عرض مشاركة واحدة
  #131  
قديم 03-20-2014, 03:31 PM
 

.
.
.


الموقف الثامن : مشهد خيال+سعادة


انتصفت الشمس في كبد السماء ، ساطعة ، ملتهبة ، و ما من أثر لأي غيمة قد يستظل بها لتخفف عنه شيئا مما يعانيه ..

الجمهور الذي يكاد يموت حماسا في هذه اللحظات لم يكن ليشكو الحر بينما هو قابع في المدرجات المظللة برفاهية ، و المحيطة على نحو دائري بالساحة المكشوفة المخصصة للقتال ..
حيث يقف و خصمه !

الجماهير الغفيرة تابعوا بحماس منقطع النظير آخر مبارزات القوى .. القتال النهائي لأجل المجد .. و الذي كان هذا العام مفاجأة !
مفاجأة تمثلت في مشاركة الشاب "النكرة" الذي لم ينتمي إلى أي سلالة معروفة ذات دم نقي في النزالات التي تقام مرة كل خمس أعوام ،
الفتى بالملابس البسيطة الغير مناسبة للقتال ... كان ابن فلاح من "المنبوذين" و مع ذلك وجدت لديه قوى سمحت له بالمشاركة و مكنته من الصمود حتى اللحظة !
ما كان أي شيء قابل للتكهن بعد هذا ..


رفع "تيراز" رأسه يلهث تعبا .. مضيقا عينيه الزرقاوين نحو مدرجات الجمهور المشتعلة صخبا ..
لتبدو له هيئة الملك جالسا بوقار في قبته الفاخرة.

إنه النزال النهائي ..
لقد وصل إلى النزال النهائي في "تحدي العظماء" ،
يقاتل مواجها قائد قوات الجيش الملكي و عليه يتوجب أن يشعر بالفخر !

تمنى لو أن والدته هنا لتشهد ذلك ،
لترى كيف أنه هو أحد "المنبوذين" قد نجح فيما عجز عنه عشرات الرجال من ذوي "الدم النقي" ،
لو أنها تراه الآن فقط ... ما كانت لتلومه على عصيانه لها و زجه بنفسه في هذا الصراع وهو معدوم الخبرة ..
ما كانت لتودعه بدمعة صامتة .. من خلف الحاجز الزجاجي الذي لا يسمح لأي "منبوذ" بتجاوزه !
ما كانت لتطأطئ رأسها بذل يترافق و وضع أمثالهما في المملكة ،
بل كانت لتنصب قامتها فخرا .. فابنها .. سيأتي لها بالمجد !
بما سيكفل لها العيش بإحترام ما تبقى من الدهر.


الألم الذي ترافق و الدماء التي سالت من جانب رأسه المصاب لتغطي عينه اليسرى و تقطر على الأرض .. أرجعاه مرغما إلى الواقع ،
نظر إلى الرجل الأربعيني الماثل أمامه بجبروت .. و قست ملامحه المنهكة !

يعلم أن الانتصار على القائد "روفيو" يتطلب أكثر من موهبة فطرية في تسيير القوى ،
فالرجل كان صلبا كالجلمود ، ذا خبرة و حنكة لا يستهان بهما !

و في تلك اللحظة بالذات ..
تقهقر تيراز بوثبته إلى الوراء محاولا تفادي البرق الأسود الذي أطلقه روفيو من يده بإتجاهه !
لكنه تحرك متأخرا بجزء من الثانية ..

دخان داكن كثيف تصاعد من البقعة التي كان واقفا عليها و غطى كل شيء للحظات !
توسعت العيون حال أن انقشع الدخان لتذهل بمشهد الفتى الملقى أرضا بغير حراك ..
لقد أصيب الشاب المعجزة و ها هو يغرق بدماءه ، في إثبات متجدد على قوة روفيو الذي لا يقهر !

لكن أيا من العيون المتسعة التي كانت ترقب نتيجة مغايرة بأمل غريب ، -و لدهشتهم- لم تعكس فرحة أو سخرية بهذا النصر كما كان من المفترض !
لقد كانوا يتعاطفون بشكل مفاجئ مع الفتى المنبوذ .. و يتمنون له أفضل من هذا !
سلالة الدم النقي .. تشجع اليوم من هو أحقر من التواجد بينهم .. كانت لحظة يسجلها التاريخ !!



أغمض الملك الأشيب عينيه بخيبة أمل ،
الرجل الستيني الحكيم انتظر ما لم يتحقق .. هل فعلا كان هذا كل ما لدى الفتى الغريب ؟!
لماذا يشعر بانكسار و كأن خسارة الشاب تعنيه شخصيا ؟!


ضجيج الجماهير الذي ارتفع فجأة جعله يعاود فتح عينيه ،
لتقعا على ما كان صدمة حتى رغم جميع توقعاته ..

تيراز كان يقف متحاملا على نفسه ،
جسده كله يومض كشمس صغيرة ..
و النور الذي كان تكوين سلاحه العصا .. بات يلفه الآن بالكامل ..
أطلق صيحة شحذ بها كل طاقته .. و وسط صدمة و انبهار الجميع بمن فيهم روفيو الجامد ،
تمزق قميصه المدمى من الظهر ليمتد له جناحان أبيضان ضخمان !!

رفرف بهما مرتفعا عن الأرض .. و كأنه لطالما امتلكهما ،
دار حول روفيو برشاقة مشكلا حلقة ضوء ذهبي حوله .. امتص بها كل ما لدى الرجل من طاقة ،
فخر الأخير على ركبته يلهث ..
لم تمضي لحظات حتى كان روفيو يرفع يده بحركة استسلام .. فلم يملك خيارا !

دوى البوق معلنا نهاية النزال ..
ليضحك الشاب المضيء وهو يتوقف سابحا في الهواء بفضل أجنحته البيضاء ..



ضحكته كانت منذهلة مرتبكة .. و كأنه يجد صعوبة في استيعاب حقيقة النصر ،
المجد له الآن ..
لن يعود تيراز نكرة منبوذا بعد اليوم !

أرتفع في السماء أكثر لتصبح ضحكاته أكثر اتزانا و غبطة ..
بينما الملك ينهض واقفا و عيونه الزرقاء تهتز بعدم تصديق و هو يتتبعه ببصره ،
هيئة ابنه التي ارتسمت له بوضوح في مظهر الفتى الذي حلق بسرور وسط هتافات و تشجيع الجمهور ..
ذاك كان حل لغز الفتى ذي الطاقة الملكية ... و تحددت به هويته أخيرا

‎‏‎


.
.
__________________




افتَقِدُني
music4