وليست قوامة الرجل في البيت على المرأة فحسب ، بل هو مسئول أيضًا عن أولاده وبناته . • قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ التحريم/6 .
• وقال النبي : (( كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس فهو راعٍ عليهم وهو مسئولٌ عنهم ، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته )) (2) . الوصاةُ بالنساءِ واحتياجُ القِوامـة إلى رِفْـق
وليس من معاني القوامة أن يكون الرجل فظًا غليظًا وجلفًا جافيًا في بيته ، وإنما ينبغي له أن يتحلَّى بالخلق الحسن والرفق واللين ، فهذا نبينا محمد - خير البشر عليه أفضل صلاةٍ وأتم تسليم - صاحب الخلق الكريم القويم مع كوننا أُمِرنا بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ، فقد رَزَقَهُ اللهُ عز وجل الِّلين وأمره بخفض الجناح للمؤمنين ، قال الله سبحانه : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ آل عمران/159 .
وقال سبحانه : ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الشعراء/215 .
وأمر صلوات الله وسلامه عليه بالرفق فقال : (( عليك بالرفق )) (3) .
وحث عليه بقوله : (( إنَّ الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه ، ولا يُنزَعُ من شيء إلا شانه )) (4) ، وقال عليه الصلاة والسلام : (( إنَّ الله يُحب الرفق في الأمر كله )) (5) (( ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف وما لا يعطي على سواه )) (6) .
• فإذا كان الله - عز وجل - أمر الزوجة بطاعة زوجها ، فيلزم الزوج - كما أسلفنا - أن يكون سهلاً لينًا رفيقًا حليمًا كذلك .
• وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- الزوجة سكنًا لزوجها فليكن رحيمًا بها وعلى مودةٍ معها .
• قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ الروم/21 ، وقال سبحانه : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ... ﴾ الأعراف/189 .
والمرأةُ إذا كانت صالحةً فهي خير متاع يكتنزه الزوج ، قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة .. )) (7) .
فحَرِيٌّ بالرجل أن يكون خيِّرًا كريمًا مع أهله ، قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا ، وخياركم خياركم لنسائهم )) (8) .
• والمرأةُ أسيرةٌ عند الرجل كما قال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( إنما هُنَّ عَوانٌ عندكم )) (9) أي : أُسارى عندكم . فلهذا - مع غيره - جاءت وصايا رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - بالنساء ، فقد أخرج البخاري ومسلم (10) من حديث أبي هريرة - رضيَ اللهُ عنه - عن النبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ... واستوصوا بالنساء خيرًا ؛ فإنهن خُلقن من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذَهبتَ تُقيمه كسرتَه ، وإن تركتَه لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرًا )) .
وفي ((صحيح ابن حبان)) من حديث سمرة بن جندب ( قال قال رسول الله : ((المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها)) (11) .
• وأمر اللهُ - سبحانه وتعالى - بإحسان معاشرة النساء في جملة آياتٍ ، قال سبحانه : ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ النساء/19 ، وقال سبحانه : ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ البقرة/229 ، وقال سبحانه : ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ النساء/34 . فيا تسوَّل لك نفسك أن تظلم أهلَكَ وهُنَّ لَكَ مُطيعات ؛ لأنَّكَ أعلى منها وأقوى تذكَّر أن الله - عز وجل - عليُّ كبيرٌ قادِرٌ على أن ينتقمَ مِنكَ والانتصار لها ودفع الظلم عنها .
• وقد قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية ـ : أي إذا أطاعت المرأةُ زوجَها في جميع ما يُريدُه منها مِمَّا أباحه اللهُ له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك ، وليس له ضربَها ولا هجرانها ، وقوله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ تهديدُ للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب , فإنَّ اللهَ العَلِيَّ الكبيرَ وَلِيُّهُنَّ ، وهو مُنتقمٌ مِمَّن ظلمهن وبغى عليهن .
وبنحو ذلك قال ابن جرير الطبري ، ولكنَّه زاد ما حاصِلُه : أنَّ المرأةَ إذا أطاعت زوجها وكانت لا تحبه فلا يُكَلِّفها حُبَّه ويُؤذيها على ذلك ؛ فإنَّ ذلك ليس بأيديهن . والله أعلم .
______________________________
(1) أخرجه البخاري (مع «الفتح» 13/ 231) ، ومسلم حديث (674) .
(2) أخرجه البخاري حديث (2554) ، ومسلم حديث (1829) ، وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر عن النبي .
(3) مسلم حديث (2594) من حديث عائشة رضي الله عنها .
(4) مسلم حديث (2594) أيضًا .
(5) البخاري (6024) .
(6) مسلم (2593) ، وفي رواية لمسلم (2592) من حديث جرير عن النبي : (( مَن يُحرَم الرفق يُحرَم الخير )) .
(7) أخرجه مسلم (3/ 656) .
(8) أخرجه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح بمجموع طُرقه (2/ 472) .
(9) أخرجه الترمذي (1163) من حديث عمرو بن الأحوص مرفوعًا . وسيأتي إن شاء الله .
(10) أخرجه البخاري (مع ((الفتح)) 9/ 252) ، ومسلم (091) .
(11) أخرجه ابن حبان بإسناد صحيح (( موارد الظمآن )) حديث (1308) .