"إلى أين تذهبين؟ لا تتركِيني "
"تعلَمين ألين.. أحياناً أندَم على تكويني لهذه العائلة..
فقط لو أنني لم أتزوجه , فقط لو أنكِ لم تولَدِي " لم تكُن ألِين قادِرةً على الشعورِ برطوبة الجو المُنعِشة , الارتِباكُ يتملُكها مع كُل خطوة تُقرِبُها من المنزِل المنشود , حقيقة أنها كانت تأتي إلى هنا بين الحين والآخر لم تخفى على صديقتها التي أصرّت على أن تُرافقها هذه المرة , برجاءٍ تحدثت الشقراء..
_سام , لنتراجَع , هذا يكفي .. ما من داعٍ لتُزعجي نفسِك بمشاكِلي..
_الإزعاجُ يروقني..
صدتها داكِنةُ الشعر باتِزان , مما رسَم عبوساً على وجه ألين , لم يمنعها من أن تُحاوِل مُجدداً..
_اسمعيني , لقد اعتدّتُ ابتِعاده , صدقاً لا أرى نفسي في حالٍ أفضَل..
توقفَت سام عن السير مما أجبر ألين على التوقف تلقائياً ..
في مُنتهى الهدوء تحدّثت وشيءٌ من اللومِ شابَ نبرتها , بينما انخفَضت الأعين الرمادِية إلى الطرِيق في حين أكمَلت..
_كونِي شاكِرة لأنه لم يرحَل إلى الأبد ,مُمتنة لوجود الفُرصة الثانية..
التزَمتْ ألين الصمَت أمام ما بدا لها توبيخاً , هي قد اعتادَت على الصراحَة التي تحمِلها كلمات سام , كانت دائماً ما تُقابِلها بالصمت , مُدرِكة بأن غيره لن يُفيد..
كان أن انتَبَهَت للرجُل المُمسِك بهاتِفه مُعطِياً إياهما ظهره , الذي انسدَل عليه شعرُ أشقرٌ باهِت, فقامَت بسحب صديقتها وأخذتا الطريق على اليسار حيث لا يتمكّنُ من رؤيتهما..
_إنه , يُشبِهه من الخلف فقط..
خطَت سام بضع خطوات , حتى أوقفتها ألين..
ألقَت ألين نظرةً على ملابِسها , كانت ترتدي معطفاً بسيطاً أحمر اللون على القميص الأبيض كما البنطال , لم تعرف سبب اهتِمامها بمظهرها في وقتٍ كهذا , استيقظت من شرودها على تساؤل..
_أنا .. لا أدري , سأعود لاحِقاً ..
ألقَت بإجابتها المُتردِدة , لتسألها سام..
استغربَت السؤال القادِم دون اعتِراض, لكِنها أجابت وهي تُشير إلى الطريق باسِمة..
_من هُناك , ثم ننعطِف يساراً مع طريق المكتبة..
بادلتها سام ابتِسامة بينما سارَت مُسرِعة وهي ترمي بعبارة..
أغمَضت ألين عينيها مُرتبِكة بينما تصلّبَت غير قادِرة على اللحاقِ بمن سارت نحو من تجنبته هي..
كانت سام تُسرِع الخُطى مُبتعِدة بالرغم من أن الأرض زلِقة نسبياً ..
هي أسعد ما يُمكِن من أجل صديقتها , لكن شيئاً ما يدفعُها لأن تبتعِد فقط ..
تُحاوِل ألا تتعدى ذاك الخيطٌ الرفيع الذي يفصل الغِيرة عن الغِبطة !
أمسَك كفُها بأحد قضبان السور الذي طوّقَ الحديقة يمينها , نظرَت إلى اليسار لتطمئن برؤية المكتبة التي ذكرتها ألين سابِقاً , ذهبَت ببصرِها إلى حيث كفها الذي أفلت المعدن البارِد حين ظنّت أنها رأت شقيقها من أرّق بالها..
أرسلَت البصرَ ثانِيةً , تُحاوِل أن تُبصِر شيئاً من بين جمُوع البشر التي تمشي وتجيء..
لثوانٍ وقفَت مُتسِعة العينين.. قبل أن تُسرِع راكِضة تصطدِم بالمارّة دون اعتِذار , حتى عبرت بوابة الحدِيقة وسارَت مُروراً بالألعاب الكهربائية, إلى حيثُ كان هو..
انحنَت جالِسة بينما أمسكَت بكفه المُحمر من القرس , ابتِسامةٌ حزينة ارتسَمَت على شفتيها فيما تحسّسَت الكدمات الزرقاء على ساعِديه , ضربت برفقٍ على خدِه..
لاحظَت واجِمة أن قميصه خفيف طويلُ الأكمام لكِنه صيفي , خلعَت وشاحها الرمادي وأحاطت عنقه به ثم عادَت تُكرِر..
أخذَت هاتِفها بينما تساءلَت , بمن عليها أن تتصل؟! خطَر على بالها فيكو , لكِنه لم يكُن يُجيب..
بحثَت عن هاتِف شقيقها .. مُتعجِبةً حدّقَت بالأسماء المُختصرة إلى أقصى حدٍ ممكِن..
لم تكُن قادِرة على تمييز أحد , لا أحد سوى الإمبراطور..
هدوء .. يُخالِف النابِض بين الضلوع ..
تراتيل الغيومِ تؤذِن بالمطر..
والذي دوماً يُشير إلى الفُراق , لمرّة تنحى عن مُهمته و غدا شاهِداً على اللقاء..
بناظريها مرّت على من يقِف أمامها..
ملامِحه.. لم تحمِل ابتِسامة , أو عبوس.. بل أريحية تمنّت لو تملِكها..
نظرته.. ساكِنة لا توحِي بشيء..
نبرته.. قلّ فيها الدِفء حين سأل..
أينَ الطمأنينة التي ألفتها في الصوتِ على الهاتِف؟!
_ وهل تسمَح إن طلبتُ استِعارة دور الأب لبضعةِ عقود؟
رفَعت رأسها مُستعِدة للردِ على أي نوعٍ من السُخرية في عبارته
لكِنها تراجعَت مُطأطئة حينما تبينَ لها أنه لا يمزَح ..
_ما هذا؟ أ أضحكُ أم أبكِي؟!
_كنتِ تقولين أن الأقوياء لا يبكون..
بصوتٍ رزينٍ تحدّث , فابتَسمَت ساخِرة بينما انسلّت دمعة..
_هُراء, طوال السنوات الماضية.. اعتقدتُ أني قد أموت في أيةِ ليلة منها..
لن أكذِب إن قلتُ أنّي قد كتبتُ وصيتي ذات السطر الواحِد..
ابتَسم مما أشعرها بالضيق , بعدها قال في ذات النبرة..
_إذاً أنا فظيع..
_كِلانا فظيعٌ والدي , لكِن أتعلَم.. أنا لم أكرهكَ قط..
فقط تجرحُني حقيقة أنني مهما حاولتُ إيجاد سبب مُقنِع لرحيلك عدتُ خاوية اليدين..
""فقط لو أنكِ لم تولَدِي.."
تحشرجت نبرتُها حين أردَفت..
_حتى إنّي تساءلت .. هل تذكُر .. من أنا؟
غطت وجهها بكفيها بينما تنتحِب وتشهق , تحاوِل أن تجمّع كلماتها باكية..
_ألين.. روجر .. ثمانية عشر عاماً..
يُتبَع