عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 09-05-2014, 02:12 AM
 

بطلان نسبة القبر في النجف إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه



سليمان بن ناصر العلوان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد :
إن من الدعاوى العريضةِ التي يتشدقُ بها الشيعةُ الإماميةُ:

نسبةَ القبرِ الذي في النجفِ أنهُ قبرُ الخليفةِ الرابعِ عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه،
وهذه الدعوةُ تحتاجُ إلى دليلٍ وبرهانٍ،
والأعجبُ من ذلك أن يغترَ بعض عوامِ أهل السنةِ بمثلِ هذا الأمرِ، بل قد يكون من المسلماتِ عندهم!
وفي هذا البحثِ المتواضعِ نقفُ مع نسفِ هذه الدعوى من أساسها،
وذلك من خلالِ كتبِ التاريخِ، وكلامِ العلماءِ الثقاتِ،
وأسألُ اللهَ أن ينفعَ بهِ.

مقدمة:
امتلأت كثيرٌ من بلادِ المسلمين بالمشاهدِ التي تنسبُ
إلى الأنبياءِ والصحابةِ زوراً وكذباً،
وقد كذب نسبةَ كثيرٍ منها شيخُ الإسلام ابنُ تيميةِ فقال في "اقتضاء الصراط المستقيم"
(2/651): فمن هذه الأمكنةِ ما يظنُ أنه قبرُ نبي أو رجلٍ صالحٍ،
وليس كذلك، أو يظن أنه مقام له، وليس كذلك.

فأما ما كان قبراً له أو مقاماً، فهذا من النوعِ الثاني،
وهذا بابٌ واسعٌ أذكرُ بعض أعيانهِ فمن ذلك: عدةُ أمكنةٍ بدمشق، مثلُ:

مشهدٍ لأبي بنِ كعبٍ خارج البابِ الشرقي،
ولا خلاف بين أهلِ العلمِ أن أبي بنَ كعبٍ إنما توفي بالمدينة ولم يمت بدمشق.
واللهُ أعلمُ قبرُ من هو؛ لكنه ليس بقبرِ أبي بنِ كعب صاحبِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بلا شك

وكذلك مكانٌ بالحائطِ القبلي بجامعِ دمشق يقال:
إن فيه قبرَ هود عليه السلام، وما علمتُ أحداً من أهلِ العلمِ
ذكر أن هوداً النبي مات بدمشق،
بل قد قيل إنه مات باليمن، وقيل بمكة، فإن مبعثه كان باليمن،
ومهاجره بعد هلاكِ قومهِ كان إلى مكة
فأما الشام فلا دارهُ ولا مهاجرهُ، فموته بها والحال هذه مع أن
أهلَ العلمِ لم يذكروهُ بل ذكروا خلافه
في غاية البعدِ.

وكذلك مشهدٌ خارج الباب الغربي من دمشق يقالُ:
إنه قبرُ أويس القرني، وما علمتُ أن أحداً ذكر أن أويساً مات
بدمشق، ولا هو متوجهٌ أيضاً ؛
فإن أويساً قدم من اليمن إلى أرضِ العراقِ. وقد قيل:
إنه قتل بصفين،
وقيل: إنه مات بنواحي أرضِ فارس، وقيل غيرُ ذلك.
فأما الشامُ فما ذكر أنه قدم إليها فضلا عن المماتِ بها.

ومن ذلك أيضاً: قبرٌ يقالُ له: قبرُ أمِ سلمةَ زوجِ النبي صلى
الله عليه وسلم،
ولا خلاف أنها رضي الله عنها ماتت بالمدينة لا بالشام،
ولم تقدم الشام أيضاً،
فإن أمَ سلمةَ زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تسافر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بل لعلها أم سلمة أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية،
فإن أهلَ الشامِ كشهرِ بنِ حوشب ونحوه كانوا إذا حدثوا عنها قالوا:
أمُ سلمةَ. وهي بنت عمِ معاذ بنِ جبل، وهي من أعيانِ
الصحابياتِ، ومن ذواتِ الفقهِ والدينِ منهن.
أو لعلها أمُ سلمةَ امرأة يزيد بن معاوية، وهو بعيدٌ،
فإن هذه ليست مشهورةً بعلمٍ ولا دينٍ،
وما أكثر الغلط في هذه الأشياءِ وأمثالها من جهةِ الأسماءِ المشتركةِ أو المغيرةَ.

ومن ذلك: مشهدٌ بقاهرةِ مصر يقال:
إن فيه رأسَ الحسينِ رضي الله عنه، وأصلهُ:
أنهُ كان بعسقلان مشهد يقال: إن فيه رأسَ الحسين، فحمل فيما قيل الرأسُ من هناك إلى مصر، وهو باطلٌ باتفاقِ أهلِ
العلمِ؛ لم يقل أحدٌ من أهلِ العلمِ إن رأسَ الحسين كان
بعسقلان، بل فيه أقوالٌ ليس هذا منها،
فإنه حمل رأسهُ إلى قدام عبيد الله بنِ زياد بالكوفة،
حتى روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغيظه،
وبعضُ الناسِ يذكرُ أن الروايةَ كانت أمام يزيد بنِ معاويةَ بالشامِ،
ولا يثبتُ ذلك، فإن الصحابةَ المسمين في الحديث إنما كانوا بالعراق.
وكذلك مقابرٌ كثيرةٌ لأسماءِ رجال معروفين قد علم أنها ليست بمقابرهم" ا.هـ.
وهناك مشاهدُ أخرى لا نريدُ إطالة الحديثِ عنها،

والذي يهمنا ما نحنُ بصددهِ هل يثبتُ قبرُ علي بنِ طالب رضي اللهُ عنه في النجف؟

أَيَنَ دُفِنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ؟:
إن مقتلَ الخليفةِ الرابعِ علي رضي اللهُ عنه كان فاجعةً عظيمةً،
ولذا لن أتطرق إلى قصةِ مقتلِ علي بنِ أبي طالب رضي الله عنه،
وكلنا يعلمُ أن الذي قتل علياً رضي اللهُ عنه هو عبدُ الرحمن بنُ ملجم المُرادِيُّ أحدُ الخوارجِ،
وقد أفرد له الإمامُ الذهبيُّ في "السير -السيرة النبوية-
" (3/287) ترجمةً فقال في بدايتها:
خارجيٌّ مُقترٍ، قاتل علي رضي الله عنه... وهو عند الخوارجِ من أفضلِ الأمةِ، وكذلك تُعَظِّمُهُ النُّصَيْريَّةُ.
وقال الفقيه أبو محمد بن حزم:
"يقولون إن ابنَ ملجم أفضلُ أهلِ الأرضِ خلَّص روحَ اللاهوت
من ظلمةِ الجسدِ وكدره. فاعجبوا يا مسلمين لهذا الجنون...
وابنُ ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة.
وهو عندنا أهل السنةِ ممن نرجو له النارَ، ونجوزُ أن اللهَ يتجاوزُ عنه،
لا كما يقول الخوارجُ والروافضُ فيه،
وحكمه حُكمُ قاتلِ عثمان ، وقاتلِ الزبير، وقاتل طلحة،
وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار ، وقاتل خارجة،
وقاتل الحسين، فكلُّ هؤلاءِ نبرأ منهم ونبغضهم في اللهِ،
ونكلُ أمورهم إلى الله عز وجل" ا.هـ.
فهذا هو موقفُ الطوائفِ من عبدِ الرحمن بنِ ملجم.
بعد هذا الاستطرادِ نرجع إلى دفنِ علي بن أبي طالب بعد أن قتله
عبدُ الرحمن بن ملجم، وقد فصلت كتبُ السير والتاريخ ومنها:
"البداية والنهاية" للإمام ِ ابنِ كثير،
ونقل ابنُ كثيرٍ أقوالاً في دفن علي بنِ أبي طالب.

قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/342-343)
عند ذكرِ الأقوالِ في مكانِ دفنِ علي بن أبي طالب:

"والمقصودُ أن علياً رضي اللهُ عنه لما مات صلى عليه ابنُهُ الحسنُ،
فكبر عليه تسعَ تكبيراتٍ، ودفن بدارِ الإمارةِ بالكوفةِ؛
خوفاً عليه من الخوارجِ أن ينبشوا عن جثتهِ، هذا هو المشهورُ.

ومن قال: إنهُ حُمل على راحلتِهِ، فذهبت به فلا يُدرى أين ذهبت،
فقد أخطأ وتكلف ما لا علم لهُ بهِ، ولا يسيغهُ عقلٌ ولا شرع ٌ،
وما يعتقدهُ كثيرٌ من جهلةِ الروافضِ من أن قبرهُ بمشهدِ النجف
ِ فلا دليل على ذلك ولا أصل له، ويقال ُ: إنما ذاك قبرُ المغيرةَ بنِ
شعبةََ حكاه الخطيبُ البغداديُ عن أبي نعيم الحافظ، عن أبي بكر
الطلحي، عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ،
هو مطين، أنه قال: "لو علمت الشيعةُ قبرَ هذا الذي يعظمونه
بالنجف ِ لرجموهُ بالحجارةِ، هذا قبرُ المغيرةَ بنِ شعبةَ ".
وقد قيل: إن علياً دفن قبلي المسجدِ الجامعِ من الكوفةِ.
قالهُ الواقدي. والمشهورُ أنهُ بدارِ الإمارةِ.
وقيل:

بحائطِ جامعِ الكوفةِ. وقد حكى الخطيبُ البغدادي عن أبي نعيم
الفضلِ بنِ دكين أن الحسنَ والحسينَ حولاه فنقلاهُ إلى المدينةِ
فدفناه بالبقيع ِ عند قبرِ زوجتهِ فاطمةَ أمهما.
وقيل: إنهم لما حملوهُ على البعيرِ ضل منهم، فأخذته طيئ يظنونه مالاً،
فلما رأوا أن الذي في الصندوقِ ميتٌ، ولم يعرفوا من هو دفنوا الصندوقَ بما فيه،
فلا يعلمُ أحدٌ أين قبره. حكاه الخطيبُ أيضاً،
وروى الحافظُ ابنُ عساكر، عن الحسنِ بنِ علي قال:
[[دفنتُ علياً في حجرةٍ من دورِ آل جعدةَ]].
وعن عبدِ الملكِ بنِ عمير قال:
لما حفر خالدُ بنُ عبدِ اللهِ أساس َ دارِ ابنهِ يزيد استخرجوا شيخاً مدفوناً أبيضَ الرأسِ واللحيةِ،
كأنما دفن بالأمس، فهم بإحراقهِ،
ثم صرفه اللهُ عن ذلك إلى غيرهِ ،
فاستدعى بقباطى فلفهُ فيها، وطيبهُ وتركه مكانهُ.
قالوا: وذلك المكانُ بحذاءِ بابِ الوراقين مما يلي قبلةَ المسجدِ في بيت ِ إسكاف،
وما يكاد يقرُ في ذلك الموضعِ أحدٌ إلا انتقل منه.
وعن جعفر بنِ محمد الصادق قال:
[[صُلي على علي ليلاً، ودفن بالكوفةِ، وعمي موضع قبرهِ، ولكنه عند قصرِ الإمارةِ]].
وقال ابنُ الكلبي:
شهد دفنه في الليلِ الحسنُ، والحسينُ،
وابنُ الحنفيةِ، وعبدُ الله بنُ جعفر، وغيرُهم من أهلِ بيتهم،
فدفنوه في ظاهرِ الكوفةِ وعموا قبرهُ ؛ خيفةً عليه من الخوارجِ وغيرهم. ا.هـ
وسُئل شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ
في "الفتاوى"(4/498 – 526) سؤالاً اخترتُ منه ما يهم مسألتنا والجواب عنه نصهُ:

هَلْ صَحَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ أَوْ مَن ْ يُقْتَدَى بِهِ فِي دِينِ
الإِسْلَامِ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
[[إذَا أَنَا مُتّ فَأَرْكِبُونِي فَوْقَ نَاقَتِي وَسَيِّبُونِي فَأَيْنَمَا بَرَكَتْ ادْفِنُونِي]].

فَسَارَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَبْرَهُ؟ فَهَلْ صَحَّ ذَلِكَ أَمْ لا؟
وَهَلْ عَرَفَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْنَ دُفِنَ أَمْ لَا؟ وَمَا كَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ؟
وَفِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ؟ وَمَنْ قَتَلَهُ؟ فأجاب: ...
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
أَنَّهُ دُفِنَ بِقَصْرِ الْإِمَارَة ِ بِالْكُوفَةِ ؛ وَأَنَّهُ أُخْفِيَ قَبْرُهُ لِئَلَّا يَنْبُشَهُ

الْخَوَارِجُ الَّذِينَ كَانُوا يُكَفِّرُونَهُ وَيَسْتَحِلُّونَ قَتْلَهُ ؛
فَإِنَّ الَّذِي قَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْخَوَارِجِ وَهُوَ عَبْد ُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ المرادي
وَكَانَ قَدْ تَعَاهَدَ هُو َ وَآخَرَانِ عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ، وَقَتْلِ مُعَاوِيَةَ، وَقَتْلِ عَمْرِو
بْنِ العاص؛ فَإِنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ وَكُلَّ مَنْ لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَى أَهْوَائِهِمْ...
وَأَمَّا الْمَشْهَدُ الَّذِي بِالنَّجَفِ فَأَهْلُ الْمَعْرِفَة ِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقَبْرِ عَلِيٍّ بَلْ قِيلَ:
إنَّهُ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَذْكُرُ أَنّ َ هَذَا قَبْرُ عَلِيٍّ
وَلَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ؛
مَعَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَحُكْمِهِمْ
بِالْكُوفَةِ. ا.هـ
وقال أيضاً (27/446):
وَأَمَّا مَشْهَدُ عَلِيٍّ فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَبْرَهُ ؛ بَلْ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. ا.هـ
وقال أيضاً (27/493–494):
وَمِنْهَا قَبْرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي بِبَاطِنِ النَّجَفِ؛
فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلِيًّا دُفِنَ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ
كَمَا دُفِنَ مُعَاوِيَةُ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ مِنْ الشَّامِ، وَدُفِنَ عَمْرٌو بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ
خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْخَوَارِجِ أَنْ يَنْبُشُوا قُبُورَهُمْ ؛
وَلَكِنْ قِيلَ: إنَّ الَّذِي بِالنَّجَفِ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ
يَذْكُرُ أَنَّهُ قَبْرُ عَلِيٍّ وَلَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. ا.هـ
خلاصةُ القولِ:
إن علي بنَ أبي طالب دفن في قصرِ الإمارةِ، وهو المشهورُ والمعروفُ،
وأما مشهده بالنجفِ والذي تدعي الرافضة أنه قبرهُ فلا يعقلُ تاريخياً.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس