الحمد لله مميز الخبيث من الطيب، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلى آله وأزواجه ومن له صحب، صلاة وسلاماً نرجو بهما الاستقامة للنفس والأهل والعقب. وبعد
في كتاب للهند: مثلُ الدُّنيا وآفاتها ومَخاوفها والموت والمعاد الذي إليه مَصير الإنسان.
قال الحكيمُ: وجدت مثل الدنيا والمَغرُور بالدنيا المَملوءة آفات مثلَ رجل ألجأ خوْفٌ إلى بِئر تدلى فيها وتعلَّق بغُصْنين نابتين على شَفير البئر ووقعتْ رجلاه على شيء فمدَهما،
فنظر فإذا بحيّات أَرْبع قد أَطْلعن رؤوسهن من جُحورهن،
ونظر إلى أسفل البئر فإذا بثُعبان فاغر فاهُ نحوَه، فرفع بصره إلى الغُصْن الذي يتعلق به،
فإذا في أصله جُرَذان أبيضُ وأسود يَقْرضان الغُصن دائبيَنْ لا يَفْتُرَان، فبينما هو مُغْتمّ بنفسه وابتغاء الحيلة في نجاته،
إذ نظر فإذا بجانب منه جُحْرُ نَحْل قد صَنَعْن شيئاً من عَسل، فَتَطاعم منه فَوَجَدَ حلاوتَه، فَشغلته عن الًفِكْر في أمره واْلتماس النَّجاة لنفسه،
ولم يَذْكُر أنّ رِجْلَيْه فوق أربع حيَّات لا يدْري متى تُسَاوره إحداهن، وأنّ الجُرَذَيْنِ دائبان في قَرْض الغُصْن الذي يتعلَق به، وأنهما إذا قطعاه وقع في لَهْوة التِّنّين، ولم يزل لاهياً غافلاً حتى هَلَك.
قال الحكيم:
فشبَّهت الدنيا المملوءة آفاتٍ وشروراً ومخاوفَ بالبئر،
وشبَّهت الأخلاط التي بُني جَسَدُ الإنسان عليها من المِرَّتين والبَلغم والدَّم بالحيّات الأربع،
وشَبهت الحياة بالغُصنين اللذين تعلَّق بهما،
وشَبَّهت الليل والنهار ودورانهما في إفْناء الأيام والأجيال! بالجُرَذَين الأبيض والأسود اللذين يَقْرِضان الغُصْنَ دائبَينْ لا يَفْترَان،
وشبّهتُ الموت الذي لا بد منه بالتِّنين الفاغر فاه؛
وشبَّهْتُ الذي يرى الإنسانُ ويَسمع " ويَطعم " ويَلْمس فَيُلْهيه ذلك عن عاقبة أمره وما إليه مَصِيرة بالعُسَيلة التي تطاعمها. |