لم أكن أريد التوغل لعمقه الغامض أكثر، فأمسكت يده بلطف و قلت له: إذن، ما رأيك أن تأتي معي؟
في البداية بدى مندهشاً، لكنه سرعان ما عاد لوجه الخالي من أي تعابير و قال لي بهدوء قاتل: هل تعيشين وحدك؟
فقلت له مغمغمة بإبتسامة مصطنعة: في الحقيقة أنا أعيش مع لوي..
ثم قلت له محاولة تغيير الهالة المخيفة التي حوله و قلت له: هل تتذكر لوي؟ إنه صديقنا في المدرسة الثانوية-
قطعت جملتي عندما رأيته و قد إكفهر أمامي و تجهم، أطلق صوت يدل على عدم إرتياح و وضع يده في جيبه ثم قال و قد إستعد للإنصراف: لم أذهب معك.
ثم أعطاني ظهره بنوع من الوقاحة لينصرف، فأمسكت يده و قلت له بحزم: لا، سوف تأتي معي.
إلتفت لي للحظة بغضب، لكن في اللحظات التي بعدها عادت ملامحه الطبيعية التي كنت أراها في أيام الثانوية، عندما رأيت عهده القديم و قد تجسد أمامي، إبتسم بإرتياح، فقال لي جاك مغمغماً: لماذا تبتسمين؟
تركت يده بإرتباك، ثم قلت له بتوتر محاولة تجميع كلماتي المبعثرة في ذهني: لا! كما ترى.. هذا..!
فجأة إبتسم إبتسامة كانت بالكاد ترى على محياه، فأمسكت يده مرة اخرى و بشكل مباشر ثم بدأت أمشي عائدة إلى شقة لوي، و أنا أمشي و أزال ممسكة يده، قال لي بإنزعاج: لم أقل بأنني سوف أذهب معك.
فقلت له: أنت لن تذهب معي، بل أنا من سوف يأخذك.
ظل صامتاً للحظات بينما أنا مواصلة المشي، فجأة ترك يدي و عدل ملابسه، ثم قال لي مغمغماً: أستطيع المشي وحدي.
بعد أن وصلنا، وقفت أمام شقة لوي و طرقت الباب، بينما جاك كان يتأمل المكان حوله ،فتح لوي الباب، ما إن رآني حتى إبتسم، ثم نظر لجاك، بينما جاك قد ظل ينظر للأسفل بملامح إنزعاج و كأن كبريائه قد تحطم للتو، ففتح لوي الباب بأكمله و قال لنا: تفضل، جاك.
على كل، بعد أن دخلنا قدت جاك حيث غرفة التلفاز، و هناك كان هانتر مضطجعاً على الاريكة و هو يقفز من قناة إلى قناة في التلفاز، ما إن رأى جاك حتى سأل بشغف تاركاً التلفاز لوحده: من أنت؟!
فقال جاك بهدوء بارد: أنا من عليه قول هذا.
قطعت حديثهما و عرفتهما بأسماء بعضهما ،ثم تركت الشبان الثلاثة في الغرفة لوحدهم و توجهت للمطبخ للإعداد الشاي، و أنا أعمل، فجأة سمعت صوت هانتر خلفي و هو يقول: مرحبا.
إستدرت له، فقال لي و هو يشير بإصبعه الابهام من الخلف لغرفة التلفاز، و قال لي: مابال الهالة المملة هناك؟!
أجابني: لقد قلتي بأن جاك هذا صديقكما أنت و لوي منذ أيام الثانوية،صحيح؟ لكنهما لا يبدوان كالاصدقاء أو حتى الزملاء، مصطلح "العداوة" مناسبة لهما.
نظرت له بتساؤل، فتنهد و قال مكملاً كلامه: لوي هادئ على عادته، لكن جاك هذا ينظر للوي تارة بنوع من الغضب، أما إذا نظر له لوي ينظر للأسفل مباشرة، إنهما هادئان بشكل قاتل يا فتاة!
مضى اليوم بهدوء تام و قاتل، لكن هاقد جاء وقت الراحة و الخوف بالنسبة لي، كنت أريد أن أنام و أرتاح، لكن بجانب خوفي من الليل كانت هنالك أفكار كثيرة تجوب في دماغي كالعادة، أولها الموضوع الذي تفوه به هانتر اليوم، و أمر ليليان الذي لم أنساه، يجب أن أذهب و أعتذر منها..
فجأة إنتصبت على رجلي بحركة سريعة عندما ذقت ذرعاً بالتقلب على السرير عبثاً، توجهت نحو المطبخ لكي أتجرع قدحاً من الماء، لكنني توقفت عندما سمعت صوت شخير صادر من الغرفة التي ينام فيها الشبان الثلاثة، توجهت للغرفة للأرى لوي نائماً بمظهر هادئ كعادته، مصدر الصوت هانتر حيث كان فاغراً فاهه الكبير ذاك و يشخر بقوة، عندما نظرت لجاك رأيته يتقلب في مكانه عبثاً، توجهت له حيث كان لا يزال مضطجعاً و قلت له متمتمة في أذنه: ألا تستطيع النوم؟
ظل صامتاً لفترة، لكنه سرعان ما تنهد و جلس على الكرسي، ثم وضع يده على رأسه: لو كنت أعلم بأنني لن أستطع نوم الليل لما أتيت معك..
ثم قال مغمغماً: على كل، ليس لدي مكان للأذهب إليه.
ثم قال بإنزعاج: لا عجب بأن لوي قد خلد للنوم قبلنا، لابد بأنه كان يعلم بأن هذا الفتى سوف يصدر ضجيجاً.
إلتزمت الصمت بينما هو كان يتلكم مع نفسه، لكنه سرعان ما قال لي: مالذي تريدين قوله؟ أنا أعرفك منذ أيام الثانوية و قبل لوي حتى، تلتزمين الصمت إن كنت تريدين قول شئ لكنك مترددة.
فقلت له مباشرة: إن كنت قد فهمت فهذا يجعل الموضوع أسهل.
فقلت له بتجهم: لا تمثل دور "الاحمق"، أنت تعرف عن ماذا أتحدث.
ثم قلت له: لماذا تصرفت بانك لا تعرفني عندما إلتقينا أول مرة؟ لماذا قالت ليليان بأنك كنت ترتاد السجن بفترات متقطعة؟ من مجموعة الرجال الذين كانوا يلاحقونك؟ و لماذا تغيرت كثيراً هكذا؟
نظر للجانب الآخر و قال لي: لا أستطيع الاجابة على كل هذه الاسئلة-
قاطعته و قلت له بنوع من الغضب: لا تستطيع! سوف أساعدك!
فقال لي :تساعديني في ماذا-
قاطعته مرة اخرى و قلت له بهدوء: لقد سمعت قصص أناس كثيرين، كايلي،ليليان،كارولينا لكن قصصهم كانت في الماضي، لكنني أعرفك أنت منذ المرحلة الثانوية، و أنت هنا أمامي، لا أعرف مالذي حصل معك لكنني لا أعتقد بأن الاوان قد فات بالنسبة لك.
ثم وضعت يدي على جانبي وجه بقوة و قلت له: حتى لو فات الاوان مثلما تزعم، أنت هنا أمامي و قلبك لا يزال ينبض، أليس هذا كافياً؟!
نظر لي بدهشة عندها، لكنها سرعان ما تبددت وراء هدوئه المعتاد و رزانته الجلية عليه دائماً، ثم رفع يده ووضعها على يدي التي كانت لا تزال عالقة على جانبي رأسه، و قال متمتماً: أنت بالفعل.. ثاني شخص يتصرف بحنان إتجاهي.
فجأة أبعد رأسه بإرادته و تطاول يدي التي كانت معلقة في الهواء، أخذها و قبلها بأعين مغلقة لا تأبه بالعالم بعد الآن، في نفس الوقت أحسست بأن خلايا دمي قد تحملت بحمى فظيعة مما جعلني أشعر بموجة ساخنة حارة، إحمر وجهي و أبعدت يدي بسرعة، ثم إنتصبت على رجلي و أعطيته ظهري و أنا أمسك قلبي بيدي!
عندها سمعته و هو يقول لي: آسف..
ثم إنتصب على رجله هو الآخر و قال :دعينا نخرج قليلاً..
فإلتفت له و قلت بدهشة: في هذا الوقت..؟!
أجابني و قد وضع يده خلف رأسه: أشعر بأن أحدهم يخنقني إذا أتواجد في مكان كهذا.
أجابني و قد وضع يده على رقبته بحرقة: مكان راقي و كأنه قصر، هل فهمتي؟
أملت رأسي لجهة اليمين بحيرة ،بينما جاك تقدم لي و أمسك يدي و قال: هيا، دعينا نخرج!
لم أستطع أن أمانعه، لذا سحبني معه و خرجنا من الشقة معاً بعد أن غيرت ملابسي، ثم ظللنا نسير بين الشوارع، كانت في ذلك الوقت شبه خاوية، حسناً هذا لشئ طبيعي، السيارات نادرة و البشر الماشين فيها أندر، ثلاثة أرباع المحلات مقفلة أبوابها، إلى أن توقفنا أمام حديقة عامة قد سكن فيها الظلام بعينه!
دخل جاك إليها بدون أي كلمة، ترددت قليلاُ لكنني سرعان ما لحقت به، ظللت ممسكة بطرف قميصه بدون أن يحس، خائفة من الظلام، أعلم بأنكم ترونني كطفلة و ليست فتاة في سن العشرين، أليس كذلك؟ لا يهم، لكنني لطالما كنت أخشى الظلام!
على كل، جلسنا على أحد الكراسي هناك، بينما عمود النور الذي بجانبنا أخذ يرمش و حشرات طائرة تحوم عليه، عندها أخذت أجوب بنظري المكان بخوف، أعمدة النور أغلبها قد إنتصرت عليها الظلمة، و إن كان هنالك عمود يعمل فهو يرمش، الرمال قد تحولت للون الرمادي جراء إنعدام الضوء، أما الارجوحات كانت تتحرك بنفسها جراء رياح الخريف القاسية مما جعل المنظر مرعباً نوعاً ما، الشئ الوحيد الذي كان ينير المكان بحق و يبعث في النفس الطمأنينة و الراحة كان القمر، حيث إنعكست صورته على تلك النافورة المملوئه بالمياه القذرة، أما باقي ضوئه فقد إنتشر لكي يشغل الفراغ الذي قد هيمن على المكان.
قطع حبل أفكاري صوت جاك و هو يقول بحزم: قولي شئ ما يا هذه!
فقلت له بغضب: أنت من أحضرتني إلى هنا! فأنا من يجب عليه قول هذا.
أطلق ضحكة خفيفة، ثم قال لي: لا داعي للغضب، لقد كنت أمزح.
ثم قال بجدية: سوف أجاوب عن أسئلتك تلك، لكن بشرط..
أملت رأسي لليمين، و قلت له بحيرة: لماذا؟
فأجابني: هذا ليس من شأنك، لا تخبريه فقط.
ظللت أنظر له عندها بغير رضى مما يدل على رفضي للموضوع، فأطلق زفرة تدل على الاستسلام و قال لي: حسناً حسنا! سوف تعلمين ما أقصده من خلال ما أقوله على أي حال! لكن لعلمك فالقصة التي أنت تريدين سماعها أقل من عادية و كثيرة الحدوث في هذا العصر، لذا لا تتوقعي شيئاً فريد من نوعه أو مميز.
عدلت جلستي، فتكلم جاك قائلاً: أنت تعلمين بأن لوي كان دائماً هو الأول من حيث العلامات في المدرسة، أليس كذلك؟
هززت رأسي بخفة، فواصل جاك كلامه قائلاً: كيف أقولها، أبي ،و حتى أمي، كانا من النوع الصارم جداً، لا أقول لك بأنهما كانا قاسيان بل العكس، و أنا كما تعلمين من عائلة ثرية، لذا كانت كل ثانية من وقتي ثمرة يجب أن أستثمرها بالنسبة لوالدي.
ثم أردف: سوف أكذب عليك أن قلت لك بأنني كنت معارضاً عن وجهة نظرهما، فأنا كذلك، كنت و لا أزال أحب أن أكون في المقدمة دائماً و في كل شئ، حتى انني كنت أنظر إلى الاطفال الذين في مثل سني بإستصغار.
فقلت له بتردد: وما علاقة لوي بهذا؟
تجاهلني وواصل القصة قائلاً: تخرجت من المرحلة الابتدائية بلقب الأول كالعادة، ناهيك عن المسابقات و الميداليات التي أحرزتها، لكن كل شئ تغير في المدرسة المتوسطة، هناك حيث إلتقيت لوي و للأول مرة، للوهلة الاولى كان بنظري مجرد طالب منعزل عن الصف، لكن عقله كان أبعد بكثير مما توقته أنا و المدرسة بأسرها.
قوس ظهره و شبك أصابعه حينها بنوع من المرارة وواصل قائلاً: تصرفاته في ذلك الحين لم تتغير، بل كانت نفسها عندما أتيت لهذه المنطقة في المرحلة الثانوية، أنت تعلمين ما أقصد صحيح؟ لذا لم أكن أعيره أي إهتمام، لكن المفاجأت كانت تظهر عند تسليم أي علامات كانت، إختبارات أم أمتحانات أو حتى شهادات، حتى مشاركته في المدرسة كانت تقتصر على الفصل فقط عكسي أنا الذي كان يشترك في مسابقات و ماشابه، لكن الجميع كان يعلم بأن عبقريته لا مثيل له، لكن هدوئه كان يغطي على هذا الشئ.
أخذ نفساً طويلاً ثم واصل: و هكذا، إستمر لوي في إحرازه للدرجات النهائية، مالذي كان يثير دهشتي أكثر بأنه كان يتفوق على المعلمين و خصوصاً في مواد الأدب، و كأن عقله حقل للألغام، ما إن تخطو على أحدهم حتى يتفجر بركان من كلمات لانهائي، و المثير للغضب بأنه لم يكن يعير أي إهتمام للمعلمين أو أي أحد حوله، و كأنه يقول لنا "أنتم في بعد مختلف" ! حياته كانت تقتصر على حضور الدروس فحسب، بعد المدرسة تأتي سيارة فخمة لكي تأخذه لمنزله-
قاطعته عندها و قلت له: أنت مخطئ!
نظر لي بإستغراب، فقلت له: صحيح بأنني لم أعرف لوي إلا في المرحلة الثانوية، إلا أن ليس من صفاته التكبر على الناس!
نظر لي للحظات معدودة بهدوء قاتل من خلال عيونه الفارغة تلك، لكنه سرعان ما تنهد و أسند ظهره على الكرسي و قال: لكل شخص وجهة نظره في رؤية شخص ما، على كل حال..
ثم واصل عائداً لقصته: كبرت مع لوي منذ المرحلة المتوسطة إلى نهاية المرحلة الثانوية، كل هذا الوقت و أنا أعتبره كمنافس، أو للأكون صريحاً فهذه المنافسة كانت من طرف واحد فقط، فأنا لم أعرفه معرفة عميقة إلى أن قمتي أنت يا كاثرين بضمه لنا..
لا أعرف لماذا، لكن بعد أن انهى جملته تلك أحسست بأنني لا أشعر بشئ، كنت أشعر بلاشئ، و كأنه قلبي و كياني مثل العدم! فقلت له بهدوء عندها: إذن، هل تقول بأن كان من الصعب عليك أن تكون منافسه و صديقه في نفس الوقت؟
نظر لي في البداية بدهشة لم اعهدها منه، لكنه تكلم عائداً للموضوع الاساسي متجاهلاً سؤالي: بعد أن إنتهيت من الثانوية، يأست من محاولاتي البائسة لكوني الأول و أن أتفوق على لوي، مهما كانت المحاولات التي تفعلها، و حتى لو تجاوزت حدودك، لم تستطيع تجاوز نفسك أكثر لكي تصل لشخص أنت تعلم بأنه في بعد مختلف عنك، على كل! بعد الثانوية جلست في ذلك المنزل بدون أي عمل، محاولات أبوي في إعادة عزيمتي للخروج للعمل كانت عبثاً، إلى أن ذقت ذرعاً بإلحاحهما ذاك، لذا خرجت من المنزل..!
فسألته: هل هذا هو سبب هروبك من المنزل حقاً؟ أليس مبالغاً فيه قليلاً.
إلتزم الصمت لفترة طويلة من الزمن، لكنه سرعان ما تنفس الصعداء و قال لي بعجز: حتى أنت إستشعرتي في كلامي الكذب..؟
فقال لي: في الحقيقة، كان هذا بعد تخرجي من الثانوية بفترة، في ذلك الوقت تعرضت أمي لحادث مما جعل الاطباء يستأصلون رحمها حفاظاً لصحتها، و هذا الشئ جعل أبي يتبنى طفلاً ،لسبب ما شعرت بأنني غير قادر على ملئ عين أبي، لذا لم أستطع تحمل شعور المرارة و عدم الرغبة في وجودي ،لذا هربت من المنزل.
ثم واصل كلامه بإنزعاج: دعينا ندع هذا الموضوع جانباً، على كل! بعد هروبي من المنزل عشت في شقة مستأجرة، كان بحوزتي مبلغ معقول من المال لكنه لم يكفي، لذا إضطررت للإستعارة المال، مجموعة الرجال الذين كانوا يلاحقونني كانوا من إستعرت منهم المال و لم أستطع سد ديوني لحد الآن.
بعد أن انتهى من كلامه، ظللت فترة من الزمن أستجمع كلماتي ، و بالفعل جمعتها و قلت له: أنا لم اشعر قط بدفء أو حتى معنى كلمة "أبوة" لذا لا حق لي في أن أمرك بأن تعود لمنزل أبيك، لكنني أعرف معنى كلمة "أمومة"، لهذا يجب أن تذهب لكي ترى أمك.
حاول الكلام عندها لكنني قاطعته وقلت له: بجانب ،من تبنى هذا الطفل على حد كلامك كان والدك و ليس والدتك، لذا يجب أن تذهب لها بأسرع وقت، للأنني متأكدة بأنها لم تكن تريد بديلاً عنك.
إلتزم الصمت عندها و إكتسا به، فتنهدت و سألته: إذن، لماذا كانت ليليان تقول بأنت كنت ترتاد السجن بفترات متقطعة؟
فقال لي و هو ينظر للجانب الآخر: كان بسبب السرقة.
فقلت له بدهشة: سرقة؟ هل تعني بأنك قد سرقت؟!
عندها وضع يده على فمي للإسكاتي و قال بغضب: لا ترفعي صوتك هكذا!
عندها أبعد يده عني، فتنهد و قال لي: عندما رأيتك ذلك اليوم في السجن، إستنتجت تلقائياً بأن لوي سوف يكون معك، لذا مثلت بأنني لا أعرفك، و بالفعل كان تخميني في محله، حيث أن لوي كان في الخارج.
تنهدت وقلت له مغيرة الموضوع بحزم: الأهم من هذا! سوف تذهب لرؤية والدتك عندما يحل الصباح!
في ذلك الوقت كان كل مني، جاك و هانتر قد إستيقظنا من النوم للتو، جلسنا جميعاً بالاضافة للوي على مائدة الافطار بعد أن حضر لوي كل شئ بنفسه، في نفس الوقت قلت لهم عما رواه لي جاك في الليلة الماضية مع محاولاته اليائسة للإسكاتي، بعد أن إنتهيت من كلامي قلت لكل من لوي و هانتر بأن جاك سوف يذهب لزيارة أمه اليوم سواء أراد هذا أم لم يرد.
فقال هانتر بدهشة: مذهل! متى إستمعتي لكل هذه القصة؟
أخذت ألوح في الهواء بعلامة "لا" بيدي، و قلت له: دعنا نترك هذا الموضوع جانباً.
عندها همس جاك في أذني بنوع من الغضب: أنت! ألم أقل لك بأن لا تخبري لوي بالامر؟!
فقلت له بمكر: لا أتذكر بأنني قد وافقت على شرطك.
فكتف لوي يديه وقال: لكن اولاً، يجب أن نفعل شئ حيال هؤلاء الذين تدين لهم بمال.
شد جاك على قبضته و صك أسنانه بقوة، و قال بمرارة: صحيح، أعتقد بأنني سوف أطلب من أبي مالاً.
رفعنا رأسنا جميعاً للنظر للوي بإستغراب، فسأله هانتر بسذاجة: ماذا تقصد؟
فأجابه بهدوء: حل جاك مرفوض، لا يجب عليك أن تهدر أموالاً من أجل نفاية مثلهم.
ثم قال له: عندما كنت تقوم بأعمال السرقة، هل كنت تفعل هذا بمفردك؟ لا أعتقد، لقد كنت مع هؤلاء الرجال، صحيح؟ من المحال على صبي مدلل عاش في الثراء بأن يتقن أشياء مثل هذه حتى لو إستغرق الشئ منه أشهر عديدة.
إلتزم جاك الصمت معلناً إستسلامه، بينما هانتر قد وضع يده على خده و قال: لدى لوي وجهة نظر في رأي.
فسألت لوي عندها بحزم: على كل، مالذي تحاول قوله؟
فأجابني بهدوء: ما أقوله هو بأن من كنت معهم من رجال لا يستحقون رد الدين لهم.
فقال جاك عندها: لكن إن لم أسدد ديوني فسوف يظلون يلاحقوني إلى آخر العالم.
عندها إلتزم لوي الصمت للحظات، ثم سأله: هل المبلغ الذي إستعرته من كل واحد فيهم كان كبيراً؟
فأجابه: لا، في الحقيقة كانت مبالغ عادية و بسيطة، لم تكن صغيرة أو كبيرة، للأنني كنت آخذ منها الايجار لشقتي المتهالكة تلك، و طعامي اليومي فقط.
عندها ظل لوي يلوح بيده في الهواء بدون مبالاة و قال له: لا تقلق، لم يستطيعوا فعل شئ بهذا الدين و هم مجموعة من حثالة المجتمع.
فضربت بيدي على الطاولة و قلت لهم مغيرة الموضوع: على كل حال! سوف نذهب اليوم لمنزل جاك، هل فهمتم؟!
بعد أن أخذنا سيارة أجرة، رأينا أنفسنا أمام ذلك القصر الشاسع في مساحته، و كأنه كان ينطح الاشجار التي على جوانبه، حديقته واسعة مغمورة بمختلف أنواع النباتات التي اعرفها و لا أعرفها، أما المنزل ترى فيه الكثير من النوافذ الزجاجي من مظهره الخارجي، كان هذا المنزل و حديقته معه محاطان بسور من قضبان حديدية سوداء، ما دخلنا من تلك البوابة بدون إذن، حتى أخذنا نتمعن في تلك الروضة الواسعة!
و نحن نشق طريقنا للقصر، و في وسط الحديقة الواسعة تلك، تحت أحد الاشجار واسعة الظل و التي يمتد جذعها المتين المتهالك ليكون اعلى الاشجار المتواجدة هناك، كان هنالك رجل كبير في السن يبدو عليه بأنه البستاني هنا أو ماشابه، ما إن رآنا من بعيد، حتى إنتصب على رجليه مع أن كبر سنه حتم عليه بأن لا يفعل هذا، لكنه فعل و توجه لنا بخطا ثقيلة صعبة، ما إن وصل لنا، حتى نفذت طاقته تقريباً، بجانب أن بصره يبدو منعدماً تقريباً، لكنه يستطيع أن يميز الاشخاص الذين يعرفهم، بالاضافة بأن الرؤية في الظلام صعبه، لذا سقط على جسم جاك القوي و الضخم، إهتز جاك قليلاً لكنه سرعان ما ثبت في مكانه و أمسك الرجل العجوز من ذراعيه لكي يساعده على الوقوف، و قال بدهشة: جوزيف! ألا تزال هنا؟
فقال هانتر و قد رفع أحد حاجبيه: بالاحرى، كيف لا يزال على قيد الحياة؟
فسحبت أذن هانتر و قلت له بغضب: إنتبه لكلماتك!