يتبع للمبدعة ارميتا
وأنبلج الصمت نذير شؤم .. ! ، يحرّض هاجساً متطرفاً مثلّته الأحرف المبهمة،
وأستبطئت عيناه حركة المحيط الدائر حوله ، يسترسل في قوقعتها النظر بإستبعادٍ مشكوك قد أفرغته خيالات عقله اللاعبة بأفكاره الصغيرة .. أجل ! ، ربما ذلك ما اعتقده حين تاه في صورة تلك العينان الراقدتان في جمود .. تبعتها ابتسامة أسدلت الغرابة على محياه .. شيءٌ من التعجّب فقط دون أن يعطي له مجالاً للأهمية داخله ، فجلّ مطلبه الآن ينصب في رؤيتهما وحسب .. ! ، ذلك فقط كل ما في الأمر من مهم .. سوى انهما تأخرا ، وإن دلّ وجهتهما فيجدر به الذهاب دون أي تردد .. !!
وذلك كان ما يهتف به في سرّه بسرعة جنونية .. ،
لذا خط آخر لحظة في الوقوف على قدميه حازماً مستبشراً رغم طغيان التعب ، وقاوم نفسه مستجمعاً كلماته .. ،
- سيدي من فضلك ، دلني على مكانهما كي أستطيع الذهاب .. فالقلق لم يتركني أهدأ طرفة عين أبدا !
وتراءئ أصراره الذي فاض بهيئة قلقة .. ولكن ذلك لم يكن بالمهم للرجل، لقد أنصبت سعادته حين أستصاخ الجواب المنتظر .. جواباً يسلطّه ناحية المخطط التكاملي الذي سيشق بواسطته أول خطوة رسمية تسبقها علامات النتيجة الحتمية التي تستجلبها ذاكرته .. ليمتص شعوراً ضئيلاً من التلهف .. وهو يزيد على ابتسامته الحذقة بعاطفة تمحق الشكوك .. !!
وأخذه من كتفه يقرّبه ، يربت عليه ليبعث موجات الطمأنينة الى قلب الصغير الذي يصبو الى مراده.. ويردد بعنفوان منصاع لعاطفةٍ جياشة ،
- أجل ! عليك الذهاب .. فهم بإنتظارك الآن وأنا قد أنهيت دوري في إيصال الرسالة وبقي أن أوصلك أليهم .. بالتأكيد هم يتهامسون سراً فيما بينهم والبسمة تأخذ حيّزها على وجوههم في آمان ، وأشعر بهم متلهفين لمفاجئتك !
رقصت كلماته بحذافيرها علي نبض قلبه .. فجعل ينفض ملابسه من ما علق في قماشها من غبار ليتقدمّ مع السيّد ،
وأمسك الثاني كفّه لتتشبث أصابعه الصغيرة داخل يده ، وتعتليه بسمة طيب ليحثّه على السير ، فأخذا مجراهما يمشيان معاً بيسر ..،
لكن الكسيوس الصغير ما لبث لبرهة أن يخطو خطوتان حتى أفتقد إتزانه بفعل الرؤيا التي تهاوت أمام عينيه فجأة ليصيب بألم في رأسه .. ويتشتت تحكمّه بعضلات جسمه
ثم أستعصى حمل ثقله فترنح في لحظة كاد بها يسقط .. ، لولا يد السيد التي باغتته لإلتقاطة بسرعة بعد ان انتبه أليه ،وأنبسطت نهايات معطفة الجلدي الفاخر على السطح الرخامية نتيجة إتكائه بجواره .. بينما يبصر فمه النافخ لحرارة الهواء المستخرج من جوف صدره المكلل بالضعف ،وأستصغاه لوهلة حتى يتبيّن الرؤية حوله
ثم أنكشف صوته وهو يراه بحذر،
- أنت مريض بسبب ضعف المناعة لديك ، لم تتناول دوائك اليوم ؟
- لست بحاجة أليه فأنا بخير ..
عجيبةُ تلك العبارة التي سقطت على نفسه الهامسة ، كم يستطيع هذا الصغير فرد قدراته على التحمّل الثقيل كي يلازم قراراته كالرجل الشهم ! ، هكذا كان تساؤله وأحداقه وقفت تدقق رؤياها .. تساؤل فقط طرأ على فكره بدهاء .. !
كما سمّاه والده منذ حديث ولادته بذلك اللقب ، وكان أول لقبٍ بعد تسميته عندما ضمّه بين ذراعيه وهو في المهد صغيرا .. !
وانحنى ألكسيوس ينفض غبار أوجاعه بتنهداتٍ بسيطة ألقاها منكساً رأسه ، مخفياً عيناه خلف ستارٍ كونتها خصل غرّته ،
قال مظهراً إبتسامته بصعوبة وهو يضغط على نفسه ، وجهه يستطرد الشحوب.. ،
- فقط أوصلني وسأتعافى في الطريق
وأستقر يأخذ نفساً ليكتسب الهدوء حتى وقف من جديد ،
فساندته ذراع السيد التي احاطت به .. ،
ثم سارا بإتجاه القطار .. !