تشتت اقنعة الكذب على ضفاف نهر المكائد
] الولايات المتحدة الامريكية – نيويورك – منزل عائلة تايلور - 2012[
لم يقلق راحتي في هذا الصباح الا صوت الطرق الجنوني الذي افزع كياني وجعلني اثب مسرعة اختبأ من وحش ظننته آتٍ للقضاء علي
غطيتُ بنفسي بغطاء سميك ذي لونٍ ازرق داكن ، اختبأت وسط ظلمته ودفئه وأنا الهث بقوة من الخوف الذي سرى في نفسي وأنا وسط الكابوس كنتُ اناضل
مسّدتُ جبيني بتوتر ونوع من الراحة الداخلية لاُبعد الغطاء الذي كان لي ملجأً من كل المصائب واقف منتصبة واتجه ناحية الباب الذي لم افتحه الا مراتٍ قليلة منذُ ان عشتُ في هذا المنزل
فتحته ولم عليه احد ، اسرّ ناظري ذلك الظرف الاسود الذي وضع على سجادة الباب بعناية ، تلقّفته وانا ارجو ان لا يكون نوعاً من وصايا الاموات لتنفيذها ، اغلقتُ الباب لالقي بجسدي على الاريكة الحمراء وانا افتح ذلك الظرف الذي لم يترك لي مجالاً للراحة العقلية والتي تكون مبهمة ان حظيتُ بها
اخرجتُ ما فيه من اشياء ولم تكن في الواقع الا ورقة صغيرة خُطت عليها عبارة واحد جعلتني اشعر بزمكٍ شديد وسخط لم اعرف له مكاناً لأخبئه فيه
" ان اردتِ الحقيقة تعالي الى الضاحية الشمالية عند الثالثة بعد الظهر "
تنفستُ الصعداء وانا اراقب الشمس تتوسط كبد السماء بحرارتها التي عهدها الكثيرون هنا ، ارتديت ملابسي بعد ان حان وقتُ خروجي وانا اتمنى ان لا يكون الامر كله مجرد مقلب من اشخاص تعدتْ سفاهتهم عقلوهم الصغيرة
خلال دقائق من السير السريع وصلتُ الى الضاحية الشمالية وانا اصفعُ الارض بقدمي منتظرة ظهور الرجل الغامض هذا
توالى الوقت علي وانا احاول ان اوليّ المستحيل ، الا ان دقات قلبي المشحذة بغضب لم ترضخ الى مطلبي بالذهاب بعيداً تاركة حقيقة قد تكون ما بحثتُ عنه طوال حياتي الفانية
فاجأتني يد قد ربتت على كتفي المتصلب لالتفت فزعة خائفة ، واذا بمن وقف امامي هو كيفين الذي اعتاد ان يرعاني في كثير من الاحيان ، قطبتُ حاجبيّ بتعجب وانا ارمقه بنظرات مفهومها " لما انت هنا ؟ "
ابتسم ابتسامة خبيثة لم ارها على قسمات وجهه من قبل ليردد بصوت اجش لا يمد اليه بصلة
- استمعي الى ما يريد عقلي وقلبي قوله لكِ
اوليتهُ كل انتباهي وانا لازلتُ منكرة كونه هو الرجل الغامض الذي ارسل لي ذلك الظرف الاسود المليء بالغموض والمكائد الملتفة من حوله
احتّدت عيناي عندما شاهدتُ شفتيه تتحركان بهدوء
- كان والدكُ طبيباً معروفاً وشهيراً في مجال جراحة الاعصاب وقد وصلهُ طلبٌ في احد الايام بأن ينظم للمافيا الامريكية ويصبح طبيب رئيسها الخاص ، الا ان والدكِ رفض بشدة وبين استحالة غدوه منا ، ولكنه وقع في نفس الوقت على ما لا يجب على بشر ان يعرفه عن المافيا الامريكية ولذا تقرر قتله و عائلته التي لم تكنْ الا انتِ فقط ، واعتقد بأنكِ تعرفين الباقي
اهتز كياني للحظة ، وانا احاول ان لا اظهر ملامح الصدمة التي طغت على وجداني وكل اعصابي ، رددتُ بصوت قريب من الجفاف والتردد
لمعت عيناه بشرارة حمراء خبيثة ، اكدتها لي تلك الابتسامة الشيطانية التي طغت على محياه وهو يقول باستهزاء و اذلال
- لاني انا من ارسلتُ الطلب لوالدك ، وامرتُ بقتله !
اظلمت الدنيا من حولي وارتسم على وجهي رعبٌ مخيف ، تراجعتُ قليلاً الى الخلف وانا اضع يدي على جذعي الايسر على قلبي الذي اكتفى من النبض في هذا العالم وانا انكرُ كل كلمة قالها الرجل
كنتُ اعرف ان خيانة ما ستطعنني قريباً بخنجر من سموم ، ولكني لم اعتقد ان تكون من شخص كاد ينسيني فقدي لكل من احببته يوماً
تلاشت ابتسامته واضمحل وجهه وهو يردد بنوع من الندم
- وانا اخبرك بهذا لاني على وشك ان اموت واترك كل شيء خلفي
بعد جملته تلك استدار وذهب في طريقه الى ان تلاشى في ضوء الشمس ماضياً ، ابتسمت بأنكار لتتحول بسمتي الى نوع من الضحك الهستيري رافقته دموع الخيبة والالم
وقفتُ لاسير في طريقي هائمة مشردة نحو مجهول لا اعلم الى اين يقودني ، بنظرات ضائعة وقلب ما عاد ينبض و ادراك ما عاد يفيد حتى للادراك
الى حين جثم الليل ساتراً كل سائر بين جنباته وانا على احدى الجسور واقفة انظر الى البحر الذي عرف المي وانتظر وجولي الى جوفه منذ زمن
مددتُ يدي وانا اصرخ مزمجرة
- وداعاً لعالم كان الاسوء في كيانه !
قفزتُ من على الجسر بهوادة الى حين ارتطم جسدي بالثلوج المتراكمة واخترقه ليغرق ببطء شديد في غياهب اعماق ذلك البحر المظلم والبارد
جسدي كان يغرق ببطء شديد وقد فقدت قدرة الشعور بأي شيء من حولي من شدة برده ، ابتسمت للنهاية المحدقة والظلام اخذ يستولي بسرعة على نظري ، اغمضتُ عيني بهدوء وانا ارجو ان افتح عيني في العالم الاخر على وجهي والديّ اللذين تقتُ لحنانهما
شعرتُ بيد ما تنتشلني من المياه وتحملني الى خارجه ، صوت لهاثٍ حاد استولى على اذني وانا غير قادرة على فتح عيني او .. التنفس
شفتان قد تلاحمتا مع شفتي وأرسلتا لفحة هواءٍ دافئ الى رئتي ، هل هو ينفذُ التنفس الاصطناعي علي ؟!
لم ادرك هذا الى حين فتحتُ عيني ورأيتُ وجهه الذي كان مرتعباً وخائفاً علي ، جلستُ بشكل مستقيم ، اردتُ الكلام الا ان حرارة الصفعة التي غدرت بوجهي في تلك اللحظة كانت حائلاً بيني وبينه
احتضنني بقوة بعدها بدون ان ينطق بأي شيء ، ليبقيني في احضانه لوقت طويل لم افقه الى عده على الاطلاق
ابتعد عني ليمسك بيدي ويساعدني على الوقوف ، نظر الي بغضب وكان ما قاله لي بصوته البارد قد اعاد الدفء الى جوفي وجعلني اشعر بحتمية النجاة
- لن اتركك بعد اليوم ، انتِ خرقاء ولا يعتمد عليكِ وهذا ما عرفته منذ ان رأيتُ محاولاتكِ للانتحار ، تعالي معي شارلوت
تناهى لي هاجس لا اعرف كنهه وكأنما بداية جديدة كتبت لي بعد ان متُ في غياهب ذلك البحر منذ لحظات ، اجل انا القديمة ماتت وانا الان على حاضر يخبئ لي الكثير من المفاجئات الجديدة
سحبني من يدي بقوة وهو يقودني ناحية الطريق الجديد الذي كتبُ لي ، ولعلي بهذا اصبح بشرية من عرق نقي خالٍ من الاوهام والهواجس الدفينة التي زعزعت استقرار نفسي مسبقاً .