عرض مشاركة واحدة
  #300  
قديم 02-16-2014, 12:59 AM
 
الحديث الرابع : أثر مالك الدار .

عن مالك الدار "أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقون وقل له عليك الكيس الكيس .

قلتُ : أخرجه ابن أبي شيبة في ( المصنف) كتاب الفضائل أثر رقم ( 32538) طـ/ الرشد , والبخاري معلقاً في ( التاريخ الكبير) في ترجمة مالك الدار , وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) 56/489, والخليلي في ( الإرشاد ) 1/ 313 - 314 , والخبر منكر لا يصحُ .

كلها عن طرق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار .

أما مالك الدار , فهو مالك بن عياض ويقال الجبلاني مولى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . كما ذكرهُ غير واحد من أهل الجرح والتعديل ولعلنا نبين العلة في الحديث ونوضحهُ أكثر فأكثر سائلا لمولى عز وجل أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنهُ وأسأله تعالى لنا ولكم التوفيق في بيان الحق فكم من دليل إستدل بهِ القبورية كان ساقطاً على رأسهم .

ترجم له البخاري في التاريخ الكبير ( 7 /304) , ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً !
وابن ابي حاتم في الجرح والتعديل (8/213 ) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً أيضاً
!
وقال عنه الحافظ المنذري في ( الترغيب والترهيب ) : ومالك الدار لا أعرفه .ا.هـ

وقال أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/287) : " ضعيف " أهـ .

ذكرهُ إبن حبان في الثقات , ذكر إبن حبان رحمه الله تعالى للراوي في الثقات لا يعتبر توثيقاً وهكذا نص غير واحد من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين , وهذا مصطلح معروف عند أهل العلم والدراية بالحديث , ولعلني اورد ما قيل في منهج إبن حبان رحمه الله تعالى في كتاب الثقات , وهل يستقيم ذكر إبن حبان للراوي في " الثقات " دليلاً على التوثيق وهل يثبت هذا الأثر الذي تمسك بهِ أهل البدع بالنواجد وحاولوا تصحيحهِ منكرين النصوص الحديثية وهم أجهل الناس بها .

قال ابن حجر في مقدمة ( لسان الميزان ) 1 / 208 طـ المطبوعات الاسلامية : وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان , من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه , كان على العدالة إلى أن يتبين جَرحه , مذهب عجيب , والجمهور على خلافه . اهــ . وهذا الثابت كما عند الجمهور من أهل العلم .

وقال الذهبي - رحمه الله تعالى - في " الميزان " ترجمة عمارة بن حديد ، عن صخر الغامدي : مجهول كما قال الرازيان , ولا يُفرح بذكر ابن حبان له في الثقات , فإنّ قاعدته معروفة من الاحتجاج بمن لا يعرف .اهــ

وقد ترجم الخليلي في ( الإرشاد ) لمالك الدار 1 / 313 فقال: مالك الدار مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه تابعي قديم , متفق عليه , أثنى عليه التابعون , وليس بكثير الرواية .اهـ

فقوله هذا يدل على عدم ( َسبره ) لرواية الرجل , ومن قبله ابن ابي حاتم , والبخاري ( فتأمل ) وقد قال- الخليلي- عقب إيراده لهذا الأثر :" يُقال إن أبا صالح سمع مالك الدار هذا الحديث , والباقون أرسلوه " . وتصديره الكلام بـ ( يُقال ) مُشعرٌ ( بعدم ثبوته عنده) ! وكلامه متجه لعدالة الرجل دون الضبط . وقد يتكلم الجاهل في سكوت البخاري رحمه الله تعالى عن ( الراوي ) ويقول أن هذا ليس بجرح إلي الراوي وهذا من الجهالة بمكان , وضعف في مصطلح الحديث لا يقولهُ إلا ضعيف .


قلما الإمام البخاري ترك بيان الجرح وهو مجروح ولو قال قائل من سكت عنهم البخاري فهم غير مجروحين عنده وإنما هم عدول وإحتمل في القليل منهم أن لا يكونوا من المشهورين وهذا يدخل في حكم المستور وهذا الكلام يعتبر قول وجيه ولا يصح أن يطلق بتوثيق من سكت عنه البخاري بمجرد ذلك . وسكوت البخاري يعتبر جرجاً له . وإبن حبان من المتساهلين في الحديث .

قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى : عدم التسليم بصحة هذه القصة، لأن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط، وهذان شرطان أساسيان في كل سند صحيح كما تقرر في علم المصطلح، وقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/213) ولم يذكر راوياً عنه غير أبي صالح هذا، ففيه إشعار بأنه مجهول، ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه - مع سعة حفظه واطلاعه - لم يحك فيه توثيقاً فبقي على الجهالة، ولا ينافي هذا قول الحافظ: (...بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان...) لأننا نقول: إنه ليس نصاً في تصحيح جميع السند بل إلى أبي صالح فقط، ولولا ذلك لما ابتدأ هو الإسنادَ من عند أبي صالح، ولقال رأساً: (عن مالك الدار... وإسناده صحيح) ولكنه تعمد ذلك، ليلفت النظر إلى أن ها هنا شيئاً ينبغي النظر فيه، والعلماء إنما يفعلون ذلك لأسباب منها: أنهم قد لا يحضرهم ترجمة بعض الرواة، فلا يستجيزون لأنفسهم حذف السند كله، لما فيه من إيهام صحته لاسيما عند الاستدلال به، بل يوردون منه ما فيه موضع للنظر فيه، وهذا هو الذي صنعه الحافظ رحمه الله هنا، وكأنه يشير إلى تفرد أبي صالح السمان عن مالك الدار كما سبق نقله عن ابن أبي حاتم، وهو يحيل بذلك إلى وجوب التثبت من حال مالك هذا أو يشير إلى جهالته. والله أعلم.

وهذا علم دقيق لا يعرفه إلا من مارس هذه الصناعة، ويؤيد ما ذهبت اليه أن الحافظ المنذري أورد في "الترغيب" (2/41-42) قصة أخرى من رواية مالك الدار عن عمر ثم قال: (رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه). وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/125).

وقد غفل عن هذا التحقيق صاحب كتاب "التوصل" (41) فاغتر بظاهر كلام الحافظ، وصرح بأن الحديث صحيح، وتخلص منه بقوله: (فليس فيه سوى: جاء رجل..) واعتمد على أن الرواية التي فيها تسمية الرجل ببلال بن الحارث فيها سيف، وقد عرفت حاله.


وفي مغاني الاخيار (3/500) : " عيسى بن عبد الله بن مالك الدار: وهو مالك بن عياض، مولى عمر بن الخطاب، ويقال: عبد الله بن عيسى بن مالك، وهو وهم. روى عنه زيد بن وهب الجهنى، وعباس بن سهل بن سعد الساعدى، وعطية بن سفيان بن عبد الله الثقفى، ومحمد بن عمر بن عطاء، وآخرين. روى عنه الحسن بن الحر، وعبد الله بن لهيعة، وعتبة ابن أبى حكيم، وفليح بن سليمان، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وأخوه محمد بن عبد الله بن مالك الدار. قال على بن المدينى: مجهول، لم يرو عنه غير محمد بن إسحاق. وذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود، والنسائى فى اليوم والليلة، وابن ماجه، وأبو جعفر الطحاوى " وقد تقدم الكلام أن ذكر إبن حبان رحمه الله تعالى للراوي في الثقات لا يعتبر توثيقاً معتبراً لتساهل إبن حبان في توثيق المجاهيل .

ضعفهُ علي بن المديني , والرواية ليست بمشهورة حتى ناهيك عن جهالة مالك الدار وعدم ثبوت طلبهِ للعلم , فالرواية مردود لأن الأشاعرة يعتقدون بعدم العمل بخبر الآحاد في العقائد كما هو ثابت ومعروف عند أهل العلم , بل إن الخبر لا يعتبرُ بهِ في الإستدلال لضعف الرواية ولا يستقيم إقامة الحجة بهذا الخبر إلا أن النصوص يجب أن تفهم فهماً دقيقاً .

فالإنفراد يكونُ فيه نظر من الثقة , فكيف بمثل من لم يعرف لهُ رواية أو خبر , ناهيك عن وجود سيف بن عمر الضبي وهو عمدة في الكذب والإفتراء أجمع المحدثون على ضعف سيف بن عمر الضبي , كذلك الحديث جاء عن [ الاعمش عن أبي صالح ] والأعمش رحمه الله تعالى مدلس مشهور , ولم يصرح بالسماع في هذا الباب , ولو صرح لكان في السند مقال حتى فهذا حديث مسلسل بالعلل , وقد نقل أهل العلم الإجماع على ضعف سيف بن عمر الضبي وهو في إسناد الحديث , ولعلنا نكمل الكلام على مالك بن عياض المعروف [ بمالك الدار ] وهل إنفرادهُ يعتبر مقبولاً فمالك الدار لم يكن بالمشهور والمعروف عند أهل العلم , وفي حين أن أهل العلم إن تفرد الثقة بخبر نظر في تفرد الثقة لأنهُ خالف , ومالك الدار تفرد بهذا الخبر وهو ليس بالمعروف حتى فإن تفردهُ كذلك علة تقدح بالحديث لأنهُ خالف ما هو ثابت في الأصول من دعاء الله تبارك وتعالى .

قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال (22/624) : [ علي بن المديني مجهول لم يرو عنه غير محمد بن إسحاق ] فمالك الدار مجهول عند إمام العلل علي بن المديني , وذكرهُ إبن حبان دون أن يترجم لهُ وقد علمنا أن إبن حبان متساهل فوثق المجاهيل , ومن يوردهُ إبن حبان في كتاب الثقات بدون أن يترجم لهُ فهو مجهول ووافقهُ بذلك بن المديني وأبي حاتم الرازي فقد ضعفوهُ وجعلهُ إبن المديني .

هذا ما أعلمهُ والله تعالى أعلى وأعلم .

أبو عبيدة الأثري 1432 هجري
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس