الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله وصحبه اجمعين . وبعد ذم الزمان
قالت الحُكماء: جُبل الناسُ على ذمّ زَمانهم وقلّة الرِّضا عن أهل عَصْرهم، فمنه قولُهم:
رضَا الناسُ غايةٌ لا تُدرك.
وقولهم: لا سبيلَ إلى السلامة من أَلْسنة العامّة.
وقولهم: الناسُ يعيّرون ولا يَغْفِرون، واللّه يَغْفر ولا يُعيِّر.
وفي الحديث: لو أن المؤمن كالقِدْح المُقوّم لقال الناس: ليت ولو.
وقال الشاعر:
مَن لابَس النَّاس لم يَسْلم من الناس ... وضَرَّسُوهُ بأَنْيَابٍ وأَضْرَاس
هِشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: رَحِمَ الله لَبِيداً كًان يقول:
ذَهب الذين يُعاش في أكنافهم ... وبَقِيتُ في خَلَف كجِلْد الأجْرَبِ
فكيف لو أَبصر زمانَنا هذا.
قال عُروة: ونحن نقول: رَحِم الله عائشة، فكيف لو أدركت زمانَنا هذا.
وكان بعضهم يقول: ذهب الناسُ وبَقيَ النَسْناس، فكيف لو أدْرك زماننا هذا.
دخل مُسلم بن يَزِيد بن وَهْب على عبد الملك بن مَرْوَان،. فقال له عبدُ الملك:
أيُّ زمان أدركتَ أفضَل، وأيُّ الملوك أكمل؟
قال: أمّا المُلوك فلم أَرَ إلا حامداً أو ذامًّا،
وأما الزمان فيَرْفع أقواماً، وكلّهم يَذُم زمانَه لأنه يُبْلِي جديدَهم، ويُفرَق عديدهم، ويهْرِم صغيرَهم؛ ويهلك كَبيرَهم.
وقال الشاعر:
أيا دهرُ إن كنتَ عاديتَنا ... فَها قد صَنَعتَ بِنا ما كفَاكَا
جَعلت الشرَارَ علينا خِياراً ... وولَيتنا بعد وَجْهٍ قفَاكا
وقال آخر:
إذا كان الزمانُ زمانَ تَيْمٍ ... وعكْلٍ فالسلامُ على الزّمانِ
زمان صارَ فيه الصدرُ عَجْزا ... وصار الزُّجّ قُدّامَ السّنان
لعلّ زمانَنا سَيعود يومًا ... كما عاد الزمانُ على بِطان
أبو جعفر الشّيباني قال: أتانا يوماً أبو مَيَّاس الشاعر ونحن في جماعة، فقال: ما أنَتم " فيه " وما تتذاكرون؟ قلنا: نَذْكُر الزمان وفَساده؟ قال: كلا، إنما الزمانُ وِعاء وما ألْقِي فيه مِن خَيْر أو شرّ كان على حاله، ثم أنشأ يقول:
أرَى حُللاً تُصان على أناسٍ ... وأخلاقاً تُدَاسُ فَما تُصَان
يَقولوِن الزمانُ به فَسادٌ ... وهُم فَسدوا وما فَسد الزمان
من كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي |