( الـــجـــزء الثـــالــث عشـــــــــــــــــــر )
قال جان مبتسما باستهزاء وهو يضع الفنجان على طبقه الصغير " أي توفيق تتمناه لها ؟.. أخشى بأنه عليك أن تتمنى للتوفيق أن يتوفق معها "
فضحك إدوارد ضحكة طويلة بينما قلتُ أنا بغيض مكبوت " وأنا أخشى أنه عليك أن تبقى صامتاً وتكف عن السخرية مني "
قال " لا أستطيع .. فإذا أنتِ كنتِ قبالتي سيكون علي السخرية منكِ حتى تخرجي من المكان الذي أنا فيه "
صمتُ لفترة وقلتُ بعناد " هكذا ؟.. إذاً لا تحلم بخروجي أبداً "
ضحك ضحكة قصيرة وقال " حسناً إن كنتِ راغبة في البقاء فلا بأس .. لكن لا تتضايقي من حديثي "
قال إدورد في تلك اللحظة مخاطباً جان " كفى ي7ن " كفى يا صديقي .. أنت تغضبها "
قلتُ بعبوس يمتزج بسخط " ليس عليك تسمية هذا المتعجرف بصديقي .. إنه حتماً لا يستحقها "
قال إدوارد " لكنني لا أستطيع .. فهو لي صديق وأخ وأكثر من ذلك بكثير"
لم أفهم ما يرمي إليه بالضبط لكني حملتُ فنجان قهوتي واحتسيتُ القليل منه .. فلمحتُ صورة موضوعة على مكتبه لم أنتبه عليها من قبل فقلتُ له بعد أن أعدتُ الفنجان على طبقه الصغير " ما هذه الصورة ؟ "
فقال وهو يرفع حاجبيه " آوه هذه " .. ثم التقطها وهو يبتسم ومدها إلي وقال " أنظري إليها "
فأخذتها منه والقيتُ بنظرة هادئة عليها لكنها لم تكن كذلك لما رأيتُ إدوارد يقف أمام كرسي وطاولة تبدوا للمدرسة ويرتدي زي التخرج وهو يمسك بيد جان الذي يقف بجانبه ويرتدي زي التخرج أيضاً ويبتسمان بفرح وهما يمدان يديهما الممسكتين بشهادتيهما المطوية والمربوطة بشريطة حمراء ..
بقيتُ أنظر إليهما بصمت وتمعن .. حتى رفعتُ رأسي إلى جان الذي يحتسي قهوته وهو مغمض العينين ثم التفتُ إلى إدوارد الذي يغمض عينيه هو الأخر ويبتسم لي بلطفٍ كبير .. إن هذا يعني الكثير .. أولهما بأن إدوارد هو الشخص الذي رأيته في ألبوم صور جان .. وهو أيضاً .. فابتسمتُ ببساطه وقلتُ بتمهل " انتما .. صديقان منذ الطفولة صحيح ؟ "
فأومأ لي إدوارد برأسه إيجاباً وقال " أجل .. هذا صحيح "
فابتسمتُ نصف ابتسامه ساخره على نفسي وقلتُ في خلدي ( كيف لم أنتبه لهذا ؟ ) ...ثم عاودتُ النظر لجان الذي
قال بنصف ابتسامة وهو ينظر إليً " هل أنتِ متعجبة ؟.. لا يجب عليك ذلك بما أنكِ شاهدتي " .. ثم اردف بنبرة صوتٍ غريبة أخافتني قليلاً " ألبوم صوري من غير إذنٍ مني "
فقال إدوارد بدهشة " هل شاهدتي ألبوم صوره حقاً ؟ "
أومأتُ برأسي إيجاباً وأنا لا أزال أنظر لجان .. في تلك اللحظة رنً هاتفي النقال فأخرجته من جيب سترتي وقلت " أرجو المعذرة "
ثم نهضتُ من مكاني واتجهتُ حيث الباب وأجبتُ على المتصل قائلة بهدوء " مرحباً هيلار "
قالت تلك الأخيرة بفزع " ألـــس أين أنتِ ؟.. عودي بسرعة للمنزل هيا "
قلتُ بقلق وصوتي أرتفع قليلاً " مـ ماذا حدث ؟ "
قالت " لقد سقطت أمي من أعلى الدرج ولا أدري ما بها بالضبط .. إنها تنزف دماً "
قلتُ بخوف " ماذا ؟.. وهل أتصلتي على والدي ؟ "
قالت " أجل سيأتي الآن "
قلتُ وغصة خنقت حلقي " حسناً سآتي الأن " .. ثم أغلقتُ الهاتف والتفتُ بسرعة لأخذ حقيبتي فقال جان باهتمام " ما بكِ ؟ "
نظرتُ إليه وانسابت من عيني دمعة سريعة دون أن أشعر بها وأنا أقول " أمي .. لقد سقطت من أعلى الدرج وهي تنزف دماً الآن "
فوقف بسرعة وقال " ماذا ؟ ....حسناً سآتي معكِ "
أومأتُ برأسي إيجاباً وخرجتُ بسرعة من المكتب لتبعني هو بعد ثوانٍ قليلة وأخذنا نركض حتى خرجنا من النادي وركبنا معاً سيارته السوداء التي امرني بركوبها ففعلتُ ثم أخذني حيث المنزل الذي وصفته له .... وبينما نحن في الطريق للمنزل رنً هاتفي من جديد فأسرعتُ بالرد قائلة " ماذا هناك هيلاري ؟ "
هيلاري " لقد خرجنا من المنزل الآن ونحنُ ذاهبون للمشفى .. إن كنتِ تستطيعين اللحاق بنا فافعلي "
قلتُ بسرعة " حسناً " .. ثم أغلقت الهاتف والتفتُ لجان مكملة " لقد خرجوا من المنزل أذهب بسرعة للمشفى "
فغير جان مساره بانعطافه سريعة أخافتني قليلاً لكني قلتُ بعد لحظات بقلق " هل هناك من مشكلة لو أسرعت أكثر ؟ "
قال بهدوء وعينيه مثبته للأمام " أبداً .. لكن تمسكي "
وما إن أنتهى من كلمته حتى داس على فرامل السيارة وانطلقت كالصاروخ مما جعلني أرتد للخلف وأتمسك بالباب بخوف كبير ولم تمضي سوى ثوانٍ قليلة حتى قلتُ بسرعة وأنا أغمض عيني بقوة " توقف ، توقف لا تسرع هكذا "
فخفف جان من سرعته وقال بهدوئه السابق " أنتِ من طلب مني أن أسرع "
قلتُ وأنا أفتح عيني بخوفٍ أقل " كنتُ غبيه "
في تلك اللحظة سمعتُ صوتً خفيف من ابتسامته التي خلقها على ثغره وتظهر القليل من أسنانه المصطفة بترتيب
وقال بهمس " أعلم ذلك "
وصلنا أخيراً للمشفى ثم ترجلتُ وجان من السيارة بسرعة ودخلنا وسألنا أحد الممرضات اللاتي يجلسن خلف تلك الطاولة الطويلة عن والدتي وأخبرتنا أنها في قسم الطوارئ فركضنا لهناك وقلبي تزداد نبضاته أكثر وأكثر ودموعي ازدحمت في عيني لتتسابق في النزول ...
بعد مدة من الركض في ذاك الرواق الأبيض الذي تواجدت فيه ممرضات آتيات وذاهبات وغيرهن ، لمحتُ أختي وأبي يقفان أمام بابٍ كبير نوعاً ما ذا نافذتين مستطيلتين باللون البني الفاتح جداً ، فزدتُ من سرعتي حتى وصلتُ إليهما أنا وجان لأقف بعدها أمام أبي وأنا أمسك بسترته الزيتية الداكنة وأقول بتعب ونبرة بكاء " أين أمي ؟.. هل هي بخير ؟ "
فقال أبي وهو يمسك بذراعيً محاولاً بث الطمأنينة لقلبي الصغير " ألـــس لا تقلقي ، ستكون والدتك بخير .. أنا واثق من هذا "
فرمقته بقلق العالم أجمع وأغرقت وجهي في صدره الحنون ضامة إياه بقوة ..
بعد ساعة كاملة .. جلستُ فيها وهيلاري على الأرض وأبي يقف أمام الباب وجان يقف بعيداً عنا وهو يسند جسده على الحائط ويرفع رأسه لأعلى ..
خرج الطيب من الغرفة فسارعنا جميعاً بالتوجه إليه والوقوف في طريقة ماعدا جان الذي لم يقترب منا كثيراً .. فقال أبي بقلق مكبوت " ماذا حدث يا دكتور ؟ "
قال الطبيب بأسف " أنا آسف .. فهي الآن في غيبوبة "
صدمنا جميعاً وتوقفنا كأخشابٍ لا حركة لها فقال أبي بصعوبه " و .. وماذا حدث للـ طفل ؟ "
صمت الطبيب لوهلة ثم قال " آسف بشأنه .. لقد مات "
فشهقتُ أنا وهيلاري بينما كان أبي ينظر إليه بعينين متسعتين .. حتى قال الطبيب " على كلاٍ هي الآن تحتاج إلى الراحة ، أرجو المعذرة الآن "
ثم غادر مكانه بينما أتجه أبي للباب ونظر من خلال زجاجته لوالدتي الممدة على السرير وعليها جهاز المغذي والأكسجين ، اما هيلاري فجلست على الأرض باكية وأنا وقفتُ في مكاني من غير حراك ودموعي قد سقطت على وجنتي بهدوء ، حتى شعرتُ بكف أحدهم قد وضعت على كتفي فالتفتُ إلى صاحبها لأجده جان .. هو ولا أحد سواه ،
فقال لي بهدوء محاولاً بث التفاؤل لقلبي " لا عليك .. ستكون بخير "
في تلك اللحظة خرج صوت بكائي .. ومن غير شعورٍ مني .. أحطته بكلتا ذراعي بقوة ولا زالت دموعي جاريه .. فقلتُ وأنا أبكي و نصف وجهي على صدره " كيف لها أن تكون في غيبوبة ؟ وكيف للطفل أن يموت ، كيف ؟ "
وبعد فترة قصيرة ... انتفضتُ وابتعدتُ عنه بسرعة .. فأنا لم أعي بأني أعانق جسده إلا بعد أن كففتُ عن البكاء تقريباً .. فقلتُ بخفوت وأنا اخفض رأسي " آ..آسفة "
فنظرتُ إليه عندما لم يجبني لأجده يرمقني بكل هدوء ثم خبئ يديه اللتان لم أشعر بهما على جسدي في جيوب معطفه الطويل وأستدار بهدوء ليقول " لا بأس "
بعد مضي ساعة تقريباً .. التفت ابي إلى جان الذي لا يزال موجوداً وقد أسند ظهره على الحائط بصمت ثم قال بهدوء وحزن " جان .. أنت من جلب ألــس إلى هنا أليس كذلك ؟ "
أجاب جان بهدوء " بلى يا عمي "
قال والدي " شكراً لك .. لكن أريدك أن تخبر والدك بأنني هنا مع صوفيا ، فلقد كنتُ معه قبل أن أخرج وتركته في الشركة ولم أخبره شيءً "
قال جان " حاضر يا عمي "... ثم أردف بأدب " أرجو لخالتي الشفاء .. والآن أرجو المعذرة فأنا ذاهب " .. ...ولما همً
بالمغادرة أستوقفه ابي وقال " جان هل تستطيع إيصال هيلاري وألــس للمنزل ؟ "
فقلتُ بسرعة بنبرة معترضة " كلا يا أبي لا أريد العودة للمنزل أبداً ... أريد البقاء مع والدتي "
هيلاري " وأنا أيضاً لا أريد العودة "
قال أبي " لكنكما لن تستطيعا رؤيتها اليوم "
قالت هيلاري " وإن يكن لا أريد العودة "
قلتُ " وأنا لن اتحرك من مكاني "
فتنهد ابي بيأس وقال محدثاً جان " حسناً يا بني تستطيع الذهاب "
فأومأ جان برأسه بخفة إيجاباً وغادر المكان ...
خرج جان من المشفى وركب سيارته السوداء بهدوء وقبل أن يدير المفتاح ليغادر، أرجع شعره الأسود للخلف الذي عاد وتناثر على وجهه مجدداً وأسند رأسه على المقعد وقد بدأ العرق واضحاً على وجهه ، فأخرج هاتفه النقال من جيب معطفه واتصل بأحدهم .. وبعد ثوانٍ قليلة قال " مرحباً أبي ... إن صديقك مايك في المشفى الآن لأن زوجته سقطت من أعلى الدرج وفقدت طفلها ، لذا قال لي بأن أخبرك لأنه تركك في الشركة لوحدك .... حسناً ... إلى اللقاء " .. ثم أغلق الهاتف ووضعه على المقعد المجاور له ليتحرك بعد ثوانٍ معدودات ذاهباً للمنزل ..
جلستُ وهيلاري على الأرض مستندتين على الحائط بحزنٍ كبير.. لكن ليس بكِبر حزن والدي الواقف أمام الباب وهو ينظر من خلال الزجاجة لوالدتي النائمة على سريرها الأبيض .. وبقينا على تلك الحال حتى اليوم التالي ..
فتحتُ عيناي بهدوء .. ونظرتُ لأختي التي اسندت رأسها على كتفي وهي نائمة ثم نظرتُ لأبي الواقف أمام الباب ينظر لوالدتي من خلال الزجاجة .. مهلاً .. ألا يزال واقفاً منذ الأمس ولم يجلس ؟ .. فقلتُ بصوتٍ خافت قليلاً حتى لا أوقظ هيلاري " أبي "
التفت إليً بهدوء لأرى وجهه شاحباً وسواداً خفيفاً تحت عينيه فقال لي بهدوء " ماذا هناك ألـــس ؟ "
قلتُ بتساؤل " الا تزال واقفاً هنا منذ الأمس ؟ "
عاود النظر الى والدتي وقال بنبرة صوتٍ تدل على حزن عميق " أجل .. كنتُ واقفاً رغماً عني .. انا لم استطع التحرك من هنا حتى "
في تلك الحظة بيقتُ صامتة من غير ان انبس ببنت شفه .. وادركت .. حب ابي الكبير لأمي ..
دخل جان للمنزل وهو يسير بتعب نحو السلم ... صعده ببطء وصعوبة نوعاً ما ثم أخذ يسير في الرواق الطويل حتى وصل لغرفته وفور دخوله فيها ، اتجه لسريره والقى بنفسه عليه دافناً نصف وجهه على ملائته البرتقالية الداكنة ... وظل على تلك الوضعيه لمدة يفتح عينيه تارة ويبقيهما مغلقتين لفترة تارة اخرى والشحوب قد غزا وجهه الملائكي والعرق يتصبب منه رغم برودة الجو .. كان ذلك شيءً مرهقاً ومتعباً له .. وفجأة أخذ بالسعال بقوة حتى كاد أن ينقطع نفسه ثم انقلب على ظهره وفرد يديه ورجليه مستنشقاً الهواء بسرعة نسبياً عندما توقف عن السعال ، فمرت في تلك الأثناء صورة أحدهم في باله مما جعله يبتسم بسخرية ... وقال في خلده " هذا لن ينفع أبداً "
عند الساعة التاسعة والنصف .. دخل أبي لغرفة والدتي .. وتقدم من سريرها الأبيض .. رمقها ببؤس وأسى ثم مد يده ناحية رأسها ومسح على شعرها البني القصير بهدوء وقال بهمس " أرجوكِ .. أستيقظي بسرعة .. "
في الخارج ..وأمام باب غرفة والدتي .. سمعتُ خطواتٍ كثيرة تتقدم منا .. فالتفت لمصدرها وإذا بأهل جان قد أتوا وهم الآن يقتربون منا بخطواتهم المهروله .. ولما وصلوا إلينا قال كارميل " كيف حال والدتكما ؟"
قالت هيلاري بحزن " إنها في غيبوبة "
فظهرت علامات الأسى على وجوه الجميع وقال كارميل مجدداً " حسناً وأين والدكما الأن ؟ "
في تلك اللحظة خرج أبي من الغرفة ـ لما هممتُ بالأجابة ـ وهو مطأطأ برأسه في الأرض حزناً فاتجه كارميل نحوه على الفور وأمسك بذراعيه قائلاً " ماك "
رفع أبي رأسه ونظر لكارميل بعينين تكاد تذرف دموعاً متألمة .. وقال بخفوت " لا أستطيع يا كارميل ان أراها هكذا "
فربت كارميل على كتفه وقال محاولاً بث التفاؤل داخله " لا تقلق .. ستستيقظ قريباً، أنا متأكد من ذلك "
__________________
إِن لَم تَكُن مُعجبًا لِ #إكسو →_→ فَيكفِيك فَخرًا أنَك نَطقت بِإسمِهِم 💘
NarutOo 💘 & LaY 💘
|