الاخلاق في الاسلام الجزء الثاني الحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد
الأخلاق والممارسة الإيمانية
إن الأخلاق في الإسلام لا تقوم على نظريات مذهبية ، ولا مصالح فردية ، ولا عوامل بيئية تتبدل وتتلون تبعا لها ، وإنما هي فيض من ينبوع الإيمان يشع نورها داخل النفس وخارجها ، فليس الأخلاق فضائل منفصلة ، وإنما هي حلقات متصلة في سلسلة واحدة ، عقيدته أخلاق ، وشريعته أخلاق ، لا يخرق المسلم إحداها إلا أحدث خرقا في إيمانه .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن » وسئل صلى الله عليه وسلم : « أيكذب المؤمن ؟ قال : (لا) ثم تلا قوله تعالى : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ }» فالأخلاق دليل الإسلام وترجمته العملية ، وكلما كان الإيمان قويا أثمر خلقا قويا .
دوام الأخلاق وثباتها
كما أن الأخلاق في الإسلام ليست لونا من الترف يمكن الاستغناء عنه عند اختلاف البيئة ، وليست ثوبا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى يشاء ، بل إنها ثوابت شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان لأنها الفطرة { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }
السلوك وأنواعه :
السلوك هو عمل الإنسان الإرادي المتجه نحو غاية معينة مقصودة ، تهدف إلى تحقيق مطالب جسدية أو نفسية أو روحية أو فكرية .
والسلوك نوعان :
1- خلقي : وهو ما كان نابعا عن صفة نفسية قابلة للمدح أو الذم كإعطاء الفقير ، والإنفاق في وجوه الخير حال كونه نابعا عن جود وكرم ، وكذلك الإقدام دفاعا عن الحق ، وإزهاقا للباطل حال كونه نابعا عن الشجاعة ، فهذه صفات حميدة لأنها من فضائل الأخلاق ، فآثارها تابعة لها في الحكم . روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { « لا يحقرن أحدكم نفسه} قالوا : يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال : {يرى أن عليه مقالا ، ثم لا يقول فيه ، فيقول الله عز وجل يوم القيامة ، ما منعك أن تقول كذا أو كذا ؟ فيقول : خشيت الناس ، فيقول الله (فإياي كنت أحق أن تخشى ) »
2- سلوك إرادي غير خلقي : منه ما هو استجابة لغريزة جسدية كالأكل المباح عن جوع ، والشرب المباح عن ظمأ ، فقد يجوع الإنسان فيأكل ملبيا حاجة عضويته ، وهنا نقول : إن تناوله للطعام بتأثير دوافع الجوع سلوك لا علاقة له بميزان الأخلاق إيجابا أو سلبا ، ولكن شرهه الزائد عن الحاجة والموقع له في المضرة سلوك ناتج عن خلق غير محمود ، أما قناعته فيه والتزامه بمقدار الحاجة -ذلك بضبط نفسه عن دوافع الشره -سلوك أخلاقي كريم ، ناشئ عن قوة إرادته العاقلة التي تمنعه عن مواقع الضرر .
ومن هذا يتبين لنا الآتي :
1- أن السلوك إما أن يكون سلوكا خلقيا ، وإما يكون سلوكا لا علاقة له بالأخلاق .
2- أن السلوك الإرادي غير الخلقي يكون استجابة لغرائز ، شريطة أن يكون على قدر الحاجة بلا زيادة ولا نقصان . فمثلا : الأكل قدر الحاجة سلوك إرادي خلقي إذا كان استجابة لغريزة الجوع ، فإذا زاد عن الحاجة أو نقص تحول إلى سلوك أخلاقي ذميم عند الزيادة ، لأنه نابع عن صفة مرذولة هي الشره ، أما عند النقص فيكون محمودا إذا كان نابعا عن قناعة مع نية صالحة لأنها من الفضائل . نكتفي بهذا القدر والى غد ان شاء الله |