| | | | الجزء السابع (الأخير)
وقد بدات بعض بوادرها تظهر على حالتها الصحية فقد هزلت وبدأت تفقد وعيها أوقاتا طويلة من شده ضعفها وحزنها مما ينذر بفقدان حياتها وهذه أكبر جريرة - بل أكبرنقمة - ممكن ان تصيب أبا أو أما أن يفجعا فى إبنتهما الأثيره إلى قلبيهما وقد كان بأيديهما إنقاذها .. فماذا عليهما أن يفعلا ؟ ..إن الأمر لم يعد يحتمل إنتظارا ...
وقد جاءت والدة زميلتها مفتشه الشئون الإجتماعيه لزيارتها لما علمت بتدهور حالتها واستقبلتها أمها وأبوها ببالغ الترحاب وقد إنتعشت البنت قليلا مع ضعفها وعدم قدرتها على مغادرة الفراش فقد أتعش ذلك آمالها فى إستعاده الطفل .. وتوهج هذا الأمل أكثر لما رأت الأب والأم يتبادلان خلسه حديثا هامسا بعد أن أسرت الضيفة فى آذانهما خبرا خمنت أنه - على الأرجح - يتعلق بالطفل - وقد كان يخصه فعلا لكنها لو ألمت به لتضاعفت مواجعها لأنه منذ فارقها ممتنع عن الرضاعة ويواصل الصراخ ليلا ونهارا إلى أن يفقد الوعى وقد أعادته الأم البديلة للدار مخافة أن ينفق منها وتحمل ذنبه ! والغريب إمتناع أى من النسوة اللائى كن يتنافسن عليه للحلول محلها فقد إنتشر خبره .. وإذن .. إذن تسلل إلى نفس الفتاة بصيص نوريبدد بعضا من ظلام اليأس والقنوط وبالذات حين إستدعيا السيدة (مآثر) الى مشاركتهما الحديث وغاب ثلاثتهم فىمحادثه طويلة بصوت منخفض ويبدو أنهم توصلوا الى قرار هام مفاجىء .. إذ وقف الأب على مسافة من باب الغرفة ووالدتها الى جانبه بينما تقدمت منتهى أملها إليها قائلة بنبرة خفيضة كلها رقه وعطف وشفقه :
- ليكن يارضوى .. وافقت والدتك مشكورة على إستلام الولد وحضانته !
فدبت فى قلبها فرحة وسعادة أعادت لون الورد إلىوجنتيها وجعلتها تهب من نومها واقفة على فى حركة غير محسوبة ولاطاقة لها عليها وما هى إلا أن خذلتها ساقيها بعد بضع ثوان إنهارت على اثرها محطمة على الفراش وكأنها كومة عظام بلا لحم ولا أوردة أو جلد يشى بكل ما يحتويه من معطيات الحياة .. وهرعت الأم إليها وفى إثرها الأب واحتضناها بشدة وحنان وأقاما عودها واحدا من الخلف والأخرى من الأمام ليمنعانها من الإنهيار النهائى على حين كانت كرباء الفرح تنتتفض فى خلاياها وتستدعى كل ما فى هذه الخلايا من دماء وتحيل لونها الأبيض الشاحب الذى كان أقرب إلى لون الملاءة التى تتغطى بها لتدارى مظاهر إنهيارها الصحى إلى لون أحمر خفيف واسترعى التغير الجسدى الذى دبت به روح جديدة أنظار أمها وأباها والضيفة فاستنارت الوجوه وابتهجت النفوس وسألت الفتاة وهى تنهنه ولاتكاد تملك أعصابها من فرط بهجتها وسرورها بكلمة واحدة مقتضبة :
- متى .. ؟
أجابت أم صديقتها وكأنها تنتحل كدبة :
- غد .. غدا !
تمتمت فى وناء ورجاء :
- غدغدا .. ؟! ولماذا لايكون اليوم .. ؟
أجابتها وهى تستعد للإنصراف :
- سأبذل ما فى وسعى ..
وحيت الأب والأم ودلفت صوب باب الخروج وكان لوقع كعب حذائها وهى تنقر أرضية الصالة الخارجية فى أذنى رضوى صوت الموسيقى .. آه .. لشد ما تحبها وتقر لها بالعرفان بالجميل .. إنها أجمل وأرق مفتش
شئون إجتماعية فى مصر وإنها لن تنسى فضلها عليها ما عاشت !
- أمى .. أمى الحبيبة الفاتنة .. الطعام .. ! طعام كثير ! أريد طعاما كثيرا .. فته ..وشوربة خضار .. وأرز مفلفل .. ودجاج بلدى !
وترامى إلى سمعها صوت تلفاز الجيران وتلك المغنية الفرنسية المصرية المولد الشبراوية النشأة تصدح لحنا محببا إلى نفسها مغنية:
- غنوه حلوه وكلمتين .. حلوه يا بلدى !
فرددت معها اللحن وهى تتراقص بخفة من ضعف فوق السرير وإستخفها المرح والجذل وبدت أنها تذكرت بغتة أمرا هاما فهتفت :
- الأخبار .. تقارير المراسلين ! إفتحوا التليفزيون ! .. أخبار القنوات الفضائية .. من فضلكم .. إفتحوا التليفزيون ! .. أخبار فلسطين ! أخبار قذف الطائرات والدبابات للبيوت واستشهاد الأطفال والنساء والشيوخ !
أيها العالم الظالم أتساءل .. من يضرب من ؟ .. من يدافع عن نفسه .. المسلح بكل ما عرفه البشر من صنوف الأسلحة فى الأرض والبحر والجو .. المحظور منها قبل المسموح ! والشعب الذى كله جيش .. أم المدنيين العزل والشعب الذى بلا جيش وكل أسلحته بسبب الحصار الذى يضربه العدو والعالم كله .. صنعت فى الورش البدائية للحدادين ذوى الكور!! ولا أكثر من الطوب والحجارة والنعال ! والزجاجات الفارغة والمقاليع والنبال ! من يضرب من ؟ .. من المهاجم المعتدى .. ومن المدافع الأعزل .. من .. من .. من .. ؟
وراحت تكرر الكلمة بإنفعال عارم حتى نال منها التعب كل منال وهوت إالى حيث لاتشعر ولا تدرى ثانبة دون أن تأكل ثريدا ولا أرزا .وذكرى نقر الكعب العالى لحذاء المفتشه تنقر هذه المرة رأسها تلك التى زهبت ولم تات بالرضيع البائس لافى نفس اليوم ولا فى اليوم التالىولا حتى بعد أسبوع ودون أن تتصل لتقدم عذرا أو تبريرا.. الأمر الذى تدهورت له حالة البنت كثيرا وأوشكت أن تقضى نحبها لولا أن عناية الله تدخلت إذ أن الم شعرت بدوار ورغبة توالت فى القيىء فأخذها الأب للطبيب وكانت مفاجأة لامعقولة أن يعلن لهما الطبيب أنها حامل فى الأيام الأولى ! ولم يصدق الأب .. لم تصدق الأم وتبادل الأثنان نظرات الذهول والفضول فقد كانا لايفهمان ولايجدان تفسيرا لتلك العاطفة وهذا الحب الذى إندلع لهيبه بينهما فى الشهر الأخير منذ بدأت إبنتهما تطلبهما بطفل وكأنها كانت تحثهما أن يأتيا لها بأخ أو أخت .. وكلما ساءت حالتها النفسية من جراء عدم تحقيق أمنيتها كلما بعثرالوالدان - بإفراط - هذا الحب بينهما فيما يشبه الدفاع عن حياة إبنتهما إعتقادا منهما أن الأرض الخصبة صارت جبوبا لاتنبت زرعا ولكن هاهو الطبيب يعلن أنها أنبتت فلم يصدقا سمعهما وحاوراه بأن ذلك من رابع المستحيلات لأن الطمث - علامة إستمرار الخصوبة – قد إنقطع تقريبا عن الأم فى العام الأخير وتقريبا وليس قطعا لأنه كانت هناك آثار بسيطة لاتذكر فهل يوجد فى علم الطب وصف لمثل هذه الحالة .. أجابهما الطبيب مبتسما :
- لايوجد فى علم الطب وصف إلا حيثما تحدثنا عن الحمل الكاذب ! وقد يكون هناك ثمة خطأ فى حساباتكما ولكن يوجد فى علم وقدرة ورحمة الخالق سبحانه ما هو أكبر من ذلك . .
نكس الأثنان رأسيهما علامة على الإيمان والتسليم وغمغما فى صوت واحد :
- ونعم بالله .. هو القادر على كل شىء .. حمدا لله .. هذا أجمل خبر سمعناه فى حياتنا ..
وشردا بتفكيرهما بعيدا وبانت عليها علائم الشرود فتساءل الطبيب :
- ماذا .. ؟
فأجاباه بصوت واحد أيضا :
- لا.. لاشىء .. لاتشغل بالك بنا .. إنما نفكر فى إبنة عزيزة علينا ستطير من الفرح عندما تسمع الخبر ! رحمة الله وسعت كل شىء .. والحب يصنع المعجزات فعلا !
وسكتا هنيهة ثم تبادلا نظرة تفاهم وابتسامة عاطفة إستطردا بعدها بالقول دفعة واحدة :
- معك حق قد يكون هناك ثمة خطأ فى حساباتنا ..
- أفندم ؟!
قالها الطبيب بلهجة متسائلة كأنه لم يسمع فأسرعا يجيبان وهما يخطوان خارجا وقد تأبط أحدهما ذراع الآخر وفرحة وليدة تغمرهما بالحب وتعيد إليهما إحساس الشباب وذكريات الأيام الخالية الجميلة :
- لا.. لاشىء.. لاتشغل بالك ..
وضحكا سويا وأضافا :
- السلامو عليكو .. !
وفى البيت كانت تنتظرهما مفاجأة ثانية سعيدة إذ ألفيا السيدة \" مآثر \" فى إنتظارهما ورضوى جالسة بعيدا عن غرفة نومها وهى تهدهد على رجليها الوليد وتكاد أن تلتهمه بعينيها وشفتيها وتضعه على صدرها فى مكان القلب كأنها تروم أن تخبئه داخله ولاتبدوعليها علامات المرض فقد شفيت تماما .. وبمجرد أن وقع بصرها على والديها ألقت بالطفل فى أحضانها وهتفت فى جذل ومرح :
- تفضلى با ست ماما إبنك !
وتساءلت الأم وهى شاردة غائبة الذهن :
- إبنى ؟!
على حين قامت السيدة مآثروبيدها سجل وأوراق وطلبت إلى الأم أن توقع عليها فوقعت دون أن تقرأ والضيفة تعتذر عن الأسبوع الذى تأخرته وعزت ذلك لبطء الإجراءات بينما الأب يطالع فى سرور ماتوقع عليه
زوجته وشريكة حياته وبعد ان إنتهت أودعت المفتشة الأوراق والسجل حقيبة عملها بعناية وأناقة وسلمت على الجميع بحرارة ودلفت صوب باب الخروج وكان لوقع \" بوز \" حذائها وهى تنقر بأقدامها فى همة أرضية الصالة الخارجية وقع الموسيقى فى أذنى رضوى وبغتة تغير لونها وبان عليها أنها تذكرت شيئا هاما فأسرعت بالسيدة قائلة فى أعقابها قبل أن تختفى وهى ترفع عقيرتها بالصياح لتسمع :
- لاتنسى تحرير شهادة له ...
وسكتت برهة تنهدت إبانها ثم أضافت :
- إسمه .. يوسف .. خليل .. جامع !!
وعندما سألها والدها بعد عودتها إليهم :
- أية شهادة ؟
أجابنه بكل عزة وثقة وبساطة :
- شهادة حياة ...... تمت بحمد الله. | | | | |
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |