عقلاء أم شاكّون ؟! الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . غير المسلمين ، من المشركين أو الملحدين نخاطبهم بالإسلام ( التوحيد ) ، أما المسلمون الذي شهدوا أن لا إله إلا الله . وأن محمدا رسول الله ، نخاطبهم بأحكام الإسلام التفصيلية . وهذا الخطاب غير ذاك من حيث المحتوى ومن حيث المخاطبون . حين نخاطب غيرَ المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم بالتوحيد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، فإننا نتكلم في استحقاقات لا إله إلا الله ، أو ما يقال له أصل لا إله إلا الله ، أو المقدمة المنطقية ل ( لا إله إلا الله ) ، وهي توحيد المعرفة والإثبات ( الربوبية والأسماء والصفات ) ، ومنه نطالبهم بتوحيد القصد والطلب ( توحيد الإلوهية ) . وهذه هي طريقة القرآن الكريم في مخاطبة غير المسلمين بالتوحيد . قال تعالى "(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة : 21 ) فهنا أمر ب ( إِفْرَاد الرُّبُوبِيَّة لَهُ , وَالْعِبَادَة دُون الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَالْآلِهَة ؛ لِأَنَّ جَلَّ ذِكْره هُوَ خَالِقهمْ وَخَالِق مَنْ قَبْلهمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادهمْ , وَخَالِق أَصْنَامهمْ وَأَوْثَانهمْ وَآلِهَتهمْ , فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ذِكْره : فَاَلَّذِي خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ آبَاءَكُمْ وَأَجْدَادكُمْ وَسَائِر الْخَلْق غَيْركُمْ وَهُوَ يَقْدِر عَلَى ضَرّكُمْ وَنَفْعكُمْ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِمَّنْ لَا يَقْدِر لَكُمْ عَلَى نَفْع وَلَا ضَرّ ) كما يقول الطبري في تفسير الآية . أو نقول أن الله سبحانه وتعالى هنا ( شَرَعَ فِي بَيَان وَحْدَانِيَّة أُلُوهِيَّته بِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْعِم عَلَى عَبِيده بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَإِسْبَاغه عَلَيْهِمْ النِّعَم الظَّاهِرَة وَالْبَاطِنَة ) . كما يقول بن كثير في تفسير الآية . ومثله قول الله تعالى : (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) (الأنعام : 1 ) والمعنى كما يقول الطبري في تفسير الآية (يَجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكًا فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد وَالْأَصْنَام وَالْأَوْثَان , وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء شَرِكَهُ فِي خَلْق شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَلَا فِي إِنْعَامه عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ , بَلْ هُوَ الْمُنْفَرِد بِذَلِكَ كُلّه , وَهُمْ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ غَيْره . فَسُبْحَان اللَّه مَا أَبْلَغهَا مِنْ حُجَّة وَأَوْجَزهَا مِنْ عِظَة , لِمَنْ فَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ وَتَدَبَّرَهَا بِفَهْمٍ ! ) ومثله قول الله تعالى : (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً) (الكهف : 14 ) ومثله قول الله تعالى : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (فصلت : 9 ) ومثله قول الله تعالى : ((أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ . أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) (الملك : 21 ) ومثله قول الله تعالى : (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ . وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ) (الأعراف : 192 ، 191 ) . وغير هذا كثير في القرآن الكريم فهي قضية القرآن الأولى تتكرر بأسلوب لا يتكرر كما يقول صاحب الظلال يرحمه الله . والمقصود أن الخطاب بالإسلام يصح أن يكون بمقدمات عقليه . وانطلاقا من الثوابت المتعارف عليها عند العقلاء . أو عند المخاطب . أما الخطاب بأحكام الإسلام التفصيلية ، وهو الخطاب الموجه للمسلمين . . . ما يسميه علماء الأصول ( الحكم التكليفي ) فالعقل يدخل في منطقتين : الأولى : معرفة درجة الحكم ( واجب مندوب مباح مكروه محرم ) إن كان من أهل الاستنباط . الثانية : في تحديد المناط . بمعنى الحالات التي ينطبق عليها الحكم . فمثلا : ( القتل العمد يوجب القصاص ). هذا حكم شرعي ، العقل يبحث في صحة هذا الحكم ، هل هو فعلا أمر الله في مثل هذا أم لا ؟ بمعنى هل هذا الحكم ( القِصاص ) ثابت شرعا أم لا ؟ ويكون طريق ذلك الدليل ، فالعقل هنا يطلب الدليل الذي يستبين به أن هذا حكم الله ، وليس من أقوال الذين من دونه . ويدخل العقل أيضا في مناط الحكم . هل الحادث محل النقاش قتل أم غير قتل ؟ وإن كان هل هو قتل عمد أم شبه عمد أم خطأ ؟ وبالتالي ينطبق عليه الحكم أو لا ينطبق ؟ مثال آخر : حين نقول ( حرم الله الزنا وأوجب الحد على من زنا ) . هذا حكم شرعي ليس للعقل دخل فيه اللهم أن يستنبط صحته إن كان من أهل الفقه والاستنباط . ويدخل العقل في تحديد المناط هل الحادث محل النظر زنا أم دون ذلك ؟ وبالتالي هل يُحد أم لا ؟ وما نوع الحد ؟ جلد وتغريب أم رجم ؟ أما ما يحدث الآن من ( العلمانيين ) و ( المفكرين ) و ( الليبراليين ) و ( العصرانيين ) ... الخ هذه الأسماء ممن يناقشون ( التعدد ) أعني تعدد الزوجات ، و( الميراث ) و ( تحكيم الشريعة ) و ( الجهاد ) . . الخ . فهو شي آخر . هم يناقشون أحكام الشريعة الإسلامية نفسها . ومناقشة الحكم هي من جنس مناقشة إبليس لأمر الله تعالى له بالسجود . ولا يجدي التأويل في هذا . نعم لا يجدي التأويل في هذا . فإبليس كان متأولا ( . . . أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ . . .) (الأعراف : 12 ) ( . . . أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (الإسراء : 61 ). عرضَ الحكم على عقله فما استقام عنده . لم ير أن الحكم منصف . لذا رده وأبى الامتثال له ، وكان متأولا . كانت له وجهة نظر بلغة القوم . ما صرَّح إبليس بأنه يريد الكفر . بل رد الأمر بتأويل . إخواني الكرام ! إن مناقشة الحكم ليست إلا تشكيك في حِكمة الله العليم الحكيم . ومن يناقش الحكم نخاطبه بالتوحيد . نبدأ معه من الوراء نبين له أن الله حكيم عليم ... لذا كل أمره خير وإن بدا له غير ذلك ، وأن الله أرسل إلينا رسولا بلساننا ليبين لنا ما أراد الله منا ، وقد كان ، نبين له أن العقل عاجز ، وأنه إذا تعارض العقل والشرع فالله أعلم وأحكم . " قل أأنتم أعلم أم الله " الله أعلم وأحكم .
__________________ قول الشيخ أنباني فلان*****وكان من الأيمة عن فلان إلى أن ينتهي الإسناد أحلى***لقلبي من محادثة الحسان فإن كتابة الأخبار ترقى***بصاحبها إلى غرف الجنان |