عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-31-2014, 01:51 AM
 

اليوم الثاني

وصلْتُ إلى المَحسومِ.... وقابَلني أبناء العمِّ يُحيُّون
أنت من الأردن؟ ادخل....
وذهبتُ إلى المرآب..... ركبتُ إلى غزة
أتأمَّل صُنع الله بأرضٍ - كانت للأجدادِ - فلسطين
فحقول القمح وقد شمخَت بسنابلها
والطرُق المأمونة قد بُسِطت لراكبها
أتمنى قشرة موز... قِطعة ثوبٍ... أكياس قمامة
أجد التمثال... وشارات النصر.. وأعلام الزهو علامة
لا زالت دبابات (القسطَل) رابضةً في موقِعها
تُطلى.... تُدهَن في عيد النصر
تُزارُ كما نذهَب للكعبة حُجَّاجًا في كل عام
لا تلقى إلا عربيًّا يتعدَّى.... أو يتجاوز في سُرعته.... أو يتلصَّص
أسمح لحظات للفكر.. أحقًّا هذي الأرض لأجدادي؟
هل حقًّا يأتي اليوم الموعود
لتنطِقَ أحجارٌ وتُنادي:
يا مُسلم، يا عبد الله، ورائي قَذِرٌ فتَعال اقتلْه
سبحان اللهِ
قتلوك مرارًا ومرارَا
وتخمتَ شنارًا وشنارَا
وقطعت بحارًا وبرارَا
ورأيت الجنة وارفةً
يحضنها أرذل شعبٍ - إن صدقوا -
أنت المطرودُ - بلا ذنب
تتعذب في نار الدُّنيا
وتقاد إلى المسلَخِ يومَا
وتريدُ العودةَ مزهوَّا؟!
اخفِض رأسك أكثر من قدمَيك لترضى عنك يهودُ
فتحظى بدخول الجنَّة فوق الأوراق
إياك تُنادي بالصحوة
إياك تُطالبُ بالعودة
إياك تقول بأن المسلم مدعوٌّ للقاء الله على أرضٍ
كانت يومًا قِبلتَنا
قد صارت ملكًا للمَغضوب عليهم
رسموا كل شوارعِها وازدانَت بالنخل لتوهم مَن يأتي
أن يهود - كما الأعرابِ
تزدان شوارِعُهم بذوات الأكمام
نقَشوا آيات السلم مُطرزة
في كل مكان
فالقُدس اليوم - كما شاؤوا
عاصمة العالم بالألوان
دخلتُ بلا استئذانٍ
قالوا: إن الرمز يُقابِل حتى الحمَّار وبائع حلوى متجوِّل
ويُحقِّق ما أملوا
فكيف بمَن جاء على وعدٍ مِن أرض الطُّهرِ؟
أكيد سوف يُقابلني
ويُعانقني... كالأمسِ... وفي قصر الدوحةِ... مزهوَّا
وأخذت أرتِّب في ذاكرتي:
ماذا يسأل؟ كيف أُجيب
ما مقدار الأُلفة؟
ما ثمن الترحيب؟
القائد يَحضُر بعد التاسعةِ
يشرب شايًا - يُفطر... يقرأ كل جرائدنا - ثم يُقابِل بعد الظُّهر أوَمَجنونٌ أنت؟
أتريدُ مقابلة وبلا ميعاد؟
ولكني موجود
لا يُمكن أبدًا
بل يُمكِن
لا يُمكِن أبدًا... فتسمَّرْ في ذاك الكرسي
ولمَّا يأتي سيَكون الإذنُ
لا بأسَ... سأَنتظِر
وجلست... سمحتُ لنفسي أن تَرصُد كل دوافِعِهم
فعظيم يَصعَدُ.... عظيم يَنزِل
ووزير الإعلام كما النَّحلة - كالمنشارِ
يروحُ.... يَجيءُ.... يُفكِّر
فالمِسكين يُهيئ للحَفلةِ
فالرمز سيُقسِم بالله... ومنذ اليوم سيُصبِح أول مَن حكَموا
في الواقع ما استَبقى مِن شعب فلسطين
وقلتُ لنفسي ساعتَها
كيف سيَحكم شعب فلسطين؟ بلا أرضٍ... وبلا وطنٍ... وبلا جيش؟
آه صحيح... فالحامي والخافِض والرافع مضمونُ
هذه الطياراتُ تَروح وتغدو
تَخترِق مجال الصوت وتبرقُ .... ترعد
وسألت الضابط: ما هذا الإرهاب؟ وما هذا الضغطُ؟ لماذا التخويف؟
فابتسَمَ طويلاً... واستأسد إذ قال:
هذي لحمايتِنا
لحمايتنا؟ ممَّن؟
من إرهاب يهود كفَروا بالسِّلم ونادوا بالتَّقتيل
يا أرض، انشقِّي..... وابتَلعيني
أويُعقَل هذا؟!
سُبحان مُغيِّر أحوالٍ
كُنا خُدَّامًا مُضطهَدين فصِرنا أحرارًا مُضطهِدين
وقهقه يسخر مِن ليفي... ومن رابين
يُحيِّي في نفس الوقت أبا عمار
ووزير الإعلام يَروح..... يَجيء..... يعودُ بصُحبة اثنَين
أشار إلى برواز ضخمٍ يَحضن قبَّة الصخرة.... يُحاوِل أن يَخلعه، لكن الصخرة ثابتة فقلت: لماذا؟
قال الضابط: يُحضِّرُ للحفلِ.... أبو عمار يُقسِم هذا اليوم.... سيأخذها للحفلِ
سيكون الحفل بلا طعمٍ إن غاب القدْس عن الأنظار
لا يُمكن أبدًا أن يَخلعها؟ سيُشوِّه منظرَها.
بل يُمكن
انظر.. "يَهمِس في وجه الآمِرِ".
يأخذ عمالاً ويعود.... يَحمِل واحدةً أصغَر منها.
ليُصارع أحقاد التلمود.
وتدب الهِمَّة في الموجودين... ويأخذ كلٌّ موقعه
ويُناديني الضابط: اخرُج ..... اخرُج
لن أخرج إني مُرتبِط بالوعدِ
اخرج لا تُحرِجنا.... اخرج وتعال غدًا.
لن أخرج....
أمسَكَني اثنان وشدَّاني....
اخرج بالذَّوق وإلا
القائد ينزل والوفد الصحفي يُصوِّر
غدًا تأتي وتُقابله...
لم أشعر بالوقت ولا بالضَّرب ولا بالدَّفعِ
ولم أستيقظ إلا والصوت المألوف يُنادي:
أوراقُك في الأرشيفِ.... إلى الأرشيف خُذوه
وضعوني في سيارتهم تجري.... تلهث مُتعبةً
والألم الأمل يخدِّر إحساسي بالظُّلم
اصبر وتحمَّل
ساعات تُصبِح يا...... من أهل الحظوة
وستُصبح يا هذا رقمًا وطنيًّا
وهويتك الأصلية مألوفة
وسيُصبِح وجهك معروفًا
فعليه شعار السُّلطة
ستعيش بقية أيامك في وطنِ العُشَّاق
ولو رسموه على الأوراقِ
سيأتي المُنبطِحون يزفُّون
ويأتي الأهلُ ويأتي الصحبُ
وسيارات السُّلطة
أعلام تَخفق وحناجر تَهتف بنشيد العودة
يا أشرف مَن ناضل مِن أجلِ الحق وأجل الدِّين
مرحى.... مرحى.... يا ابن فلسطين
عادت أبناؤك بالنصر هنيئًا
ستكون الرتبة أكبر
سيُحيط بك العسكَر
تأمُر.... تنهى .... تحكم... تَظلِم أو تتكبَّر
ستكون وزيرًا
والرتبة في الجيش المَزعوم عقيد
يا صاحب هذا القلم المُتعَب
لا تَكتُب... ولمن تكتُب؟
لا بأس فشِعرُك مضيعة للوقتِ وهذا مَطلوب
في زمن يتمنَّى المغدور به أن يَركُض بالمقلوب
نافِق.... تاجرْ بشعارات العودةِ
والصق كل قذارات العارِ سعيدَا
تُصبِح محبوبًا وقريبَا
هل يحنث بالوعد رئيسٌ والصِّدق شعار الواعِد
والعودة أضحَت مضمونة
والضامن قدر مكتوب في اللوح المحفوظِ
بأرشيف السُّلطة ... حقًّا إني محظوظ....
فتحَتْ باب الأرشيف... الحاجَّة (يُسْرَى)
تَرتسِم على جبهتِها كل هموم فلسطين
من أنتَ؟ وماذا تبغي؟
أوراقي عندَكِ
من أرسلك؟
القائد أرسلني
ما اسمك؟ هات جوازك
داعبَت الحاسوبَ أصابعُها
وارتجَفَ القلبُ
اقتربت ساعة حسمِ مَصيري
ظهر الاسم على الشاشة باللون الأخضَر
فتفاءلت بخير
عادت قالت: مبروك.... لحظة
رجعت للحاسوب ودقَّت.... خرجَت ورقة
خُذ.... مبروك... راجع في (رام الله)
أخذت الورَقة أقرؤها
فإذا هي مِن مكتبِ سيدنا
والسيد لوزير العودة يأمره أن يتَّخذ الإجراءات مع الشُّكر
ووزير الصورة في "رام الله" يُحبِّر أوراقًا وقوائم يُرسِلها
ليُوافِق (بيريس) عليها .... أو
يشطب مَن دان بدِين لا يُعترَف به
أعني دِين أبي عمار
وأنا المسكينُ فماذا أفعل؟
في الماضي آمنت بهذا الدِّين، ولمَّا انقلب الميزان وصارت سُلطتنا علمانية
حفظت الدِّين بقلب يؤمِن بالله.... ولكن جاهدتُ بلكن,
لكنَّ الأمل وبالله كبير
سرتُ بلا هدف.... أضرب أخماسًا في أسداسِ
قادتني قدماي إلى شاطئ غزة
ورأيتُ البحر الأبيض أسود
يرغي.... يزبد.... يربد
والموج يُزمجِر مُندفِقَا
والصيادين وقد عادوا .... لا شيء جديد
فالبؤس يُعشِّش فوق مراكبِِهم
وشباكهم تَبكي
والطيران الإسرائيلي يحومُ ويرسُم نجمةَ داود فوقهم
وصلت لمحسوم (أريتس)
والشمس تمهِّد مضجَعَها
والباصاتُ - كموج البحر - تَقذِف بالعمال وقد عادوا كالنَّمل
وقد هدَّم بيته
بعض يَحمِل كرتونَا
بعض يَحمِل أخشابَا
آخر يَحمِل ماسورة
والبعض الباقي وضعوا أيديهم تحت الإبط.... البردُ شديدٌ والمطرُ بعيد
يسيرون كيوم الحشر وفي سردابٍ صنَعوه بأيديهم خصِّيصَى
يوصِّلهم بالواقع.... بالعالم الآخَر
ما أتعسهم.... ما أتعسَهُم... ما أتعسهم....
في تلك اللحظة آمنتُ بأن الواقع شيء والأحلام هباء
أن الأعوام الخمسين وقد مرَّت.... ما كانت غير هواء
أن الثورة مُذ قامت... ما قامت إلا مِن أجل الزُّعماء
أن الشعب المِسكين قطيعٌ يتربَّى.... يُذبَح كيف يشاء
أن فلسطين إذا ضاعت لن تُصبِح أُمًّا للغُرباء
أن الزُّعماء جميعًا باعوا كل فضائلهم في سوق مزادٍ باسم الشهداء
وباسم الشرفاء
يا خيبة مَن جاهد أو فاضَلَ... فالحيُّ الميِّت مَن عاش ليالي رمضان
بغزة في هذي الأثناء
وسألت السائق عن أحوال الناس فقال:
مَن تعني؟ الناس اثنان
زعيم كان عميلاً جاسوسًا أعني أصبح يَحكُم، يرسُمُ كيف يشاء
فهو الآن عقيدٌ في الشرطة لا يَعبُد غير المال وغير الجِنسِ
بلا دِين.... وبلا صومٍ... يشربُ... يسكَر.. يزني.. والسلطة ستر وغِطاء
والآخر مَتعوس يتمنى أن لو بقيَت إسرائيل مُهيمِنةً
فالرزق شَحيح، والعار قبيح
وأين كتائب عز الدين، أين حماس؟
أين جهادٌ؟ أين النخوة؟ أين العزة.... أين الإحساس؟
ضحكَ حزينًا.... ودموع الكبتِ على خدٍّ
لا تسألني.... اسأل عبَّاسًا... كانت موجودة... في شرم الشيخ اتَّفقوا
إسرائيل ارتاحت... إذ أوجدَتِ السُّلطة
لتُقاضي وتُحاكم .... وتُطارِد وتُهاجِم
يا سُبحان الله.. فلسطين لمن؟ للسلطة أم للناس؟
للسلطة يا صاحي... والسُّلطة جاءت من هذي الناس
كنا محكومين لإسرائيل... وصارت سُلطتُنا تَحكُمنا باسم القانون
قلَّ الداخل.... تضاعفَت الضرائب - مَن مات ارتاح فيا ليت ارتحنا




__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس