" اليابان | طوكيو | January .. 28 - 1998 "
حفيف الأشجار و صوت الرعد المدوي في الأرجاء ، أنفاس متقطعة خائفة .. جسد هزيل مترنح يكاد يسقط ! يريد الإسراع الإسراع فقط هذا لا يجدي نفعا
كل الطرق مغلقة الثلوج غطت الطرق ماعليه إلا أن يذهب مشيا حيث زوجته تصارع الألم ،.
همس لنفسه و هو يرسل لفحة هواء بارده
- علي ، علي الإسراع ، كيكو تتألم .. تتألم !
جال بعينيه في الارجاء و بين الثلوج.سارت قدماه و نفسه يتسارع كثيرا ؟~
بخوف ، بأمل ضئيل ، بحب ، بترقب دعى الرب أن تلد زوجته بيسر ~
.
.
فتح باب المشفى بعناء ، إنبلج الباب على مصرعيه مما جعل البعض يلتفت له بغرابه
كان يلهث بشده و نبضات قلبه المتسارعه يكاد يشعر بإنها توشك على التوقف !
لم يهتم البتة لهذا بل سارع للإستقبال حيث تقبع فتاة عشرينية ذات شعر برتقالي و عينان عسلية
سألها بسرعة : أرجوك ، أين هي غرفة الولاده ! كيكو رانزل ، دلفت إلى هنا قبل فترة
أجابته وهي تنظر للمستندات بيدها - صحيح ، سيدي ! إنها في الطابق الثالث غرفة العمليات الثالثه
لم يجبها بل سارع إلى حيث زوجته ، وصل أخيرا بعد عناء ، وفي لحظة وصوله فتح الباب وكأنما هو يرحب به
خرج الطبيب الذي أزال الكمامة عن فمه نظر لهذا الرجل الذي سارع بالإمساك به و هو يسأل عن حال المرأة التي بالداخل
سأل الطبيب مستفسرا ،- أأنت زوجها !
- نعم سيدي ، إنني زوجها !
- لقد ولدت زوجتك " صبيا " ، كانت تسأل عنك ! أدخل إليها إنها تنتظرك !
أومأ برأسه له ، ودلف حيث زوجته ، مستلقاة على السرير الأبيض بوهن و الطفل نائم بجوارها
شعرت به يقترب منها ، فتحت عينيها لتنظر له بوهن و ضعف التعب أرهقها بشده
وصل إليها وهو يمسك بيدها ويقبل جبينها و خط من الدموع قد إرتسم على وجنته
- عزيزتي ، أسف لتأخري لقد أغلقت جميع الطرق للوصول
إبتسمت له بحب وهي تمسح على الطفل بجانبها ، بكل ضعف أجابته
- لا بأس عليك ، إنظر لطفلي .. لطالما أنتظرته ، عزيزي كين سان ! إنه طفلنا سنسميه آرلاي ، آرلاي شان
كان يتألم لنظرتها و صوتها المتعبين ، لو أنه يستطيع فعل شيئ ، لفعل منذ مدة !لما جعلها تتألم وهو يستمع لأنينها كل ليله
لكن ماذا يمكنه أن يفعل ، أراد أن يشجعها و يبعث في نفسها الأمل ، وكأنما هو يمتلكه شد على يديها النحيلتين بقبضته القويه
- بالطبع ، ياله من إسم جميل آرلاي شآن سيكون طفلنا ! سنربيه معا سيكون رائعا ! وجميل كجمالك حبيبتي ؟
همست بتعب : كين سان ، إهتم بآرلاي شان جيدا ، لإجل حلمنا ! أريد أن أكون معكما ، لكنني أشعر بالتعب و النعاس !
إرتخت عضلات يدها وكافة جسدها ، مستوى صوتها كان منخفض و .. و أغمضت عينها من جديد ، ولربما هي تغمضهما للأبد
نادى عليها مرارا و تكرارا ومع صراخه إستيقظ طفلهما ، و باد صوت بكائه يعلو مع شهقات والده الأليمه !
و ماتت كيكو ، في يوم مولد طفلها
إنتظرا هذا اليوم بفارغ الصبر ،.
لكن .. ليس كل ما يتمنى المرء يدركه ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن !!
،.
" اليابان - طوكيو | مارس 2007 .. 3:30 عصرا "
في أحد أركان الغرفة تلك الجثة الهامده قابعه منحنية رأسها كما هي العادة !
في يدها زجاجة الشراب الذي يسهر عليه وحيدا دائما ، حوله أرجاء الغرفة المظلمة .. طاولة نافذة باب ! غرفة على الطراز الياباني
الظلام مانعا النور من الوصول إلى قلبه البائس !
سمع هذا الرجل ذات الجثة الهزيله صوت طفله قائلا " لقد عدت "
لم يجبه أو يذهب لتحيته بل بقي في مكانه غير آبه لما حوله
.. دخل طفله ذات التسع أعوام إلى هذه الغرفة ، نظر لوالده مطولا وهو غير معتاد عليه ! نظرة الحزن التي تنطق بها عيناه كانت أليمة
إقترب من والده وهو يحاول الكلام معه ! في الحقيقة إن جدته هي من تعتني به ، لكنها توفت منذ أسبوع وهذا ما أضطر آرلاي للرجوع لوالده ! إن آرلاي لا يعرف والده ! هو يشك أصلا بإنه والده ؟
- م..مساء النور أبي ، لقد عدت ! كيف حالك
لم يحرك الأخر ساكنا ، وهذا ما أضطر آرلاي للنهوض ،
خرج من الغرفة محبطا ، تمنى لو تعود جدته التي كانت تستقبله بحفاوه ! بحنانها و لطفها
صعد لغرفته فتح الباب تأمل في غرفته القديمه جلس على كرسي بقرب السرير و هو يأخذ صورة من إحدى الصور الموجوده !
~ مسح عليها وهو يبتسم برقة كانت صورة أهدتها إياه جدته ، تحوي امه ذات الستة عشر سنه وجدته التي كانت وما زالت بمثابة والدته ~
- أمي ، جدتي ! كيف حالكما ؟ أنا .. أنا ربما بخير !
تكور على نفسه بحزن و ألم و شهقاته تعلو و تعلو ،
وكما تتساقط أزهار الساكورا الخجوله في هذا الفصل ، تبدأ دموعه بالتساقط كل فصل !
.
.
" مدرسة كيهاجي الثانوية ، 7:44 صباحا "
صوت تصفيق الطلاب يعلو ، و آرلاي الذي ألقى خطاب طلاب السنة الأولى إنحنى لهم بإحترام !
نزل من على المنصة الخشبية ! بهدوء
كان شابا يافعا ، يمتلك بشرة بيضاء ، عينان زمرديه ، شعر أسود فاحم
جلس بجوار صديقة طفولته منذ أن أتى إلى حيث يقطن والده آي منذ أن كان في التاسعة من عمرة ~ ..
همست له : كان خطابا رائعا لقد دهش الجميع من طلاقتك
ضحك بخفة و هو يجيبها بغرور مصطنع : فتاة ؟ مالذي تظنينه أنا كنت أذكى و أفطن و أروع طالب في المدرسة المتوسطة صحيح !!
إردفت للشاب الذي خلفها : أسمعت شخصا يتكلم هنا ؟
أما أرلاي فمال رأسه متما - تبا لك ران ، لقد تم تجاهلي
إبتسمت الأخرى بحيث لم تنظر له و راقبت قائلين الخطابات الواحد تلو الأخر
أما آرلاي ، فهنالك شيئ ما ! هاجس سيئ ، وصورة للشخص ما تتردد داخله ؟
|مدرسة كيهاجي الثانوية ، 4:00 عصرا |
- إلى اللقاء
قالها آرلاي مودعا أصدقائه بسرعة ، لحقت به بهدوء وهي تحاول أن تقرأ ملامحه !
وقفت بجانبه لتضربه على ظهره بخفه : آرلاي ! ماذا بك يا فتى تبدو شاحبا
في الحقيقة ليست من عادات آرلاي أن يخفي شيئا عن ران لذا أجابها بكل صراحه : أشعر بشيئ سيئ سيحدث ، لا أعلم ماهو لكنني لست مطمئنا البتة !
تمتمت هي مهمهمه فإردفت له بعد أن وقفت أمامه و أخذت تنفخ الهواء من فمها : آرلاي ، ثق بنفسك ! لا داعي للخوف من أي شيئ ؟ حسنا ! إنه ليس سوى هاجس لا داعي لإن تعكر صفو يومك لإجله
إبتسم إبتسامة جانبيه وضع حقيبته على رأسها - دائما تنطقين بكلام أكبر منك !
أمسكت بحقيبته في يدها و سار هو شاردا كما هي شاردة الذهن ، كان كل منهما يفكر بشيئ ما ، لكن ..! رفعت رأسها لتقف و عيناها منبلجتان جاحظتان ، صرخت بإسمه مرارا ، وهي ترى دماءه القرمزية المتناثره"
| .. مشفى طوكيو العام ، السادسة و النصف |
وقفت وهي تستقبل والده ،
" رجل نحيل في الأربعينات من عمره ! تخللت خصلات بيضاء شعره الأسود كآرلاي ، عيناه السوداوتان تبدوان باهتتان ، و هالات من السواد تحت عينيه "
- ماذا حدث ؟
- سيدي لقد تعرض آرلاي لحادث !
شعر بنقزة حادة في قلبه ، تذكر هو الآن كل شيئ ، كل شيئ يخص زوجته ! فرحهم بحملها لآرلاي ضحكاتهم تخططيها لكيف تجعل حياة إبنها سعيده ؟ ووصيتها الأخيره !
فاق ، لقد فاق ضميره أخيرا ! لكن .. بعد ماذا !
" بعدما جعل إبنه وحيدا ، عاش حياة كئيبه ! وعندما كان صغيرا و لا مرة من العمر حاول كين فيها إسعاد آرلاي "
جثى على ركبتيه ودموعه رسمت خطا على وجنتيه ترى ؟ ...
قاطعت تفكيره ران وهي تمد يدها و تبتسم له ،!
- مابك سيدي ، لا تقلق إن آرلاي بخير
نظر لها نظرة المتحير لتتابع هي بنفس الحاله
- لقد تعرض لبعض الكسور و الجروح الطفيفة لكن حالته ليست سيئة كثيرا ، إنه نائم بعمق الآن .. لنذهب حيث يقبع !
أمسك بيديها النحيلتين و بدأت تسير به إلى حيث آرلاي ، كان مترددا من دخوله ، لكن .. حيث أن ران حثته على الإستمرار
دخل بهدوء ، ليراه ممددا على الكرسي و ضمادات كثيره تلف بعض معالم جسده !
واصل سيره ، متلهفا ، خائفا ؟ في هذه اللحظة ، تذكر .. مولده ، مولد آرلاي .. ووفاتها ؛ وفاة كيكو !
مد يديه ليمس وجهه بكى كثيرا وهو نادما على فناء سنواته بالتحسر و الغرق في الظلام ،!
فتح آرلاي عينيه وهو يرى والده أمامه ظهر شبح إبتسامة : أأنا أحلم ، أم أنني في الجنة ؟
إبتسمت ران وهي تفضل الخروج لتجعل لقائهما العائلي هذا من خصوصهما ! وحدهما ..
همس والده له وهو ينظر لعيناه : بني ، إنني أسف ، أسف كثيرا
نهض أرالاي وهو يجلس قال ببعض الإنفعال بإبتسامة متحمسة : والدي ! أهذا أنت ؟
حضنه والده متمتما له :.آرلاي ، عزيزي .. إنك تشبه والدتك كثيرا ! عيناك كعيناها ، لو أن فقط شعرك كان أشقر ، لقلت بإنك هي بلا تردد !
إبتسم آرلاي وهو يحاول كبح دموعه : لقد إنتظرت هذه اللحظة كثيرا يا والدي ، لا تعلم كيف تأملت أن تتكلم علي ، أن تشاركني أحزانك التي غرقت بها ،! أبي إنني أحبك أنت ووالدتي كثيرا !
عندما أفكر بالإستسلام يظهر لي طيف أمي فجأة وهي مبتسمه تهمس لي ببضع كلمات ، وكانت تقول لي " إهتم بوالدك يا آرلاي-شان إنه يحبك كثيرا "
علت شهقات والده وهو يطبطب على شعر إبنه : أنا لم أتمكن من الإعتناء بك كما وصتني كيكو ، لكنها إعتنت بك حتى بعد رحيلها !
شعاع من النور ظهر لإمرأه حسناء شقراء ، كانت والدة آرلاي إبتسمت له بعذوبه وهي تلوح لهم ، راحلة إلى الأفق
بعد أن تمت مهمتها و زال قلقها على الشخصان اللذان أحبتهما كثيرا
نظرا لبعض بسعاده وهما يتبادلان أطراف الحديث بعد مدة من رحيلها ،.