لا تستغن بقول من قال عليك بجمع المال فما المرء الا بدرهمه الحمد لله الواحد المعبود وأشهد أن لا إله الله، شهادة تدخلنا دار الخلود، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود وسلم تسليما كثيرا الى اليوم الموعود . وبعد يقول ابو حيان التوحيدي في كتاب البصائر والذخائر وهو من أشهر الموسوعات الأدبية وأجملها وصفه بأنه تذكرة لجميع ما حوته الأذن، وحفظه القلب، وثبت في الكتب على طول العمر...تأبط هزلاً، وتحمل مزاحاً، وتوشح حكمة وفصاحة، ونشر حكم الله رواية واستخراجا. قال له بعض أهل الشرف والأدب: لقد شقيت في جمعه، فقال: لو قلت: لقد سعدت في جمعه لكان أحلى في عيني، وأولج في منافس روحي. اليكم ما جاء في نبذة يسيرة من هذا الكتاب القيم قال
تأهب - أيها الرجل - لأمرين جسيمين، لا أمان لك إلا بهما، ولا نجاة لك إلا معهما: لعلم يهديك إلى الله، وعمل ينجيك من الله. فبالعلم تقصد، وبالأعمال تصل، وبالعلم تعرف، وبالعمل تُجزى، ولا تستغن بقول من قال: عليك بجمع المال، فما المرء إلا بدرهمه، فالمال عرَض، والعلم جوهر، والجوهر ما قام بنفسه، والعرض ما قام بغيره، والعلم من قبيل العقل، والمال من قبيل الجسم، والجسم فان، وتابعه معدوم، والعقل باق، وصاحبه موجود، وشهادة المال زور، وشهادة العلم حقيقة، وبيّنة المال كاذبة، وبينة العلم صادقة، والعلم يحتاج إلى المال، ولكن للزينة، والمال يحتاج إلى العلم، ولكن للتمام، فكم حاجتك إلى ما يزينك بعد كمالك؟ اعلم أن الأقطع يحتاج إلى كُم لقميصه لا ليتم ولكن للزينة.
ولا تطلب العلم إلا بعد أن تعشق الحق عشقًا، وتموت على الحجة موتًا، وتنفر من الباطل نفورًا، وتمقت الشبهة مقتًا، فعند ذلك ترى التواضع لأهله عزًّا، والتكبر عليهم ذلاًّ في نفسك، وترى مبذولك فيه دون منالك منه، وراحتك به أتم من تعبك عليه، وحينئذ ترى العمل زادًا، والإخلاص عتادًا. وأس هذه الفضائل، وقاعدة هذه المحاسن، الزراية على نفسك، والتودد إلى بني جنسك، والإقبال على يومك دون الأسف على نفسك، وقطع حبائل الدنيا عن قلبك، والتوجه في السر والجهر إلى ربك، وبعض هذا كاف لمن سبقت له من الله الحسنى، وأمل حسن العقبى. ففروا إلى الله تعالى جميعًا، ودعوا مزابل الدنيا لكلابها المتناهسة، فإن الدنيا تنكّل طالبها، وتُغص شاربها، وتذبح عاشقها، والغالي في حبها. |