اولاً اعرفكم بشخصيات هذا الفصل والفصل السابق
الاسم : كين
اللقب المشهور : السيد كين ، المتبختر
العمر : 30 عاماً
النوع : سيفيليا
القدرة : استدعاء الاسلحة
الاسم : جورج ويليامز
العمر : 26
النوع : سيفيليا
القدرة : فصل جزء من العالم عن الواقع
الاسم : اراكادي سويلفينز
العمر : 22
النوع : سيفيليا
القدرة : الرؤية من خلال كل شيء
الاسم : الفريد
العمر : 23
النوع : سيفيليا
القدرة : مجهول !
الفصل الثاني : .. احتواء لما بين سدود الحياة – الفرق بين الوحوش والبشر ..
كلما استيقظ كياننا في ليلة مطيرة مدلهمة سمائها ، نغطي انفسنا خائفين من جنبات الحياة
شقوق الجدران المتصدعة و اصوات دوي الرعد الذي شرخ السماء القاسية
يجعلنا نحن البشر " خائفين "
وحالما نتمرق في الوحل ويندلق الكأس الماسي من ايدينا ، قد لا يتحطم
ولكن جزءاً منا يطوى بين صفحات السكون ويلقى بين اشلاء الماضي
وفي فوهة زمنية خالية من كل لمحة حياة .. يطغى الفراغ
نترك انفسنا ضحية للوحوش اسفل فراشنا وننسى ان فوقنا يقبع الحمى الاكبر
ولكن حالما يتوقف الناس عن البحث عن الوحوش اسفل فراشهم
يعرفون امراً كان مسدلاً بستار لا ينبئ إلا بكارثة تعصف بكينونتنا عصفاً مهولاً
لنعرف ان الوحوش ما كانت تحت فراشنا ، لقد كانت البشر من حولنا !
{ مملكة هيستوريا : مدينة هيفين : وكالة " هاينهرفورد " : الثانية بعد منتصف الليل }
عسعس الليل بعباب معمعة المحيط القريب من الوكالة ذات المبنى السامق
وعلى اطراف المبنى الذي دجاه الليل البهيم بظلمة جثمت كل شيء من حوله
ضوءٌ واحد اخترق الظلمة نابعاً من غرفة انحدرت على زوايا البناية الهادئة
داخلها قبعت شارلوت بعنجهيتها التي لطالما كانت محور شخصيتها ذات النقد اللاذع
متكئة على اطراف فراشها وهي تقرأ كتاباً ما ، رغم ان روحها لم تكن حاضرة في اوج اشتداد احداثه المثيرة
دنى منها ذئبها رمادي الفرو الذي لمعت زرقة عينيه المائلة للبياض باحتداد بؤبؤه المرعب
انتبهت على وجوده لتغلق الكتاب وتضعه على المنضدة المجاورة لفراشها ، شبح ابتسامة ارتسم على ثغرها لتمد يدها وتمسح على رأسه مرددة بهدوء
- تشعر بها اليس كذلك آلكوت ؟ ، تلك الهواجس التي تنبأ بمستقبل احمر !
ما كان منه الا ان زمجر بعصبية ليوافق على كلماتها المترددة في ثنايا اختلاجات مشاعرها
اغمضت عينيها بتفهم ، ثم صوبت ناظرها ناحية النافذة التي طرق الهواء زجاجها و اصدر صريراً ما كان إلا رعباً على من لا يعرف الامان
زفرت الهواء من رئتيها لترمي بجسدها على الفراش وتغط في نومٍ عميق لم تشعر فيه بحركة عقارب ساعة القدر التي تسير عكس ما يتمناه الجميع
اقترب آلكوت منها وارتقى الفراش ليستلقي بجانبها مقترباً منها حتى يدفئها بفروه ويبعد البرد عن جسدها الجليدي
خارج هذا السكون الذي اطبق على غرفتها ، لاحت عاصفةٌ من الافق راعدةً بصرخة مستغيث في ظلمة ليالي الصراع مع النفس المتناقضة
هبَّ اعصارٌ في تلك الليلة ودمر ما كان ضعيف الاساس من البنيان و صدّع بعضها الاخر بقوة غضبه على سكان العالم الحديث
اقترب وقت الغسق و اختفت الرياح التي كان حفيفها رمزاً لكارثة ستولد من بكاء مظلوم مستغيث
حتى طلع الصبح ولكن بغيوم رمادية حجبت اشعة الشمس فما كان من الارض إلا ان تتسربل
برداء رمادي حتى تضاهي السماء كآبةً
فتحت عينيها بتململ وهي تشعر بانقباض غريب في صدرها ، تنبهت لوجود آلكوت بجانبها فدنت منه لتربت عليه وتترجل بعدها من فراشها حذرة
متقلبة المزاج هذه الايام بشكل مثير للقلق وفي نفس الوقت يدعو للحذر ، انهت استعداداتها وخرجت من غرفتها الخاصة مارةً بالأروقة الساكنة بصمت ثقيل على القلوب
حتى وصلت الى غرفة السيد كين ، تنهدت وطرقت الباب بهدوء ليأتيها صوته الرجولي من خلف الابواب الموصدة قائلاً
- ادخلي
امسكت بمقبض الباب ليتناهى الى قلبها هاجس لم تستطع ان تعرف كنهه ، تناست الموضوع ودلفت الى الغرفة الواسعة التي تتوسطها اريكتان جلديتان باللون البني ، وعلقت على جدرانها لوحات ضخمة لفنانين معروفين ، وعلى الجانب الايمن كان المدخل لغرفة نومه الضخمة وعلى الجانب الايسر المطبخ الذي كان مكشوفاً على غرفة الجلوس الواسعة
وعلى الجدار الذي يقع على طرف الغرفة كانت نافذة احتلته فجعلت من المدينة لوحة على مرأى من عينيه
ابتسم بهدوء حينما شاهدها ، اشار على الاريكة المقابلة له فاتجهت ناحيتها وجلست مكتفة اليدين
اخرج علبة سجائر من جيب سترته و القاها عليها لتخرج واحدة وتشعلها بالولاعة التي كانت على الطاولة المتوسطة بين الاريكتين
نفثت من جوفها دخاخين الموت بهدوء وهي تشعر بنوع من الاقتضاب ناحية كين الذي لم يبدِ اية علامة على الحديث قريباً
فجأة خلع السترة السوداء و القاها جانباً ليشمر عن ساعديه ويتكأ بمرفق يديه على فخديه شابكاً يديه اسفل ذقنه بابتسامة ساحرة لم تؤثر في شارلوت
اردف بهدوء
- ما هو القانون الخاص الذي فرضته عليكِ ؟
ضاقت عيناها بقليل من السخرية ، اغمضتهما بعدها لتردد ببرود
- غير مسموحٍ لكِ استخدام القوة المورّثة
اختفت ابتسامته ليظهر جلموده الصلب على وجهه ويعتدل في جلوسه واضعاً قدمه على الاخرى وممداً يده على الاريكة وهو يضغط بأسنانه على السيجارة ليعقب بعدها بقليل من العصبية
- وقد كدتِ تكسرين هذا القانون
زفرت بحدة تعبيراً عن رأيها بأن نظرت اليها بعينيها العقيقيتين بقليل من الغضب الذي ارتسم على قسماتها لتعقب مرة اخرى بقليل من البلادة
- ولكن القانون يسقط ما ان يكون من حولي في خطر محدق
- اجل ولكنني كنت موجوداً اثناء ذلك الخطر !
- اذا ؟!
- اذا ؟! ما الذي تعنينه بـ اذا ؟! انتِ تعلمين اهميتك لدينا !
اتسعت عيناها بعض الشيء على جملته الاخيرة ، زمّت على شفاهها و اشاحت بوجهها عنه لتردف بنوع من النقد الممتزج بالانزعاج
- اجل ! من النادر وجود فتيات السيفيليا ! نادرون جداً حتى انهم يعدون على الاصابع ! وما دمت انا منهم فهذا يعني بأني فأر تجارب مملوك لهذه الوكالة
لم ُيبدِ أي حركة ، وكأنما هو توقع هذا التصرف العدواني من ناحيتها ، ابتسم ببلاهة ليظهر الغضب جلياً عليها ، وقف وسار ناحيتها بخطى سريعة حتى عانقها بشكل طفيف وردد بحنان
- كلا ! لأنك فردٌ من العائلة !
ربما جلبة المشاعر التي اكتسحت كيانها في تلك اللحظة كادت ان تصهر الجليد عن قلبها ولكنها ابعدته عنها غير آبهة بفتح اقفال صندوق مشاعرها ، فهي تركتها تتدفق بشكل طفيف حتى لا تصبح ممن يقتل بلا تفكير ، ولكنها لا تريد اعادة تفعيلها مجدداُ
لجة من الصمت كانت كفيلة بجعل موقفهما محرجاً في هكذا وقوف ، تنهد كين بقليل من الانزعاج وعاد للجلوس مجدداً ليطفئ السيجارة ويرخي رأسه على الاريكة بقليل من الارهاق
بدون ان تنظر اليه رددت
- تبدو مرهقاً
- اجل بعض الشيء
- تبخترك هو السبب
- لا تلمسي الكاريزما الخاصة بي ان سمحتِ
- لن افعل ، فقط نل قسطاً من الراحة
- سأفعل ، يمكنكِ الانصراف ان احببتِ
ابتسامة صفراء علت محياها لتخرج بعدها من الغرفة بهدوء ووقار ، سارت قليلاً في الممرات حتى شعرت بيد تمسك برسغها وتدفعها بقوة الى الجدار
استطاعت ان تتكهن بكينونة هذا البشري ، شعر كستنائي وعيون بلون القهوة ، قوامٌ ممشوقة و غرور واضح على المحيا
اظهرت نفورها من هذا الكيان و اعقبت
- سارة ! بحق الله ما الذي تريدينه مني ؟
اشتعلت عيناها غضباً وهي تنظر الى شارلوت باحتقار وتعالٍ ، اردفت بعدها صارخة
- الم اقل لكِ ابتعدي عن السيد كين ؟ ، محاولاتك في تملّكه لن تفيدك فهو لن يهتم بأمثالكِ ابداً !
قطبت حاجبيها على سفاهة من يقف امامها ، صوت متمايع ذو غنج لا يحتمل ، وحس موضة لا يقرب لعصرهم ابداً ، مساحيق التجميل لم تترك طبقة على وجهها إلا واحتلتها !
مجرد بشرية لا تمد لعالم السيفيليا بصلة !
امسكت بمعصم سارة بقبضتها القوية لتلويها بعض الشيء وتصرخ الاخرى من الالم وتبدأ الدموع بالتجمع في عينيها
اردفت بعدها بقليل من العصبية
- لا تحاول السباع صيد الارانب ان كانت آفة على معدتها ! لا تظني للحظة بأني سوف احاول الحصول على كين ! ، لستُ ممن يهوى الرجال بحد ذاتهم
افلتتها وتراجعت الى الخلف وهي تمسك بمعصمها بألم لتكمل نظرات الحنق على محياها وتعقب غاضبة
- انتِ وحشٌ لا يمد للبشرية ! اتمنى لو تم القضاء عليكِ قبل مجيئك !
فرّت بعدها هاربة من شارلوت التي ما كانت عليها إلا ان تتنهد مستسلمة للوضع الذي وضعت فيه قبيل ان تعرف ذلك
قطبت حاجبيها وهي تظهر علامات الشفقة على ملامحها لتستأنف سيرها وسط الهدوء في هذه البناية الكبيرة
{ مملكة ديستوريا : مدينة نيوز رايفن : مبنى ساينت كلاوس }
نُكستْ رايات الوحوش بعدما اشهروا سيوفهم منتصبين على ضواحي مدينة رايفن هيلز ، وفي وضمة عين كانت قدراً مسطوراً في كتاب الغيب ذبحوا جميعاً ولم يبقى منهم إلا اشلاءهم التي ملأت الساحة بلون الدم القرمزي
تنامت ابتسامته التي ما كان منها إلا ان تظهر نابيه الساغبين للدماء ، غطته الدماء من رأسه الى اخمص قدميه وهو يلعق ما تبقى على يده
التفت الى الخلف رامقاً رفيقه الوحيد " آلفريد " بابتسامة نصر ومرح
دنى منه ليضرب كتفه مردداً بسعادة
- وكما رأيت ، قتل المئات في ومضة عين قدرة لا يمتلكها إلا حاصد ارواحٍ حقيقي
ابتسم آلفريد ابتسامة صغيرة ليغمض عينيه مردداً بكسل
- لا تعتقد بأن الصقر يمكنه الصيد وسط الادغال الخضراء
زمّ آليفرتوس على فمه ببلاهة ليقول برنة طفولية
- ولكن ما بال الطائر الجريح بين جماعة الصقور ؟
ضرب آلفريد وجهه براحة يده وانطلق يسير وحيداً وهو يرثي على حال آليفرتوس التي تستعصي كلما تك عقرب الساعة بثانية تمر مرور الكرام
اما آلفيرتوس الذي تلاشت ابتسامته فجأة قد غدت قسمات وجهه صلبة قاسية وبلا مشاعر ، اردف بقليل من الحقد في قلبه
- وكما يضمر الشر في اغوار نفسه الحقيقة ، يرنو الخير على حفرة الهلاك فيسقط صريعاً بدماء من احبه يوماً
وضع يديه في جيبه ليسير نافذاً بين الجثث بهدوء وكأنما لا وجود لها على ارض الواقع
اسبغ تركيزه بذكرياتٍ قديمة كانت كل ما امتلكه يوماً ، وكل ما سيمتلكه لنهاية الدهر
فرقع بأصبعيه ليختفي فجأة من امامهم ويظهر امام بوابة ضخمة حالكة الدجى بسواده المهيب ليرتقي منتصفها نقشُ تنين ذهبي اللون ذي عينين حمراوتين
ابتعد بضع خطوات الى الخلف ليرنو على القلعة السوداء التي توسط موقعها سفحاً يلقي بمن عليه الى هاوية الهلاك والضياع
لم تكن تلك الممراتُ إلا مرتعاً للأطياف والأشباح ، وربما الارواح التي لا تستطيع العبور
للعالم الاخر ، نوافذها محطمة تقرع نفسها في الليل بفعل الرياح الهائجة وحالما
يدخل الهواء الى ممراتها تصدر صريراً تصم له الاذان و يرتعش الجسدُ منه خوفاً
و في الحديقة الخلفية لتلك القلعة ، كانت شواهد القبور الفضية التي لم يستطع
احدٌ ان يحصي عددها تشهد على ليلة مجزرة دموية حصلت قبل مئات
السنوات ليذبح فيها كلُ نبيل اتى للحفلة الملكية في يوم حصاد الارواح
كان بامكانه سماع اصوات الذين يعذبون في دهاليز القلعة من الطابق الثاني ، قلبه اسود ، قد يكون خلق من ظلمة العالم
وقد تكون الظلمة نفسها خُلقت منه ! كل ما يشعر به هو ذلك الشبح الملاصق له والذين
ما ان يستيقظ حتى يعلن عن بدأ ديمومة الرعب من جديد وتفتح على مصراعيها ابواب الجحيم
قد لا يفهم نفسه تماماً ولكنه لا يزال يمتلك بعض الاشياء التي يفهمها ، كالرغبة في الحصول عليها مثلاً !
لم يشعر به والا وقد وصل الى بابٍ خشبي متآكل من دندنة الزمن عليه ، دفعه بهدوء لتظهر السلالم
الحجرية المكسرة امامه ، رسم ابتسامة صفراء على محياه لينزل السلالم بهدوء وعلى اتم الراحة
حتى وصل الى الاسفل لتتناثر على وجهه قطرات دماء لا يعرف مصدرها ، كل ما عرفه هو
الالم الذي يشعر به من كان تحت رحمة حرارة السياط اللاذعة ، حدج اللذين يعذبون السجناء ببعض الازدراء
ومسح قطرات الدم من على وجه ليكمل سيره ناحية الزنزانة المطلوبة ، وقف امامها ليجد الرجل المكبل بالحديد مطأطأ الرأس وقد اعلن عن انكسار شوكته و اظهر الذل على وجهه بدموع حارقة
لم تحرك الكثير من المشاعر في داخل آليفرتوس الهادئ و غير المبالي ، كل ما يريده هو اماطة اللثام عن سرج الحصان الاصيل وامتطاء جناحي الصقر اللذين سيأخذانه الى ما يصبو اليه
رفع الرجل المكبل رأسه لتلمع في عينيه شرارة الحقد والكره على آليفرتوس ، بصق الدم من فهمه ليبدأ الكلام بصوته المخنوق
- واخيراً قرر الملك ان ينزل من على عرشه ليعرف احوال رعيته !
لا يستطيع ان ينكر انه لطالما احب طريقة كلام هذا الرجل ، ابتسم بهدوء ليعقب على كلامه قائلاً
- قررت التنازل عن عرش الفناء هذا والانتقال الى حكم عرش الشيطان
- كما هو متوقع من تجسيد الشر ، واثق ذو لسان لاذع
- ولكنك لا تزال تصبو لانتزاع قلب هذا التجسيد
- ما الذي تريده ايها الحقير ؟!
صمت آلفيرتوس للحظة ليبدأ السير بطريقة بلهاء بعض الشيء وهو يحك شعر رأسه وكأنما هو يفكر بما يريده ، حتى توقف ونظر الى الرجل بغباء و اعقب
- اريد مكان الترياق كيفين ! انتَ تعلمُ هذا
- قلت لك لا اعلم !!
- ان اخبرتني فسوف افرج عنك وادعكَ حراً
- لن اصدق اكاذيبك !
- وهل كذبتُ عليك من قبل ؟
صمت كيفين للحظات وتذكر حرارة السياط ، الجوع ، العطش والعذاب الذي وضع فيه
اغمض عينيه بألم وقرر ان يخون الامانة من اجل البقاء على قيد الحياة
فتح عينيه بقليل من الصعوبة بسبب الورم الذي تكون اعلى احديهما ليظهر ارتجافٌ على شفتيه وهو يردد بضعف
- ممكلة هيستوريا ، ساكوراجي هيروشي ! انت تعرفه اليس كذلك
الشرارة الحمراء التمعت في عيني آليفرتوس وظهر الغضب جلياً على ملامحه
شد على قبضته وهو يتذكر صاحب الاسم هذا وكيف عانى معه من قبل وجعله ذليلاً وعديم الانسانية
سرعان ما ابتسم بشرٍ عظيم ليقهقه مزمجراً في عتمة المكان ذي الاضاءة الزيتية الخافتة
- فهمت ! هيروشي اذا ؟! رائع سأتمتع بقتله بلا ريب
- والان حررني كما وعدت
توقف عن القهقهة فجأة ورفع احد حاجبيه بسخرية وازدراء الى ان ظهرت ابتسامته الصفراء جليةً على قسمات وجهه واهتز ثغره بسخرية قاتلة
اعقب بخبث
- في سرمدية العذاب انت باقٍ وفي جحيمك الذي تصلاه كل لحظة سوف تدوم صرخاتك وكما عهدني الشيطان من قبل بأن احمل الدماء في عروقه الى المستقبل ستبقى انت رهينة دهاليز الظلمة العظمى
اصفّر وجه كيفين وجفت شفتاه من آخر ريق كان يملكه ، التفت آليفرتوس مبتسماً بانتصار وهو يسير خارجاً ليسمع صرخة مدوية خرجت من جوف كيفين مضرم النيران
- آلفيرتوس ! اللعنة عليك
وقف آلفريد عن مدخل الدهليز بانتظار خروج آلفيرتوس منه ، وحينما شاهده وقف امامه مردداً ببرود وقلق
- استذهب الى تلك القارة ؟
- اجل
- وهل ستراها ؟
- لم اقرر هذا ... بعد !
ثم فرقع بأصبعيه ليختفي من امامه كما يختفي الشبح ان اراد
{ مملكة هيستوريا : مدينة والزميلن : السادسة مساءً }
اصوات البشر في ازدحام الطرقات ، نحيب بعضهم ، بكاء وصراخ وحتى الضحكات
كانت كلها مصدر إرباكِ تركيزِها, المَسكوبِ بسخاء على مراقبة الرجل الاكثر شهرة في مجال علم التوريث
مختبأة في زقاقٍ مظلم وهي تراقب من بعيد ، قبل بضع ساعاتٍ جاءها جورج حاملاً ظرفاً خاصاً من رئيس الوكالة الاعلى موقعاُ باسمها لتراقب ساكوراجي هيروشي عن كثف
غير عالمة ان الاقدار قد تجمعها بمن لم تره منذ سنواتٍ سحيقة
انتصب جورج امامها وعن يسارها وقف ابن خالتها اراكادي بلا حراك وهو يضمد جروح شجار خاضه منذ بعض الوقت
هذه المسرحية الشكسبيرية التي ما ان يسدل الستار عليها حتى تعرف حقيقة زيفٍ تتلاعب به عقولٌ مستأذبة ، هجينة وموبوءة
ولكنها ما ان تعرف الواقع المرير هذا حتى تزداد تعلقاً بمن يراه الاخرون مجرد شيطان مديد خلق لاجل الدمار فقط
وكما تحيك العناكب خيوطها الواهنة ، اضنى الزمن على اعمار من كان يوماً شاباً صغيراً ليهرم ويغدو شيخاً يحكي قصص عالمٍ خيالي كان فقط من باب الترفيه عن حروب التنكيل التي خاضوها
- آفة الفضول قاتلة !
التفت كلٌ من جورج وآراكادي اليها بقليل من التعجب حينما قالت تلك العبارة ببرود جليدي معهودٍ منها
اقترب الاخير منها متفحصاً حتى وضع يده على جبينها ليستشعر دفئها
ابتعد بعد برهة لينظر لجورج بغباء ويردد
- سالب مئة وخمسين تحت الصفر ، لا جديد
تنهد جورج بملل وقال
- هكذا اذا ، ظننت لوهلة بأنها اصيب بالحمى ، لكنتُ دعوتُ الجميع على الغذاء احتفالاً بهذا
اغمض اراكادي عينيه بخيبة امل ولكم نفسه بقوة ليصرخ بانزعاج
- لا اصدق بأني قريبٌ لهذه الفتاة ! يا الهي مما صنعتي ؟ ، اعتقد بأن الجليد كان ليتبرأ من برودك هذا ! اغضبي يا فتاة ! اغضبي وشاجري !
لم تهتم لما قالوه بل انهمكت بقراءةِ كتابٍ كانت تحمله معها اينما ذهبت ، شعرا بالقليل من خيبة الامل حينما ادركا عدم اهتمامها لهما
سرعان ما اغلقت الكتاب و هي تصب بصرها ناحية الظلمة التي يختفي خلفها الزقاق
كيان شاحب اللون سار امامهم فجأة ليسقط الكتاب من يديها لارتطامه بها
ومن رحم الظلمة ضجّ هسيس وحشٍ دغلي تُظلله اخيلة الليل البهيم
تراجعت القَهقُرى الى الخلف حذرة وهي تشعر بألفة هذه الهالة القوية المتجهة ناحية شباك العنكبوت الضعيفة
اعطت اشارتها بسرعة فركضوا جميعاً ناحية منزل هيروشي القابع على قارعة طريقٍ ريفي عادة ما يكون مزدحماً في هذا الوقت من السنة
احاطوه من ثلاث جهات وشعروا ببعض القلق لان المنزل كبير مقارنة بالمساحة التي يجب تمشيطها !
نظرت لآراكادي بصيغة امر فأغمض عينيه ليبدأ رؤية ما داخل المنزل كافة ، شاهد هيروشي مستلقياً على اريكته منهمك في تلاوة شيءٍ ما ولم يجد اثراً لاي شخصٍ آخر
هز يده نافياً ولكنها لم تخفت من استعدادها للزهد بكل ما تملك من اجل انجاز المهمة
اعادت النظر الى جورج الذي وقف بلا حراك وهو يصنع حاجزاً غير مرئياً يخفي الاحداث عن ناظري الجميع
- انا اؤمن بخلود الروح ، وكما الرياح تجري في ملتقى السحاب اعلم ان الغسق يناجي الاصيل وان رقاد اللهيب ليس الا علامة على استسلام البشرية لطغيان ورجحان الحروب !
فهما مقصدها من العبارة ، تراجعا الى الخلف بحذر متأهبين للانقضاض على أي شيء يحومُ حول المكان
توقعت ان يحدث شيءً كهذا ! فهذا البروفيسور طالما كان مستهدفاً من قبل القتلة والمرتزقة
عذب الكثيرين واجرى تجارب بشرية محرمة ، حتى انتهك حرمة الاموات وصوَّت للدعة على العفة والنزاهة
اعتملت في داخله فكرة الانتقام من الذين اوقفوا مشاريعه ولكنه فشل في هذا وعاد الى الريف حيث اراد ان يستكمل ابحاثه في الخفاء غير آبه بمعرفة الوكالة بأمره !
مذُ ان وقفت على عتبة بابه ارادت سحق رأسه والتخلص من شروره ولكنها فضلت
ارتداء لباس الغفران على محياها حتى لا تغدو مثله ، وحشاً سلخ جلد الانسانية عن لحمه !
نظر اليها اراكادي ببعض القلق المتسم بحماسة طاغية لرغبته برؤيتها تقاتل ، ولكنه ما ان شاهد نظراتها حتى تراخى حماسُه تجاهَها رويداً إلى استنتاجاتٍ غير مُريحة له... غير مريحة إطلاقاً
فقدوا الشعور بالخطر بعد برهة ، استقاموا وقرروا العودة ناحية الدجى
فربما كان ذلك الخيال مجرد وهم اطبق على متنفس عقولهم من التوتر الذي كان يجابه ارواحهم
لم يعرفوا الى الان قلقاً عادياً ، قلق من عدم الوصول في الوقت المناسب للعمل ، او القلق من عدم انجاز الواجب المدرسي
لم يعرفوا هذه الانواع من القلق فجل ما عرفوه هو القلق على ابقاء حياتهم اطول مدة ممكنة
حالما ابتعدوا عن المنزل حتى سمعوا صوت دوي تفجير صمَّ آذانهم فجأة
التفتوا جميعاً الى الخلف ليروا جزءاً من المنزل وقد انهار تماماً بفعل الانفجار
عضوا على شفاههم فأزمعوا ناحية المنزل عزل السلاح كما حالهم دائماً ولكنهم توقفوا حينما شعروا بسمومية النيران التي تشتعل حية في المنزل وتأكله حتى تحوله رماداً منثورا
تحولت عينا شارلوت الى الابيض لتصرخ بقوة
- اخمدي !
اخمدت النيران لوحدها بعد كلمتها ، اسرعوا ناحية المنزل ليدلفوا اليه قلقين من تأخرهم
راحوا يبحثون عنه في احتدام الضوء الناري في زوايا بصرهم وهم غير قادرين على ادراك ماهية من فجر المكان
المشكلة تكمن في كونهم لا يستطيعون استخدام عناصر الطبيعة في صالحهم فقدراتهم تقتضي التجسس فقط وليست متطورة لدرجة القتال ، تراجعا الى الخلف خارجين لجلب النجدة لانهما لن يفيدا في القتال الحالي وقواهما قد اخمدت الى النصف
فيما عدى شارلوت التي تستطيع القتال بفضل قدرتيها الفريدتين واللتين لا يوجد من يحمل قدرتين غيرها وغير شخصٍ واحد آخر
توقفت لتحيل عينها الى البياض مجدداً وتردد
- امطري
تبلدت السماء من فوقهم بالسحب وبدأت تمطر غزيراً فوق المنزل الذي لم تقبل نيرانه ان تخمد بمياه عادية
زمّت على شفاهها واكملت السير حتى وصلت الى غرفة المعيشة في سطوع نيران الحرب هذه
وجدت هيروشي مستلقياً قريباً من الموت اختناقاً ، ذهبت اليه مسرعة لتمسك به من كتفيه و تنظر اليه متسائلة عن حاله ، رغم ان فتلة الانتقام داخلها كانت اقوى الا انها ارادت ان تكمل مهمتها على اكمل وجه
فتح عينيه بارهاق شديد لينظر اليها ويصدم ، دفعها بعيداً ليسقط على الارض ويتراجع زاحفاً الى الوراء
قالت بصوتٍ مهزوز الكيان
- شارلوت ماكفير ! يا الهي لا تزالين حية !
كانت النيران تكبر من خلفها غير آبهة للمياه التي تسقط عليها من السماء ، اقربت منه لتعقب بصوتٍ خالٍ من المشاعر
- اجل شارلوت ماكفير بشحمها ولحمها
- مستحيل ! حاملة قوى هاديس على قيد الحياة ! من المفترض ان تموتي بعدما حقنتِ بالقوة !
- اجل هذا ما ظننتموه ولكنني في النهاية مسخ صنع كي يلبي رغبات الانسان لهذا اكملت مسيرة حياتي
متزمتة وفاقدة الارادة ، طاردة لكل ما يختلج صدرها من مشاعر ، ملكة الجليد المصنوعة من الصقيع !
هذه الفتاة الحديدية التي شابهت عذارى الاغريق في الجمال والهيبة ، ما كان عليها الا ان تتحدث حتى يعلم هو كينونتها الحية
اقتربت منه ودنت الى مستواه لتمد يدها وتردف بعدها قائلة
- هاديس طلب من افروديت رقصة اخيرة قبل ان يدخل لساحة الميدان النهائية ، وكما اعلن السلام على العالم السفي اعلنه لك و اطلب منك القدوم معي حفاظاً على حياتك
رغم خوفه منها وعدم رغبته في امساكِ يدها الا ان اصوات الانفجارات فيما حول المنزل ارعبته اكثر ، وجعلت قلبه يهتز خافتاً من رعب الاجواء
مد يده لها بسرعة ، الرجل الستيني ضعيف البنية ، متوسط المنكبين ، الشّيب المُكلِّلُ شعرَهُ و الشارِبَين
حالما ساعدته على الوقوف حتى سقطت كومة من الاخشاب الضخمة من سقف المنزل ، دفعت الرجل بعيداً وتراجعت هي الى الخلف
قالت بحدة
- اجمدي مكانك !
عُلقت الاخشاب في الفضاء طافية بلا حراك ، اقتربت مرة اخرى من هيروشي الماثل بخوف تحت قدميها ، حتى جثى على ركبته راجياً منها ان تنقذه
- ارجوكِ ! ساعديني لقد اتى من اجلي !
- من ؟
- آلفيرتوس !
اشتدت حمرة عينيها فجأة وبان ناباها الساغبان للدماء بابتسامة شيطانية ، ولكنها سرعان ما اخفتها وامسك بالرجل لتساعده على الوقوف مجدداً
استرسلت في الحديث قائلة
- سوف اخرجنك من هنا ان اخبرتني بمراد آلفيرتوس منك !
توتر هيروشي وبان العرق على وجهه من حرارة النيران ومن خوفه من هذا السؤال ، ازدرء ريقه ليردد بصوت مهزوز
- ترياق القوى المورَثة !
- ماذا ؟!
- صنعتُ ترياقاً حتى ازيل القوى المورّثة وقد اتى لاخذه
عرفت خطورة الوضع فامسكت بيد هيروشي وسحبته معها ناحية الباب
ولكنها توقفت حالما سمعت صوته الشاهق ، التفتت لتشاهد تلك اليد تخترق رأس هيروشي وتنتشل بالاخرى شيئاً من جيب سترته البيضاء
زجاجة تحتوي سائلاً اسود مظلم الكينونة ، تهاوى جسده في الهواء حتى سقط على الارض صريعاً بدمائه
رفعت بصرها بصدمة لتراه واقفاً امامها ، مبتسماً بهدوء وهو ينظر اليها باشتياق وخبث شديدين
تراجفت يدها من الصدمة لتردد بلا تصديق
- آلفيرتوس !
- شارلوت !
تراجعت القَهقُرى ، ولكنها اصبحت تشعر بشعور الكسيح الغير القادر على الحراك ، اقتربت منها تلك العينان الفيروزيتان ليمسك صاحبهما بخصل من شعرها الابيض ويقبله في هدوء
ريثما لمعت رغبة قتلها في عينيه الزرقاوتين ، اقترب منها وهمس في اذنها بعبارة ما
ابتعد عنها بنفس الابتسامة ليفرقع بأصبعيه ويختفي من امامها فجأة
وقف شعر رأسها من الغضب الدفين لتصرخ بحدة كاسرة ضجيج النيران المستعرة
- آلفيــــــــــرتوس !!!
الدمى مجوفة ، خالية من الروح والحياة والشعور
ما ان تبدأ في تحريكها حتى تصنع منها قصة تتمحور حولها حياة اشخاصٍ كثر
وكلما قلت حياتها كلما قل استعمالها
تصرخ ناحية الافق ، منتصبة الوجدان وغير مدركة للاوقات
ما ان تنتهي منها حتى تحرقها في نيران المذبحة بلا اكتراث
تلك هي سكرات الموت الفانية ، رغم المها ، الا انها كانت بداية لكل شيء !
ولكن يبقى الفرق بين البشر و الوحوش هو المشاعر فقط
فربما تتلبس تلك الدمى بمس شيطاني تحولها الى كوابيس تعيثُ دماراً في اضعف القلوب
وقد تحيل النهار ليلاً داجياً بظلمة الخوف والفزع
وربما فقط ... تهوي بنا الى حيث المجهول
برب لا حد يرد