{.. الفصل الثآني ~ الرجـَآل الخَمسة وصدِيق قَدِيم /
سماءٌ مدلهمة بغيوم ليلكية لم ينفك أيٌ من ساكني الكوكب بكرهها ،
تضيج إسودادًا مدلهم إليهم .. وتمنح أرضهم دجىً معتمة كئيبة ،
رياح باردة صدعت بالحاجز الغير مرئي حول الأسوار الطويلة ،
تعصم منطقة ليدآر من أن تنهار بغتة إثر تقلبات الكوكب الكارثية ،
داخل المنطقة العريقة الفاخرة .. الأرض الملساء الرمادية أبهجت المنظر بعيدًا عن تلك الأرض القاحلة ،
نافورة ضخمة أفاحت رذاذًا بارد من مياهه اللامعة الشفافة ،
ترقرق النسيم البارد يلامسه بخفة .. يختفي ويظهر تارة وأخرى ،
خصلات شعره السوداء تتحرك متراقصة مع الصَبا بحيوية عكست منظر عينيه ،
التي حملت برودًا مميتًا لتتناسق مع عينيه الشفافتين الحادتين ،
تطلع لـ الأرض .. يجلس على حافة النافورة مُبَلله بعضًا من خصله السوداء ،
الأفكار السوداء التي إعتلت قمة رأسه الآن لم تظهر على وجهه ،
أقلها الإنهيال ضربًا على اي من الوجود خاصة الفتيات اللاتي حدقن به بإعجاب ،
وعى على جلوس لوك بجانبه وناول صديقه كوبًا أبيض حمل سائل وردي شفاف ،
نظر للسائل للحظات بعد ان تمسك بالكوب ليعود محملقًا في لوك الذي لم يستطع درأ إبتسامته ،
إحتدت نظرة تد وأخذ يضغط على الكأس بقبضته يقول بغضب جذب أبصار الكثير حوله :
- لوك .. لما شراب ليوبوف بين يداي ؟
نظر لوك لـ صديقه بنظرة متمردة وإبتسامة مستفزة على شفتيه ..
وقد صرح بأنه سيشرب من الشراب الوردي ذاته عندما أمال كوبه لتد :
- هذا لأنك جذبتني حتى هذا المكان ، يا بليد.
أردف يرفع الكأس لفمه باشرًا بالإرتواء منه كاملاً :
- سأشربه كاملاً ، ولتضع في رأسك أني جعلته يضاعف الجرعة.
لكن قبل أن يستطيع هذا كان الكوب قد سُحب منه إثر تد لينظر لوك بإستياء إليه ،
لكن هالة سوداء تكدست حول تد بجنون .. عيناه زادتا شفافية ،
شعره يتطاير بقوة والضغط زاد حوله ، يضغط بقوة على كوبه الذي ما زال صامدًا ،
ويده الأخرى حملت كوب لوك الذي سُكب على الأرض الرمادية الصلبة ،
وقف تد ووضع الكوب على المكان الذي كان يجلس عليه ،
وتحدث بنظرة حادة شابهت تلك التي إمتلكتها والدته :
- تريد إتمام شرابك ، أثبت لي بأنك تستحق ذلك.
وقفز منقضًا على لوك الذي تلألأ ببرقٍ ساغب ، وكأنه إنتظر إنفجار تد عليه ،
كانا يتشاجران كقططٍ ممسوسة مخمصة شاهدت قطعة سمكٍ مأكولة وإنقضتا عليها كما المخبولين ،
يعتلي أحدهما الآخر فترة وأخرى ، وقد كانت الهالة حولهما عنيفة ،
إنعقد حاجبيّ رآتشيل الأشقر أكثر من السابق فيما يحدق بهما ،
يحنو لأن ينضم إلى شجارهما لكن طاقة زرقاء غامقة أحاطت بذراعيه مكبلة إياه على مقعده ،
سرعان ما عاد ينظر لِنوآ أبيض الشعر بحقد شديد وقد تأججت عيناه كما لون النيران ،
لينفعل أخيرًا كون صديقه الهادئ يتجاهله محملقًا بحماس في كتاب بين يديه ، بزمجرة :
- تبًا لك ، نوآ .. فقط دعني أتخلص من طاقتك اللعينة هذه ، وسأدحر وجودك أيها الملعون.
حدقتا نوآ الزرقاوتين زراقًا لامعًا قد إنتقلت من الكتاب لرآتشيل بنظرة متململة ساخرة :
- تخلص من الطاقة أولًا وحينها هدد كما تشاء.
وإنكفأ ينظر للكتاب .. توقد رآتشيل بنيران هوجاء وإحترق الكرسي الذي كان عليه لكن الطاقة تتشبث به ،
أخذ يتحرك حول نفسه كما المجانين .. يكد في محاولاته الفاشلة للتخلص من الطاقة ،
إبتسامة هادئة إحتلت شفتيّ نوآ يعاين رآتشيل المضطرم نارًا شديدة دلت على غضبه ،
تحرك هنا وهناك محاولًا التخلص من الطاقة الزرقاء الخاصة بنوآ ، والذي قرر تحريره ..
تلاشت الطاقة بغتة ليتفاجأ رآتشيل وجسده لم يستوعب إنطفاء النيران وتوقفه المباغت ،
ليقع أرضًا على وجهه ويخمد إنفاعله لحين .. ونوآ يراقبه بنظرة متكبرة متعجرفة ومستهزئة ،
إستعرت النيران مجددًا حول رآتشيل ليرفع رأسه ببطء شديد ويقول بنبرة مخيفة قاتلة :
- سأزهق روحك بيدي أيها اللعين.
انتاعَ نوآ وإرتد يقرأ كتابه ، مستهزئًا بكم يحمل الشاب أمالًا في خلده لكنه أُبهتَ ..
بأن قفز رآتشيل عليه وراح يشاجره بعنف كما مع تد ولوك ،
يتجاهل الأربعة عيون المشاركين المتعجبة والمفزوعة من ما يحصل ،
النظرات الزمردية فضولية الضمن من ذات خصلٍ حمراء لامعة طويلة ،
وأخرى صفراء قانطة مليئة بالعزاء لذاتها .. فكم أبتليت هي بأغبياء في عالمها بشعرٍ بنفسجي قصير ،
أخذت تنظر للشابة الفضولية بجانبها تقول بعدم إهتمام وهي تحرك يدها لها :
- كآثرين - سآن ، لنترك المكان قبل أن نصاب بوبائهم.
لكن كآثرين ردت بحماس وقد كانت تجلس على كرسي أمام طاولة دائرية ،
فيما وقفت إيفـآ خلفها تكتف كتفيها بعدم إهتمامٍ لكونها يجب أن تكون رسمية في هذه المهمة :
- لا .. يبدو الأمر ممتعًا ، لنتابعهم رجاءً.
لم يكن تصرف الشابة التي إرتدت فستانًا فاخرًا أحمر وصل حتى ركبتيها وشالًا أسود مقبولاً ،
نسبة لكونها من معشر الطبقات العليا البغيضين .. وأخذت إيفـآ تراقبها متحيرة ..
هل يوجد غيرها من أولئك الشابات الباهتات حياةً تحمل كل هذه الحيوية في دمائها ؟
لكنها نفت الأمر برأسها لنفسها .. وقد تذكرت ذاك الحفل الذي كلفت مرة بحمايته وحدها ،
كن جميعًا جميلات بملابس فاخرة جميلة لكنهن سنحن باهتات كما لوحات الفنانين الصامتة ،
ولم تجد حلاً سوى أن تراقب الوضع بعينها الصفراء الظاهرة .. وشدت على عقد يديها أمام صدرها ،
متكتفة متململة وضجرة .. فهي ستكذب إن قالت أنها لا تريد الإشتراك في ضربهم جميعًا :
- على كل المشاركين في دوري ليدآر السنوي التوجه للساحات المخصصة حتى تبدأ التصفيات.
دفع تد بـ لوك بعيدًا عنه وقال بعد أن إنتصب واقفًا بنظرة غاضبة حادة :
- صدقني يومًا ما ستجد نفسك جثة حينما تستيقظ من نومك.
رغم كون كلام تد لم يكن يمت للمنطقية بصلة لكن لوك رد يقف بإستياء :
- لن تفعل ، لأني سأفعل هذا قبلك.
سرعان ما تنهد الإثنان في نفس الوقت .. وذهب كلًا منهما للساحة التي سيقاتل فيها ،
أما نوآ ورآتشيل فقد قُيِد رآتشيل مجددًا لكن هذه المرة مضجعًا على معدته ونوآ ينظر له بعجرفة ،
وصوت المرأه يعلن عن البدء قد جعله يبتعد عن رآتشيل فجلجل الأخير بإهتياج :
- نوآ أيها اللعين الجاهل ، أفلتني وإلا قضيت عليك يا ملعون.
رد نوآ متجاهلًا لعنات رآتشيل المعتادة بصوتٍ عالٍ حتى يستطيع رآتشيل سماعه :
- حتى أصبح في منطقة آمنة من نيرانك ، سأتركك تذهب.
تأجج رآتشيل مجددًا يقول بسخط شديدة ووعيد شرس :
- أقسم بأنك لن تفلت من فعلتك هذه يا لعين ، نوآ.
ودوى إسم الأخير مجلجلًا فيما إبتسم نوآ بهدوء يختفي الكتاب من يديه إثر طاقة زرقاء .
~
- تد وكليزاد .. إلى أماكنكما رجاءً.
تقدم تد وقسمات وجهه أظهرت إبتسامة خبيثة ونظرة رديئة ،
متشوقًا لأن ينفس عن غضبه كله في خصمه الذي كان ضخم الجثة ،
بشع الوجه ويحمل فأسًا ضخماً يفتك الرؤوس .. بصوت كِلع ردد متعجرفًا :
- إسمع أيها الغِر ، تملك فرصة أخيرة للإنسحاب قبل أن ..
لكمة .. ليرتدع الضخم للخلف حتى إصطدم بالجدار الدائري ،
والذي صمد بأزر رغم قوة الإصطدام .. تقدم تد ببطء وقد أحجبت خصلات شعره عيناه ،
يطقطق أصابعه بصوت مسموع واضح ، أرسل الرعشة لجسد خصمه ،
رفع تد وجه الرجل بيده التي إرتدت قفازًا جلدي أسود ،
وضغط على خدي الرجل حتى يفتح فاهه ، وهمس بصوت مخيف بارد :
- وأنا لن أعطيك فرصة للإنسحاب .. ولن أنكف عن تعذيبك حتى أشعر بالضجر.
صرخة خرجت من إحدى النساء اللاتي إشتركن في الدوري .. جراء تمزيق تد للسان خصمه ،
وبقرف نفض الدماء عن إصبعيه ، وأخذ يتطلع بنشوة مجنونة للرجل .
~
أخذ شعر لوك يتطاير والنظرة المستاءة لم تغادر عينيه ،
خصمه الذي كان طويلًا بعضلات شديدة وقبضة بدت مدمرة قد باشر الهجوم ،
لكن وبسرعة لم يلحظها أحد كان لوك قد ظهر خلفه بعد أن تكتل البرق حوله ،
ليهمس بإنزعاج وهو يراقب خصمه الذي يلاحقه كما الحيوانات المثيرة للشفقة :
- ألا أستطيع التفكير بهدوء.
رفع إصبعه السبابة للأعلى قليلًا وتوقف خصمه عن التحرك متحرزًا ،
ومن السماء .. صعقت الرجل رعدٌ شديد ، جعل منه يرتجف بجنون ،
ولوك يراقبه بإبتسامة مستهزئة يتخيل شكل تد لو كان مكانه ،
وكم أدركه الحماس برغبة شديدة في فعل هذا حالًا ،
إستوعب كونه يصعق الرجل منذ فترة لذا أرخى إصبعه ،
وسقط الرجل مصروعًا يرتجف كل دقيقة مفزوعًا ومتألمًا .
~
نظر لخصمه بعينين حملتا لون النيران المتقدده ، والغضب واضح فيهما ،
كل ما إستطاع الرجل إطفاء نارٍ إشتعلت في أحد أجزاء جسده تعود للإشتعال في جزء آخر ،
وهكذا حتى شعر بالإرهاق .. إنبطح أرضًا وراح يتدحرج صارخًا بكم هذه النيران حارقة ،
وأصبح يرجوا رآتشيل أن يعفو عنه ويستسلم من كل قلبه :
- أنا أستسلم ، أرجوك لا تحرقني .. لن أشارك في الدوري مجددًا.
إقترب رآتشيل منه وحمله من ياقته غير عابئٍ بالنيران التي أشعلت الرجل ،
بل إتضح أنه لم يشعر بالآلم منها .. وزمجر بغضب شديد وسخط مخيف :
- لن أتركك ، سأجعلك تحترق أيها اللعين .. لقد رأيتك تضحك حينما قيدني نوآ.
إنتحب الرجل بخوف شديد وهو يرد بنبرة مرتجفة مرعوبة :
- أنا كنتُ في الحمام .. أقسم لك.
~
نظر للرجل الذي وقع أرضًا بعد أن إنهال عليه ضربًا ،
هو لم يكن غاضبًا كما الثلاثة الآخرين .. لكنه شعر برغبة في ضرب شخصٍ ما ،
بعثر شعره الأبيض وظهر كتابه بين يديه على نفس الصفحة التي إختفى فيها ،
وأخذ يقرأ الكتاب بهدوء فيما يغادر الساحة بثبات وذهن حاضر رغم عدم وضوح هذا ،
جلس على طاولة دائرية حملت أربعة كراسٍ .. جلس فيها كلٌ من تد الذي كان يتنهد مرتاحًا ،
لوك بين يديه جهاز أبيض رقيق مستطيل الشكل .. وصورة رقمية لشابة بدت نظريته تقف بجانبه ،
وأخيرًا رآتشيل الذي كان يأكل من صحنٍ أبيض دائري طعامًا لم يهتم بماهيته ،
وحين إنشغل أربعتهم بإهتماماته حتى تد الذي راح يشرب شرابًا دافئًا ..
تقدمت بحذائها الجميل ذا اللون الأسود وذي الكعب الطويل ،
فستانها الأحمر الحريري وشال أسود خبأ كتفيها العاريين ،
وقفت أمام الطاولة بإبتسامة حيوية .. وقد رفعت خصل شعرها الحمراء للأعلى بطريقة راقية ،
وعيناها الزمرديتان الخضراوتان حملتا أريحية ولطفًا شديدًا .. جذبت نظر الأربعة لها على الفور ،
وفيما يتأملون جمالها العجيب .. إنتصبت إيفـآ بوقفتها الواثقة بجانب الشابة وأخذت تقول بحدة :
- هي أنتم أيها البربريون .. بحق الله ماذا كنتم تفعلون ؟ ومن سمح لكم بالحضور لهنا ؟
وقف لوك سريعًا يقول بثقة وخيانة شديدة جعلت من تد يراقبه بحدة إختفى عنه لوهلة قليلة :
- إيفـآ .. أنتِ هي منقذتي ، تد جذبني حتى هنا ولأجل ماذا ؟ المال.
وقف تد يدافع عن نفسه لزميلته ولوك في الفريق بحدة بعد أن ضرب الطاولة ووقع شرابه وطعام رآتشيل :
- هو السبب في هذا .. لقد جعلني أفلس تمامًا بعد أن أفلس هو !
وقف رآتشيل بغضب يراقب طعامه بعيون حملت دموعها في طرفيها وصاح :
- أيها اللعين ، لقد كان الطعام لذيذًا.
نقل تد عيناه الحادتان ناحية رآتشيل يقول بحنق :
- أصمت ولا تلعن في كل كلامك يا معتوه.
تنهد نوآ بيأس وعاد يقرأ كتابه ، وما إن كادت إيفـآ تنهرهم حتى تنحنحت كآثرين ،
وإن حنت إنحناءة ثابتة .. وعرفت عن نفسها بإبتسامة جميلة :
- أسفة لمقاطعتكم ، أدعى كآثرين كآميرون .. وأود حقًا لو أتعرف إليكم كذلك.
همس لوك مستغربًا لإيفـآ كما حل الصمت على تد ورآتشيل الذي كان يمسك كلًا منهم بـ ياقة الآخر :
- إيفـآ .. كيف بحق الجحيم تحدثتِ مع فتاة رقيقة مثلها ؟
لوك لم يستوعب أنه وللتو أهان إيفـآ بكلمة محرمة لديها فـ الرعب حل على وجه الشابين بجانبه ،
والحذر ظهر على وجه نوآ الذي وقف وسحب كآثرين معه للخلف ،
فيما تراجع رآتشيل وتد سريعًا حتى أن تد قد قرر عدم التدخل في أمرٍ خطير كهذا !
سألت كآثرين متعجبة من سحبِ نوآ لها وهي تراقب ملامح إيفـآ التي إختفت بعد أن أنكست الأخيرة رأسها :
- ما المشكلة ؟
- كآثرين - سآن ، أود حقًا إخبارك بالأمر لكني عانيت من تجربة شخصية مخيفة.
قال بشفقة شديدة من لوك الذي إستوعب للتو المشكلة التي وقع فيها ،
وللحيطة وضع جهازه الذي يحبه على الطاولة وأخذ يتراجع ببطء حتى لا تشعر إيفـآ به ،
لكن تمشي الرياح بما لا تشتهيه السفن .. جرته إيفـآ من شعره بقوة وقد ظهر أذني قطعة فوق رأسها ،
وذيلٌ خلفها .. أظافرها قد طالت وعينها اليسرى أصبحت أكثر لمعة .
~
أنينٌ مُتألم خرج من شفتيّ لوك الذي ما زال يجاهد لإبقاء دموعه إستمرارًا لكبريائه ،
تد قد تجاهله وأخذ يقلب في القنوات أمامه .. شاشة سوداء تطفو في الهواء ..
أمام جدار أبيض وحمل تد بيده اليسرى قرصًا أبيض خفيف ،
جلس رآتشيل بجانبه يراقب القنوات مع تد وفي كل مرة كان يتحمس مع قناة يغيرها تد لأخرى ،
ونوآ على سريره الذي يجاور سرير لوك المتألم وما يزال يقرأ كتابه ..
والذي حمل عنوان { لعنة سواردس } ~
ترك تد جهاز التحكم ليأخذه بسرعة ويبحث عن ذاك الفيلم الذي أعجبه ،
جلس تد على سرير لوك وأخذ ينظر له بشفقة .. وقال ببرود وجفاء :
- تستحق هذا ! إنها المرة الرابعة هذا الشهر.
دمعت عينا لوك يحتضن الملاءة التي غطته بآلم شديد وقد ظهرت آثار أصابع على وجهه :
- أقسم أني قلتها ببراءة !
ضحك تد بسخرية عليه .. نظر لِنوآ بعد أن إنتهى من الهزل بلوك وقال :
- ما الذي أَحضرك لهنا ؟
- مهمة .. وفي الحقيقة لستُ أعرف ما هي !
- مهمة ؟ لما لم يأتي إيفآن إذًا ؟
- لقد كان معنا لكنه إختفى مع مجموعة فتيات.
إنضم رآتشيل لحديثهما قائلًا بسخرية وهو يغير القناة التي كان يشاهدها :
- ذاك اللعوب ، لو علمت إيفـآ بهذا فمصيره سيكون كما لوك.
رد لوك بعصبية محاولًا بعث الرحمة لقلوبهم :
- ألا تملكون قلبًا ؟ أنا أتألم هنا وأنتم تهزأون ؟
~
صوت إصطدام قطراتِ مياه بأرضٍ صلبة متتالية ورتيبة أيقضته ،
أحس بجميع خلايا عقله تتجمع في أعلى رأسه كونه مقلوبًا رأسًا على عقب ،
يداه مكبلتان للأسفل وقدماه مرفوعتان للأعلى .. والظلام أحاط عيناه المعصوبتان ،
كان قد سمع أثناء نومه صوت بابٍ ثقيل يُوصد ومن ثم خطوات رتيبة توقفت قريبًا منه ،
وما أثار إنزعاجه أكثر هو ان أحدهم قد سحب العصابة من عيني تد لتعمى عينيه بنور ضئيل موجه إليه :
- تد إبن أرلِيت ، كم أنا مدهوش.
لوهلة شعر تد كما لو كان ينظر إلى نظير والدته الرجولي .. فتلك العينان الحادتان المملوءة ببرود شديد ،
شعره الأسود وبؤبؤاه الرماديان ، ملامحه الحادة شديدة التشابه بها لكن وشم على خده الأيمن ميزه ، يداه إرتجفتا رِغمًا عنه كونه يحملق في مثيل لوالدته ، وإنكفأ يقول بصوت بارد حاقد لإختطافه له بهذه الطريقة :
- من أنت ؟
شبح إبتسامة إعتقد تد بغتة أنه رأه على وجه الرجل الثلاثيني ، يقول :
- من يدري قد أكون صديقًا قديمًا لوالدتك ؟
- لا تهزأ بي أيها الذليل .. أخبرني بإسمك حالًا ؟
يد الرجل قد تحولت فجأه لسيفٍ أسود حاد ووقع تد فجأه على ظهره في الأرض الصلبة ،
تأواه متألمًا .. وسمع صوت الرجل يهمس بصوت واضح :
- إسمي أسُكـآ .. سأكون بجانبك حينها تد!
وإستيقظ تد مفزوعًا من سريره أو بالأحرى من الأرض وثلاثة أزواجٍ من العيون تراقبه متعجبة ،
بادلهم تد النظرات الحادة .. لكن تكسر الباب قد فاجأهم خاصة أن إيفـآ قد دخلت :
- هي أنتم .. لقد إكتشفوا أمرنا !
~
- حقًا ؟ أحضرت كل شيء عداها ؟ كل شيء ؟
خرجت تنهيدة من بين شفتيّ إيفـآ وهي ترد منزعجة :
- إلهي نوآ .. وما دخلك أنت ؟ إنها مهمتي أنا.
رد نوآ وقد كان الغضب يشع في عينيه الزرقاوتين :
- ما فعلته سيسيء لسمعتنا أيتها الخرقاء !
حينها فقدت إيفـآ سيطرتها على أعصابها 'كون الأمر كان غلطتها' وزمجرت :
- ومن عينك رئيسنا أيها الأرعن ؟
أمسك بياقة ملابسها في غضب وقال بحدة بعيدة عن هدوءه المعتاد :
- أنا أستحق هذا فلست مثلك لا أمتُ لنوعي بصلة.
شهقت إيفـآ فزعة وتشبثت بملابس نوآ وقد زاد لمعان عينها اليسرى :
- كيف تجرؤ ؟
وقبل أن تستطيع إيفـآ إتمام حديثها .. ضحكة رقيقة خفيفة أوقفتها ،
لتلتفت حيث كآثرين تمشي بخطىً رشيقة بجانبها إيفآن ..
الذي تجاهل نظرة إيفـآ النارية في حين كان يشبهها تمامًا ،
وأخذ يتحدث مع كآثرين بتملق ، والأخيرة تبتسم برقة ..
لم يستطيع إتمام حديثه فقد كانت إنقضت إيفـآ عليه بأظافرها ،
وهو يحاول جعلها تخدش أي جزءٍ من جسده عدا وجهه الذي يحب ..
وزمجرت به فيما يتمسك هو بيديها الحادتين وإبتسامة معتذرة على وجهه :
- إيفآن أيها الغبي ، سأقتلك.
- عزيزتي إيفـآ .. شقيقك إيفآن أنقذك من براثن وحشٍ كاسر وتريدين قتله الآن ؟
تحدث لوك بلا مبالاة يتكأ على شجرة ميتة من بين مثيلاتها العديدات :
- سيرو - سآمآ ستسرق عذرية شفاهكِ ما إن تعلم بأنكِ كدت تنشرين سمعة سيئة عنا !
تابع رآتشيل برأفة على حالها وقد وقف جنباً إلى تد الشارد ذهنيًا :
- أرأف لحالك حقًا إيفـآ .. لا اعلم كيف تتحملين الزعيمة المنحرفة !
إرتجف جسد إيفـآ لا إراديًا وراحت تتخيل نظرة سيرو المتلذذة لها ،
نظر نوآ لـ رآتشيل بطرف عينه يقول بإبتسامة ساخرة شديدة :
- أتساءل ما الذي ستفعله الزعيمة حينما تسمع كلامك هذا رآتشيل ؟
إرتعدت أوصال رآتشيل وراح يحتضن نفسه فزعًا .. أما لوك فقد ضحك عليه بسخرية ،
قالت كآثرين بصوت مسموع قليلًا حتى تجذب نظر الستة إليها :
- معذرة ! لكن لماذا تركنا منطقة ليدآر ؟
أنظار الجميع إنتقلت لا تلقائيًا للصوت الرقيق الشاذ عن أصواتهم ،
وراحوا يتأملونها بصمت ليهمس إيفآن لشقيقته بتعجب :
- أليست تعلم عنا شيئًا ؟
نظرت إيفـآ لإيفآن بنظرة متململة وراحت تقول ببرود :
- لا والدها هو من قام بتعيني وقد بدا كارهًا للأمر وبشدة ، أعتقد أنه ضد العصبات ومع المنظمات.
تحولت نظرتها للحقد تتذكر كلمته وتتشبث بياقة إيفآن أكثر لـ تخنقه :
- إستمر يهينني بقوله 'لقد طلبتكم حتى ترضى إبنتي بالحماية ليس من أجل سمعتكم أيها البربريون'.
سرعان ما تركت إيفآن وإتجهت ناحية كآثرين تقول ببرود وقد أظهرت وَشمًا أسود عند قلبها :
- نحن 'عصبة الأساطير' !
وبدور زملائها كانوا جميعًا قد أبلجوا ذاك الوشم الأسود في صدورهم ،
إتسعت عينا كآثرين لا شعوريًا بفرحة واضحة .. وقد وضعت يدها أمام فاهها بدهشةٍ أن والدها أنصت لطلبها.
~
- نيه ، أسمعتِ عن آخر تحركات عصبة الرجـَآل الخمسة ؟
- آه أجل .. لقد سمعت بأنهم طمسوا قرية بكاملها !
- أنا حقًا لن أرغب يومًا بالتورط معهم ، رغم أنهم من أكثر الشبان وسامة على دآكوآس !
- لا اعتقد بأن هذا يكفي ، إنهم قساة جدًا رغم أني لا اعرف عنهم الكثير.
- ماذا ؟ أحقًا لا تعرفين ؟ ألا يخبرك زوجكِ عنهم شيئًا ؟
- لا .. إنها من المواضيع المحضورة لديه.
- حسنًا سأخبرك لكن لنتفق على ان يكون كل ما أقوله سرًا !
- أعدك.
- عصبة الرجـَآل الخمسة لديهم هدف ألا وهو إبقاء نجم كرآس في الظلمة.
- ماذا ؟ وهل هناك طريقة لإعادة ضوئه ؟
- إششش ، أيتها المغفلة أخفضي صوتك .. أجل هناك طريقة لكنها مجهولة ، بل إن هذه الطريقة كانت سببًا في ظلمته !
'أردفت بعد تنهيدة' قبل زمن طويل واعتقد بأنكِ تعلمين ذلك كوكب دآكوآس كان من أجمل الكواكب ،
لكن رئيس عصبة الرجـَآل الخمسة والذي لا نعرف عنه شيئًا ، هو السبب في هذه الغيوم النكبة !
- ولماذا فعل هذا ؟ هل هناك من يحب الظلمة والبرد ؟
- لستُ متأكدة فهناك الكثير من الشائعات بشأن ذلك لكن أكثرها دقة هو انه يحترق بالضوء وينهار بالحرارة.
- ورغم ذلك ليس له الحق في أن يجلب التعاسة للملايين.
- أوافقكِ الرأي ، لكن لا أحد يستطيع معارضته أو معارضة رجاله !
- آه .. أتمنى لو أستطيع رؤية دآكوآس سابقًا ، أي قبيل اليوم x7540.
- يكفي وصف الكتب عنه ، كواكب النجم الأعلى الشمس يأخذون فقط بقايا شتاءنا الدائم وهو مجرد فصلٍ واحد لديهم !
كان رآتشيل ونوآ ذوي السبعة أعوام قد إستمعا لمحادثة المرأتين في المقهى بحماس ،
وحينما أوشكت الأخيرة على إتمام الحديث لم يستطيع الصغيرين سماع شيء بسبب وقوف ستيلآ ،
التي قالت بغضب وعيناها اللتين إمتلكتا لون تقدد النيران الهوجاء :
- لنذهب من هنا يا ولدان ، فأنا لم أعد أحتمل إنتظار نآتآليآ.
زم رآتشيل الصغير شفتيه ووقف يصرخ في وجه والدته :
- لكني أريد البقاء أكثر لن يضرنا شيء.
بنظرة نارية من عينا والدته كانت ستيلآ قد قالت بغضب شابه الخاص بإبنها جعل من خصلات شعرها الشقراء تتراقص مع حركتها :
- لا لو بقينا أكثر نآتآليآ اللعينة والبليدة ستتأخر أكثر ولستُ مستعدة للبقاء في الملل أكثر.
قفز رآتشيل من مكانه منزعجًا وقال يزمجر بسخط :
- لا أريد.
- بلى تريد.
وحملته من الأرض كي يلحق بها نوآ دون أي كلمة وكم شكرت ربها أنه ليس بشخصيته الأخرى اللعينة.
أرجو عدم الرد =)