القيم الاسلامية الجزء الخامس عشر الحمد لله العظيم ذي الجلال والاكرام والصلاة والسلام على على الحبيب المصطفى بدر التمام وبعد 2/ مقومات الأخوة الإسلامية :
إذا كان العمران بلا عمود ينهد ، فكذلك الأخوة الإسلامية تصاب بالخروق إذا فقدت الأساس الذي تقوم عليه ، والذي يمدها بالثبات والاستقرار ، ولو ذهبنا نعدد مقومات هذه الأخوة ، لا نحصيها كثرة ، ولكن سنوجزها في الآتي :
أ-المحبة والولاء : لا يمكن أن تتحقق أخوة الإسلام إلا إذا أحب المسلم أخاه المسلم محبة صادقة تصدر من القلب والضمير ، فتترجمها الجوارح والأعضاء ، يسلم عليه إذا لقيه ، ويساعده إذا احتاج إليه ، ويكرمه إذا نزل عنده ويجلب إليه الخير كله ، ويدفع عنه الشر كله ، حتى انه من كثرة حبه له ينزله منزله نفسه ، أو أقرب الناس إليه .
الأمثلة على ذلك :
مثال من القرآن الكريم ، قوله تعالى : واصفا حال الأنصار مع من هاجر إليهم من مؤمني مكة { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } روى عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال : (لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال سعد لي : أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها ) أي حب أعظم من هذا ، أن يطلق لك أخوك زوجته ، وكريمته حتى تتزوجها وأي إخاء أمتن من أن يشاطرك أخوك ماله وجهده .
ب -الصبر واحتمال الأذى : المؤمن يصبر محتسبا لما يجده من إخوانه من جفاء وغلظة ، ويتحمل كل ما يلقاه منهم من إساءة وأذى قولي أو فعلي ، حفاظا على الأخوة ، وحرصا على بقائها واستمرارها ، فلو ذهب ينتقم من كل من أساء إليه ، ويدفع سيئته بمثلها ، ربما لا ينتهي الدور ، خصوصا إذا كان المنتقم ، أضعف من المنتقم منه ، ولا أحد يعينه على قضاء وطره منه ، فيصبح الناس في دوامة العنف والبطش ، وهذا أشد خطورة من مصلحة الانتقام . قال تعالى عن هذا : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }
ج- حفظ السر وترك الفضيحة ، والمؤمن ستار لعيوب أخيه ، مهما بلغت من الخطورة غايتها ، ما لم يكن مجاهرا بها ، مفتخرا بالتلبس بها ، حتى يصون كرامة أخيه ، ويمنعها من التردي والانحطاط لو افتضح أمام الناس ، ولذلك قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وقال صلى الله عليه وسلم : « لا يستر عبد عبدا في الدنيا ، إلا ستره الله يوم القيامة »
ما السر في منع الإسلام إعلان العيوب وإشهارها ؟ لقد منع الإسلام إعلان العيوب وإشهارها ، واعتبر الإعلان نفسه جريمة أخرى ، منفصلة عن جريمة مرتكب المعايب والذنوب لأمرين :
أ-إتاحة الفرصة للمذنب أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله ، فلو افتضح أمره ، وانكشف ذنبه ، فقد ضاع الحياء من وجهه ، وربما أغراه الافتضاح والتشهير على السير قدما في المعايب والرذائل . أما لو ظل عيبه مستورا ، فإن الاحتفاظ بسمعته ، وسيرته يبقى قائما لديه ، ولذلك نصح الإسلام بعدم كشف العيب ، فقد روى معاوية -رضي الله عنه -قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم » وروى عقبة ابن عامر -رضي الله عنه -مرفوعا « من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة »
ب-منع انتشار الفساد في الأرض ، فإعلان العيوب والعورات دون أن يصحبه العقاب ، يفسد الجو الاجتماعي ، ويغري الناس بارتكابها ، وكان ذلك الإعلان بمثابة تنبيه وتعليم للأشرار وكثيرا ما يصرح الفساق بأن ما ارتكبوه من الذنوب ، لم يكن إلا نتيجة لما تعلموه من خلال خبر كتبته صحيفة ، أو بثته إذاعة ، أو عرضه تلفاز ، أو تناقلته ألسنة الناس .
حالات يجب ستر العورة فيها ، أوجب الإسلام ستر العورة والعيب في الحالات التالية :
أ- الزنا الذي لم يبلغ نصاب الشهود فيه أربعة أشخاص .
ب-أن يكون الذنب -من حيث أثره -يخص المذنب ولا يتعداه إلى غيره .
ج-أن يكون الإعلان له يؤدي إلى فساد أكبر ، وضرر أوسع .
د-أن يكون الإعلان سببا لإسقاط ثقة الإنسان ، الذي ينتفع الناس بثقته .
ه-أن يكون المذنب مستفتيا ، يبحث عن حكم الشرع في ذنبه ، وطريق التوبة منه .
حالات يجب كشف العورة فيها : ويجب كشف العورة فيما عدا الحالات السابقة وخاصة إذا كان المذنب مجاهرا بذنبه ، عارفا لحكم الله ، ويعاقب عليه حتى لا يتشجع الناس على اقترافه .
تميز رابطة الأخوة الإسلامية على غيرها من الروابط : إن رابطة الأخوة الإسلامية عميقة الأثر في كيان الجماعة ، لا تعدلها رابطة أخرى من الجنس أو اللغة أو الوطن ، أو الجوار أو المصلحة المادية المشتركة ، بل إن هذه الروابط مجتمعة ، مهما يكن أثرها الظاهري من كف الأذى ، وبذل المعروف ، تظل روابط سطحية ، لا تزال تتخللها الفجوات والثغرات ، حتى تشدها رابطة الأخوة الروحية ، والقيم العليا ، فهنا تعود الكثرة وحدة . والى غد ان شاء الله سناتي على ذكر ثمرة الاخاء |