عرض مشاركة واحدة
  #60  
قديم 03-14-2014, 07:55 PM
 
.








.








.
*.الفصل الرابع .*.




.ميلر.


انقضت ليلة دسمة بأنواع التعذيب الأفريقية ، ليصبح الليل رفيقي الذي أشكوه ويسمع أليّ متألماً يدواي جراحي كما فعل في السابق معي ، ضربت بقبضتي التي سلمت من الألم نوعاً ما الأرضية الصلبة مما نتج خروج دم خفيف من أصابعي همست بخنق :-
-تباً ..تباً ..تباً !
نهضت بتثاقل وأمسكت بالكوب الزجاجي لعل الماء يريح أعصابي ويمنحني قوة أضافية أجاري بها أيامي في هذه الزنزانة ، رفعت الكوب الى فمي وما أن لامست قطراته شفتي حتى قذفت به بعيداً ، نظرت أليه بقهر وغيظ ثم مسحت آثار الدم الذي ظننته ماءاً !
لقد كانت خطوة جريئة يقام بها ، حيلة قذرة لأضعافي وأزهاق روحي تدريجياً ، ما كنت لأشربها لولا الظلام الذي استحال رؤية أي شيء ، وصلتني ضحكات متتابعة تلتها جملة سخرية قاهرة :-
-كيف وجدت مذاق الدم ميلر؟!
أطبقت على شفتي كاتماً للغيظ الذي احترق بداخلي بينما كنت أستمع الى حديثه ،اقترب ناحية الزنزانة وقال لي :-
-أيها الشاب العظيم ، جون كان أكثر صبراً منك على هذه ، ألا يمكنني أن أستمتع بمنظرك المعذب لفترة أطول ..
ثم أردف متوسلاً بسخرية :-
-هيه ..ماقولك ؟! ، هل أنت موافق ؟!
حينما لم يصله ردي دخل الى الداخل وسدد لي ضربة بحذائه على رأسي حتى تشققت برك الدماء كسيل هائج ثم قال بذات النبرة الكريهة :-
-لست مسلياً ، سوف أقوم بزيارة العظيم الآخر .
تمكنت من النهوض على قدميّ وأمساك ذراعه بقوة وهددته قائلاً :-
-شعرة من جون بدون أذن ، كسر ذراعك هذه !
شعرت بسيل خوف ورعب يجتاحه وصلا الى عينيه السودوان الصغيرتان ثم دفعته الى الخارج وقام من فوره بأغلاق الزنزانة وقال متوعداً :-
-لن تمر هذه بسهولة ، أعدّك لن تمر !
ظل يكررها الى أن غاب صوته عني تدريجياً ، زفرت بعمق وهويت على الأرضية لقد استنفد هذا الأفريقي قواي ، نظرت الى الظلام فكما قلت لاشيء غير الظلام وضيقت عينايّ حزناً على جون الذي لم يتعرف على صيغة هذا المكان جيداً !





.جوليان .




في منتصف الليل طرق أحدهم باب غرفتي فوجدت هذا أمراً غريباً فلا يسمح بالتجوال ألا للمقربين من الرئيس فقط ، وحدهم القادرين على التجوال لكن ليس لهم الحق بطرق الباب بشكل مهذب فهذا شيء غير متوقع فأذا حصل أمر ما يجب عليهم الدخول عنوة دون احترام للخصوصية أو غيرها .
خطوت ناحية الباب بخوف وريبة فتوقفت حالما سمعت صوت مألوف يهمس لي :-
-جولي ، افتح الباب هذا أنا !
جون ؟! ..نعم أنه جون ، أسرعت بفتح الباب بعجلة فاندفع جون وأغلق الباب من الخلف سريعاً ثم اتجه ناحية السرير وغطى نفسه باللحاف وسط دهشتي التي تزايدت عندما رأيت دماً يسيل من كتفه الأيسر ، اتجهت ناحيته بقلق ووقفت عند سريره قائلاً :-
-مالذي حصل ؟! ، وثم أين كنت طوال الفترة ، حمداً لله بأنك مازلت بخير اعتقدت ..
أخرج يده وغطى على فمي وقذفني بقوة على الأرضية محذراً أياي من أصدار أي همس كان ، نظرت ألى يده التي مازلت تغطي فمي وأنفي وأنا غير مدرك للوضع الذي إلت أليه .
بعد مرور نصف ساعة نهض وتنهد تنهيدة عميقة فوجدتها فرصة لأسأله عن الوضع ، ولكنه عنيد عنيد جداً لم يجب على أي شيء بل اكتفى بقول :-
-نم ، أيها البريطاني البغيض !
حدّقت بموضع الجرح فنهضت من فوري افتح حقيبتي وأخرج منها ربطة بيضاء ثم توجهت ناحيته وقلت بصرامة :-
-أيها الأمريكي الفاضل ، هل تسمح لي بتضميد جرحك سوف تتعفن هنا وهذا لا يليق بمقامك كأمريكي شهم.
على ما أعتقد بأن هذا الشاب حالة شاذة ، فلم أشاهد قط بحياتي موقفاً عنيداً مثل موقفه فهمست لنفسي مشجعاً :-
-لو كان يزيد من عناده فسأفعل المثل معه !
ألحيت عليه وكذبت عليه بقصص واهية عن شخص أصيب بكتفه فحلت عليه لعنة وأظهرت له دليلاً مزيفاً ليد محنطة احتفظت بها كذكرى لأحدى المهمات التي سبق وخضتها !
بعد محاولاتي اليائسة ،قرر ذاك العنيد أن يرضخ أخيراً بعد أن وجد بأن ألمه بات يتضاعف ، أمسكت كتفه برفق فهالني مارأيت .
لايمكن !!ر
هذه ليست أصابة بمسدس ولا خنجر بل وحش كاسر ، شيطان على ما أعتقد ، هنا خابت آمالي بخبرتي التي اكتسبتها فالرباط لن يفيد في شيء ، فجرحه عميق وغائر لقد اخترق العظم أيضاً أذا واصل على هذا المنوال سوف يتسبب له بالوفاة .
نظرت قلقاً الى الربطة التي أمسكتها والى وجه جون الذي اكتسى الصمود ،
من يكون جون ؟! هذا ليس بشخص !!
هل تحمل الألم كل هذه المدة ؟!
تراجعت الى الخلف فأجبته بتوتر وخجل لفشلي الذريع :-
-جون ..أقصد أيها الأمريكي القوي ، جرحك ..
عقد حاجبيه فشعرت بخوف يتسلل في عينيه قليلاً ثم أجاب بدل عني :-
-لا يمكن شفاؤه بسهولة .
طأطأت برأسي خجلاً ثم قال لي ناصحاً :-
-أذا أردت مني أنا أتخذك صديقاً ، فساعدني على الخروج من هذا المكان !
هذا أخر ما كنت أفكر به ، حقيقة أن جون سيهرب كانت غير مفاجئة ولكن أن يطلب مني المساعدة لم أتوقعها ولم أجرؤ على التفكير بها !
بعد شهقتي التي ضايقته قلت بارتباك :-
-جون ..لكن ..
-أودّ أن أخرج بأي طريقة ، وعلى ما أعتقد بأنك تستطيع فعل ذلك !
قالها جون بحزم أذاب الشجاعة في جوفي كما ذبت عندما رأيت جرحه ، ذاك الكبر في عينيه مثير حقاً ، الشجاعة والقوة والتصميم أنها تتوافر لديه ليس هناك ما ينقصه ، سحبت نفساً عميقاً ورددت عليه :-
-طريقة واحدة فقط !
اتسعت عيناه دهشة ثم سألني مندفعاً :-
-ماهي ؟!
-لكن لا أضمن لك نجاحها ، هل أنت متأكد من خوضها ؟!
هز رأسه بشراسة ، أنه يستميت من أجل الخروج من هذا المكان خلافي أنا الذي رضيت بذلك بكل خضوع وأذلال ، نظرت الى الأرضية برهة قلقاً من النتائج المترتبة على ذلك ، على الجحيم الذي سيعايشه جون في لحظات قلائل ، جون لا يفهم وحتى لو أقنعته لن يفهم بأي طريقة هو مصمم على الخروج حتى لو علم بأن هناك جيش بأكمله يستعد للقضاء عليه بأي لحظة ، مع رغباته التي استطاعت التأثير عليّ بقوة وجدت نفسي أشير له أن يتبعني فحسب !





.جون.


أيقنت من طريقة جوليان بأني يجب أن أتصارع مع الموت إما أن يغلبني أو أقوم بالتغلب عليه ، أنها مسألة حياة وموت ، على كلّ هذا لن يهبط من عزيمتي فأنا سوف أقهر كل شيء كما قهرت ضحاياي سابقاً بقوتي وسكينتي التي أفتقدها بشدة بالرغم أن جوليان لم يخاطر بي بلا سلاح بل أشفق عليّ بخنجر عظيم هائل ومسدس كالذي كان مع ميلر وهو بذخيرة أيضاً وقد تأكدت من هذا ، فالذكي لا يلدغ من جحره مرتين .
تسللت بخفة الى داخل المبنى الصغير الذي أشار عليّ جوليان بدخوله وبالتحديد الى الغرفة العلوية ، كانت غرفة مشابهة للغرفة التي أقطنها ولكن ما أختلف فيها النقوشات ، فغرفتي كانت بيضاء صافية بينما هذه زينت بنقوش غريبة جداً وفي الجهة الأخرى وضعت طاولة صغيرة امتد عليها بساط أحمر على ظهره ثلاثة شموع تأخذ شكلاً مثلثاً وبالوسط كانت ورقة مطوية.
تقدمت ناحية الطاولة وقبل أن تمتد يدي الى الورقة شعرت بوخز ألم في ظاهرها ولكن دون دماء تبين موضع الجرح بشكل دقيق خمنت بأنه ربما تصادف مع ذلك كالتواء بسيط أو حكة في شرياني لكن مالبث ذلك أن تبخر وأنا أشمر ساعدي لأكتشف سيل من دماء أخرى!.
استدرت بسرعة حيث انتصب فتى تتجلى علامات الخبث والدهاء من عينيه التي اكتست دماء ضحاياه وكأن دمائهم تصرخ في الداخل لتجعل ملامح وجهه البيضاء تتبدل الى وحش كاسر يهاجم من يصادفه ، ابتسم ابتسامة شقت نصف وجهه ثم تقدم ناحيتي وهو يعيد مسدسيه الى موضعهما الأصلي .
ابتعدت بحيث ارتطم ظهري بالطاولة فجعل مني مزحة تثقل كاهله في هذه الليلة ، لم أتسرع بأخراج الخنجر حتى لا يظن أني هارب وخاصة أن ملابسه السوداء أعطتني تلميحاً سريعاً كونه عضو مهم ! .
-هل منظري مخيف لدرجة لا أتصورها ؟!
قالها بلهجة شبه باكية ثم أجبته بأجابة غير مباشرة خلال نظراتي التي بعثرتها بسرعة على أنحاء من جسده الطويل الممشوق ، خطف الورقة من الطاولة من دون أن يعطيني فرصة لأنقاذها ، فتحها فوجدتها فرصة لأقفز مضللاً أياه دون الكشف عن حركتي التي تمثلت بأختطاف الورقة من جديد ودفنها في جيبي الداخلي للسترة .
توقعت حركة أو أي شيء آخر لينتشل الورقة مني لكنه تراجع الى الخلف وقفز من النافذة التي تسللت منها وبما أن النافذة غير مرتفعة فلقد سهل عليه الأختفاء عن ناظري وكأنه قد تبخر .
تنهدت بارتياح فصدقاً أصابني بعض الخوف من منظره ومخزون الأسلحة التي كان يملكها ، جلست على الأرض قابضاً على موضع الألم الحديث وقد تسرب الدم من أصابعي ، لم أجد ما أضمد به الجرح سوى قطعة قماش صغيرة زودني بها جوليان .
تابعت رحلتي "رحلة الموت " بعد أن خرجت من الغرفة حالما سمعت خطوات قادمة واختفيت خلف أحدى المتاريس القديمة ، أطليت برأسي أؤمن الطريق الى ناحية المبنى الذي يبعد كيلومتراً واحداً أي أني بحاجة الى 15 دقيقة لأصل أليه وجوليان أعلمني بأن الوقت هو العامل الرئيسي الذي أضمن به نجاحي .
نظرت الى ساعتي الذهبية المعلقة على خاصرتي فوجدتها قد تجاوزت الحادية عشرة يجب عليّ أن أبلغ المكان قبل النصف من الساعة فهذا الوقت هو وقت تحرك الجهات المسؤولة عن المراقبة أمامي 30 دقيقة ،15 دقيقة أقضيها حتى أصل إلا أذا ضاعفت سرعتي ولكن هذا لن يجدي فالألم قد استبت بي فالوقت المتبقي هو 15 دقيقة ، يا ألهي الوقت لا يكفي للخروج من هنا !
هل أتراجع عن قراري ؟!
أم..
أمضي الى ماعزمت عليه ؟!
وجدت أن تفكيري الساذج قد أخذ 5 دقائق من وقتي الثمين ، كدت أن أخرج من ملجأي ولكن أثنتني مشادات كلامية صدرت من خلف المتراس الذي أقبع به ، كانت اللهجات غريبة ولكن أستطعت أن أفهم لهجة أمريكية ركيكة بمعنى "سأقتلك يا أندرسون سأقتلك " .
ثبت بمكاني وقد شعرت بقلبي يفلت من أضلاعي التي اصطكت عند سماعي للكنة الأفريقية القبيحة ، اقتربت الأصوات من مكاني فابتلعت لعابي بصعوبة وكتمت أنفاسي وشعرت فجأة بالتقيأ وأنا ألمح أصابع مقطعة تصب من مكان ما ، سحقاً ليس بمقدوري كتم أنفاسي اللآهثة بفضل ألمي الذي عاود الأنين من جديد .
تلمست حقد في محادثة ذاك الأفريقي مع زميله الآخر وهو يقول بلهجة أمريكية ركيكة نوعاً ما :-
-ميلر ، يجب علينا أخراجه من هنا هو الوحيد الذي بأستطاعته رؤية الرئيس .
ثم أضاف بحدّة :-
-مالذي يميزه عنا ؟!
-وسامته وجاذبيته .
قالها زميله بسخرية فشعرت بجسده يرتطم ناحية مكاني بدفعة قوية من الأفريقي ، تناثر بعض لعابه على يدي فمسحتها بيدي اليمنى التي أصدرت صوتاً نتيجة اصتدامها بساق الزميل الساخر مما شدّ انتباههما ناحية مكاني الذي ما عاد آمناً .
أخفض رأسه ناحيتي فبادرته بطعنة من خنجري الذي استقر ببطنه فهوى علي بجثته المرعبة فالتزمت صمتي وأنا أتوقع قدوم الأفريقي الى البرميل الذي أقبع فيه ولكنه بدلاً من ذلك ولى بعيداً ، نهضت بصعوبة ونظرت الى الشاب الذي لقي مصرعه على يديّ فخفت حقيقة من اكتشاف أمري .
حملته برفق حتى لا أصدر ضجة جالبة للمشاغبين الآخرين المتواجدين بالقرب وقررت العودة الى مسكني قبل أن يتم اكتشاف خيانتي !
عدت سريعاً وبصعوبة، نتيجة للخطوات التي شعرت باقترابها من المنطقة المسيجة التي أقطن بها ، طرقت الباب بهدوء وأنا مترقب لما سيحصل بالدقيقة القادمة الى أن فتح جوليان الباب فدفعته الى الداخل سريعاً عندما لمحت قامة شقت طريقها الى الأعلى وهنا تجمد الدم في عروقي وسحبت نفساً حاراً متشنجاً وأنا أغلق الباب وسط دهشة البريطاني الأحمق الذي غطاه الخوف والرعب وكاد أن يطلق صرخة لولا اندفاعي ناحيته وأغلاق فمه المعوق !
دقت أحدى الأجراس فخمنت بأنه ناقوس الخطر ولكن عندما سألت جوليان طمأنني بأنها أجراس تستدعي خروج المراقبين الى الخارج ، نظرت الى الجثة التي تفحصت صاحبها بعناية فلقد بدا أمريكياً حقاً بشعره المجعد القصير وملابسه الريفية القديمة .
أشار جوليان ناحية الجثة فقال لي بفزع :-
-لم يقضى عليه لقد حرك يده .
ظننت بأن الأخير كاذب بأدعائه وقبل أن أستدير أحذره من الكذب كثيراً امتدت يد وشدّت قبضتها على عنقي حتى شعرت بخروج عيناي من محجرهما !



#يرجى رجاءً عدم الرد#




.








.
__________________
/

التعديل الأخير تم بواسطة ام بطن ; 03-18-2014 الساعة 03:10 PM