عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-23-2014, 12:53 PM
 
الع،ــالـ،م...مكـ،ـاآن يَسَعُ الجم،ـــيعْ~

.





















.







تمشي بعنفوانٍ طغى على ملامح وجهها الفتيةِ، ماضية بسوق عاصِمةِ الإقليم الثانيِ بالمنْطقةِ الجبيلة أوْ المعْروفةِ بـ"كاسيليا"... منطقة تشتهر بفقرها المدقع والملم لركنها المظلمِ
فما منْ مكانٍ للضعفاءِ بها، مضت وهي تنظر لباعة السوق الذينْ يتجاهلوُن الواقعَ تارةً وللْنائمين علىَ جوانِبِ الطريق تارةً أخرى
ثيابهُمْ بدتْ مرقعةً ومتسخة

جنديةٌ منَ قواتِ الحمَايةِ الخاصة والتَدَخُل في شأنِ هذا لاَ يعتَبر أمراً مسموُحاً
لكنْ رؤيتهمْ وهم بتلكَ الحالِ يضرمِ بقْلبهاَ ناراً منْ العزيمةِ كي تحاربَ كل شخصٍ لهُ علاقةٌ بمثل الوضع السائِدِ

"العالم مكان للأقوياء" قاعدةٌ بسيطة ترغبُ بإلغائهاَ ومسح آثارهاَ للأبدِ تتذكر، بجانبِ القرية كانَ يقَعُ بيتُهمْ الخَشبِّي الصغير والدافئ، بأعلى الجِبال حيثُ عاشَتْ عائلةُ(ردوريك)، عائلةٌ كُبرى اشتهرتْ بتقاليدِها التي سَنها الكبارُ فيها منذُ عقودٍ مرتْ...

ومن أهَمهَا هو المُحافظَة على الأرضْ والدِفاعِ عنها لكنْ للأسَفْ استَسلم أفْرادُهاَ واحداً بعد آخر للواقع الذي يعيشونه والواقع هو عبارة عن حروبٍ متعددة الأطْرَاف، وعلى الأرجَحِ فُقْدانُ الثقَةِ بالنَفْس وتَجَاهُل تِلكَ التَقَاليد الرَثة كما يُعتقدُ هو الدافعُ الأكبر لفرارهِم والهُروب نحوَ مناطقِ توفر الأمن والحياة الاعتيادية أكثر.

في الجبال الأمن شبه مُنعدم والطَعام لا يتوفر إلا عن طريق الصَيْد.

لكن لِكُل شخصٍ مبادِئُه فما حملهُ "آلبرت ردوريك" الحَفيدُ الأصْغر لآخِر قادةِ العائلة الكبرى هو حِملٌ نذَره كوعدٍ على رُفاة جده بأنْ يمُوت هنا بأرضِه وألا يغادرهاَ.


هَبتْ تلك الصغيرة خلفَه بأنْ احْتضَنتْ ساقاه بقوةٍ هاتفةُ
- أبي أشعرُ بالجوع، لِنَعد الآن!!!

تَنبهَ للصوت والحَركَة سريعاً فعقف أحد حاجبيه الكحيلين كما لون السماء عند توسط القمر بها ليلاً. مُستنكراً لتلكَ النَبْرة الطُفولية المتلونة بتحدٍ من نوعٍ ما

- اِيفآ، توقفي عن تقليدي؟!!



أكملتْ بذاتِ الهيئة لكن بعنادٍ أكثر قسوةً

- لا لن أفعل أبي؟؟


ارتسمتْ ضحكةٌ راضيةٌ على شفتيه فأدار رأسهُ ناحيتها رامياً لفأسه جانباً... فقد كان يقُوم بقطع الخشَب للعشاء أشارَ لشاربه الذي أحاطتْ به شعيرات متناثرة كأنه لم يقم بحلقه مُنذُ مدةٍ

- عليّ وضع واحد كهذا لكيّ تكوني مثلي تماماً!!


ابتعدت عنه بضعة خطواتٍ تراقبه معلية لعينيها المزرقتين بوهج زمردي مشابهةً له

- لكنكَ رجلٌ أبي؟؟



- لقد فهمتي هذا بنفسكِ عزيزتي، لا يتَوجب عليك مطلقاً أن تكوني كالرجال، فهذا قاسٍ وأنتِ فتاةٌ بنيتي!!


زفر بهدوء مكملاً بعضَ تصريحاتهِ التيِ أقرهاَ من واقعه
- العالمُ كبير، ومليءٌ بالضعفاءِ وكذلك الأقوياءُ... علينا العيشُ بأملٍ فقطْ



كناقوسِ خَطرْ رَن كلاَمُه حرفاً بِحرف في ذَاكِرتِها أوْصلها إلى اِستنتاجِ شيءٍ جَهِلته تلك اللحظة... أَوْقفَها لعِدة ثوانٍ فرمَشَت تَسْتفسِر نَفسَها تحتَ وطْأةِ الدَهْشة

- هل تُحب أخي أكْثر مني؟؟



لمْ يتوقَعْ أمراً مُماثلاً مِنها قَبل أنْ يَسْمَع صوتَ زَوجَتِه من الداخل تناديهما

- آلبرت، اِيفآ لقد جَهُز الغدَاء تعاليا

- نَحْنُ قادِمان

مَضى يسبِقُ ابنته التي تَوقفت فجأةً تفَكر بأمر
أجابها بسكون

- عزيزتي الأيام ستثبت لكِ بأنه عليك أن تكوني قوية لتستمري... لكن ليس كالرجال



ازدادتْ حيرتها أضعافاً، فقد زاد الطين بِلةً بما ذكره... ولجَتْ المَنزلَ خَلفه وألقَت نظرةً على شَقيقِها المُمَدد عَلى الفِراش بَدا نائماً فهو لا يتوقفُ عن الصُراخِ سوى بهذه اللحظات.

تنهدت بثقلْ ومَضَتْ لِتجلسَ على الطَاوِلة الخَشَبية مقابلةًً لِوالدِها، بَيتُهم صغير ومُفعَم بالحنانَ... والدِتها "آلكساس" من أصول أخرى خارج عائلة(ردوريك) فهي حتى لا تُماثِلها بأيّ شَيء، سواءً بِشَعْرها الأشْقر ذا التموجاتِ الملساءَ بأطرافِه أو بعينيها الخضراوتين. فهي تُشبِه والدهَا بذاتِ العينين والنظرة بذاتِ الشعر بخصلٍ طويلةٍ.

الفَطُور لمْ يكُنْ مُخْتلفاً عَنْ أي يومٍ، مُجرد حساءٍ بلَحْمِ الأرْنَب البَري الذي اِصْطَادهُ آلبرت قَبلَ يَومينَ... أو الباقي مِنْه

كَانَت سَتريح ظَهْرها عَلى الكُرسي قَبل أنْ تَرفَع والدتها الجرة

- اِيفآ لقد نَفِذ مَاء الشُرب هيا بطلتي!!



قَفزَتْ مِنْ مَكَانِها وأَخَذتْ الجَرة مِن بَيْن يَدي أُمِها كَأي طِفلٍ تُحِب أنْ تَكُون مُمَيزة وتَتَحَملَ المَسؤُولية بِِحَيثُ يَمْدحُها الجَميعْ ويُثنِي على حُسنِ خُلُقها... تَوقفت قليلاً قَبل أنْ تَخطو خُطوةً أُخرى نَحو الباب سَألتها والدتُها عِندمَا لاحظت ترددها
- ماَ الأمْر عزيزتي؟؟



أَدارت رأَسها صَوبَها
- هل سَيأتيِ خَالي؟؟ أمي..


رَفعَ والدها نَاظِره نَحوها مُستغرباً هذا، فهي كَما تَبدُو فتاةٌ غير اجْتماعية تُظهر بُروداً لا تَبْرِير له عِند ظهور أشْخاص آخرين وخِصيصاً من همْ بمثل سنها.

وها هي تسأَلُ أمها عن خالها... وإن كان سؤالها المقصودُ به هو إبن خالها الغَبي كما تدعوهُ
أجابت سريعاً

- رُبما سيأتي بَعد الظهيرة، وقد لا يَصْطحِب "مالفآن" بِرفقته!


قالتها أمها على ثِقة فآخرُ مرةٍ جاء ِبصحبته قَامت اِيفآ بشَتمه لأنه فقط أرادَ أن يوضح لها بأنْ الفتياتِ لا يُشْبهنها عادةً بتصرفاتهن

أكملتْ بعْدها تُعيد لَها رُوح الحَماسِ مجدداً

- هيا عزيزتي أسرعي وإلا بَرُد الغذاء!!!



هَزتْ رأسها إيجاباً وخَرجت قَاطعة للحديقة الخلفية التي زُينت بأنواعٍ مختلفةٍ منَ الأزْهار. جَالت بِعينيهَا الأرض التي لازال تُرابها هشاً فصَبَاحاً قَامت بِزراعَتها
رَمتْها بابتسامَة مرحةٍ واسْتعَادتْ نَشَاطَها ومَضتْ.

فإن كَانتْ تَعرُِف بأنها تِلك هي آخر ثوانٍ لها لمَ قرَرَت المُغادرة أبَدَ الدهْر

الطريقُ مُعبدٌ على جِهَتيه بالأشْجَار المُتعَانقَة بأطْوالِها... وبين الشُجيراتِ الأقَل مِنهَا طولاً علىَ الجِهَة الأُخْرى وعلى بُعدِ عِدة أَمْتار سيراً يَتَواجَدُ النَهْر يَجِب أَن تَمْشي إليه وتُحضِر مياهً للشرب، بأوقاتِ العَادة كَانت تَذهب رفْقَة وَالدَتِها، وَلكِن مُؤخراً أصْبحَت تُرافِقُ الطيور لِوحْدهَا...

وصَلَت إلَيه وجَلَستْ تَغْرفُ المِياهَ بالجَرة بِلُطْف، فَالمِيَاه تَتَعكرُ فَور اخْتِلاطِها بالطِين السُفلي إنْ رَمَت الجَرة بفظَاظَة، وضَعَتْهَا جَانباً وأحكمَتْ إغْلاقَها. أخْرجَتْ قِطعة قماشٍ طويلة من جَيبِ ستْرتِها ورَبطَت بِها الجَرة منْ مُنتصَفِهاَ ثُم رَفَعَتْهَا وَلَفَت البَاقي مِنْها عَلى كَتِفَيْهَا ووقَفتْ بهدوءٍ عَائِدةً بِخطَاهَا نحو البيتْ... تَشعرُ بالتعبْ فمجهوُدهَا اليومْ كبيرٌ

ساَعَدت وَالدتها بزَرعِ الحَديقَة الخَلفيِة وجَلسَتْ رُفْقَة شَقِيقِها الأصْغَر كَمَا تَجَولتْ مَع والِدهَا في الغابة لكن الرحلةَ كانتْ فاشلة لأنهما لمْ يصطادا أيَ شيء وعادَا فَبقِيتْ مَعَه تُشاهِده يقْطَع الأخْشاَب.

حَيَاتهُم العادية شَاقة لِضَمانِِ يومٍ آخَر يَعِيِشُونه، فَهذه هِي العيشَة التي تُرافِق مبادئ والِدها

لوهلةٍ وجستْ أَحست بانقباضٍ في قَلبها فأسْرعَت بخُطاهَا بغير إدْراكٍ لمَ فَعلتْ؟؟ بَدأْتْ السُحبَ الداكِنة بالتَجمُع فجأةً مُنذرةً بقدُومِ المَطر... نَظَرت لثوانٍ بالأعلى شاردةً ثُم عَادت لِدْربِها اخْتصرتْ الطَريق وتوقفَت بين شَجرةٍ هناك وحَديقَة بيتهمْ الخَلفِية تُراقِب مَا يجري... كُل ما رأته هو شخصٌ عريضُ المنكبين يرتدي عباءة بيضَاء رُسِم عليها نَقش قوسٍ وشُعلة ذهبية. إنه شِعار الملك

اتسعَتْ عينيْهَا فزعاً وهلعاً، لا يمْكِن أنَ ما توقعَتهْ كانَ ما رأَتهْ

أفلتَتْ الجرَةَ منْ بين يديَهَا وركضَتْ صارخةً نحوه

- أبـ...



أَجلْ لقدْ كان هو... ما القِصة ولمَ الدمِاء تُغطيه؟؟، ومن هو هذا الرَجُل الذي يُمسكه إلتفتَ نحوها وهتفَ بسخرية

- آلبرت أهذه هي عائلتك التافهة؟؟ أتلك هي زوجتك الشقراء القبِيحة؟؟!!


- اِيفآ عودي إلى أمك... عُودي


نَطقَها بصعوبةٍ بسببِ ما يعانيهِ، فتابِعُ الملك يُحكِمُ من إمسَاكِه بعُنقِ آلبرت
أدار عينيه الضيقتين بمكر نحوه وأكمل

- هي ليستْ مهمة، أخبرتكَ بأنْ تُخليَّ المنطِقة ولمْ تفْعل أيها الحَقير مِثْل أمثالك، لقَد كانوا أكثر ذكاءً منكْ


- إنها أرضي ولستُ مستعداً للموتِ على غيرها!!!

- كما تشاءْ إنها أمنيتكْ، كما أنكَ لمْ تدفع الضرائب عنها مُنذ سنة


هذه المحادثة بين كليهماَ كانت كافيةً لتجعلها تصرخ وتسرع نحو الرجل دون وعي وتضرب قدميه بحدة بقبضتي يديها الصغيرتين... أفلتَتْ الجَرة فكُسرتْ وراحَ جُهدها معهاَ

- أُترك أبي، أتركه أيها الكريه، أتركه!! وشأنه


جَرت بينها وبين نَفسها مُحادثةٌ سَخيفة لمْ تُعرها أي انتباه، أهذه نهاية البشر الذين يرغَبُون بالعيشٍ بأمان بأرضهمْ؟؟
ومن يرغبون بنسيانِ الأساطير التافهة، أهذه هي فعلاً؟؟

- اِيفآ إذهبي.. إذهبي


- ترغبين برؤيته يموت إذاً!!


- دعها لا تقتلها... لا ذنب لها



قالها آلبرت مُترجياً له، لكنَ الأخير أَحْكَم أكَثر على شَد قبضتي يدِه بعُنق ضَحيته رغمَ كل المحاولاتِ لكيّ يترُكه، تِلك الصغيرة وَهَنتْ قِواهاَ ودُموعُها تَزاحَمت نازلةًً بضَعفٍ وانكسار لمْ تُفكر بأمر والدتها، خَالت بأنها ماتت حتى هي

فَترجته وخاَطبتْه صَرخت عليه بأنْ يتركَ والدها
ولكن آخِر كلمةٍ سمعتهَا قبل آخر نفس له

- كوني قوية!!


ضحكةٌ لئيمة زَعْزعَتْ المكان بَعد أنْ رمى جُثته أمام ابنته ونفض يده

- هذه نهاية الضعفاء


بقيتْ تَنظُر إلى والدها الميْت مُنبلجَة العينين وصامتةً ساكنة...

زفرت بهُدوءٍ وإلتفتتْ لمنْ صدمَ كتِفهاَ وسقطَ يلمْلمُ خضراً بدت تالفةً ولا تصلحُ للأكل الحاليّ

ببروُدٍ حدقتْ به ثوانٍ فقطُ إستطاعتْ فيهاَ أن تَلقيّ نظرةً تفحصيةً شاملةً لمنْ أخرجَها من ذكرياتهاَ

كانَ طفلاً فقيراً والأغلب أنه من الجزءِ الثانيِ منَ المنطقةَ

سمعَتْ صوتاً يهتفُ مخترقاً لحشودِ البشرِ المتزاحمةِ بالسوق

- أيها اللص، توقف عندكْ


كان سيهربُ لولاَ أنهاَ قامتِ بإرجاعهِ من قلنسوةِ سترتهِ

نظر نحوها بترجٍ فشعارُ الحمامةٍ البيضاءِ الدالِ على انتمائهاَ منقوشٌ بعبائتهاَ الرماديةِ

- شكراً لكِ أيتها الجندية لقد كنتُ أُحاول القبضَ عليه مُنذ مدة


قالهاَ البائعُ مبتسماً

- كم المبلغ الذي تفرضهُ على الخضارِ التآلفةِ وغير الصالحةِ للأكل؟؟ بالعادةِ؟


- لا، لا شيء مطلقاً


شعر الطفلُ بنوعٍ من الدهشة فبقي ينظر نحوهاَ ونحو ملامحها الساكنة والرزينةِ... الموحيةِ بالتعاطفِ والنبذِ في نفس الوقتْ

أكملت حديثهاَ بوقعٍ اختصتْ به البائع الصامت الناظرِ نحوهاَ بدهشةٍ
- حسناً، وكمْ نعانيِ نحنُ لكيّ نحميكمْ ونغيّر هذا المكان... إلى وطنٍ تصح به الحياةَ؟


بحدةٍ أنهتْ
- وكمْ نعانيِ لفرضٍ قانونٍ يمنعُ أمثالكمْ من مدِ أيديهمْ والتحدثِ هكذاَ... خضار فاسدة تشابه ما تربيْت عليه من مبادئٍ فاسدة؟؟


صمتت بعدها وبقيْت تنظرُ نحوهُ وهو يتراجعُ خائفاً من نظراتهاَ المتجمدةِ تلك، فهي تبعثُ الرُعب لأشد الأعداءِ ضراوةً، كانتْ ستضيفُ عدةَ كلماتٍ ستجْعلهُ ينظُرُ أكثْر لمَ قدْ بَخُل عنه

أطلقتْ تنهيدةً ساكنة وأفلتتْ الطفل بإبتسامةٍ من النادرِ ظهورهاَ، استطْردت قائلةً
- العالمْ مكانٌ يسعُ الجميع...


*

تمت،،،



*...*...*...*
*...*...*
...
..
*


؛،

__________________
ليسَ وهماً ، لكنهُ حقيقةٌ جميلة تَمَنيْت أن تدومَ
أكْثر~





رد مع اقتباس