عرض مشاركة واحدة
  #523  
قديم 06-03-2014, 09:00 PM
 





















~*~ الفصل الثاني عشر ~*~


"الموعد الكارثي حيث الأمل مفقود"


*

؛،



على حسب ما ذكرته السيدة كيران فالرجل قد حدد الموعد معها تمام الساعة العاشرة والنصف بهذا اليوم سيكون لقائها به
عادةً فتاتنا الروسية لا تحب مثل... هذا النوع من المواعيد الغبية كما تسميها وبالنسبة لها، لكن لربما هذا الموعد الغبي سيغير من مستقبلها!

مشت واضعة ليديها بجيب سترتها الجلدية السوداء الطويلة ومضت تسرع بخطواتها وأثناء ذلك توقفت فجأة أمام واجهة أحد المحلات بطريقها ناظرةً لانعكاس صورتها عبر زجاجها، فقامت بسحب الدبوس من شعرها الأشقر وتركته لينسدل على كتفيها بخفة عائدةً للانطلاق من جديد، تذكرت ما أعطتها إياها السيدة كيران، ورقة همت بإخراجها من جيب حقيبتها الأمامي
ألقت نظرة سريعة عليها ثم أعلت عينيها نحو مقهى بدا راقياً لا يدخله سوى الأثرياء
حددت رقم الشارع وعنوانه لتجدهما متطابقين أماءت رأسها ثم دخلت بثقة
ما إن ولجته حتى جالت بعينيها أركانه فبصعوبة أغلقت فمها من الدهشة تلك النوافذ الزجاجية الضخمة غطته من فوقه إلى تحته بأناقة كأنه تحفة لم تجد لها مثيلاً

مكان لم تطأه قدماها قبلاً لابد من أنه حديث، بناءه عصري بحتة، أغمضت عينيها بسكون ثم فتحتهما ومضت به تحاول تذكر مميزات ذلك الشخص الذي وصفته لها السيدة كيران
- شاب في بداية الثلاثينات من عمره بني العينين ملامحه هادئة تنم عن الوقار، يرتدي نظارات طبية ضخمة وماذا أيضاً ؟؟ لا يشرب القهوة وما هو...، تذكرت يضع قبعةً على رأسه ولا يخلعها بكل أوقات السنة.

رفعت همتها للبحث عنه بعد أن تجمعت صورته بمخيلتها فأوقفها أحد العاملين بالمقهى سائلاً
- عذراً يا آنسة هل أنتِ تامينا؟؟؟

أماءت برأسها إيجاباً دون زيادة فأشار لها قائلاً
- رقم حجز طاولتكِ هو تسعة

ثم مضى أمامها ليدلها للمكان

سارت خلفه وهي تحاول البحث عن السيد لوكا بعيونها المتسعة والتي لم ترحمها عيون من يجلسون هناك بالأخص أن لها ملامح فاتنةً وجذابة على غرار من هناك... لم تعرهم اهتماماً كما العادة ككل مرة قلبها بارد من جهة أن تعجب بشخص أو تخونها مشاعرها تجاه أي منهم
وصلا معاً... اعتلت الدهشة حاجبيها عندما رحل الشاب مشيراً لها أن هذا هو مكانها وبأن السيد لوكا لم يأتي بعد، زفرت بملل وسحبت مقعداً من أمامها

شعرت بالحر هناك فخلعت سترتها الجلدية ليظهر قميصها الأبيض الناصع ذا الياقة المتسعة
وضعتها جانباً وشبكت يدها على الطاولة التي يتوسطها كأس من الماء بقيت تحدق فيه بملل حتى عاد نفس العامل مجدداً يسألها
- هل تطلبين شيئاً آنستي؟؟!!!

نفت بيدها دون أن تحدثه فرحل وتركها بمثل ما ظن

نظرت لساعتها وزفرت إنها تشير للحادية عشر إلا ربع لقد تأخر هذا السيد على موعده وهي تشعر بالملل أكثر من قبل فقد كانت قبل هذا أيضاً بموعد عند الطبيب لأجل الفحص والآن زاد مللها أضعافاً

الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق ولم يأتي... كذلك!!
الساعة الحادية عشرة وعشرون دقيقة ولم يظهر ملل ثم ملل
الساعة الآن تشير للحادية عشرة وأربعون دقيقة
شبكت يديها بتريث ورفعت قدمها على الأخرى بوضع يدل على التوتر وعدم إطاقة

عاد العامل هناك... يسألها
- هل تريدين مني أن أتصل بالسيد لوكا؟؟

نفت بيدها فغادر لكنه عاد واستدار لها متسائلا لمرة أخرى
- هل تطلبيـ...!!!

قبل أن ينهي كلمته تلك ضربت تامينا الطاولة بيدها بقوة ورمته بنظرات مشعة غضباً دليلاً على تحرك نزعة التعصب الشادة بصميمها

فر الشاب بخفة من أمامها دون أن يلتفت فعادت للارتماء على الكرسي مشبكة يديها بحنق زمت شفتيها الكرزيتين محاولةً الهدوء

نظرت للخارج من هناك
إنها الساعة الثانية عشر إلا خمس دقائق طفح كيلها فحملت معطفها وحقيبتها واستهلت الطريق للمغادرة عندما كادت قدمها تطأ بوابته هتف النادل "العامل نفسه" متردداً لها
- آنسة تامينا

تلفتت نحوه فأشار لذات طاولتها قبلاً، بصعوبة أعادت خطواتها للرجوع
- مرحباً بكِ آنسة تامينا أنا "لوكا تاكيشيما"

شاب ثلاثيني العمر يشبك يديه على الطاولة واضعاً قدماً فوق الأخرى بكل عنفوان ووقار كما ذكرت السيدة كيران، تأففت ثم أخفت ضيق نفسها وأُجبرت بذلك للجلوس مقابلةً له تساءلت كيف دخل من حيث لا تعلم لم تدري أنه يوجد بوابتان بذات المطعم

طالت مدة سكوتها بسبب غضبها على تأخره فهو حتى لم يقدم اعتذراً مبرراً للتأخر هكذا
حملق بها مستغرباً، لم يحتر بجمالها فلم يجذبه كما فعل مع الباقين تذكر ما قالته كيران عن أولئك الرجال ممن قاموا بخطبتها ولم توافق
بنفسه ضحك بشدة على طريقة تفكيره فكونها بذاك الجمال ولم تكن موافقة على الكثيرين من أمثاله وربما أكبر منه شأنا

أنزل عيونه القسطلية أسفلاً ينظر ليديه المشبكتين
أعاد سؤاله لكن بطريقة أخرى
- والآن أكره المقدمات لذا فستكون أسئلتي بذات نطاق هوايتك

- هوايتي؟؟

لم تكلمه بل عيونها المستغربة من نطق همت بإخراج دفتر وقلم من حقيبتها... كتبت
"أنت مخطأ أيها السيد، الرسم ليس هوايتي"

ثم مررته نحو لوكا، رفعه وتعجب من كتابتها وعدم نطقها فقال بعد أن قرأ
- ما الخطأ آنسة تامينا؟!!

رفع نظارته اللامعة بخفة ومرر الدفتر لها فأخذته وعادت لتدون فيه
"لا، أقصد أن الرسم هو كل شيء أحبه، لا تقل عنه هواية فهذا أمر يقلل من شأني"!!

ثم أعادت تمرير الدفتر له
أخذه بدوره وقرأ ما فيه للمرة الثانية فابتسم بغير رضا ورد
- لما لا تقولين ذلك بنفسك؟

سحبت الدفتر بخفة من عنده مرة أخرى
"آسفة، لكن هذه أوامر الطبيب... ستسوء حالة حبالي الصوتية إن تكلمت قبل نهاية المدة المحدد"

ثم رفعته مقابلاً له تنفس التالي بسرعة ورد
- حسناً أتفهم هذا، و أرجو لكِ الشفاء العاجل

"ما المطلوب مني؟؟!!!"

- لا شيء... إنه أمر سأناقشكِ به

شبك يديه فوق صدره وأعاد ظهره ليستند على الكرسي قائلاً
- لدي مشروع قيد الإنجاز الآن وسيتم إنهاءه بغضون بداية الصيف المقبل

"لم أفهم لحد الآن"؟؟!

استثارت أعصابه من إلحاحها وظهرت أوداجه فهي متسرعة ولحد الآن لازالت منزعجة من تأخره لكنها تجعله يسرع بمحادثتها كعقاب له

رد بكل حنق يخفيه بحلقه
- ستفهمين فقط اصبري!

أخذ نفساً عميقاً وأكمل
- هذا المشروع هو مدرسة للفنون

"فنون... عذراً سيد لوكا لكنني لم أفهم"؟؟؟

صاح بوجهها
- توقفي عن مقاطعتي!

بينما في نفسه استجمع هدوئه، فمن حسن حظه أنها مريضة ولم تتكلم
"حسناً، سأصمت فلتكمل براحتك لا شيء يعطلني"

كتبت تلك الكلمات فقط لكي تزيد من اضطرابه... لكنها لم تنجح
- هذا جيد، كما قلت سابقاً مدرسة للفنون وسنكون بحاجة لأساتذة ومتمرسين في الفنون وهذا هو مقصدي

رفع عينيه بجدية نحوها تزامنت مع بريق بنظارته الضخمة مكملاً
- أن تكوني أحد المعلمين في مدرستي

رمشت بخفة وفمها قد تقوس بشكل يوحي أنها غير مصدقة

إبتسم وأجاب عنها رافعاً لسبابته بقصد الشرح
- أجل، أنتِ أول شخص أطلب منه أمراً مماثلاً فلا ترديني خائباً

لم يعلم لوكا لما كان سيترجاها فهو صعب المراس ليس من السهل عليه أن يتحدث مع أشخاص مثلها بهذه الطريقة

أسكنت ناظريها متأملةًً للفراغ بينهما حاولت التفكير بتلكم الثواني لترد بشيء يفهمه
في نفسها سعدت بالخبر لكن ظاهرها يعكس غير هذا
تكلم قاطعاً لأشواط تخيلاتها
- قراركِ النهائي!!!

بنبرة جادة قالها أشبه بأنه يقودها إلى اختيار حتميّ الأخيرة لم تتزعزع من تفكيرها بذرة بل تابعت التقرير عن نفسها

رفعت يدها لتكتب رداً... لكنهما سمعا صوت رنين لهاتف، تحسست جيب بنطال الجينز السماوي الذي ترتديه وأخذت هاتفها من هناك نظرت له ولا يبدو أنها المقصودة، المقابل لها عاد ليأخذ هاتفه فهو المعني بهذا الاتصال، وضعه على أذنه
- مرحباً،... لا تخبريني بأنها لم تأخذ دوائها ؟

صمت لبرهة من الزمن وعاد ليظهر ضجره من المشكو منه في اتصاله هذا
- لما عليّ البقاء معها دائماً؟؟؟

بتذمر وضع يده على رأسه
- يا إلهي... كم أنا متعب الآن، جِدِي لها أي شيء تنشغل به عني!

بقيت تامينا تنظر نحوه وهو يتكلم حتى وقف مغادراً لينهي مكالمته بعيداً عنها
نفخت وجنتها بغير اكتراث وراحت ترقبه يبتعد وعلامات الإحباط تتشكل من حركة يديه لم يكن مريباً بالقدر الغير مرئي فقد ظهر لها وأخذت تسأل حالها عن المتصل به يا ترى... فمن يكون؟

مضت أكثر من ربع ساعة ولم يعد... إضافة لعدم تبريره لتأخره قبل مدة
أكثر من نصف ساعة تأخر لمرة أخرى... أكثر من ساعة إلا ربع

كجمرة ألقيت بعينيها توهجت وانبثق منها الغضب مستعراً
من بعيد لاح ظل لوكا يتقدمها بكل هدوء ظنت أنه نسيها ولم يعد يحفل بأمرها فوقفت وخصلات من شعرها الأشقر تغطي هالة مريبةً حول عينيها الزمرديتين بلمعان مخضر، رفعت معطفها بكل سكون
مقابلاً لها جلس وأشار لها بالجلوس كونه لم يفهم لما وقفت
- اجلسي آنسة تامينا... سنكمل حديثنا!

كزت على أسنانها فأصدرت صريراً كاد يسمع من غيظها، لقفت حقيبتها بيدها
- لن تكمل حديثك معي...

تعجب منها فقد تكلمت الآن وها قد أتيحت له الفرصة بأن سمع صوتها المبحوح نوعاً ما، قال بتحير التمسه من نبرتها المتعصبة
- لما غضبتي؟؟؟

- بسببك

- أنا، لكن لم أفعل أي شيء يستحق الغضب!!

قالها بكل رصانة ظاهرةٍ على هيئته دون ذرة ملامة لذاته
- لم تفعل أي شيء يستحق أن أغضب عليه؟

ردت عليه أيضاً بكل لهجة لاذعة ساخرةٍ منها ثم أضافت
- التأخر، ألم تتأخر ولم تقم بتسويغ فعلتك؟؟

وقف لوكا مقابلاً لها فالمكالمة التي تلقاها وهذه الشقراء الغاضبة جزيل عليه أن يواجههما بذات الوقت
- إلى ما ترجحين يا آنسة لدي انشغالاتي!!؟؟

- ماذا عني أولست كذلك!

أشارت لنفسها فأخرج ضحكة مستفزةً من بين شفتيه ليزيد الزيت على نار غضبها
- خادمة، وما الذي ستقومين بفعله غير هذا؟

- خادمة... خادمة أهذا ما تراه أنت فيّ؟

كررت تلك العبارة بسخرية أيضاً وأشارت بيدها نحو نفسها لكن بثقة هذه المرة تلاءمت مع وقفتها
فوضعت يدها على حافة الطاولة وبالأخرى رفعت كأس الماء من عليها تأملته تحت تعجب الآخر من حركتها فعلياً تحير بِسر جمودها فهل لملمة كلماته تلك أسكتتها؟

في لحظة جرت مخطوفة بينهما سكبت محتوى الكأس على رأسه ووضعته بهدوء، نظراتها الساكنة أنمت على حزم غريب وهي تتكلم
- خادمة أذلتك فرد هذا عليها... سأنصرف

ختمتها بابتسامة أخفت خلفها بركانا من الغضب والقهر منه وغادرت

لم يعي لوكا ما به هل ساقه تعثر لسانه وقوله الخاطئ عن اعتذار يليق أم أن جرأتها أخرسته؟؟

بقي هناك بصدمة كادت تقوده للجنون فوضع يده على قبعته التي ابتلت تماماً لم يستطع إنزالها ولن يفعل

تلفت بسرعة ينظر للبشر المحيطين به لم يبدوا مكترثين لما وقع معه تنفس آن ذاك الصعداء ونزع نظارته الكبيرة من على عينيه ليمسحها فقد نالها أيضا ما وقع على رأس صاحبها
تمتم بهدوء
- ستندمين حقاً أيتها الوقحة

فرك نظارته بمنديله عندما اهتدت عينيه لدفتر أمامه، أخذه ونظر نحوه
- إنه للروسية!!

ابتسامة ثقة صارخة ومضت على شفتيه بمكر وهو يتصفح أول أوراقه
- مذكراتها إذاً... كم هذا ممتع ستندم على فعلتها بي

ها هو هاتف لوكا يعيد الرنين بجيبه وقد أخذه بسرعة خائفاً مما ينتظره
- ليس من جديد "هينا"

وضع يده على رأسه متأوهاً بشدة هذه المرة
- سآتي الآن لا تبتعدي عنها... لكن أقنعيها بتناول الدواء فحسب

وقف بسرعة، فأخذ الدفتر وركض خارجاً نحو سيارته البيضاء ثم مضى بها مستعجلاً








- هل تعتذرين له كانا؟

كانت تفكر بذلك وتحاول أن تجتنب حديث نفسها داخلياً، نفت برأسها يميناً وشمالاً عندما قررت
- لا لن يحصل هذا ولو على جثتي أبداً

- كانا لا تشردي بالحصة مجدداً

وقفت تعتذر من جديد لخروجها عن الدرس وتفكيرها بشيء مخالف
- آسفة لن أفعلها ثانية أستاذ

- اجلسي

أشار لها وقد جلست قبل هذا كانت تفكر بساناتو لما تريد الاعتذار منه، قبل مدة كانت تخجل حتى النظر إليه فمن أين لها مقدرة مماثلة على التصدي له وصفعه

علمت بخطئها فهو بحق كان يحبها... لازالت مترددة في جوابها النهائي المرتبك

بعد هنيهة رن الجرس معلناً عن نهاية اليوم الدراسي، وقفت ثم لملمت حاجيتها وهي آخر الباقين بعد عدة مناوشات مع ذاتها الآبية للخضوع
سارت تمضي لبوابة مبنى فصول السنة الأخيرة وفي بغتة لمحته يقف مع فتاة أخرى، فتاة غيرها

توارت عن الأنظار تحاول سمع ما يقوله لها
- حسناً أهذا آخر قرار لكِ؟

أجابت تلك الفتاة ذات العيون الوديعة برقة
- أجل أيها الرئيس ساناتو ماذا عنك لم أسمع إجابتك!!

- سأحاول التفكير وبعدها سأرد عليكِ حالياً لدي قليل من الأعمال وأمر موعدي يشغلني

تلعب بأصابعها بينما تجيبه بكل ود ولطف تحسد عليه
- أتفهم موعدك...للأسف

- موعد ماذا عساه يكون ؟؟!!!!

التهبت كانا من فضولها وهي تطل مرة وتسحب رأسها بأخرى

شعرت بشيء غريب يراودها لم تفهمه الآن فهل هو غيرة أم ماذا؟
هي من رفضته وهي الآن تريد استعادته
معه الآن أجابت تلك الفتاة وهي مستديرة للانصراف
- سأنتظرك وأنتظر ردك مع كل هذا أثق بسلامة ما تفكر به

لقد خلى المكان من الطلاب فرصتها المواتية لتقفز عليه وتعتذر بعد آخر قرار لها، كان سيغادر هو الآخر لكن صوتها جعله يقف مكانه
- آسفة ساناتو

لم يستدر علم من هي بمجرد ترددها فأجاب وهو يمضي واضعاً لحقيبته على ظهره
- الأجدر بكِ أن تنسي الآن...

- لما هل أغضبتك؟

- كل ذلك ولم تغضبيني، لا تتفوهي بمثل حمقاتكِ الآن

بنبرته المهملة لجدية ما قالته رماها بها وعزم على عدم الاستدارة لمواجهتها ومواجهة كلامها الذي ظهر وكأنه بغير وقته
- لكنني أنا!!

- سأذهب لم يعد أمامي وقت على موعدي

نظر لساعته وغادر بعد أن تركها محتارة منه

غضبت على ما اقترفه هروبه هكذا من أمامها، أذلت كبريائها لأجله وهو غادر دون أن ينظر إليها حتى
همست بحنق
- تباً لك أيها الغبي ستندم!

اغرورقت عينيها الخضراوتين بدموع مدبرة فرفعت يدها لتمسحها غير مدركة لسبب نزولها

جثت على ركبتيها تقبض يديها واضعة لهما على فخذها
- لما عليّ أن أعتذر له ليتجاهلني، الغبي المغرور ذاك سأقضي عليه

توارى عن المكان يمشي بعنفوان زاده هيبة تغاضى عنها وابتعد كما أرادت أخبرته بأنها لن تصدقه ولن تصدق ما قاله لها فلما الآن تعود
لم يكلف نفسه بالانشغال لتساؤل مماثل

رفع رأسه بعد أن استهل دربه بمنتصف الطريق بسبب سماعه لصوت صافرة التحذير المنددة بقدوم القطار
توقف هناك ومر القطار ليمر معه أول مشهد رآه لها فأغمض عينيه على رنين صوته الطاغي يتذكر ما حصل قبل سنتين من هذا الوقت







كان ذاك اليوم يوماً هادئاً... قبل مغيب الشمس بوقت قصير حيث خفتت أشعة شمس الربيع
كان ساناتو يمضي بالدراجة النارية وتلك الفتاة ذات الثانية عشر ربيعاً تحكم الإمساك به مخافة أن تسقط خلفه
- لقد كنت عند صديقتي... لا تتجهم هكذا كلمني !

قالتها بنبرة طفولية بحتة فرد الآخر مصوباً نظره للطريق
- أنتِ تعلمين أن الجميع سيغضب فلما زرتها ولم تخبرينا ميكو !!؟

- لقد كانت مريضة وخفت أن...

قاطعها بعد أن فهم
- خفتي أن يمنعكِ يوغامي بحجة أنكِ ستصابين بالعدوى !؟

أماءت برأسها مجيبة بصوت رقيق فهي تعلم مفعول إدعائها
- أجل أخي

- لا تجدي معي، مع يوغامي تستطعين إيقاعه أما أنا... فسأسر بقول أنكِ فشلتي فلا تفكري حتى

أخرج ضحكة من بين شفتيه مغزاها أن شقيقته المتمسكة به لا يمكن أن تؤثر عليه بأي شكل مهما حاولت
زمت ميكو شفتيها وقالت باستهزاء
- على الأقل يوغامي يلبي أوامري

- لأن هذا هو عمله الآن... رئيس للخدم بقصر غاكيجاوا

تلفت نحوها بابتسامة عله يجعلها تتراجع عما قالته لكنها ردته خائباً
- ولكنني أظل الأفضل بكل ما أطلبه من يوغامي من الأناس الآخرين، أنا الأولى منهم جميعاً

عاد لدربه وهمس بغير ود
- أصمتي ميكو أنتِ توجعين رأسي من فضلك؟!!!!

أجابت بنبرة متحشرجة وهي تلف خصره بيديها وعلامات الغضب تتموضع بانعقاف حاجبيها السوداوين الدقيقين
- حسناً، سأصمت

عم الهدوء لفترة حتى استوقفته إشارة المرور عن المضي فبقي ينتظر لوقت قصير حين تغير لون ضوءها ومر بطريقه من جديد لكنه لم يهنأ بمثل ما أراده
كف عن السير بالدراجة لتطل شقيقته بنظرة غبية تسأله
- لما توقفت ساناتو؟؟

بيأس رد
- هل تعلمين أن يوغامي ذاك أوقعنا بمشكلة الآن؟

سحبت يديها عن إمساكه عندما إلتسمت مما قاله مصيبة وأعادت تسأله بكل فضول
- ما هي المشكلة؟؟

نزل من عنده ووضع الخوذة جانباً ثم راح ينظر للدراجة بتهتر... حرك رأسه يميناً وشمالاً بانزعاج مما حصل الآن
- ليس بهذا الوقت!!

ثم وضع يده بجيب سترته الرياضية وأشار لميكو التي خلعت الخوذة أيضاً
- هيا سنكمل سيراً على الأقدام

- لما؟؟؟
قالتها بسأم وضجر مشبكة ليديها ورددت
- البيت لازال بعيداً عن هذه الناحية

- لن أعيد كلامي ميكو فلتنزلي الآن!!

بغير ود قفزت واقفة قبالته
- لم أفهم لحد الآن لما سنكمل باقي الطريق سيراً ساناتو ؟

اقتاد الدراجة ومضى يسير وهو يجرها معه
- شقيقك الأرعن لم يملئ خزان الدراجة بالوقود الكافي وها قد اضطررنا للسير الآن

طرأت بذهنها فكرة وهي تتابع المشي وتخبط الأرض بجزمتها الجلدية
وقفت ميكو أمامه ومنعته عن المضي بدلال قالت
- إذاً فسأركب وتجرني كذلك

ضمت قبضتي يدها إلى صدرها بطفولية مترجية بعيون متلألئة براقة
- أرجوك... سانا !!!

لم يعر أي اهتمام لتلك البراءة المتطايرة من عينيها المزرقتين فقد عاد للسير
- أنتِ السبب لو لم تذهبي لصديقتكِ لما عدت لاصطحابك ولما سرنا لبقية البيت بهذا النحو

- فظ كلمني!

- هيا على هذا المعدل سنصل بعد وجبة العشاء أسرعي

أتت إجابته وهو متلفت نحوها بعد أن تجاوزها رافعاً لقلنسوة سترته على رأسه لتغطي الأخيرة من ملامحه ثم عاد للمضي عندما لحظ أنها مندهشة من إجابته المتغاضية عنها بعقلها

فكما البداية لم يساير تفكيرها الصغير فبقي يمشي وهي تلحق به متذمرة مما فعله ويفعله الآن حتى أنه لم يحسبها كفتاة يمكن أن تجرح منه... تكتفت بضيق وفي الأخير تقبلت الأمر

جمود استبد دقائق مسيرتهما فميكو قد استسلمت وهو ارتاح من ثرثرتها الصاخبة بطفولية وجل هذا لم يلزمهم إذ سمع صوت الأطفال هنا وهناك يلعبون ويركضون، سرعان ما رفع عينيه يتطلع نحوهم
ليس لهم بل لشيء غريب هناك، صوت أنثوي من بينهم جذبه وجعله مستغرباً
- كانا، سددي هيا سنفوز الآن ونأخذ النقود

- حسناً هي لك لكن أنا من سيفوز بالعشرين ين!

أشارت لهم أن يبتعدوا بيدها لتقذفها نحوهم ثم رفعت قدمها وسددت، صرخت بمرح
- ها قد أتينا لن تهزموني بعدد الأهداف

نظر الفتية إليها وأخذوا الكرة عندما أخطأتهم وهموا بالهرب صارخين
- أنتِ أكبر منا وتستطعين هزمنا بالطبع

كورت قبضة يديها وهي تستجمع خداعهم فكيف لفتاة راشدة أن تخدع ومن قبل من؟... أطفال!!، لحقت بهم تصيح بغضب في الأخير
- أيها المحتالون الصغار سأقضي عليكم ولو كلفني هذا حياتي

كانوا يتقافزون مبتعدين عنها يعلمون جيداً أي ضرر سيلقون من ثوران غضبها وهي تركض محدثة صخباً وجلجلة خلفهم لأجل عدة أوراق نقدية

ابتسامة غريبة ظهرت على شفتيه فهي أشبه بالطفلة الوديعة
- إنها الوافدة الجديدة للثانوية

- ماذا؟؟

سألته شقيقته ببراءة وهي تحول نظرها من كانا إليه فرد هو نافياً بهدوء
- لا،... لا شيء مطلقاً

تجاهلها وهو يبتسم على عتهها الغريب والمتغابي كان يعرف بأنها طالبة جديدة آن ذاك لكنها تأقلمت بسرعة... وهذا أكبر دليل
بعد تلك الوقفة القصير عادا إلى الانطلاق بخطاهم لمنزلهم








__________________
ليسَ وهماً ، لكنهُ حقيقةٌ جميلة تَمَنيْت أن تدومَ
أكْثر~





رد مع اقتباس