عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 05-28-2014, 08:33 PM
 
اليكم الجزء الثاني...


انتهت العطلة الصيفية و عدنا للمدارس

كنت كلما عدت من المدرسة ، استقبلتني الصغيرة رغد استقبالا حارا !

كانت تركض نحوي و تمد ذراعيها نحوي ، طالبة أن أحملها و أؤرجحها في الهواء !

كان ذلك يفرحها كثيرا جدا ، و تنطلق ضحكاتها الرائعة لتدغدغ جداران المنزل !

و من الناحية الأخرى ، كانت دانة تطلق صرخات الاعتراض و الغضب ، ثم تهجم على رجلي بسيل من الضربات و اللكمات آمرة إياي بأن أحملها ( مثل رغد ) .

و شيئا فشيا أصبح الوضع لا يطاق ! و بعد أن كانت شديدة الفرح لقدوم الصغيرة إلينا أصبحت تلاحقها لتؤذيها بشكل أو بآخر ...

في أحد الأيام كنت مشغولا بتأدية واجباتي المدرسية حين سمعت صوت بكاء رغد الشهير !

لم أعر الأمر اهتماما فقد أصبح عاديا و متوقعا كل لحظة .

تابعت عملي و تجاهلت البكاء الذي كان يزداد و يقترب !

انقطع الصوت ، فتوقعت أن تكون أمي قد اهتمت بالأمر .

لحظات ، وسمعت طرقات خفيفة على باب غرفتي .

" أدخل ! "

ألا أن أحدا لم يدخل .

انتظرت قليلا ، ثم نهضت استطلع الأمر ...

و كم كانت دهشتي حين رأيت رغد واقفة خلف الباب !

لقد كانت الدموع تنهمر من عينيها بغزارة ، و وجهها عابس و كئيب ، و بكاؤها مكبوت في صدرها ، تتنهد بألم ... و بعض الخدوش الدامية ترتسم عشوائيا على وجهها البريء ، و كدمة محمرة تنتصف جبينها الأبيض !

أحسست بقبضة مؤلمة في قلبي ....

" رغد ! ما الذي حدث ؟؟؟ "

انفجرت الصغيرة ببكاء قوي ، كانت تحبسه في صدرها

مددت يدي و رفعتها إلى حضني و جعلت أطبطب عليها و أحاول تهدئتها .

هذه المرة كانت تبكي من الألم .

" أهي دانة ؟ هل هي من هاجمك ؟ "

لابد أنها دانة الشقية !

شعرت بالغضب ، و توجهت إلى حيث دانة ، و رغد فوق ذراعي .

كانت دانة في غرفتها تجلس بين مجموعة من الألعاب .

عندما رأتني وقفت ، و لم تأت إلي طالبة حملها ( مثل رغد ) كالعادة ، بل ظلت واقفة تنظر إلى الغضب المشتعل على وجهي .

" دانة أأنت من ضرب رغد الصغيرة ؟ "

لم تجب ، فعاودت السؤال بصوت أعلى :

" ألست من ضرب رغد ؟ أيتها الشقية ؟ "

" إنها تأخذ ألعابي ! لا أريدها أن تلمس ألعابي "

اقتربت من دانة و أمسكت بيدها و ضربتها ضربة خفيفة على راحتها و أنا أقول :

" إياك أن تكرري ذلك أيها الشقية و إلا ألقيت بألعابك من النافذة "

لم تكن الضربة مؤلمة إلا أن دانة بدأت بالبكاء !

أما رغد فقد توقفت عنه ، بينما ظلت آخر دمعتين معلقتين على خديها المشوهين بالخدوش .

نظرت إليها و مسحت دمعتيها .

ما كان من الصغيرة إلا أن طبعت قبلة مليئة باللعاب على خدي امتنانا !

ابتسمت ، لقد كانت المرة الأولى التي تقبلني فيها هذه المخلوقة ! إلا أنها لم تكن الأخيرة ....




~~~~~~



توالت الأيام و نحن على نفس هذه الحال ...

إلا أن رغد مع مرور الوقت أصبحت غاية في المرح ...

أصبحت بهجة تملأ المنزل ... و تعلق الجميع بها و أحبوها كثيرا ...

إنها طفلة يتمنى أي شخص أن تعيش في منزله ...

و لأن الغيرة كبرت بين رغد و دانة مع كبرهما ، فإنه كان لابد من فصل الفتاتين في غرفتين بعيدا عن بعضهما ، و كان علي نقل ذلك السرير و للمرة الثالثة إلى مكان آخر ...

و هذا المكان كان غرفة وليد !

ظلت رغد تنام في غرفتي لحين إشعار آخر .

في الواقع لم يزعجني الأمر ، فهي لم تعد تنهض مفزوعة و تصرخ في الليل إلا نادرا ...

كنت أقرأ إحدى المجلات و أنا مضطجع على سريري ، و كانت الساعة العاشرة ليلا و كانت رغد تغط في نوم هادئ

و يبدو أنها رأت حلما مزعجا لأنها نهضت فجأة و أخذت تبكي بفزع ...

أسرعت إليها و انتشلتها من على السرير و أخذت أهدئ من روعها

كان بكاؤها غريبا ... و حزينا ...

" اهدئي يا صغيرتي ... هيا عودي للنوم ! "

و بين أناتها و بكاؤها قالت :

" ماما "

نظرت إلى الصغيرة و شعرت بالحزن ...

ربما تكون قد رأت والدتها في الحلم

" أتريدين الـ ماما أيتها الصغيرة ؟ "

" ماما "

ضممتها إلى صدري بعطف ، فهذه اليتيمة فقدت أغلى من في الكون قبل أن تفهم معناهما ...

جعلت أطبطب عليها ، و أهزها في حجري و أغني لها إلى أنا استسلمت للنوم .

تأملت وجهها البريء الجميل ... و شعرت بالأسى من أجلها .

تمنيت لحظتها لو كان باستطاعتي أن أتحول إلى أمها أو أبيها لأعوضها عما فقدت .

صممت في قرارة نفسي أن أرعى هذه اليتيمة و أفعل كل ما يمكن من أجلها ...

و قد فعلت الكثير ...

و الأيام .... أثبتت ذلك ...




~~~~~~



ذهبنا ذات يوم إلى الشاطئ في رحلة ممتعة ، و لكوننا أنا و أبي و سامر الصغير ( 8 سنوات ) نجيد السباحة ، فقد قضينا معظم الوقت وسط الماء .

أما والدتي ، فقد لاقت وقتا شاقا و مزعجا مع دانة و رغد !

كانت رغد تلهو و تلعب بالرمال المبللة ببراءة ، و تلوح باتجاهي أنا و سامر ، أما دانة فكانت لا تفتأ تضايقها ، تضربها أو ترميها بالرمال !

" وليد ، تعال إلى هنا "

نادتني والدتي ، فيما كنت أسبح بمرح .

" نعم أمي ؟ ماذا تريدين ؟ "

و اقتربت منها شيئا فشيئا . قالت :

" خذ رغد لبعض الوقت ! "

" ماذا ؟؟؟ لا أمي ! "

لم أكن أريد أن أقطع متعتي في السباحة من أجل رعاية هذه المخلوقة ! اعترضت :

" أريد أن أسبح ! "

" هيا يا وليد ! لبعض الوقت ! لأرتاح قليلا "

أذعنت للأمر كارها ... و توجهت للصغيرة و هي تعبث بالرمال ، و ناديتها :

" هيا يا رغد ! تعالي إلي ! "

ابتهجت كثيرا و أسرعت نحوي و عانقت رجي المبللة بذراعيها العالقة بهما حبيبات الرمل الرطب ، و بكل سرور !

جلست إلى جانبها و أخذت أحفر حفرة معها . كانت تبدو غاية في السعادة أما أنا فكنت متضايقا لحرماني من السباحة !

اقتربت أكثر من الساحل ، و رغد إلى جانبي ، و جعلتها تجلس عند طرفه و تبلل نفسها بمياه البحر المالحة الباردة

رغد تكاد تطير من السعادة ، تلعب هنا و هناك ، ربما تكون المرة الأولى بحياتها التي تقابل فيها البحر !

أثناء لعبها تعثرت و وقعت في الماء على وجهها ...

" أوه كلا ! "

أسرعت إليها و انتشلتها من الماء ، كانت قد شربت كميه منه ، و بدأت بالسعال و البكاء معا .

غضبت مني والدتي لأنني لم أراقبها جيدا

" وليد كيف تركتها تغرق ؟ "

" أمي ! إنها لم تغرق ، وقعت لثوان لا أكثر "

" ماذا لو حدث شيء لا سمح الله ؟ يجب أن تنتبه أكثر . ابتعد عن الساحل . "

غضبت ، فأنا جئت إلى هنا كي استمتع بالسباحة ، لا لكي أراقب الأطفال !

" أمي اهتمي بها و أنا سأعود للبحر "

و حملتها إلى أمي و وضعتها في حجرها ، و استدرت مولّيا .

في نفس اللحظة صرخت دانة معترضة و دفعت برغد جانبا ، قاصدة إبعادها عن أمي

رغد ، و التي لم تكد تتوقف عن البكاء عاودته من جديد .

" أرأيت ؟ "

استدرت إلى أمي ، فوجدت الطفلة البكاءة تمد يديها إلي ...

كأنها تستنجد بي و تطلب مني أخذها بعيدا .

عدت فحملتها على ذراعي فتوقفت عن البكاء ، و أطلقت ضحكة جميلة !

يا لخبث هؤلاء الأطفال !

نظرت إلى أمي ، فابتسمت هي الأخرى و قالت :

" إنها تحبك أنت َ يا وليد ! "



قبيل عودتنا من هذه الرحلة ، أخذت أمي تنظف الأغراض ، و الأطفال .


" وليد ، نظف أطراف الصغيرة و ألبسها هذه الملابس "


تفاجأت من هذا الطلب ، فأنا لم أعتد على تنظيف الأطفال أو إلباسهم الملابس !

ربما أكون قد سمعت شيئا خطا !

" ماذا أمي ؟؟؟ "

" هيا يا وليد ، نظف الرمال عنها و ألبسها هذه ، فيما اهتم أنا بدانة و بقية الأشياء "

كنت أظن أنني أصبحت رجلا ، في نظر أمي على الأقل ...

و لكن الظاهر أنني أصبحت أما !

أما جديدة لرغد !

نعم ... لقد كنت أما لهذه المخلوقة ...

فأنا من كان يطعمها في كثير من الأحيان ، و ينيمها في سريره ، و يغني لها ، و يلعب معها ، و يتحمل صراخها ، و يستبدل لها ملابسها في أحيان أخرى !

و في الواقع ...

كنت أستمتع بهذا الدور الجديد ...

و في المساء ، كنت أغني لها و أتعمد أن أجعلها تنام في سريري ، و أبقى أتأمل وجهها الملائكي البريء الرائع ... و أشعر بسعادة لا توصف !


هكذا ، مرت الأيام ...

و كبرنا ... شيئا فشيئا ...

و أنا بمثابة الأم أو المربية الخاصة بالمدللة رغد ، و التي دون أن أدرك ... أو يدرك أحد ... أصبحت تعني لي ...

أكثر من مجرد مخلوقة مزعجة اقتحمت حياتي منذ الصغر ! ....
رد مع اقتباس