عرض مشاركة واحدة
  #106  
قديم 02-24-2014, 02:13 PM
 
.
.
.

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



الموقف الثاني : حادثة و حريق




لدقيقة كاملة .. لف العالم حولي سكون ليس له مثيل ..
لدقيقة كاملة ... بدا أن ألوان اختفت و الأصوات تلاشت و الحركة قد توقفت ..
لدقيقة كاملة ... بقيت جامدة مكاني و بصري مسمر على الجسد الصغير الغارق في دمائه ..
لدقيقة ... تمنيت لو كنت أنا الملقاة على أسفلت الشارع الخالي ، محطمة دون حراك ...

لقد كانت تلك غلطتي .. كان ذنبي ..
لم يخطر لي يوما في أسوأ كوابيسي أن أقف هذه الوقفة ..
كنت أعلم أني شاحبة ، أن أنفاسي تغادر صدري بصعوبة ، و أن عيني المتسعتان تحترقان بدموع لم تذرف ...

كابوس ... كررت في ذهني علني أصحو فجأة فأجدني في غرفتي .. هذا كابوس ..

كان ذلك لدقيقة .. اندفعت بعدها خارجة من السيارة و هرعت إلى الجسد الصغير المدمى و الملقى على الأرض ..

قرع قلبي كطبل مجنون و أنا أجلس على ركبتي أمامه متفحصة ..
حاولت أن أتذكر ما أعرفه عن الاسعافات الأولية لكن ذهني كان خاويا تلك اللحظة .. مشلولا من الرعب ..

أرجوك لا تمت .. أرجوك ..

توسلت في داخلي بينما أدير وجه الصغير لناحيتي .. كان رأسه ينزف و قد شكل بركة دماء حوله ،
و بدا نائما بسلام ،
كانت عيناه مغمضتان و وجهه الجميل ساكن و شاحب كالأموات ...

أرجوك لا تمت ...
توسلت بداخلي من جديد أثناء محاولتي الخرقاء للتحقق من نبضه ..
فقط لأنفجر باكية من فرض الارتياح حين وجدته ينبض حيا ..
أن الطفل الصغير و حرك دون وعي رأسه الذي اسندته على ذراعي بكل رفق ،
فشعرت بشيء من التعقل و ضبط النفس يعود إلي ..

حملته بكل انتباه و حرص في حال كان يعاني من كسور ما ..
و لم أجد صعوبة في نقله إلى سيارتي فقد كان صغير الحجم .. في الخامسة أو السادسة ..

وضعته على المقعد الخلفي .. و أغلقت الباب ،
ثم جلست خلف المقود لأتحرك بالسيارة التي لم أكن قد أوقفت محركها ..

شعرت أنني سأتمزق و أنا ألف بالسيارة مسرعة إلى المستشفى ...
المصائب تتوالى ..
لو لم أكن مسرعة إلى ذلك الحد ..
لو لم أكن خائفة و مفزوعة من الإتصال الذي أخبرني عن الحريق ..
لو لم ... إلهي .. أنا آسفة ... آسفة ..

شرعت عيناي تدمعان من جديد ..
لم أكن أريد البكاء ... ليس بعد ... أنا لا أعرف ما حدث ..
و إن احترق البيت .. قد تكون عائلتي بخير .. ربما لم يمسهم سوء ..
لم أكن سأصنع شيئا بذهابي إلى هناك ..
لم أكن سأحول دون المكتوب ..
رحت أحاول اقناع نفسي بذلك و أنا أتجاوز الشارعين الأخيرين بسرعة ..

لم أكد أترجل من السيارة أمام باب قسم الطوارئ حتى صحت لرجل و امرأة كانا بزي التمريض واقفين عند الباب طالبة المساعدة ..

و بتمرس و حرفية شديدة .. تم العمل على أخذ الطفل سريعا عبر سرير نقل متحرك إلى داخل المستشفى ..
لحقتهم على طول الممرات حتى غابوا عن ناظري داخل إحدى الحجرات ..
لم يسمح لي بالدخول ..
و لم أكن واثقة ما إذا كنت أريد الدخول حقا ..
لم أرد أن أراقب الطفل وهو يموت ..
لم أعتقد أني سأتحمل مشاهدتهم يقومون بإنعاشه ليخفقوا في النهاية ..
و لم أظنني قادرة على تحمل خبر وفاته .. و أن أكون أنا .. السبب ..

كل شيء بدا غير حقيقي .. سيئا إلى درجة لم أستطع تصديقها .. كيف بدأ هذا النهار سعيدا و انحدر فجأة إلى هذه الفظاعة ..
جلست لساعات على مقعد قريب أنتظر و رأسي بين يدي ..
يائسة كمن ينتظر حكم الإعدام ..
فكرت أن هذا غير حقيقي .. كابوس غير حقيقي ..
و بمرور نصف ساعة أخرى كنت قد عدت أبكي بشدة ...
كنت أعلم أن علي الإتصال لأعرف أي شيء عن أهلي لكني لم أستطع ..
شعرت بالخوف و لم أستطع ..
نجاة ذلك الصبي .. وحدها قد تزيل الجبل الجاثم على صدري في هذه اللحظة ..
فبقيت أنتظر .. و أدعو ..


.
.
__________________




افتَقِدُني
music4