اقتباس من رواية وخزة آلم + 2
للمبدعة أسطورة زمن
ارتفعت أصواتهم تدوي في أرجاء البيت القديم أعلى من هزيم الرعد ،
كلمات السباب البذيئة ..
الإهانات الباعثة على القشعريرة ..
و أصوات الضربات و تحطم قطع الأثاث ..
كانت تغطي أذنيها وهي تحشر جسدها الصغير في أبعد ركن من الغرفة ،
تغلق عينيها بقوة عل كل من والديها يختفي الآن بفعل معجزة ..
تنشج بنحيب ناعم وهي تغني لنفسها :
_تطير الفراشات .. عاليا في السماء ،
صفراء زرقاء .. تعوم في الارجاء ...
حاولت أن تنأى بنفسها بعيدا عما يحصل ،
بعيدا عن وجعها ،
لكن هذا كان دون جدوى ...
فأعلى و أعلى .. كان ضجيجهما يرتفع ،
أعلى من هزيم الرعد في هذه الليلة العاصفة ..
أوضح من الدندنة الباكية التي حاولت أن تشغل بها نفسها ..
أقوى من الألم المحترق في ذراعها ..
أعنف من وجيب قلبها الذي أوشك على مغادرة صدرها ..
كان كابوسا يتكرر كل ليلة تقريبا ..
كل ليلة من سنوات عمرها العشر .. تتمنى لو تختفي ..
لو تستيقظ فتجد نفسها آمنة .. في أبعد بقعة عن هذين الإثنين ..
أجفلت حال أن تناهى إلى سمعها وقع أقدام ثقيلة تصعد الدرج ، و قد اقتربت منها صيحات مشاحناتهم الجنونية أكثر.
فتحت عينيها تنظر إلى باب غرفتها الصغيرة الخالية من أي أثاث و حدقتاها ترتجفان ..
سرعان ما سيصعدان إليها الآن ليجعلاها جزءا من اقتتالهما الدائم ،
سرعان ما ستغدو هي ضحية الضربات الطائشة ، و متنفسا للطرف الخاسر منهما ..
أين تذهب ؟!
أين تختبئ ؟!
يكاد قلبها يتوقف من شدة خفقاته !
الحرق على ذراعها اليسرى من ليلة الأمس مازال يؤلمها بشدة ،
مازالت الكدمة -الحمراء و الفظيعة المظهر- الممتدة من رسغها و حتى أسفل كتفها بقليل .. تلتهب و كأنها لاتزال تحترق بنيران "المدفأة" التي رماه والدها نحوها بغير عقل !!
لم تكن قادرة على تحمل أي ضرب هذه الليلة .. الألم كان أشد من أن تتخيله يتضاعف ،
أنت بضعف و خوف وهي تسمع صراخهما واضحا الآن من أمام باب غرفتها ،
راحت تتمتم بعبارة سمعتها من العجوز ماريا و لطالما منحتها شيئا من القوة :
_يا إله السموات .. يا إله السموات أرجوك ..
البرق أضاء الغرفة المظلمة لثوان عبر زجاج النافذة الكبيرة فوقها ،
راسما ظلا طويلا امتد أمامها على أرضية الغرفة.
انتفض جسدها ،
و أسرعت ترفع رأسها إلى النافذة التي كانت تقبع هي أسفلها ضامة ركبتيها ،
شخص ما كان واقفا هناك .. خلف نافذتها .. وسط العاصفة ..
شخص لم تستطع أن تتبين ملامحه ..
نهضت واقفة ببطء لتستدير إلى النافذة ، حيث مازال ذلك الجسد الطويل المبهم جامدا خلف الزجاج ..
غير آبه بالأمطار أو الرياح العاصفة من حوله ..
رأت ذلك الظل يمد يده إليها بدعوة عنت الكثير ...
لمع البرق من جديد ..
و ارتجف جسدها الصغير حين رأت وجهه في ضوء البرق ...
رأت ملامحا لا تنسى ..