مما قيل عنه :~ قال" عبد القادر فيدوم" في دراسة له عن شعر طرفة: يحتل طرفة عند العلماء منزلة تلي امرؤ القيس كشاعر جاهلي، ليس لشعره الذي وصلنا، بل للقصائد التي فقدت.و يضعه "المفضل الضبي " بين أساتذة المعلقات السبع التي يدعوها العرب "الصموت" خيوط العقد، كما يعتقد أن هذه المعلقة أكثر انتظاماً في بنيتها من كل المعلقات الأخرى، نظرة نقدية لها وزنها في كل المدارس.
*
في ما يخص تاريخ نظم المعلقة، قد يكون ذلك في العام 550 قبل الميلاد، ويقول البعض إنها كتبت في الأسابيع الأخيرة من حياته عندما كان سجيناً في البحرين، غير أن فحواها لا يدعم هذا الرأي، من الواضح أنها قصيدة شاب يافع يعاني من مشاكله البدوية الصغيرة وشجاره مع أقربائه، ولعها نظمت في الصحراء قبل لقائه "عمرو بن هند" في "الحيرة"، الأبيات الوحيدة التي تلمح للبحرين هي التي يقارن هوادج نساء قبيلته بالسفن.
ولعل موت والده وهو بعد صغير السن، وظلم أعمامه لأمه وإخوته الصغار هو الذي وجه الشاعر توجيهاً خاصاً، صبغ أدبه بالتأمل والتفكير في هذه الحياة.
***
ديوان شعر أشهر ما فيه المعلقة...
نظمها الشاعر بعدما لقيه من
ابن عمه من سوء المعاملة وما لقيه
من ذوي قرباه من الاضطهاد.
في" المعلقة" ثلاثة أقسام كبرى :
(1) القسم الغزلي من (1 ـ 10)
(2) القسم الوصفي (11 ـ 44)
(3) القسم الإخباري (45 ـ 99).
و سبب نظم المعلقة إذا كان نظمها قد تم دفعة واحدة فهو ما لقيه من ابن عمه من تقصير وإيذاء وبخل وأثرة والتواء عن المودة وربما نظمت القصيدة في أوقات متفرقة فوصف الناقة الطويل ينم على أنه وليد التشرد ووصف اللهو والعبث يرجح أنه نظم قبل التشرد وقد يكون
عتاب الشاعر لابن عمه قد نظم بعد الخلاف
بينه وبين أخيه معبد. بعض النقاد فضلوا معلقة طرفة على جميع الشعر الجاهلي لما فيها من " الشعر الإنساني
ـ العواصف المتضاربة ـ الآراء في الحياة
ـ والموت جمال الوصف ـ براعة التشبيه-
وشرح لأحوال نفس شابة وقلب متوثب".
*
ولعل انتمائه إلى منطقة من أكثر الأماكن تحضرا في الجزيرة العربية (إقليم البحرين)، جعل ذلك الشعر الإنساني أكثر بروزاً لديه مقارنة بغيره من شعراء الجاهلية.
**
في الخاتمة ـ يتجلى لنا طرفة شاعرا جليلاً من فئة الشبان الجاهليين ففي معلقته من الفوائد التاريخية الشيء الكثير كما صورت ناحية واسعة من أخلاق العرب الكريمة وتطلعنا على ما كان للعرب من صناعات وملاحة وأدوات. لخِولة أَطْلالٌ بِبرْقَةِ ثَهْمَدِ تَلُوحُ .... كَبَاقي الْوَشْمِ في طَاهِرِالْيَدِ
وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مطِيَّهُمْ... يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَلَّدِ
عَدُو لِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ ... يَجُوز بُهَا الْمّلاحُ طَوراً وَيَهْتَدِي
يَشُقُّ حَبَابَ الَماءِ حَيْزُ ومُها ... بها كما قَسَمَ التِّرْبَ الْمَفايِلُ باليَدِ
وفِي الَحيِّ أَخْوَى يَنْفُضُ المرْ دَشادِنٌ..مُظَاهِرِ سُمْطَيْ لُؤْلؤٍ وَزَبَرْجَدِ
خذول تراعي ربربا بخميلة....تنأول أطرف البرير وترتدي وكان من باكورة نظمه حين سمع المتلمس ينشد هذا البيت،وقد تناسى الهم عند احتضاره، بـنـاج عـلـيـه الـصيعرية مكدم. فصرخ طرفة منتقداً إياه، فقال جملته المشهورة "استنوق الجمل" أي خلط بين الناقة والجمل،
إذ وصف الجمل بوصف الناقة،
لأن الصيعرية توضع على عنق الناقة
لا على عنق الجمل، فذهبت هذه المقولة مثلاً في الخلط بين الشيئين. وكان طرفة معتزاً بنفسه فخوراً، مما جعله يتجرأ على أهله وذويه بعد أن حاولوا منعه من إسرافه في الشهوات وتبديده ما كان قد ورثه، فلم تجد قبيلته وأهله سبيلاً إلى ذلك سوى أن تفرده وتبتعد عنه، فاستشعر بالانعزال كما جاء ذلك في قوله: وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبـيـعي وإنفاقي طريفي ومتلدي إلـى أن تـحـامتني العشيرة كلها وأفـردت إفـراد الـبـعـيـر الـمعبد فهجرهم ثم ما لبث أن عاد إلى قومه بعد أن فشل في كل المحاولات بشأن تحقيق أحلامه في تحسين وضعه أو فيما كان يصبو إليه في إيجاد عالم مثالي غير عالمه القاسي مع عشيرته، فلم يجد بداً من العودة إلى قومه وعشيرته، وهم في ذلك غير مبالين به سواء رجع أم تمادى في هجره إياهم، فكان مما قاله بعد عودته لهم:~ كانت فيكم كالمغطي رأسه فانجلى اليوم قناعي وخمر سادراً أحسب غيِّي رشدا فتناهيت وقد صابت بقر *** |
التعديل الأخير تم بواسطة #MiMi ; 02-08-2014 الساعة 10:06 PM |