الجواب الرابع :
قال الخميني : " أن مجيء الإمامة وذكرها في القرآن الكريم لا يعني هذا تسليم المخالفين وقبولهم بذلك "
لو فرضنا جدلاً أن القرآن ذكر علياً؛ فإن الخلاف بين المسلمين لا ينتهي عند هذا الحد لورود نص قرآني بذلك؛ لأننا نعلم أن الذين اعتنقوا الإسلام والتفوا حول الرسول لم يكن ذلك إيماناً منهم بمبادئه ولا حباً لشرعه، إنما دخلوه لنيل المكاسب والمناصب وطمعاً في الدنيا ومتاعها، فكيف يعـقل أن يرضوا ويسلِّموا بما ينزل من الآيات في إمامة علي؟
ألم يكن ذلك سبباً آخر لاتساع هوة الخلاف والشقاق بين المسلمين أكثر فأكثر؛ مما يؤدي بالتالي إلى هدم الإسلام ونقضه من أساسه؟
ولا يستبعد بعد ذلك عندما يرى أولئك الذين اعتنقوا الإسلام طمعاً في الرئاسة ونيل المكاسب أنهم سوف لن يصلوا إلى تحقيق مقاصدهم ونيل ما يرغبون، سوف يشكلون حزباً معارضاً بل أحزاب تعمل لهدم الإسلام ونقضة، وبهذا فإن علياً وأتباعه من المؤمنين لن يقفوا مكتوفي إلايدي أمام هذا الوضع القائم، وبالتالي سوف تقوم الانتفاضة لرفض هذا الوضع الفاسد، مما يؤدي بالتالي إلى القضاء على النصف الآخر من الإسلام..!!
وخلاصة القول
: إن تطرق القرآن لذكرعلي والإمامة ومجيئهما فيه أمر مخالف للمصلحة وما تقتضيه من حكمة، بل ومضر بالإمامة نفسها!!.
الرد على الجواب الرابع :
أولاً: إن الله تعالى لا يقبل من عبده نصف الدين إذ إنه لا فائدة في ذلك، كما لا يقبل سبحانه تعالى الصيام إلى وقت الظهر، ولذا فإن الله تعالى لا يرضى نصف الدين المتمثل بأبي بكر وعمر (كما تزعمون) إذ إنه لا فرق بين من كفر بهذا الدين جملة، وبين من آمن بنصف هذا الدين وكفر بالنصف الآخر، بل قد يكون الكفر بنصف هذا الدين أشد من الكفر به جملة وأعظم ضرراً، والذي نقصده هنا
: أنه ليس لله ـ حاجة في حفظ نصف هذا الدين إذا كفر عباده بالنصف الآخر ولم يرتضوه.
ثانياً: يتضح مما قلته آنفاً
: أن الله تعالى لم يذكر علياً في القرآن ولم يأت على إمامته نص صريح بذلك، فهذا يعني أن الله ـ من حكمته العظيمة وفضله على هذه الأمة وحباً لها لم يفرق كلمتها بذكر أمر فيه كل هذا الضرر العظيم، والخطر الجسيم في تعكير صفو هذه الأمة ووحدتها، فهل للخميني أن يقول لنا
: من أين تأتي له كل هذه الغيرة على هذا الدين وتحمل كل هذا الهم العظيم لحفظ بيضة الإسلام والدين، وتفتق عقله بعبقريةٍ لم نرها في الأولين حتى غاص في أعماق بعيدة؛ ليستخرج لنا من هذا القرآن العظيم حكماً وأسراراً غابت عن سيد الأولين والآخرين؛ حيث ادعيتم عليه ص أنه قال بلسانه الشريف آلاف الأحاديث والنصوص التي تنص نصاً قطعياً على إمامة علي وأولاده، وهذا ما نطقت به كتبكم وخطته أيديكم ثم نسبتموه زوراً وبهتاناً إلى الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، ولم تكتفوا بهذا الضلال والعمى الذي أركسكم الله فيه، حتى زعمتم أن رسول الله ص لم يغفل أمرالإمامة وهو في الرمق الأخير من حياته الشريفه؟!
ثالثاً: لم يخبرنا الإمام الملهم: لماذا كل هذا الحرص من النبي ص وهوالمؤيد من عند الله تعالى على تلك العصبة الحريصة على الرياسة، المحبة للدنيا ومتاعها، والتي لم تعتنق هذا الدين حباً فيه وإيماناً بمبادئه واعتقاداً منها بفضله وشرفه.. لماذا لم يبعدهم ص عن طريقه وهو يعلم أنهم لم يلتفوا حوله إلا لتحقيق تلك المقاصد الخبيثة والنوايا السيئة؟
هلاَّ وضح لنا جناب الإمام
: هل كان الرسول ص عاجزاً عن إزاحة شرذمة قليلة وإبعادهم عن طريقه، وهو يعلم قبل غيره أن الله ـ قد أيده وأمدَّه بالنصر والقوة والتمكين حتى أزاح طغاة الكفر وأئمته وقاتل أعداء هذا الدين ومن ناوءه، وهدم كل صروح الكفر على رؤوس أهلها من أمثال أبي جهل وشيعته؟ فهل يكترث ص بطرد فتى مثل عمر إن كان (كما تزعمون) إنه ما آمن إلا حباً للدنيا وحرصاً على زخرفها؟
وهذه رسالة الإسلام ودعوة الحق يصدع بها محمد الأمين بين أهل مكة والمسلمين لم تقو شوكتهم بعد ولم يشتد عودهم والدين جديد على أهله، والقرآن الكريم لم يدع سبيلاً إلا وسلكه ولا باباً إلا وطرقه، ولا مثلاً إلا ضربه للتنديد والطعن وذكر كل ما يشين بالكفر وأهله، فلا عابد ولا معبود من طواغيت الكفر وأئمة الضلال إلا وأخذ نصيبه الكامل من التقريع والتنكيل والتهديد والوعيد الشديد، وذلك مما تنزَّل على قلب أطهر إنسان عرفته البشرية، فكيف بعد هذا كله تظن أن القرآن يدع أبا بكر وعمر يقفان عقبة كؤود أمام الإسلام دون أن يشير إلى ذلك ولو بآية واحدة؟
ولكن لتعلم أنت ومن غرته أكاذيبك وافتراءاتك أن القرآن الكريم لم يُداهن أحداً من البشر، ولم يتأخر يوماً في فضح المؤامرات، وكشف المكايد التي كانت تحاك ضد الإسلام وعصبة الرحمن، كما أن الذين وقفوا وتصدوا لرسالته ودعوته لم يحصدوا مما جنت أيديهم غير الخيبة والندامة والخسران.. فأين جناب الإمام من هذا كله؟!
أم لم يعلم الخميني أن أبا بكر وعمر لم تكن لديهما حتى وهم بالمدينة أي قدرة أو شوكة للتصدي أو الوقوف والمعاداة للدين وأهله، فمن أين لك كل هذا الإفك حتى تدعي أنهما لم يتبعا الرسول ص ولم يدخلا في الإسلام إلا حباً في الرياسة وطلب المكاسب؟! أي مكاسب هذه التي ترتجى من دين قامت الدنيا كلها ولم تقعد لمحاربته وبذلت كل غال ونفيس للوقوف أمام دعوته وهديه؟!
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الذي يكون حريصاً على هذه الدنيا وزهرتها ومناصبها فالأجدر به أن يبحث عنها عند من يملك أسبابها، لأنه لا يحقق مآربه وينال مقاصده إلا عند من يملك القدرة على ذلك من أمثال أبي جهل وحزبه، أما أن يدعوا ذلك كله ليقفوا إلى جنب محمد ص مؤمنين مذعنين وهو الوحيد في محنته، الطريد من أهله وعشيرته، فأي مكسب سيحققانه؟ وأي عرض زائل من الدينا سيكسبانه إن كانا كما يقول الخميني لم يؤمنا به إلا طمعاً في نيل المكاسب والحصول على المناصب؟
ثم دعونا لنطرح هذا السؤال على جَنَاب الإمام
: متى آمن أبو بكر وعمر وعثمان بالنبي ص؟ ألم يكن ذلك في وقت هو من أشد الأوقات غربة وضعفاً وضنكاً، حيث التعذيب والقتل والحرمان الذي كان يصبه المشركون على رؤوس المؤمنين صباً؟! ولكن جناب الإمام الأعظم لا يعي ما يقول، بل لا يكاد يعلم من وقائع ومجريات التاريخ الإسلامي شيء.