ثمار الخير في العشر الأوائل من ذي الحجة أختاه هيَّا أغمضي عينيك لدقائق ووقعي بقلبك عقد الخيرات في هذه الأيام المباركة ثم اشحذي همتك وشمري عن ساعديك وابذلي قصارى جهدك فعند تأدية ما عليك تطيب النفس ويهدأ البال.
إنَّ هذه الأيام العشر طوق للنجاة فلا تدعيها تمرُّ هكذا، ولنحرص أن نقطف منها ثمارًا عطرة.
الثمرة الأولى: التوبة
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ (التحريم: من الآية 8)، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أخطأتم حتى بلغ الشمس ثم تبتم لتاب الله عليكم"، وأنت تتمتعي بعطر هذه الثمرة اسألي نفسك: هل أحسنت أداء فرض ربك، رغم ما عليك من واجباتٍ نحو زوجك وأولادك وبيتك وأقاربك؟ هل كنتِ خير عون لزوجك في استقبالِ هذه الأيام؟ أم انشغلت وشغلته معك في استقبال العيد وإجازة نصف العام، هل انشغلتِ في كيفيةِ استغلال هذه الأيام في توصيل معانٍ تربويةٍ عمليةٍ لأولادك؟ هل أنتِ راضية عن نفسك كأختٍ مسئولةٍ عن بيتٍ مسلمٍ بكلِّ ما فيه؟ هل انشغلتِ بوقفاتٍ ووقفاتٍ مع نفسك لتحاسبيها؟ هل هي ترتقي كل عامٍ عن العامِ الذي قبله؟
أخواتي: فإذا اعتبرنا الثمرة الأولى هي الوقفة مع النفس والتوبة فلنحسن الاستمتاع بعطر هذه الثمرة.
الثمرة الثانية: ذكر الله
﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب: من الآية 35).
إلى متى سنظل لا نحسن استغلال الوقت في ذكر الله؟، لماذا لا نحرص أن نفوز بتحقيق القاعدة الربانية: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: من الآية 28) وخاصةً في هذا الوقت الذي أصبح يغلب عليه الضيق والضنك والغضب؟.
ولنسأل أنفسنا قبل أن نقطف ثمرة الذكر.
كم من ساعاتٍ طوالٍ نكون في المطبخ، هل تخللها الذكر والاستغفار بشكلٍ جيد؟
كم من جلساتٍ وزياراتٍ للأهل والمعارف يتخللها مقال وحديث؟ ولكن هل يُذكر فيها الله ونعمه علينا؟
كم من حواراتٍ بينك وبين زوجكِ الغالي؟ هل تخيرتِ العبارات والكلمات الرقيقة التي تُضفي عليكما جو السكينة والمودة؟
كم من مناقشات وأحاديث بينك وبين أبنائك؟ هل أكبرت فيهم احترام أسماء الله الحسنى وأهمية ذكر الله وتخيرت العبارات الإسلامية بدلاً من العبارات غير اللائقة ببيوتنا، فبدلاً من أن أقول "يا لهوي" أقول "سبحان الله، لا إله إلا الله، يا رب اهديهم".
الثمرة الثالثة: ثمرة أسرار القرآن
يقول الشهيد سيد قطب- رحمه الله-: إنَّ هذا القرآنَ لا يُعطي أسراره إلا للذين يخوضون به المعركة هؤلاء وحدهم هم الذين يعرفون أسراره؛ لأنهم يدركون أنهم مخاطبون كما خُوطب به الأولون؟
فأنتِ أختي الحبيبة أول مَن يخوض هذه المعركة، معركة طمس الهوية الإسلامية، فأين أنتِ من رايةِ الإسلام؟ وقد قيل: حامل القرآن حامل راية الإسلام.
فلنتفق ولنتعاهد ليكن من مشاريعك في هذه الأيام، مراجعة ما تحفظين من القرآن أنتِ وأبنائكِ، وانتهزي فرصةً ولو قصيرة تجلسين فيها أنت وزوجك والأبناء تتدارسون معنى من المعاني يختاره الزوج، فأنتِ وأبناؤكِ وبيتكِ نموذجٌ دعوي للآخرين.
وهل يمكن تدبر آية واحدة من الجزء المقرر كل يوم ونحاول كشف أسراره؟ هل يمكن تطبيق آية واحدة لم تكن مطبقة من قبل؟
الثمرة الرابعة: قيام الليل
﴿وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)﴾ (الإسراء)، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "أفضل الصلاة بعد المتكوبة الصلاة في جوف الليل".
يقول الإمام الشهيد: "يا أخي لعل أطيب أوقات المناجاة أن تخلو بربك والناس نيام، وقد سكن الكون كله وأرخى الليل سدوله، وغابت نجومه".. فاستحضري قلبك بذكره وافرحي برحمته وابكِ من خشيته، ففي قيام الليل تحسين لنفسك مع زوجك ومع أخواتك.
أختاه.. أتظلين كل يوم نائمة.. القافلة مرت والأيام ذهبت، أما تنبهك فزعة أم أعجبك النوم ففي القبر نومٌ بلا رجعة.
وإياك ووصفة (ست العارفين):
* احرصي أن تأخذي راحتك من النوم أيام عطلة العيد حتى تحصلي على نضارةِ وجهك وبشرة ناعمة وعين مكعبة.
*استغلي إجازة العيد في نومٍ هادئ لتعوضي ما بذلتينه من جهدٍ مع الأولاد.
*لا تكثري من الوقوف في الصلاة وحافظي على سلامةِ قدميك وكفيكِ وقفة المطبخ وشراء ملابس العيد.
الثمرة الخامسة: صيام التطوع
عن أبي سعد الخدري أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يصوم عبد يومًا في سبيل الله إلا باعد الله ذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفًا".
فلا تفوتك فرصة صيام الأيام التسعة من ذي الحجة إن استبدَّ بك العطش أو طغى عليك الجوع فتذكري ﴿وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ﴾، واستحضري الآية الكريمة و﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ(32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ (الواقعة) فعندها يذهب الجوع ويذوب العطش.
الثمرة السادسة: الدعاء
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)﴾ (البقرة).
فالدعاء وسيلة ناجحة لقضاء الحوائج، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنَّ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء".
تذكري أنَّ الشكوى لغيرِ الله مذلة، تذكري هل قرعتِ باب الدعاء من قبل، بالتأكيد نعم، ولكن هل فُتح لكِ الباب من قبل!!؟ وتذكري كم مرة أُجيبت دعوتك، فعملك الصالح أساس إجابة دعوتك، وإخلاصك وأداء واجباتك جميعها سواء تجاه ربك أو نحو زوجك وأولادك.. فهي كذلك أساس في إجابة دعوتك، قدمي العمل قبل أن تطلبي الأجر.
الثمرة السابعة: الصدقة
قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾ (البقرة)، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما تُطفئ الماء النار".
فإذا أخرجت الصدقة فأخرجي أجود ما تملكين وأحسن ما عندك.
نوعي صدقتك بين المال والملابس والطعام والأولوية للأقارب المحتاجين والجيران ولا تنسي أخواتك في فلسطين.
أشركي أولادك في إخراج الصدقة ولا تنسي في هذه الأيام المباركة أن تُزكي عن صحتك فقومي بقضاء حوائج إحدى أخواتك المحتاجات أو من كنت أخطأت في حقها.
الثمرة الثامنة: التفكر والتأمل في عظمة خلق الله
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190)﴾ (آل مران).
عن ابن عمر- رضي الله عنه- أنَّ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله".
لحظة من فضلك:
عندما تخرجين أنتِ وزوجك والأولاد في نزهةٍ خلويةٍ أثناء العيد فلتنوي النيةَ أن نتأمل ونتفكر في عظمةِ خلق الله وتناقشوا معًا في مدى إعجاز الله تعالى في الكون.
ما أجمل هذه العبادة المنسية والتي يغفل عنها الكثير، هلاَّ وقفتِ تتأملين في الأرضِ التي مقرك والسماء كيف رفعت والجبال كيف نصبت.
أختاه.. أُناديكِ.. أرجوكِ.. أتودد إليكِ.. الشيطان في يومه الثامن صغر مدحور فلا تخرجي من هذا اليوم (يوم التورية) إلا وأنت قد أديت فرضك وصنت زوجك وأكرمت أبنائك وتوددتِ لأهله وأهلك.
الثمرة التاسعة: يوم عرفة
عن عائشة- رضي الله عنها- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار يوم عرفة، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ماذا أراد هؤلاء".
اجتهدي في هذا اليوم أن تغنمي الخير ولا تنشغلي بملابس العيد واستقبلي العيدَ ببهجةٍ وبسمةٍ ليشعر زوجك وأبناؤك وكوني أول المسلمات في إحياءِ شعائر الإسلام ولا تنسي صلة الرحم والتهيئة والزيارة والهداية وزينة المنزل.
الثمرة العاشرة: يوم العيد
هل تهيأتِ للنوم مبكرًا للاستيقاظِ مبكرًا لحضور صلاةِ العيد؟
احرصي أن تسلمي وتهنئي أكبر عددٍ ممكن من أخواتك في الصلاة يوم العيد، ولا يفوتك أن تتأملي في الحكمة من كون عيدنا يبدأ بالتكبير والصلاة، الله أكبر الله أكبر ليست مجرَّد كلمة أو شعار يُرفع، وإنما أكبر بمعنى أن تكون الدنيا كلها في عينك صغيرة، فالله أكبر من المال والجاه، والله أكبر من المنصب.
عرفت فالزمي:
أن تخرجي من هذه الأيام العشر بقلبٍ صافٍ وعقلٍ واعٍ للقيام بالدورِ العظيم الذي تؤدينه كزوجةٍ وأخت وأم.
عرف قلبك الطاعة وذاق طعمها فلا تحرميه منها مرةً أخرى، فما أقبح القطيعة بعد الصلة والجفاء بعد الوصال.
عرفت الذكر فالزميه، والقرآن فلا تهجريه، والدعاء فلا تتركيه، والقيام فلا تنامي عنه، والصدقة فلا تُمسكيها، والصيام فلا تقطعيه، والتفكر فلا تدعيه |