الفصل الأول الفصل الأول : القمر
1 - القمر
الربع الأوَّل من القرن الحادى والعشرين.. الاستعدادات تجرى على قدم وساق، لإطلاق أقوى قمر صناعى عسكرى دفاعى عربى إلى الفضاء..
"إنه إنجاز عربى مائة فى المائة..".
نطق قائد القوات الفضائية العربية المشتركة هذه العبارة، فى شئ من الزهو والثقة والارتياح، وهو يشير بعصاه الصغيرة إلى صورة ضوئية كبيرة للقمر الصناعى العربى (بدر - 1) ويتطلَّع إلى جموع الصحفيين، الذين تعلَّقت أبصارهم بالصورة فى لهفة، قبل أن يستطرد :
- معظم الدول العربية شاركت فى إنتاج هذا القمر الصناعى، ولا عجب فى هذا، فمهمته الأولى هى حمايتنا من أية اعتداءات غادرة، والتصدى بقوة وحزم لكل المحاولات العدوانية.
ارتفع صوت أحد الصحفيين يسأل :
- وماذا عن الأسلحة؟.. ما الذى يحويه (بدر - 1) من أسلحة؟
ارتسمت ابتسامة متحفِّظة، على شفتى القائد، وهو يجيب :
- لست أعتقد أن إجابة مثل هذا السؤال ممكنة، فهى تتجاوز نطاق السرية الطبيعية، فى الأمور العسكرية ولكننى أستطيع أن أقول أن قمرنا يحمل أقوى مدفعى ليزر عرفهما التاريخ العسكرى والفضائى.ثم اتسعت ابتسامته، وهو يدير عينيه فى وجوه الحاضرين، مضيفاً :
- وإنه من حسن حظ الجميع، أن العرب لا يحملون فى أعماقهم ميولاً استعمارية.
أثارت عبارته الأخيرة شيئاً من الرهبة، فى نفوس الحاضرين، وسأل صحفى فى تردد وحذر :
- أيعنى هذا أن قوة (بدر - 1) وأسلحته، يكفيان لاحتلال دولة ما؟
أشار القائد بيده فى حزم، قائلاً :- لا تعليق.
انهالت عليه الأسئلة فى لهفة وشغف، وراح يجيب عليها برصانته وتحفُّظه المعهودين، فى حين انزوى رجلان يحملان بطاقتين صحفيتين فى ركن قاعة المؤتمرات، وهمس أحدهما فى أذن الآخر:
- هل سمعت؟!.. نفس ما توقعناه بالضبط.
أومأ الثانى برأسه موافقاً، قبل أن يهمس بدوره :
- هذا لا يتعارض مع خطتنا، بل يدفعنا للإصرار على تنفيذها، فمن الخطأ أن نسمح للعرب بامتلاك قوة ضاربة كهذه.
صمت الأوَّل لحظات، قبل أن يقول فى شئ من التوتر :
- ولكن الوقت يمضى بسرعة، وإعلانهم الخبر فى مؤتمر صحفى، يعنى أن العد التنازلى لإطلاق القمر قد بدأ، ولن يمضى أسبوع واحد، حتى يكونوا قد أطلقوه بالفعل، وعندئذ..
ولم يتم عبارته..
ربما لأنه لم يشعر بالحاجة إلى هذا، مع المعنى الواضح، أو لذلك الجفاف، الذى أصاب حلقه من فرط انفعاله.. ولكن زميله بدا هادئاً أكثر من اللازم، وهو يبتسم قائلاً :
- اطمئن.. لدينا خطة لا تقبل الفشل.
قالها وابتسامته تحمل الكثير من الثقة..
ومن الغموض..
* * *
استنشق رائد الفضاء العربى (صالح) الهواء النقى، فى الصباح الباكر، وهو يغادر منزله، وحيَّا أفراد أسرته فى حرارة بالغة، وهو يقول مبتسماً :
- سأغيب عنكم طويلاً هذه المرة، فسأقضى الأيام الأربعة القادمة كلها فى القاعدة الفضائية، كما تقتضى التعليمات، ثم انطلق مع الفريق لوضع ذلك القمر فى مداره.
قال ابنه الصغير فى أسى :
- ألا يمكنك أن تصحبنى معك؟.. لقد وعدتنى بمشاهدة مكوك الفضاء عن قرب.
قهقه (صالح) ضاحكاً، وربت على رأس ولده الصغير، وهو يقول :
- مرة قادمة بإذن الله يا صغيري.
وقفز داخل سيارته الرياضية الأنيقة، وهو يلوِّح بيده مستطرداً :
- ولكننى أعدك بأن أحضر لك الكثير من الحلوى والهدايا عند عودتي.
ظلَّ الجميع يلوِّحون له بأيديهم، وهو ينطلق بسيارته مبتعداً، وقاوم هو دمعة عاطفية، كادت تنهمر من عينيه، وهو يتمتم :
- سأشتاق لهم كثيراً بالتأكيد.
وهزَّ رأسه، وكأنه ينفض عنها حزنه، وتشاغل بصفير منغوم، للحن شعبى شهير، وهو ينطلق نحو القاعدة الفضائية خارج العاصمة..
وفجأة، فى بداية الطريق الموصِّل إلى القاعدة، لمح تلك السيارة..
كان الوقت مبكراً، والطريق خال تماماً، فى يوم الجمعة، ولكن تلك السيارة كانت تقف خارج الطريق الأسفلتى، بزاوية ميل ملفتة للأنظار، فوق الرمال القريبة، وإلى جوارها بدا جسد بشرى ملقى على الرمال، على نحو يوحى بأن صاحبه فاقد الوعى..
وبلا تردد، أوقف (صالح) سيارته على جانب الطريق، وانطلق يعدو منها نحو السيارة الكبيرة (الميكروباص)، وانحنى يفحص ذلك الشخص الملقى إلى جوارها، وهو يهتف :
- أأنت بخير ؟
فتح الرجل عينيه، وتطلَّع إلى (صالح) لحظة، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، وهو يقول :
- بالطبع أنا بخير.
ارتفع حاجبا (صالح) فى دهشة، ثم انطلق فى عقله جرس إنذار مباغت، مع ذلك الظل البشرى، الذى امتدَّ إلى جواره، لشخص يتسلَّل خلفه، حاملاً شيئاً ما فى يده، فاستدار رائد الفضاء فى سرعة، ومال جانباً، متفادياً ضربة عنيفة من هراوة خشبية قوية، وأمسك معصم حاملها، وهو يهتف فى غضب :
- إذن فهى خدعة.
ثم هوت قبضته اليسرى على فكَّ حامل الهراوة بضربة كالقنبلة، تراجع لها الرجل مترين كاملين إلى الخلف، قبل أن يسقط فوق الرمال، وفى نفس اللحظة، وثب رجل آخر من فوق السيارة، على ظهر رائد الفضاء، وجذبه الرجل الراقد أرضاً من قدميه، هاتفاً :
- إنها خدعة بالتأكيد، ولكنك وقعت فيها.
أدار (صالح) يده خلف ظهره، وقبض على عنق ذلك الذى يتعلَّق به، ثم جذبه بكل قوته، وألقاه أرضاً، وهو يضرب الثانى بقدمه، قائلاً :
- ليس بعد.
هبَّ الساقط يهاجمه ثانية، ونهض الثانى يلتقط هراوته، فى حين ظهر رجل ثالث..
وكان على (صالح) أن يقاتل بكل قوته..
بل بضعفى قوته على الأقل..
ولقد فعل..
كان يلكم هذا، ويركل ذاك، ويلوى ذراع ثالث..
ولكن الكثرة تهزم الشجاعة كما يقولون..ففجأة، هوت على عنقه ضربة عنيفة، غامت لها الدنيا أمام عينيه، وفقد معها الكثير من اتزانه، ولكنه قاوم، وحاول أن يضرب ثانية، إلا أنه تلقى ضربة أخرى، فى المكان نفسه، فهتف :
- أيها الـ…وانعقد لسانه فى حلقه، مع ضربة ثالثة، أظلم معها كل شئ، و..وسقط فاقد الوعى..
وفى عصبية، هتف أحد الرجال لاهثاً :
- إنه يقاتل كالوحش.. لقد كاد يهزمنا جميعاً.
أجابه زعيمه، وهو ينفض الرمال عن ثوبه :
- من حسن الحظ أنه لم يفعل.
ثم أشار إلى (صالح)، مستطرداً :
- هيا.. دعونا ننتهى من هذا الأمر بسرعة، قبل أن تظهر سيارة أخرى.
أسرع الرجال يحكمون وثاق (صالح)، ويكممون فمه فى قوة، فى حين راح زعيمهم يفرغ محتويات جيوبه فى اهتمام، حتى التقط بطاقته المغناطيسية الخاصة، فابتسم فى ارتياح، قائلاً :
- عظيم.. هذا يجعل الأمور أكثر سهولة.
لم يكد ينطقها، حتى انفتح الباب الخلفى للسيارة (الميكروباص)، وبرز منه رجل رياضى القوام، مسح وجهه بيده، وهو يقول :
- هل حصلت على كل شئ ؟
التفت إليه الزعيم مبتسماً، وناوله البطاقة المغناطيسية، قائلاً :
- نعم.. احتفظ بهذه.. ستساعدك على الدخول.
التقط الرجل بطاقة (صالح)، ودسَّها فى جيبه، وهو يقول :
- أتعشَّم أن يفلح هذا.. إنهم يدققون كثيراً فى وسائل الأمن.
هزَّ الزعيم كتفيه، وقال :
- البطاقة مع عدسات العينين المحفورتين بالليزر، ستجعلان كل شئ على ما يرام.. أما عن الصوت، فتظاهر بأنك مصاب باحتقان فى حلقك.. هذا سيفسر الفارق الذى لم يُخفه التدريب.
قالها، وهو يتطلَّع إلى وجه الرجل، الذى أجريت له جراحة تجميلية دقيقة، بحيث صار نسخة طبق الأصل من ذلك الذى أفقدوه الوعى..
من (صالح)..ر
ائد الفضاء العربى..
* * *
"انتباه.. تبدأ الآن المرحلة الأخيرة من العد التنازلى، لإطلاق القمر (بدر - 1).. درجة الاستعداد القصوى.. مائتان.. مائة وتسعة وتسعون.. مائة وثمانية وتسعون..".
تردَّد ذلك النداء فى القاعدة الفضائية العربية، وبدا من الواضح أن درجة النشاط قد تضاعفت فيها خمس مرات على الأقل، استعداداً لانطلاق مكوك الفضاء، الذى سيحمل القمر الدفاعى (بدر - 1) إلى مداره، وتضاعفت درجة التوتر أيضاً، فى مبنى المراقبة، حيث جلس قائد القوات الفضائية العربية ينقر بأطراف أصابعه على طرف مكتبه، فى عصبية واضحة، وهو يراقب شاشات الرصد، التى تنقل مراحل احتراق وقود الصاروخ، الذى يحمل المكوك والقمر، والتقط رئيس القاعدة الفضائية أنفاسه، وهو يقول فى لهجة متماسكة إلى حد ما، وإن لم ينجح فى إزالة كل ما علق بها من توتر:
- عشر دقائق إضافية على الأكثر، وينطلق الصاروخ
غمغم قائد القوات الفضائية :
- بإذن الله.التفت إليه رئيس القاعدة، قائلاً :
- لم أرك قط بمثل هذا التوتر.. إنه ليس أوَّل قمر صناعى نطلقه من هنا.
أومأ القائد برأسه، قائلاً فى توتر :
- هذا صحيح، ولكنه أوَّل قمر صناعى عسكرى، بمثل هذه القوة.. إنه ينقلنا إلى عصر جديد بالفعل يا رجل، عصر تسبح فيه قوتنا العسكرية فى الفضاء، وتدور حول الأرض، وتكفل لنا حماية دائمة بإذن الله، وتمنع كل من تسول له نفسه من أن يعتدى على حدودنا وأراضينا.
كان رئيس القاعدة يعلم كل هذا، ويدرك خطورة هذه العملية بالذات، وفشلت محاولته فى التماسك هذه المرة، وهو يغمغم :
- نعم.. أعلم هذا.. أعلمه جيداً.
ثم ملأ صدره بنفس عميق من الهواء، قبل أن يستطرد :
- ما رأيك فى قدح من الشاى؟هزَّ القائد رأسه نفياً، وهو يقول :
- ليس الآن.. الشاى يزيد من توتر أعصابى دائماً.
وافقه رئيس القاعدة بإيماءة صامتة، وعاد يراقب الشاشات، والعد التنازلى يتواصل فى رتابة..
"مائة وستة.. مائة وخمسة.. مائة وأربعة..."..
تعلَّقت عيون الجميع بالشاشات الراصدة، وشاشات الكمبيوتر، والأرقام التى تتراص بسرعة، وسُحُب الدخان الكثيفة، التى أحاطت بقاعدة الصاروخ، وراحت تتزايد فى بطء، مع تواتر العد التنازلى، الذى بدا وكأنه يستغرق دهراً كاملاً، قبل أن يصل إلى مراحله الأخيرة، وينطلق الصوت الآلى مجلجلاً:
- سبعة.. ستة.. خمسة.. أربعة.. ثلاثة.. اثنان.. واحد.. إشعال..
ومع آخر حروف الكلمة الأخيرة، انطلقت نيران الوقود القوية من قاعدة الصاروخ، الذى بدأ يرتفع عن الأرض، والعيون كلها تراقبه فى توتر شديد، والشفاة تتمتم ببعض الآيات والأدعية القرآنية، ثم انطلق الصاروخ فى السماء، حاملاً مكوك الفضاء، والقمر الصناعى العسكرى الأوَّل (بدر - 1)..
وطوال رحلته عبر الغلاف الجوى الأرضى(*)، راحت الأعين تتابعه فى اهتمام شغوف متوتر، حتى اختفى عن الأبصار، فانتقل النظر بسرعة إلى شاشات الرصد التليسكوبية، تتابع مراحل الإطلاق المختلفة، حتى تجاوز الصاروخ، أو ما تبقى منه نطاق الجاذبية الأرضية، وانفصل عنه المكوك، حاملاً القمر الصناعى، فتنفَّس القائد الصعداء، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ارتياح، وهو يقول :
- حمداً لله.
ثم التفت إلى رئيس القاعدة، مستطرداً :
- الآن يمكننى أن أشاركك قدحاً من الشاي.
ابتسم رئيس القاعدة، وهو يشير إلى مساعده، الذى أسرع يعد قدحى الشاى، فى حين جلس هو أمام القائد، وقال:
- كل ما تبقَّى مجرَّد خطوات، فطاقم المكوك مدرَّب جيداً، وسيتجهون مباشرة إلى البقعة المحدودة لمدار القمر، وهناك ينفصلون عنه، بعد مراجعة كل أجهزته، وصلاحية أسلحته، ويتجهون إلى محطتنا الفضائية (م - 9)، حيث يتزودون بالوقود، ويتابعون مسيرة القمر لبعض الوقت، وبعدها يعودون إلى هنا، ونفوز بالقمر إلى الأبد.
تنهد القائد فى ارتياح، وهو يقول :
- حمداً لله.. حمداً لله.
وتشاغل كل منهما بعدها فى مراقبة الشاشات التليسكوبية، ومتابعة رحلة المكوك الفضائى، وأحضر المساعد قدحى الشاى، فراحا يرتشفان السائل الدافئ فى استمتاع واسترخاء، و…
"سيِّدى.. وصلتنا رسالة من المكوك الفضائي"..
اخترقت العبارة أذنى القائد، فاعتدل فى دهشة، وانعقد حاجباه فى شدة، فى حين التقط رئيس القاعدة الرسالة، وهو يقول فى توتر :
- رسالة؟!.. عجباً!! ولماذا لم يتم بثها على نحو طبيعى؟!.. ثم ما الذى يدفع طاقم المكوك إلى إرسال رسالة سريعة على هذا النحو، على الرغم من….
بتر عبارته بغتة، وهو يُحدِّق فى الرسالة ذاهلاً، وسقط قدح الشاى من يده، وتحطَّم على الأرض، وتناثرت محتوياته فى عنف، فوثب إليه القائد، هاتفاً :
- ماذا حدث ؟
ناوله رئيس القاعدة الرسالة، وهو يردِّد :
- مستحيل !.. مستحيل !
ولم يكد القائد يُلقى نظرة على الرسالة بدوره، حتى خُيِّل إليه أن قبضة باردة قوية قد اعتصرت قلبه، وألقته وسط جبل من الثلج، فقد كان مضمون الرسالة مذهلاً، و…
ورهيباً.
* * * |
__________________ - عـــنـــدما أشتاق لكِ
- و لا أستطيع الوصول إليكِ..أخبريني يا صديقتي بالله عليك
- بأي حق هذا؟؟
- أكاني كودو..كنتي و لا زلتِ توأم روحي و نصفي الثاني
- فإن وصلتكِ رسالتي فواصليني..
- فوز<<<ملاكـ العناد
التعديل الأخير تم بواسطة ~ رحيق الأمل ~ ; 11-22-2015 الساعة 12:14 AM |