رد: ما الجديد في أنابوليس؟ مؤتمر أنابوليس.. علاقات عامة أم مؤامرة؟! بقلم د. محمد مورو إذا أخذنا في الاعتبار أن كلاً من الرئيس الأمريكي "جورج بوش" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "إيهود أولمرت" والرئيس الفلسطيني "محمود عباس" يعانون من ضعف شديد وتراجع في الشعبية وعدم القدرة على التعامل بقوة مع الملفات الشائكة، لأدركنا على الفور أن مؤتمر "أنابوليس" لا يخرج عن كونه مؤتمر علاقات عامة، فالرئيس الأمريكي "جورج بوش" في أسوأ حالات تدني الشعبية منذ وصوله إلى السلطة، وهو في مأزق حقيقي بخصوص العراق، وكذا إيران، ومدة رئاسته قاربت على الانتهاء، بمعنى أنه لم يعد قادراً على اتخاذ خطوات جادة يمكنه تنفيذها فيما بعد؛ ومن ثم فإن قرارا المؤتمر – مهما كان الرأي فيها – لن تجد رئيساً أمريكياً يدافع عنها أو ينفذها؛ ومن ثم فإن أحداً من الأطراف لن يأخذها على محمل الجدية. ورئيس الوزراء الإسرائيلي "إيهود أولمرت" محكوم بقضايا فساد داخلية وتدني في الشعبية، وكذلك المسؤولية الملقاة على عاتقه بسبب الفشل في حرب لبنان 2006م ، ثم إن التحالف الذي يترأسه به "ليبرمان" الذي يريد فقط دولة يهودية خالصة بمعنى طرد عرب 1948م من الكيان الصهيوني وإلحاقهم بغزة أو الضفة، وكذا فإن وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيبي ليفني" هي في الأصل ليكودية ومن ثم فهي تسعى لخلافة "أولمرت" على قاعدة التشدد وليس العكس، ووزير الدفاع "إيهود باراك" ليكودي في الأصل على حد تعبير "جهاد الخازن" في جريدة الحياة 24-11-2007 ضل طريقه إلى العمل لأنه لم يجد مكاناً في الليكود. "إيهود أولمرت" نفسه ومع كل وزاراته يريدون اعترافاً فلسطينياً بأن إسرائيل دولة لليهود، وهذا يعني عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وكذلك التنازل عن الحق التاريخي لهؤلاء اللاجئين وهذا مستحيل، لأنه لا يحق ل"محمود عباس" ولا منظمة التحرير، ولا كل هذا الجيل من الفلسطينيين التنازل عن حق الأجيال القادمة في العودة إلى وطنهم، بل القبول ضمناً بإخراج عرب 1948 الذين دفعوا ثمناً مماثلاً من أجل صمودهم في تلك الأرض، من سمتهم ومصالحهم وأمانهم الشخصي والعائلي!!. والسيد "محمود عباس" من جهته لا يمكنه الادعاء بأنه يمثل الشعب الفلسطيني كله، لأن هناك حماس قد تم انتخابها ديمقراطياً، فهي تمثل الشعب الفلسطيني أكثر من فتح، وفي الواقع العملي فهي تسيطر على غزة، وكذا فإن "محمود عباس" داخل فتح وداخل السلطة ليس محل إجماع، وهو كذلك يدرك أن أي وعود قد تم قطعها لن يتم تنفيذها لأن إسرائيل بأي حكومة لن تتورع عن التملص من القرارات المطاطة بدعوى البدء أولاً بالقضاء على الإرهاب وحماس وهو أمر حتى لو أراده "عباس" فهو خارج نطاق قدراته النظرية والعملية. وهكذا فإن مؤتمر "أنابوليس" الذي تدحرج من مؤتمر للسلام بمعنى البدء في مفاوضات جادة حول القضايا الجوهرية والوصول فيها إلى صيغة يتم تنفيذها وفقاً لجدول زمني معين إلى مجرد مؤتمر سياسي عام يضم وفوداً من عدد كبير من الدول لدرجة أن الدول العربية تمثلت بوزراء خارجية أو أقل، الأمر الذي يعني إحساساً عاماً بين تلك الدول بأن الأمر لا يستحق، ومن ثم فإن المؤتمر ليس إلا مجرد علاقات عامة لا أكثر ولا أقل. أما إذا جئنا للجانب الآخر من الموضوع فإن قرارات المؤتمر المتحدثة عن ضرورة التفاوض وقيام دولة فلسطينية في النهاية ربطت ذلك بعدد من الألغام والظروف التي تجعل تحقيق ذلك شبه مستحيل، رغم أنه في حد ذاته لا يلبي الطموح الفلسطيني ولا العربي، ناهيك عن طموح القوى الراديكالية التي تريد تحرير كامل التراب الفلسطيني. وهل كان الأمر مثلاً يحتاج إلى مؤتمر للسلام تُدعى إليه 47 دولة لمجرد إطلاق الدعوة لبدء مفاوضات لا نعلم متى تنتهي – فضلاً عن أن تبدأ – بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟!، فالمفاوضات مستمرة منذ "أوسلو"، أي منذ 15 عاماً على الأقل دون أن تحقق أي جديد أو أي اتفاق حقيقي، ثم إن الإشارة إلى خارطة الطريق تعني مباشرة الطريق إلى جهنم لأنها تربط التقدم في أي ملف بالقضاء على الإرهاب، أي مزيد من الصراع بين السلطة الفلسطينية وحماس، أو بين السلطة وكل القوى الفلسطينية الأخرى. ربما كان الفلسطينيون ومعهم العرب قد ذهبوا فقط إلى "أنابوليس" لعدم إغضاب أمريكا، أو لتحرير أي قدر من الأسرى مع أن إسرائيل تأسر المزيد كل يوم، أي تخرج عدة مئات وتعتقل عدة آلاف في كل مرة وتزعم أنها قدمت تنازلات. جانب المؤامرة في الموضوع أن أمريكا وإسرائيل قد استدرجت الدول العربية الرافضة للتطبيع الرسمي إلى نوع من الاعتراف بإسرائيل بالحضور مع ممثلي إسرائيل تحت سقف مؤتمر واحد، وجعل الهدف من المؤتمر هو إطلاق مفاوضات وليس اعتبار قضايا مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والدولة الفلسطينية والحدود هي القضايا الجوهرية، بل طمس معالم هذه القضايا تماماً، وخاصة قضية اللاجئين، بل ربما البدء في هجوم إسرائيلي مضاد بهدف إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين من ناحية وطرد عرب 1948م من ناحية ثانية. وهو أمر بشع وفظيع لم يكن يليق بفلسطينيين وعرب أن يُستدرجوا إليه. الأمريكيون والإسرائيليون والميديا التابعة لهما سيتحدثون عن نجاح المؤتمر؛ لأن النجاح بالنسبة لهم هو مجرد إطلاق المفاوضات، وطمس القضايا العربية الجوهرية، وتحقيق علاقات عامة جيدة ل"جورج بوش" و"إيهود أولمرت"، وسوف يتحدثون عن أن المؤتمر بداية وليس نهاية. إذن ما جدوى المؤتمر أصلاً بالنسبة للعرب والفلسطينيين؟، وهؤلاء العرب والفلسطينيين الذين شاركوا في المؤتمر سوف يبتلعون بوعي تام هذا الكلام حتى لا يظهروا بمظهر المغلوب على أمره أو الساذج الذي تم استدراجه إلى فخ، وسوف يتحدثون عن أمجادهم الخطابية في المؤتمر، فقد قالوا وقالوا، دون أن يعترفوا بأنهم أصلاً لم يفعلوا شيئاً، ولم يأخذ أحد أقوالهم على محمل الجد، وانتهى الأمر بمزيد من الوعود الضبابية والكلمات والجمل المطاطة، ومزيد من الإحباط للشعوب والجماهير، فلا أمل قريب في العودة للاجئين، ولا وقف لبناء المستوطنات، ولا موقف ضد العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، ولا حتى تحسين ظروف الأهالي في غزة بالنسبة للحصار والكهرباء، ولا حتى إزالة الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية التي تمزق مناطق الضفة الغربية، ولا حتى اعتراف صريح بأنه لا أمل من أمريكا وإسرائيل، ولكن هذه النتيجة الأخيرة – أي أنه لا أمل من المفاوضات مع أمريكا وإسرائيل – هي قناعة الجماهير العربية والإسلامية. |