مخالفات عقائديه
في قصيده " نهج البردة"
للبوصيري
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،، ثم أما بعد ..
إخواني في الله ،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني هذه الجمع الطيب من الأدلة وهذه الدراسة منقولة من أخ جزاه الله خيرا على ما فعل ،،
وأسأل الله أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ،،
يقول :
احذر من قصيدة نهج البردة للبوصيري ......؟
ففيها من مخالفات العقيدة و مخالفات السنة و القرآن الكريم الكثير و البوصيري هذا الرجل المتصوف غير العالم قد ألفها و بها من الاخطاء الكثير و انني قد اوردت هذه الدراسة الخاصة عن البوصيري و بردته و الاخطاء الفادحة فيها نقلا عن عدة مواقع و عن بعض الكتب التي كتبها كتاب وعلماء اجلاء و اترككم مع الدراسة
من كتاب قوا دح عقدية في بردة البوصيري
د . عبد العزيز محمد آل عبد اللطيف
التعريف بالامام البوصيري
وأما عن التعريف بصاحب البردة فهو : محمد بن سعيد البوصيري نسبة إلى بلدته أبو صير بين الفيوم وبني سويف بمصر ، ولد سنة 608هـ ، واشتغل بالتصوُّف ، وعمل كاتباً مع قلة معرفته بصناعة الكتابة ، ويظهر من ترجمته وأشعاره أن الناظم لم يكن عالماً فقيهاً ، كما لم يكن عابداً صالحاً ؛ حيث كان ممقوتاً عند أهـل زمانه لإطلاق لسانه في الناس بكل قبيح ، كما أنه كثير السؤال للناس ، ولذا كان يقف مع ذوي السلطان مؤيداً لهم سواء كانوا على الحق أم على الباطل .
ونافح البوصيري عن الطريقة الشاذلية التي التزم بها ، فأنشد أشعاراً في الالتزام بآدابها ، كما كانت له أشعار بذيئة يشكو من حال زوجه التي يعجز عن إشباع شهوتها !
توفي البوصيري سنة 695هـ وله ديوان شعر مطبوع [9]
التعريف بالبردة:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن ميمية البوصيري - المعروفة بالبردة - من أشهر المدائح النبوية وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً ، ولذا تنافس أكثر من مائه شاعر في معارضتها ، فضلاً عن المشطِّرين والمخمِّسين والمسبِّعين ، كما أقبل آخرون على شرحها وتدريسها ، وقد تجاوزت شروحها المكتوبة خمسين شرحاً ، فيها ما هو محلى بماء الذهب ! وصار الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن .
يقول الدكتور زكي مبارك : وأما أثرها في الدرس ، فيتمثل في تلك العناية التي كان يوجهها العلماء الأزهريون إلى عقد الدروس في يومي الخميس والجمعة لدراسة حاشية الباجوري على البردة ، وهي دروس كانت تتلقاها جماهير من الطلاب ، وانما كانوا يتخيرون يومي الخميس والجمعة ، لأن مثل هذا الدرس لم يكن من المقررات فكانوا يتخيرون له أوقات الفراغ [1] .
وقد أطلق البوصيري على هذه القصيدة البردة من باب المحاكاة والمشاكلة للقصيدة الشهيرة لكعب بن زهير - رضي الله عنه - في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقد اشتهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى كعباً بردته حين أنشد القصيدة - إن صح ذلك - [2] فقد ادعى البوصيري - في منامه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألقى عليه بردة حين أنشده القصيدة ! !
وقد سمى البوصيري هذه القصيدة أيضاً بـ " الكواكب الدرية في مدح خير البرية " [3] . كما أن لهذه البردة اسماً آخر هو البرأة ؛ لأن البوصيري كما يزعمون برئ بها من علته ، وقد سميت كذلك بقصيدة الشدائد ؛ وذلك لأنها - في زعمهم - تقرأ لتفريج الشدائد وتيسير كل أمر عسير .
وقد زعم بعض شراحها أن لكل بيت من أبياتها فائدة ؛ فبعضها أمان من الفقر ، وبعضها أمان من الطاعون [4] .
يقول محمد سيد كيلاني - أثناء حديثه عن المخالفات الشرعية في شأن البردة : " ولم يكتف بعض المسلمين بما اخترعوا من قصص حول البردة ، بل وضعوا لقراءتها شروطاً لم يوضع مثلها لقراءة القرآن ، منها :
التوضؤ ، واستقبال القبلة ، والدقة في تصحيح ألفاظها وإعرابها ، وأن يكون القارئ عالماً بمعانيها ، إلى غير ذلك .
ولا شك في أن هذا كله من اختراع الصوفية الذين أرادوا احتكار قراءتها
للناس ، وقد ظهرت منهم فئة عرفت بقراء البردة ، كانت تُستدعى في الجنائز والأفراح ، نظير أجر معين [5]
مناسبتها
وأما عن مناسبة تأليفها فكما قال ناظمها : كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني خِلْط فالج أبطل نصفي ، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة ، فعملتها ، واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني ، وكررت إنشادها ، وبكيت ودعوت ، وتوسلت ونمت ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فمسح على وجهي بيده المباركة ، وألقى عليّ بردة ، فانتبهت ووجدت فيّ نهضة ؛ فقمت وخرجت من بيتي ، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً ، فلقيني بعض الفقراء ، فقال لي : أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقلت : أيّها ؟ فقال : التي أنشأتها في مرضك ، وذكر أولّها ، وقال : والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يتمايل وأعجبته ، وألقى على من أنشدها بردة ، فأعطيته إياها ، وذكر الفقير ذلك ، وشاع المنام [6] .
ففي هذه الحادثة تلبّس البوصيري بجملة من المزالق والمآخذ ، فهو يستشفع ويتقرب إلى الله - تعالى - بشرك وابتداع وغلو واعتداء - كما سيأتي موضحاً إن شاء الله - .
ثم ادعى أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أن يبيّن نعته ؛ فإن من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حسب صفاته المعلومة فقد رآه ، فإن الشيطان لا يتمثل به - كما ثبت في الحديث - .
ثم ادعى أن النبي في - صلى الله عليه وسلم - مسح على وجهه وألقى عليه بردة ، فعوفي من هذا الفالج ، فتحققت العافية بعد المنام دون نيل البردة ! ثم التقى البوصيري - في عالم اليقظة - بأحد المتصوفة وأخبره بسماع القصيدة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تمايل إعجاباً بالقصيدة ، وهذا يذكّرنا بحديث مكذوب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تواجد عند سماع أبيات حتى سقطت البردة عن منكبيه وقال : ليس بكريم من لم يتواجد
عند ذكر المحبوب .
قال شيخ الإسلام : إن هذا الحديث كذب بإجماع العارفين بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسنته وأحواله [7] .
وأما عن استجابة دعاء البوصيري مع ما في قصيدته من الطوامَّ ، فربما كان لاضطراره وعظم فاقته وشدة إلحاحه السبب في استجابة دعائه .
يقول شيخ الإسلام : ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطراً ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له ، لصدق توجهه إلى الله ، وان كان تحري الدعاء عند الوثن شركاً ، ولو استجيب له على يد المتوسل به ، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته ، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي به في النار إذا لم يعفُ الله عنه ، فكم من عبد دعا دعاء غير مباح ، فقضيت حاجته في ذلك الدعاء ، وكان سبب هلاكه في الدنيا والآخرة [8] .
أبيات مخالفة في البردة :
نقلاً من كتاب"معلومات مهمة عن الدين"
للشيخ محمد جميل زينوا
هذه القصيدة للشاعر البوصيري مشهورة بين الناس ولا سيما بين الصوفيين.
ولو تدبرنا معناها لرأينا فيها مخالفات للقرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم !
يقول في قصيدته:
1- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به * * * سواك عند حلول الحادث العمم
يستغيث الشاعر بالرسول صلى الله عليه وسلم ويقول له: لا أجد من ألتجئ إليه عند نزول الشدائد العامة إلا أنت، وهذا من الشرك الأكبر الذي يُخلد صاحبه في النار إن لم يتب منه، لقوله تعالى:
** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين } [ يونس: 106].( أي المشركين ) لأن الشرك ظلم عظيم.
وقوله صلى الله عليه وسلم:** من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار } رواه البخاري.
( الند: المثيل ).
2- فإن من جودك الدنيا وضرتها * * * ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا تكذيب للقرآن الذي يقول الله فيه: ** وإن لنا للآخرة والأولى } فالدنيا والآخرة هي من الله ومن خلْقِهِ، وليست من جود الرسول صلى الله عليه وسلم وخلقه، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما في اللوح المحفوظ، إذ لا يعلم ما فيه إلا الله وحده، وهذا إطراء ومبالغة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم حتى جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول وأنه يعلم الغيب الذي في اللوح المحفوظ بل إن ما في اللوح من علمه وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإطراء فقال: ** لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله } رواه البخاري.
3- ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به * * * إلا ونلت جواراً منه لم يُضَم
يقول: ما أصابني مرض أو همٌّ وطلبت منه الشفاء أو تفريج الهم إلا شفاني وفرَّج همي.
والقرآن يحكي عن إبراهيم عليه السلام قوله عن الله عز وجل: ** وإذا مرضتُ فهو يشفين } [الشعراء: 80].
والله تعالى يقول: ** وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } [الأنعام: 17].
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ** إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله } رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
4- فإن لي منه ذمة بتسميتي محمداً * * * وهو أوفى الخلق بالذمم
يقول الشاعر: إن لي عهداً عند الرسول أن يدخلني الجنة، لأن اسمي محمداً، ومن أين له هذا العهد ؟
ونحن نعلم أن كثيراً من الفاسقين والشيوعيين من المسلمين اسمه محمد، فهل التسمية بمحمد مُبرر لدخولهم الجنة ؟ والرسول صلى الله عليه وسلم قال لبنته فاطمة رضي الله عنها:** سليني من مالي ما شِئْتِ، لا أُغني عنك من الله شيئاً } رواه البخاري.
وهذا غير صحيح، فلو كانت الرحمة تأتي قسمتها على قدر المعاصي كما قال الشاعر لكان على المسلم أن يزيد في المعاصي حتى يأخذ من الرحمة أكثر، وهذا لا يقوله مسلم
ولا عاقل ولأنه مخالف قول الله تعالى: ** إن رحمت الله قريب من المحسنين } [الأعراف:56] .
والله تعالى يقول: ** ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } [الأعراف: 156].
الشاعر يقول لولا محمد صلى الله عليه وسلم لما خُلقت الدنيا، والله يكذبه ويقول: ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [الذاريات: 56].
وحتى محمد صلى الله عليه وسلم خُلق للعبادة وللدعوة إليها يقول الله تعالى: ** وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين } [الحجر: 99].
7- أقسمت بالقمر المنشق إن له * * * من قلبه نسبة مبرورة القسم
الشاعر يقسم ويحلف بالقمر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ** من حلف بغير الله فقد أشرك } حديث صحيح رواه أحمد.
ثم يقول الشاعر يخاطب الرسول قائلاً:
ومعناه: لو ناسبتْ معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم قدره في العِظَم، لكان الميت الذي أصبح بالياً يحيا وينهض بذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبما أنه لم يحدث هذا فالله لم يُعط الرسول صلى الله عليه وسلم حقه من المعجزات، فكأنه اعتراض على الله حيث لم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه!!
وهذا كذب وافتراء على الله، فالله تعالى أعطى كل نبي المعجزات المناسبة له، فمثلاً أعطى عيسى عليه السلام معجزة إبراء الأعمى والأبرص وإحياء الموت، وأعطى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معجزة القرآن الكريم، وتكثير الماء والطعام وانشِقاق القمر وغيرها.
ومن العجيب أن بعض الناس يقولون: إن هذه القصيدة تسمى بالبردة وبالبُرأة، لأن صاحبها كما يزعمون مرض فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعطاه جبته فلبسها فبرىء من مرضه - وهذا كذب وافتراء- حتى يرفعوا من شأن هذه القصيدة، إذ كيف يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام المخالف للقرآن ولهديه صلى الله عليه وسلم وفيه شرك صريح.
علماً بأن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:ما شاء الله وشِئْتَ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ** أجعلتني لله نداً ؟ قل ما شاء الله وحده } رواه النسائي بسند جيد.
والند: المثل والشريك.
فاحذر يا أخي المسلم من قراءة هذه القصيدة وأمثالها المخالفة للقرآن، وهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، والعجيب أن في بعض بلاد المسلمين من يُشَيع بها موتاهم إلى القبور، فيضمون إلى هذه الضلالات بدعة أخرى حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصمت عند تشييع الجنائز ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
9- وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من * * * لولاه لم تُخرج الدنيا من العدم
ولا يخفى ما في عَجُز هذا البيت من الغلو الشنيع في حق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث زعم البوصيري أن هذه الدنيا لم توجد إلا لأجله -صلى الله عليه وسلم- وقد قال - سبحانه : " ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات : 56] ، وربما عوّل أولئك الصوفية على الخبر الموضوع : لولاك لما خلقت الأفلاك [10] .
10- فاق النبيين في خَلق وفي خُلُق * * * ولم يدانوه في علم ولا كرم
11-وكلهم من رسول الله ملتمس * * * غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
أي أن جميع الأنبياء السابقين قد نالوا والتمسوا من خاتم الأنبياء والرسل محمد -صلى الله عليه وسلم- فالسابق استفاد من اللاحق !
فتأمل ذلك وقارن بينه وبين مقالات زنادقة الصوفية كالحلاج القائل : إن للنبي نوراً أزلياً قديماً كان قبل أنه يوجد العالم ، ومنه استمد كل علم وعرفان ؛ حيث أمدّ الأنبياء السابقين عليه ..
وكذا مقالة ابن عربي الطائي أن كل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي يأخذ من مشكاة خاتم النبيين [11] .
12-دع ما ادعته النصارى في نبيهم * * * واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - منتقداً هذا البيت : ومن المعلوم أن أنواع الغلو كثيرة ، والشرك بحر لا ساحل له ، ولا ينحصر في قول النصارى ؛ لأن الأمم أشركوا قبلهم بعبادة الأوثان وأهل الجاهلية كذلك ، وليس فيهم من قال في إلهه ما قالت النصارى في المسيح - غالباً - : إنه الله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة ، بل كلهم معترفون أن آلهتهم ملك لله ، لكن عبدوها معه لاعتقادهم أنها تشفع لهم أو تنفعهم فيحتج الجهلة المفتونون بهذه الأبيات على أن قوله في منظومته : دع ما ادعته النصارى في نبيهم مَخْلَصٌ من الغلو بهذا البيت ، وهو قد فتح ببيته هذا باب الغلو والشرك لاعتقاده بجهله أن الغلو مقصور على هذه الأقوال الثلاثة [12] .
لقد وقع البوصيري وأمثاله من الغلاة في لبس ومغالطة لمعنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- : لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله [13] ، فزعموا أن الإطراء المنهي عنه في هذا الحديث هو الإطراء المماثل لإطراء النصارى ابن مريم وما عدا ذلك فهو سائغ مقبول ، مع أن آخر الحديث يردّ قولهم ؛ فإن قوله - عليه الصلاة والسلام - : إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله تقرير للوسطية تجاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فهو عبد لا يُعبد ، ورسول لا يُكذب ، والمبالغة في مدحه تؤول إلى ما وقع فيه
النصارى من الغلو في عيسى - عليه السلام - ، وبهذا يُعلم أن حرف الكاف في قوله -صلى الله عليه وسلم- : كما أطرت هي كاف التعليل ، أي كما بالغت النصارى [14] .
ويقول ابن الجوزي - في شرحه لهذا الحديث - : لا يلزم من النهي عن الشيء وقوعه ؛ لأنَّا لا نعلم أحداً ادعى في نبينا ما ادعته النصارى في عيسى - عليه السلام - وإنما سبب النهي فيما لم يظهر ما وقع في حديث معاذ بن جبل لما استأذن في السجود له فامتنع ونهاه ؛ فكأنه خشي أن يبالغ غيره بما هو فوق ذلك فبادر إلى النهي تأكيداً للأمر [15] .
13- لو ناسبت قدره آياته عِظماً * * * أحيا اسمه حين يُدعى دارس الرمم
يقول بعض شرّاح هذه القصيدة : لو ناسبت آياته ومعجزاته عظم قدره عند الله - تعالى - وكل قربه وزلفاه عنده لكان من جملة تلك الآيات أن يحيي الله العظام الرفات ببركة اسمه وحرمة ذكره [16] .
يقول الشيخ محمود شكري الآلوسي منكراً هذا البيت : ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغلو ؛ فإن من جملة آياته -صلى الله عليه وسلم- القرآن العظيم الشأن ؛ وكيف يحل لمسلم أن يقول : إن القرآن لا يناسب قدر النبي -صلى الله عليه وسلم- ، بل هو منحط عن قدره ثم إن اسم الله الأعظم وسائر أسمائه الحسنى إذا ذكرها الذاكر لها تحيي دارس الرمم ؟ [17] .
14- لا طيب يعدل ترباً ضم أعظمه * * * طوبى لمنتشق منه وملتثم
فقد جعل البوصيري التراب الذي دفنت فيه عظام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أطيب وأفضل مكان ، وأن الجنة والدرجات العلا لمن استنشق هذا التراب أو قبَّله ، وفي ذلك من الغلو والإفراط الذي يؤول إلى الشرك البواح ، فضلاً عن الابتداع والإحداث في دين الله - تعالى - .
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا يقبله ، وهذا كله محافظة على التوحيد [18] .
15- أقسمتُ بالقمر المنشق إنّ له * * * من قلبه نسبةً مبرورة القسم
ومن المعلوم أن الحلف بغير الله - تعالى - من الشرك الأصغر ؛ فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك [19] .
وقال ابن عبد البر - رحمه الله - : لا يجوز الحلف بغير الله - عز وجل -
في شيء من الأشياء ولا على حال من الأحوال ، وهذا أمر مجتمع عليه ... إلى أن قال : أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها ، لا يجوز الحلف بها لأحد [20] .
16- ولا التمست غنى الدارين من يده * * * إلا استلمت الندى من خير مستلم
فجعل البوصيري غنى الدارين مُلتَمساً من يد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، مع أن الله - عز وجل - قال : " ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ " [النحل : 53] ، وقال - سبحانه - : " فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ " [العنكبوت : 17] ، وقال - تعالى - : " قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ " [يونس : 31] ، " قُلِ ادْعُوا الَذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ " [سبأ : 22] .
وأمر الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة المذكورة في قوله - تعالى - : " قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الغَيْبَ ولا أَقُولُ لَكُمْ إنِّي مَلَكٌ إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ " [الأنعام : 50] .
17- فإن لي ذمة منه بتسميتي * * * محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
وهذا تخرُّص وكذب ؛ فهل صارت له ذمة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمجرد أن اسمه موافق لاسمه ؟ ! فما أكثر الزنادقة والمنافقين في هذه الأمة قديماً وحديثاً الذين يتسمون بمحمد !
و يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعقيباً على هذا البيت : قوله : فإن لي ذمة ... إلى آخره كذب على الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- فليس بينه وبين اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة ، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك [21] .
فالاتفاق في الاسم لا ينفع إلا بالموافقة في الدين واتباع السنة [22] .
18-إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي * * * فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
والشاعر في هذا البيت ينزل الرسول منزلة رب العالمين ؛ إذ مضمونه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المسؤول لكشف أعظم الشدائد في اليوم الآخر ، فانظر إلى قول الشاعر ، وانظر في قوله - تعالى - لنبيه -صلى الله عليه وسلم- : " قُلْ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " [الزمر : 13] .
ويزعم بعض المتعصبين للقصيدة أن مراد البوصيري طلب الشفاعة ؛ فلو صح ذلك فالمحذور بحاله ، لما تقرر أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله - تعالى - : " ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ ولا يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ ولا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " [يونس : 18] ، فسمى الله - تعالى - اتخاذ الشفعاء شركاً [23] .
19- يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به * * * سواك عند حلول الحادث العمم
يقول الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعقيباً على هذا البيت - :
فتأمل ما في هذا البيت من الشرك :
منها : أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له ، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو .
ومنها : أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه ، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله ، وذلك هو الشرك في الإلهية [24] .
وانتقد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد ابن عبد الوهاب هذا البيت قائلاً : فعظم البوصيري النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يسخطه ويحزنه ؛ فقد اشتد نكيره -صلى الله عليه وسلم- عما هو دون ذلك كما لا يخفى على من له بصيرة في دينه ؛ فقصر هذا الشاعر لياذه على المخلوق دون الخالق الذي لا يستحقه سواه ؛ فإن اللياذ عبادة كالعياذ ، وقد ذكر الله عن مؤمني الجن أنهم أنكروا استعاذة الإنس بهم بقوله : " وأَنَّهُ **انَ رِجَالٌ مِّنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً " [الجن : 6] ، أي طغياناً ، واللياذ يكون لطلب الخير ، والعياذ لدفع الشر ، فهو سواء في الطلب والهرب [25] .
وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله - عن هذا البيت : فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . إنا لله وإنا إليه راجعون [26] .
20- ولن يضيق رسول الله جاهك بي * * * إذا الكريم تحلى باسم منتقم
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : سؤاله منه أن يشفع له في قوله : ولن يضيق رسول الله ... إلخ ، هذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوهم وهو الجاه والشفاعة عند الله ، وذلك هو الشرك ، وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله فلا معنى لطلبها من غيره ؛ فإن الله - تعالى - هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداءاً [27] .
21- فإن من جودك الدنيا وضرتها * * * ومن علومك علم اللوح والقلم
فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي -صلى الله عليه وسلم - وإفضاله ، والجود هو العطاء والإفضال ؛ فمعنى الكلام : أن الدنيا والآخرة له -صلى الله عليه وسلم- ، والله - سبحانه وتعالى - يقول : " وإنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأُولَى " [الليل : 13] [28] .
وقوله : ومن علومك علم اللوح والقلم . في غاية السقوط والبطلان ؛ فإن مضمون مقالته أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب ، وقد قال - سبحانه - : " قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ " [النمل : 65] وقال - عز وجل - : " وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ ويَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ والْبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا ولا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " [الأنعام : 59] ، والآيات في هذا كثيرة معلومة [29].
وأخيراً أدعو كل مسلم عَلِقَ بهذه القصيدة وولع بها أن يشتغل بما ينفع ؛ فإن حق النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما يكون بتصديقه فيما أخبر ، واتباعه فيما شرع ، ومحبته دون إفراط أو تفريط ، وأن يشتغلوا بسماع القرآن والسنة والتفقه فيهما ؛ فإن البوصيري وأضرابه استبدلوا إنشاد وسماع هذه القصائد بسماع القرآن والعلم النافع ، فوقعوا في مخالفات ظاهرة ومآخذ فاحشة .
وإن كان لا بد من قصائد ففي المدائح النبوية التي أنشدها شعراء الصحابة - رضي الله عنهم- كحسان وكعب بن زهير ما يغني ويكفي .
اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛ إنك حميد مجيد .
________________________
5- لعل رحمة ربي حين يقسمها * * * تأتي على حسب العصيان في القسم
6- وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من * * * لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
8- لو ناسبتْ قدرَه آياتُه عِظَماَ * * * أحيا اسمه حين يُدعى دَارِسَ الرِمَمِ
(1) المدائح النبوية ، ص 199 .
(2) يقول ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية (4 /373) : ورد في بعض الروايات أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاه بردته حن أنشده القصيدة وهذا من الأمور المشهورة جداً ، ولكن لم أر ذلك في شيء ، من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه ؛ فالله أعلم .
(3) انظر مقدمة محقق ديوان البوصيري ، ص 29 .
(4) انظر المدائح النبوية لزكي مبارك ، ص 197 .
(5) مقدمة ديوان البوصيري ، ص 29 ، 30 .
(6) فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي ، 2/258 .
(7) مجموع الفتاوى ، 11 /598 .
(8) اقتضاء الصراط المستقيم ، 2/692 ، 693 ، باختصار .
(9) انظر ترجمته في مقدمة ديوان البوصيري ، تحقيق محمد سيد كيلاني ، ص 5 - 44 ، وللمحقق كتاب آخر بعنوان : البوصيري دراسة ونقد .
(10) انظر : الصنعاني في موضوعاته ، ص 46 ح (78) ، والسلسلة والموضوعة للألباني ، 1/299 ، ح (282) .
(11) انظر تفصيل ذلك في كتاب محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرؤوف عثمان ، ص 169 - 196 .
(12) الدرر السنية ، 9/81 ، وانظر 9/48 ، وانظر : صيانة الإنسان للسهسواني (تعليق محمد رشيد رضا) ، ص 88 .
(13) أخرجه البخاري ، ح /3445 .
(14) انظر القول المفيد ، 1 /376 ، ومفاهيمنا لصالح آل الشيخ ، ص 236 ، ومحبة الرسول لعبد الرؤوف عثمان ، ص 208 .
(15) فتح الباري ، 12 /149 .
(16) غاية الأماني للآلوسي ، 2 /349 .
(17) غاية الأماني للآلوسي ، 2/ 350 ، باختصار وانظر الدر النضيد لابن حمدان ، ص 136 .
(18) الرد على الأخنائي ، ص 41 .
(19) رواه أحمد ، ح /4509 ، والترمذي ، ح / 1534 .
(20) التمهيد ، 14/366 ، 367 .
(21) تيسير العزيز الحميد ، ص 22 .
(22) انظر الدرر السنية ، 9 /51 .
(23) انظر الدرر السنية ، 9/49 ، 82 ، 271 .
(24) تيسير العزيز الحميد ، ص 219 ، 220 .
(25) الدرر السنية ، 9/ 80 ، وانظر 9/49 ، 84 ، 193 ، ومنهاج التأسيس والتقديس لعبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ، ص 212 .
(26) الدر النضيد ، ص 26 .
(27) تيسير العزيز الحميد ، ص 220 ، وانظر الدرر السنية ، 9/52 .
(28) انظر الدرر السنية ، 49 ، 50 ، 81 ، 82 ، 85 ، 268 .
(29) انظر الدرر السنية ، 9/50 ، 62 ، 81 ، 82 ، 268 ، 277 .