القيم الاسلامية الجزء الحادي عشر بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيد الأمة محمد نبي الرحمة وآله وصحبه . وبعد هل المساواة في القيمة الإنسانية ينافي التفاضل بين الناس ؟
التفاضل لا يمكن أن يقع في أصل النشأة والتكوين ، بأن يكون هناك فرد أفضل من غيره ، أو جماعة تفوق غيرها بحسب عنصرها الإنساني ، أو انحدارها من سلالة معينة ، بل إن آدم - عليه السلام وهو أول إنسان وجد على وجه الأرض - يساوي آخر إنسان ينفخ فيه الروح في تلك القيمة الإنسانية . فالتفاضل لا يجري فيما لا يملكه الإنسان كالخلق والتكوين ، وإنما يقع فيما يملكه ويندرج تحت قدرته وطاقته ، كفعل الخيرات وترك المنكرات ، فالإيمان بالله تعالى والصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوه من الأعمال الصالحة ، كلها أعمال يستطيع الإنسان القيام بها ، وأداءها على أحسن وجه ولذلك صح التفاضل فيها بحسب عمل كل واحد منهم وأدائه لها . قال الله تعالى : { يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ولهذا فضل المسلم على الكافر لأنه أتى بالأعمال الصالحة التي يريدها الله تعالى ، قال تعالى : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ
بل إن التفاضل في العمل يجري أيضا بين المسلمين أنفسهم كما قال تعالى : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا } كما امتد هذا التفاضل أيضا إلى الأنبياء والرسل ، فكان بعضهم أولى من بعض ، وأعلى درجة من بعض ، قال تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } فتفاضلهم ليس واردا على أصل خلقتهم وانتمائهم الإنساني ، ولكنه وارد على الأعمال الجليلة التي قاموا بها والرسالات السماوية التي تحملونها ، فمن بعث إلى قومه خاصة ليس كمن بعث إلى الناس كافة .
كيف تكون هناك مساواة وقد خلق الناس مختلفين أمة وشعبا ، ولغة ولونا ؟
نعم هذا الاختلاف موجود كونا ، وليس بمرعي شرعا ، فهو اختلاف تصنيف وتنويع للدلالة على قدرة الخالق جل وعلا ، الذي يتصرف في مخلوقاته كيف يشاء ، وليس اختلاف تفرق وعداء ولهذا وردت الحكمة من هذا الاختلاف ، في نفس الآية (ليتعارفوا) أي أن الاختلاف الكوني وجد ليتم بين الناس التعاون والتآلف ، والتآزر لمصلحة إنسانيتهم ، فيسعى كل واحد منهم لعبادة ربه وخالقه ، ومنفعة نفسه وبني جنسه فتنمو الإنسانية وتسعد بما يقدم لها أبناؤها من مواهب وقدرات إنمائية وحضارية وثقافية .
ب-المساواة أمام الشريعة :هذا ما سنكتسفه غدا بحول الله وعونه والسلام |