهو يشد بقبضته على شعر محدثه :" لا تقلق ستكون هنالك الكثير من المناسبات لعقابك .. ولكن الآن .. إبدء بعملك فقط "
إنحنى بإحترام وهو يهم بالمغادرة ولكن صوت تحطم الكوب الذي كان باتريك يحمله جعله ينظر بإتجاهه مجبراً كما فعل البقية .
- إجتاح الغضب العارم قلبه وفكره نظر لوالده بغضب قبل أن يتحدث بصوت عالٍ نسبياً :" أأنت جاد ؟ من تظن نفسك لتحويله إلى خادم هنا ؟ من أعطاك الحق لذلك ؟ أجبني ... أنت ل....."
صمت تماماً وقد هدئت نفسه عندما رأى ذلك الشاب يمسك بيده ويقوم بتقبيلها قبل أن يجثي على إحدى ركبتيه بإحترام .. تحدث بهدوء وبقليل من السعاجة التي لم يتمكن من الإحتفاظ بها لنفسه :" سيد روبنسون .. أقسم لك هنا اليوم .. أن لا سوء سيصيب طفلك بيتر .. وأنني سأقوم بالحفاظ عليه وحمايته مهما كانت النتيجة وأيا كان السبب "
عاد الهدوء ليعم أرجاء ذلك المنزل .. توجه ذلك الشاب الغامض إلى غرفته .. إبتسم بشيء من السعادة وهو يستلقي على سريره .. نظر إلى الصور التي كانت موضوعة بجاوره لتتسع إبتسامته وينهض بنشاط مفاجأ .. أخذ حماما دافئاً ونظر لنفسه بالمرآة .. شعر باللون البنفسج الفاتح وعينان بنفس اللون الساحر .. بشرة بيضاء مع إبتسامة جميلة تزين وجهه .. صفف شعره بسرعة ثم إرتدى ثياب الحرس الخاص لأسرة روبنسون والتي كانت عبارة عن بنطال جينز أسود وقميص بذات اللون نقش عليه شعار الاسرة باللون الفضي .. تنهد وهو يرى قناعاً باللون الأسود كان قد امره سيده بإرتدائه عند مقابلته لبيتر .. وبالطبع هو لم يتمكن إلا من القبول بهذا الأمر .. وضع القناع على رأسه حيث لم يظهر من وجهه إلا عينيه المليئتان بالأمل والحماس .. وإحدى خصل شعره التي أضفت غموضاً عليه .
حاول أن يحافظ على هدوئه وهو يتحدث للمرة الثالثة :" بيتر من الأفضل لك النهوض الآن .. فانت ستذهب إلى المدرسة شئت ذلك ام أبيت "
نظر له المعني بضجر شديد لينهض من فراشه ويتوجه نحو دورة المياه ( أكرمكم الله ) لأخذ حمام بارد كما هي عادته ! .. لم يمضي الكثير من الوقت حتى أنضم إلى جديه وأبيه على مائدة الإفطار .
تحدث جده بهدوء :" لقد وصل حارسك الشخصي اليوم "
توقف عن تناول الطعام وهو ينظر لجده بغيظ .. ولكنه فضل عدم التحدث ومناقشة الأمر لإنه يعلم تماماً انه الخاسر .
وضع ملعقة من يده ونظر لهم قبل أن يتحدث بهدوء :" لقد شبعت شكرا لكم .. على وجبة الطعام "
أوقفع صوت جده الحازم :" وسيتأكد من ذهابك إلى السيد بوتين بعد المدرسة أيضاً .. إحرص على ان لا تجلعه يستخدم قوته عليك "
شد على قبضة يده بقوة شديدة ليركض بعدها إلى غرفته ويحمل حقيبته المدرسية ويعود لركض مجدداً حتى وصل إلى المدرسة .. توقف عند البوابة وهو يتنفس بصعوبة بسبب كل ذلك الركض .. وما إن كاد يكمل سيره حتى شعر بضربة قوية على ظهره جعلته يتقدم بضع خطوات إلى الأمام لينظر إلى الخلف بحنق !
- تحدث بغضب :" بالله عليك ماكس .. مالذي تفعله ؟"
لم يتلقى إجابة منه ولكنه فوجأ بصديقه يضمه بشدة إليه .
أبعد نظرة التفاجأ ليبعد صديقه برفق :" ماذا الآن ماكس ؟ لا تقل لي أنك إشتقت لوجودي هنا "
- تحدث بعتاب :" أأنت جاد ؟ بالطبع إشتقت لك بيتر .. تعلم كم أحب قضاء الوقت معك "
- تنهد بعمق ليتحدث بإبتسامة حزينة :" تتحدث وكأنني .. وكأن وجودي يضفي جوا آخر .. أو يشعر أحدهم بالساعدة ."
- قطب حاجبيه بإنزعاج شديد :" ماذا تقول الآن ؟ يا إلهي فقط أخبرني بيتر ماذا يحدث لعقلك هذا ؟ .. ذلك الإعلام الأبله تحدث عن أنك حاولت قتل نفسك .. لن أصدق ما قالوه لو مهما حدث .. أعلم أنك مجرد أبله ولكنك لست مجنوناً إلى هذه الدرجة !"
ترقرت الدموع في عينيه وهو يشعر بالإمتنان الشديد لصديقه الذي قام بتصديقه دون الحاجة ليدافع عن نفسه حتى .. هذا الأمر دفعه لضم صديقه إليه وهو يشكره بجزيل عبارات الإمتنان والشكر .
تحدث بدهشة :" بيتر هل أنت بخير ؟ لا تقل لي انني الوحيد الذي يصدق أنك لن تفعلها "
إبتسم بحزن ليومأ برأسه بمعنى أجل .
هز كتفيه بعنف وهو يقول بإنفعال :" هذا مستحيل .. دعك منهم بيتر .. أعرف يا رفيقي بأنك لن تفعلها لو مهما حدث لذلك لا تُبالي بأحد إتفقنا ؟"
إبتسم بشيء من السعادة ليتحدث بإمتنان :" أجل شكرا لك .. والآن دعنا ندخل إلى الفصل "
بحماس مفرط اجاب : " هيا بنا لننطلق !"
بقي ذلك الشاب يراقبهما بهدوء .. حتى إختفيا عن ناظريه .. مما دفعه لدخول المدرسة والإستلقاء تحت أحد الأشجار الكثيفة .