الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأعظم سيدنا محمد المرسل رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ورسل الله أجمعين. وبعد الحث على مجانبة الحرص للعاقل
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم )يَهرْم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص، والحسد
قال ابن حبان البستي رحمه الله : ركّب الله جل وعز في البشر الحرص والرغبة في الدنيا الفانية، لئلا تخرب، إذ هي دار الأبرار، ومكسب الأتقياء، وموضع زاد المؤمنين، واستجلاب الميرة للصالحين، ولو تعرّى الناس عن الحرص فيها بطلت وخربت، فلم يجد المرء ما يستعين به على أداء فرائض الله، فضلا عن اكتساب ما يجْدِي عليه النفع في الآخرة نفلا، والإفراط في الحرص مذموم، كما أنشدني على بن محمد البسامي:
ليس عندي إلا الرضا بقضاء الل ... ه فيما أحببته أو كرهته
لوْ إليّ الأمور، أختار منها ... خيرها لي عواقبا ما عرفته
ولو أني حرصت جهدي أن أد ... فع أمراً مقدراً ما دفعته
فأرى أن أردّ إلى مَن ... عنده علمُ كلِّ ما قد جهلته
وقال لاحظَّ في الراحة أن أطاع الحرص، إذ حرص سائق البلايا، فالواجب على العاقل أن لا يكون بالمفرط في الحرص في الدنيا؛ فيكون مذموماً في الدارين، بل يكون قصده لإقامة فرائض الله، ويكون لبغيته نهاية يرجع إليها؛ لأن من لم يكن لقصده )منها( نهاية آذى نفسه وأتعب بدنه. فمن كان بهذا النعت فهو من الحرص الذي يحمد.
وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري:
الحرص عونٌ للزمان على الفتى ... والصبر نعم القرنُ للأزمان
لا تخضعَنَّ فإن دهرك إن رأى ... منك الخضوع أمَدَّهُ بهوان
وإذا رآك وقد قصدت لصرفه ... بالصبر، لاقى الصبر بالإذعان |