قصة مؤثرة للثبات والصبر يقول صاحب القصة:
سافرت إلى مدينة جدة في مهمة رسمية
وفي الطريق فوجئت بحادث سيارة
ويبدو أنه حدث لتوّه كنت أول من وصل إليه
أوقفت سيارتي واندفعت مسرعاً
تحسستها في حذر نظرت إلى داخلها
أحدقتُ النظر خفقات قلبي تنبض بشدة
ارتعشت يداي تسمَّرت قدماي خنقتني العبرة
ترقرقت عيناي بالدموع ثم أجهشت بالبكاء
منظر عجيب وصورة تبعث الشجن
كان قائد السيارة ملقاً على مقودها جثة هامدة
وقد شَخَصَ بصره إلى السماء
رافعاً سبابته وقد أفتر ثغره عن ابتسامة جميلة
ووجهه محيط به لحية كثيفة
كأنه الشمس في ضحاها والبدر في سناه
العجيب “والكلام ما يزال لصاحب القصة”
أن طفلته الصغيرة كانت ملقاة على ظهره
محيطة بيديها على عنقه
ولقد لفظت أنفاسها وودعت الحياة
لا إله إلا الله
لم أرى ميتة كمثل هذه الميتة طهر ووقار
صورته وقد أشرقت شمس الاستقامة على محياه
منظر سبابته التي ماتت توحّد الله
جمال ابتسامته التي فارقت بها الحياة
تفكرت في هذه الخاتمة الحسنة
ازدحمت الأفكار في رأسي
سؤال يتردد صداه في أعماقي
يطرق بشدة: كيف سيكون رحيلي !!
على أي حال ستكون خاتمتي!!
يطرق بشدة يمزّق حجب الغفلة
ويعلو صوت النحيب
من رآني هناك ظن أني أعرف الرجل
أو أن لي به قرابة كنت أبكي بكاء الثكلى
لم أكن أشعر بمن حولي!!
ازداد عجبي حين انساب صوتها يحمل برودة اليقين
لامس سمعي وردَّني إلى شعوري
“يا أخي لا تبكي عليه إنه رجل صالح
هيّا أخرجنا من هناك وجزاك الله خيراً“
إلتفتُ إليها فإذا امرأة تجلس في المقعد الخلفي
تضم إليها طفلين صغيرين لم يُمسا بسوء
كانت شامخة في حجابها هادئة في مصابها
منذ أن حدث لهم الحدث!!
لا بكاء ولا صياح أخرجناهم من السيارة
من رآني ظن أني صاحب المصيبة دونها
قالت لنا وهي تتفقد حجابها
في ثباتٍ راضٍ بقضاء الله وقدره “
لو سمحتم أحضروا زوجي وطفلتي
إلى أقرب مستشفى وسارعوا في إجراءات الغسل والدفن
واحملوني وطفليَّ إلى منزلنا جزاكم الله خير الجزاء“
بادر بعض المحسنين إلى حمل
الرجل وطفلته إلى أقرب مستشفى
ومن ثم إلى أقرب مقبرة بعد إخبار ذويهم
وأما هي فلقد عرضنا عليها أن تركب مع أحدنا إلى منزلها
فردّت في حياء وثبات
”لا والله لا أركب إلا في سيارة فيها نساء”
ثم إنزوت عنا جانباً وقد مسكت بطفليها
ريثما نجلب بغيتها وتتحقق أمنيتها
استجبنا لرغبتها وأكبرنا موقفها
مرَّ الوقت طويلاً
ونحن ننتظر على تلك الحال العصيبة
في تلك الأرض الخلاء وهي ثابتة ثبات الجبال
ساعتان كاملتان حتى مرّت بنا سيارة فيها الرجل وأسرته
أوقفناهم أخبرناه خبر هذه المرأة
وسألناه أن يحملها إلى منزلها فلم يمانع
عدت إلى سيارتي وأنا أعجبُ من هذا الثبات العظيم
ثبات الرجل على دينه واستقامته
في آخر لحظات الحياة وأول طريق الآخرة
وثبات المرأة على حجابها وعفافها في أصعب المواقف
وأحلك الظروف ثم صبرها إنه الإيمان إنه الإيمان.. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ
وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |