هم فحزن فعجز فكسل !
[align=center][tabletext="width:80%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_04_14139801929931331.png');"][cell="filter:;"][align=center]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
هؤلاء الكلمات الأربع كان كثيراً ما يستعيذ منهن النبي –صلى الله عليه وسلم- كما يخبرنا بذلك خادمه أنس بن مالك -رضي الله عنه- كما في صحيح البخاري (كنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل...) الحديث.
ولنا وقفات مع هؤلاء الكلمات الأربع:
فالهم هو شغل الفكر والعقل والقلب، وغالباً هو بداية الحزن، فيهتم الشخص أولاً، ثم يحزن تبعاً لهمه. وليس كل هم مذموم، بل إن الهم الذي يؤدي إلى الحزن هو المذموم، ولا يكون ذلك الهم الا هم الدنيا، فكل هموم الدنيا تؤدى إلى الحزن؛ وذلك لأمور:
- أن باهتمامه بالدنيا انشغل عما خلق له من عباده ربه فكان الشقاء جزاءه.
ما أخبرت به، وما لم أخبر هو مصداق حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: (من أصبح والدنيا همه فرق الله شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يؤته من الدنيا ألا ما كتب له).
- أما الحزن فليس مقصود في ذاته ولا يتعبد به، إذ كيف يتعبد به والنبي –صلى الله عليه وسلم- استعاذ منه، لكن قد يحدث الحزن اتفاقاً، فينهى عن التمادي الذي يؤدي إلى المغالاة، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا) فهذه أكمل الحالات حزن قلب؛ لأنه المناسب للرحمة التي خلقت فيه، ثم هذا القلب أيضاً ممتلئ بالرضا عن الله، فيتحقق التوازن والتناسب.
- نقول ذلك لأن أغلب البشر عندما أرادوا إزالة هذه المخاوف والأحزان، سلكوا سبيلاً به تزيد عليهم أضعافاً مضاعفة، فوقعوا فيما فروا فيه، وداروا في دائرة لا نهاية لها من زيادة الأحزان والهموم والمخاوف؛ لأنهم سلكوا سبيل البعد عن حالتهم وما خلقوا له.
فانظر إلى حال هذا العبد الذي كلما حقق من كمال العبودية، كلما انقضى عنه من الهم والحزن في الدنيا والآخرة (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)
- ثم تأمل معي في معنى العجز والكسل، وسر اقترانهما؛ لتعلم أن هذا الدعاء فيه سر عجيب، فالعجز هو وجود إرادة للفعل مع عدم وجود قدرة لإنجازه أو قدرة ضعيفة.
فانظر كيف رتب النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاءه لتقف معي على هذا السر البديع ممن أوتى جوامع الكلم. فالإنسان إذا اهتم بالدنيا حزن عليها. فأصابه العجز عن عمل الآخرة، فيولد ذلك الكسل فلا يريد الآخرة -والعياذ بالله-، وهذا هو ما رتب به النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاءه فبدأ بالاستعاذة من الهم الذي يولد الحزن، وهذا الحزن يصيب صاحبه بالعجز، ومن ثم يصاب بالكسل. والله أعلم.
وعلاج العجز وضحه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (استعن بالله ولا تعجز)، فيكون بالاقتصاد التام، والانكسار الكامل والاستعانة المطلقة بالله، ولا يكون ذلك إلا بتمام اليأس من النفس وحولها وقوتها. والاعتقاد الجازم بمدى فقرها وعجزها وذلها لربها وخالقها.
- وأما الكسل وهو عدم إرادة الآخرة، وتسويف عمل الآخرة، فسببه أن الإنسان قد يأتيه أرادات الخير والصلاح، فيردها ولا يريدها، ويعجز عنها فيعاقب بتقليب القلب، فلا يريد الآخرة، ولا يسعى لها كما قال الله -عز وجل-: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الأنعام:110).
فهؤلاء قد عوقبوا بتقليب القلوب والأبصار عن الحق والإيمان؛ لأنهم جاءهم منادي الإيمان أول مرة فردوه، ولم يستجيبوا له كحال أغلب الناس اليوم، نجد قلوبهم مليئة بإرادات الدنيا وشهواتها ، وليس في قلوبهم إرادة للخير، بل نجدهم قد يحاربون الخير، وتنتكس قلوبهم، فيرون المعروف منكراً والمنكر معروفاً، نجدهم كما وصفهم النبي –صلى الله عليه وسلم- عالمين بأمر الدنيا، أجهل ما يكون بأمر الآخرة، يحقرون العظيم وهي الآخرة، ويعظمون الحقير وهى الدنيا.
فإذا أتتك بادرة الخير من صلاة أو صيام أو زكاة وغيرها من الطاعات، وحدثتك نفسك بها فبادرها، واستغلها، ولا تتكاسل عنها، واستجب لنداءات ربك في كتابه: (وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133).
وصلِّ اللهم وسلِّم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. [/align][/cell][/tabletext][/align]
__________________ - صبر جميل والله المستعآن |