اقتباس:
b r b ~ |
هذه بداية الجولة الأولى إذا!
مقدمة استهلالية مثيرة للحماسة... ولعلنا نكون مقاتلي حرف ذوي أثر وشأن بالفعل مستقبلا!
اختيار موفق للكاتب الكبير "غسان الكنفاني".. والمطلوب مشهد يربط المكان والزمان والشخصية كما فهمت.
دون إطالة.. هذه مشاركتي المتواضعة..
لم أكن قد فتحت عيني حتى الآن، لكني كنت أشعر أنني أنام على ظهري طليقا. ببطء.. مددت يدي فسقطت ثقيلة فوق شيء رطب وقاس.
تركتها هكذا دقائق طويلة، باذلا جهدي في التكهن أين كنت وما آل إليه حالي.
كنت نافذ الصبر لأستعمل عيني، لكنني لم أجرؤ على ذلك. خفت ألا يكون هناك ما يرى!
لكن ومع الوقت.. فتحت عيني بحسرة قلبية مجنونة.. لقد كان هناك ما يؤكد خوفي فعلا!
وجدت ظلام الليل الأبدي يغمرني تماما، فاحتجت جهدا لأتنفس.
خيل إلي أن كثافة الظلمات تثقل علي وتخنقني. شعرت الجو حولي ثقيلا بقدر ما هو مظلم لا يحتمل.
بقيت مستلقيا بهدوء وحاولت أن أختبر عقلي... تذكرت أساليب الأسر، واجتهدت في استنتاج وضعي الحقيقي على ضوء ذلك.
كان الحكم قد لفظ بالفعل بحسب ذاكرتي، وخيل إلي أن فترة طويلة قد انقضت منذ ذلك الحين. مع هذا.. لم أتصور للحظة واحدة أنني قد مت، فمثل هذه الفكرة مناقضة تماما للوجود الواقعي، على الرغم من جميع الأوهام الفكرية.
لكن أين كنت وفي أية حالة؟ أعرف أن المتهمين بالهرطقة يموتون حرقا على الغالب.. وقد أقيم احتفال من هذا النوع مساء اليوم الذي شهد محاكمتي. هل أعدت إلى سجني بإنتظار التضحية المقبلة التي لم يكن مقدرا أن تتم قبل بضعة شهور؟!
بدا لي ذلك مستبعدا.. فقد كانت حاجة الكنائس ماسة دائما إلى ضحايا عاجلين، أضف إلى ذلك أن السجن في زنزانات المحكومين هنا كان مرصوفا بالأحجار محاطا بالقضبان، ولم يكن خاليا من الضوء كسجني هذا.
فجأة خطرت لي فكرة رهيبة دفعت تيارا من الدم نحو قلبي. وعدت إلى حالة فقدان الحس لبضع ثوان!
استرجعت حسي لأقفز دفعة واحدة على قدمي، وكل عرق في يرتجف ويتشنج.
مددت ذراعي بجنون، فوقي وحولي في كل الاتجاهات.. لم أشعر بشيء، لكنني كنت أخاف أن أخطو خطوة واحدة.. كنت أخشى أن اصطدم بجدران قبري!
راح العرق يتصبب من مسام جلدي جميعها ويتوقف على جبهتي في قطرات كبيرة باردة.
صارت لوعة الشك مع ثقل الوقت شيئا لا يحتمل.
تقدمت بحذر مادا ذراعي، وعيناي مفتوحتان على اتساعهما آملا أن أفاجأ ببصيص من النور.
خطوت بضع خطوات، لكن كل شيء ظل أسودا وفارغا. تنهدت بشيء من الراحة.. لقد تبينت أخيرا أن مصيري لم يكن أكثر المصائر هولا!
وبينما أتقدم بحذر -أخذت تتزاحم في ذاكرتي آلاف الأصوات الغامضة تروي عن هذه السجون غرائب اعتبرتها دائما من الأساطير- لكنها مع ذلك من الغرابة والهول بحيث أن الإنسان لا يقدر أن يذكرها إلا همسا!
هل قدر لي أن أموت جوعا في هذا العالم السفلي من الظلمات؟ أم أن مصيرا أشد هولا يترصدني؟
أن تكون النتيجة الموت، والموت بمرارة غير عادية، أمر توقعته جيدا، لأنني كنت أعرف أخلاق سجاني، كانت الطريقة والساعة هما كل ما يشغل تفكيري الآن.
صادفت يداي الممدودتان حاجزا صلبا. كان ذلك جدارا، بدا أنه من الحجر، ناعما جدا، رطبا وباردا.. تبعته عن كثب بحذر كلي ألهمتني إياه بعض القصص القديمة. إلا أن هذه العملية لم تقدم لي أية وسيلة للتحقق من حجم زنزانتي.. لأنني كنت أستطيع أن أقوم بدورة كاملة فيها والعودة إلى النقطة التي انطلقت منها دون أن أعي ذلك، فقد كانت الجدران متشابهة تماما..
كان المكان رطبا وتزل فيه القدم.. والأرض وإن بدت صلبة كانت لزجة غدارة.. سرت متمايلا بعض الوقت ثم زلت قدمي في لحظة ما وسقطت.. أقنعني تعبي المفرط أن أبقى متمددا، وسرعان ما فاجأني غياب وعي أشبه بالنوم!
بالتوفيق للكل.. وفي حفظ الله