عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-07-2014, 10:29 AM
 
أنا وأمي ضمنا الوجد والحنين(بقلمي) ~ راقية


ومن منا أحبتي من ليس يجد على مرافئ حضن أمه
ملاذاً آمناً يحميه من غوائل الدهر والحياة ..
من منا ، حين تذبل فينا أزاهير الرجاء وتموت أحلامنا
على مقصلة الفناء يراودناً سخيناً بكل سطوته موكب
البكاء، من منا لا يجد في حضن أمه متكأ حنينا يفرغ فيه
أثقال انفعالاته ، أشواقه ، أنينه وانكساراته ..
من منا أحبتي من لا يشعر حقاً أن تلك السيدة العظيمة
الإنسانة البسيطة ، الحنونة ، الرقيقة التي بذلت كل غال
ومرتخص ونفيس ، دون منّ أو أذى ، دونما كلل أو ملل،
دونما تذمّر أو ضجر ..فعلت كل ذلك عن طيب خاطرها
من أجل عيوننا ..أرواحنا وكياننا..
قطعاً أن تلك الإنسانة المسكونة بالجمال والحنان من رأسها
حتى أخمص قدميها قطعاً أنها أنشودة عذبة ولدت من
رحم الوتر .هي ، نغم شجّي ، لحن باهر يملأ حياتنا سحراً
وروعة ، يدوزن ربيع حياتنا بمفردات الجمال ومواكب
الألق والنور ..هي ، نغم حنون يبعث الدفء في أوصال
دهرنا البائس..
وحتماً أحبتي فإن صوتها العذب يهتف في أوردة كل واحد
منا ليسكب النور في دواخلنا تحناناً وحباً وعشقاً..
إذن في حضرة ذاك الإنسان المتفرّد ، الساكن فينا من
الوريد إلى الوريد ، نلتئم خلايا وخلايا وحتماً نتلاقى
نبضاً وحنايا ..
إذن ، في حضرة الأم العظيمة الرؤوم العطوف تتوه
كل الكلمات وتتقاصر كل المعاني والمضامين ويجف
مداد الحروف أن تفيها ولو ذاك النذر اليسير من
حقها علينا ..
وفي ذات ليلة مكتحلة بكل مفردات اللوعة والحزن
والآسى ، ورغماً عن أن الدجى كان يشرب من ضوء
النجيمات البعيدة , ورغماً أن القمر كان يسكب أنواره
الفضيّة برفق على الأرض وكأنما يعتريه الخوف أن
يجرح أجفانها بفعل أنواره ..يرسل خيوط أضوائه
الحالمة لكيما تعانق الوجود ..
كنت أنا وحدي في الكون في تلك الليلة ، أقف على
شرفات الوجع الأليم ..أحتسي كؤوساً بطعم النار
مزجاة بالأنين والألم والعذاب ..
هذه المرة ليستْ ككل المرات ، إذ كان صوت
الجراح يزأر عالياً .. فكأن ضجيج صوته قد أيقظ
كل الكون من سبات عميق ..إذن هي أبواب
المصائب تفتح على مصراعيها ليلج منها ألمي
ووجعي وصراخي ...
إنها أمي !!!
نور عيني ، سنا روحي وضوء العمر!!
رأيتها في تلك الليلة ولأول مرة ،خائرة القوى ،
مهيضة الجناح ، ضعيفة العزمات..كانت ممدّة
على الفراش وكأنها جثة هامدة ..كانت مثل
غريق في عرض البحر لا يجد طوقاً للنجاة..
وانا الذي عهدتها صنديدة تقارع كل الخطوب..
كم قد حملت على كاهليها أثقالاً تنوء بحملها الجبال
ولم تبث شكواها سوى لخالقها ..
كم كثيراً ومراراً قد ذاقت اللوعة والألم والحرمان
والعذاب من أجل حلمها الأخضر وهدفها النبيل
ألا وهو الدفاع عن وجودنا بكل ما أوتيت من قوة
لأن وجودنا وبكل بساطة هو مصباحها الذي
يضئ لها عتمة الليل وظلام الكون ..
فكيف لي أن أقوى على فراقها !!!
كيف لي بالصبر إذا أصابها مكروه !!!
كيف لي بحلمي الأخضر وهي بعيدة عن ناظري!!!
كيف لي بالتجلّد وأنا الذي ذوبّت فؤادي في حبها
لحناً وتحناناً وعشقاً..
كيف لي بالصبر على فراقها وأنا الذي كنت أحبس
الدمع في المآقي خوفاً أن تبصره فأكون قد جرحت
عينيها ..
كنت أحبتي حينما تظلم الدنيا في وجهي ، ولا ترى
عيناي سوى الظلام ..ألوذ بحضنها الدافئ ..
لكيما أستعيد أنوار الحياة ..
أخيراً قد تمكّن المرض اللعين من فرض جبروته
وسطوته ..
أخيراً ها هي تئن تحت صفعات الأنين وبين
براثن القدر ..
أخيراً أمي ستفارقني إلي غير رجعة !!!
لا لا لا لا !!!
لا يا أمي أرجوك .. أرجوك .. لا ترحلي..
لا تفارقيني !!!
أتوسل إليك بحق كل لحظة وارفة قضيناها سوياً
بحق كل كلمة نطقتها شفاهك !!
بحق كل يوم كانت تطلّ علينا فيه ابتسامتك الحنونة!!
بحق حبك لي!!
بحق عشقك لي!!!
بحق كل أنوار العطف وفيوض الحنان التي تملأ جوانحك..
لا تتركيني .. لا .. لا ..لا ..
أماه أرجوكِ لا تقرعي نواقيس الفراق
لا تقرعي أجراس رحلة أبدية طويلة لا أراكِ بعدها ..
أوا تقبلين أماه لولدك الغالي الإنكسار!!!
أترضين للأحزان أن تستبيح رهقي وتعربد في دهاليز عذابي!!!
ولكن !!!
رغم توسلاتي ورجائي ، رغم أنيني وبكائي ..
قد مضتْ أمي في رحلتها البعيدة ..
لقد ذهبتْ كل توسلاتي ورجاءآتي أدراج الرياح...
لم تستجب أمي لطلبي هذه المرة ..
هي المرة الوحيدة طوال عمرها التي لم تلبي لي فيها طلباً..
لقد إرتحلتْ عني بعيداً بعيداً..تركتني وحيداً..
أكابد أنات حزني واصطراع مواجعي !!!
تركتني بقايا حلم بائس مات على مقصلة الفناء..
أمي !! أمي!!!
أيتها المصنوعة من أجنحة النور ..
أيتها الإكسير الذي منحني الدفء ..
أيتها التي احتضنتْ جنوني ومكري وانكساراتي وانهزاماتي!!
ستظلين دوماً محفورة في قلبي بمداد من نور..
أمي !! أمي!!!
ذكراكِ العطرة هي سندي وزادي ..
قناديلي وضيائي !!
أفتقدكِ كثيراًً كثيراً!!!!
أحبتي الكرام
أمهاتنا أمانة في أعناقنا ..
أمهاتنا عطر حياتنا وبهجة أيامنا ..
وأغلى ما نملك ..
فليجعل كل واحد منا أمه في حدق العيون..
ولنجعل كل لحظة من عمرنا عيداً لبّر الوالدين..
ودمتم بكل الخير

التعديل الأخير تم بواسطة توفيق موسى ; 06-08-2014 الساعة 10:20 AM
رد مع اقتباس