الطريق الثالث : من حديث أبي شعبة , اخرجهُ إبن السني في عمل اليوم والليلة حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي ، وعمرو بن الجنيد بن عيسى ، قالا : ثنا محمد بن خداش ، ثنا أبو بكر بن عياش ، ثنا أبو إسحاق السبيعي ، عن أبي شعبة ، قال : كنت أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما ، فخدرت رجله ، فجلس ، فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك . فقال : " يا محمداه فقام فمشى " قلتُ : وهذا الحديث ضعيف الإسناد , عمرو بن الجنيد بن عيسى [ لم أعرفهُ ] وفيهِ أبو إسحاق السبيعي [ مدلس مشهور وقد عنعن في الحديث ] , ومحمد بن إبراهيم الأنماطي قال أبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل (7/187) : [ أدركتهُ ولم أكتب عنهُ ] , والحديث أخرجهُ غير واحد من أهل العلم من طريق [ الهيثم بن الحنش ] وقد تكلمنا في هذا الحديث ومن أخرجهُ بهذا الطريق في الكلام أعلاه , وأما [ عبد الرحمن بن سعد القرشي ] يحيى بن معين [ لم يعرفهُ ] ونقل ابن حجر توثيق النسائي ولم يثبت أن النسائي وثقه أو أخرج لهُ حتى في السنن , وأما سفيان الثوري وإن كان سمع من أبي إسحاق قبل الإختلاط , فإن أبي إسحاق مدلس وقد عنعن وإسرائيل سمع منهُ الحديث قبل الإختلاط , فلا يصح الاثر حتى بهذا الطريق , وقد حاول الصوفية والمبتدعة تصحيح الحديث للإستئناس , وهذا لا يصح ولا يثبت بل إن كانت رواية سفيان قبل الإختلاط فلا تصح وما اخرجهُ العلماء بنفس الإسناد أيها الجهلة وفي الإسناد ضعفٌ شديد .
فالقول بأن الاستئناس بالموضوعات هو لأهل الأهواء والبدع فيه مجازفات.
الأولى أن السير التي ليس فيها إسناد تعد من الموضوعات.
الثانية أن الضعيف لا يحتاج له أبدا.
الثالثة أن الأثر المذكور لا يصلح للاستئناس وينبغي أن لا يروى.
وهذا خطأ، فليس كل ضعيف الإسناد لا يحتج به.
ففي السير الأمور أسهل.
وانظر إلى أسانيد السير، فمثلا تجد ابن لهيعة عن أبي الأسود، هكذا بغير إسناد.
والزهري يسرد السير سردا في مواطن بغير أن يحدث عن أحد.
وعروة بن الزبير كان يحكي الكثير من السيرة حكاية بغير إسناد.
فطالما أنه ليس هناك حلال وحرام، وليس هناك مخالفة فالأمر أخف.
ودونك كتب الأنساب واللغة والسير، يكتبها أئمة المسلمين ويستشهدون فيها بأشياء بلا أسانيد، وبأسانيد واهية.
فإن كان أئمة المسلمين الذين دونوا هذه الدواوين لم يفهموا الأمور على نصابها، فهذه مصيبة.
وإن كانوا فهموا واستأنسوا بهذه الأمور، فلنا فيهم أسوة.
والواقدي علامة من أئمة الناس في زمانه، ولتراجع ترجمته في سير أعلام النبلاء.
فالضعف ليس مرتبط دوما بالإمامة، فابن لهيعة إمام أهل مصر في عصره وهو ضعيف الحديث.
وأهل البدع يحتجون بما لا يصح، وبين الاحتجاج والاستئناس فرق.
الاستئناس في مسائل السير والمغازي سهل.
ولو لم يكن فيها إسناد.
وأئمة المسلمين الذين كانوا يهتمون بالأسانيد ويحفظونها حفظا كالزهري وعروة بن الزبير، رووا الكثير من السيرة بغير أسانيد.
فالزهري كان مثلا يسرد أسماء البدريين ورواها عنه أهل السير، وروى الكثير من السيرة، وانظر كم نقل ابن إسحاق عن عروة بن الزبير بغير إسناد.
بل انظر لسيرة ابن إسحاق وهي ديوان من دواوين المسلمين في السيرة، وكم روى فيها بغير الإسناد.
وانظر كم نقل عنه البيهقي في دلائل النبوة، وكم احتفى العلماء بنقل كلامه غير المسند وكلام الواقدي وغيرهما.
وهم يروون وقائع في زمن النبوة تحتاج لأسانيد وإلا صارت مرسلة.
فالاستئناس بالضعيف ليس لأهل البدع.
بل الاحتجاج بالضعيف هو كلام أهل البدع.
وبين الاحتجاج والاستئناس فرق.
أبو عبيدة الأثري 1432.