السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف الحال أعزائي ؟؟
قبل أن أضع لكم الفصل الجديد سأخبركم بأمرين مهمين
أولاً : سيتم تغيير عنوان الرواية قريباً جداً ولذلك إن كان لدى أي منكم إقتراح
فأرغب بمعرفته لإني أشعر بالحيرة ح4
ثانياً : بالنسبة للأحداث .. أظن أنني أخطئت في إحدى الفصول بان كتبت
أن عيني يوجين باللون الأرجواني مع أنهما زرقاتين وجين هو من يمتلك
عينان باللون الأرجواني .
نصيحة أخيرة بالنسبة لهذا الفصل والذي يليه أن تجهزوا مناديل ورقية في حال بدأتم بالبكاء .. فهما آخر فصلين بالنسبة لتلك المذكرة التي كتبها جين .
الفصل العاشر : بدئت العديد من الأصوات التسلل إلى مسامعها مما أجبرها على فتح عينيها بكل تعب وكسل .. نظرت حولها لترى أخويها ( ألفريد , آلبرت ) ووالديها ينظرون لها بقلق .. حاولت الإعتدال بجلستها ولكنها شعرت بدوار منعها من ذلك وقد أمسك ألفريد ذراعها برفق وساعدها على الجلوس بينما تحدث بلطف وقلق :" عزيزتي جوليا .. هل أنتي بخير ؟ لماذا لم تطلبي المساعدة منا إن كنتي تشعرين بالمرض ؟"
رمشت عدة مرات وهي غير قادرة على إستيعاب ما يتحدث عنه .. ولكنها فجأة تذكرت أحداث الليلة الماضية حيث كانت تفكر بما ستؤول حياتها إليه إن هي قبلت وتزوجت ريكس وفجأة بدء شعور من الغثيان والضعف بمهاجمتها حتى أنها نهضت بسرعة عن فراشها متوجهة لدورة المياه لإفراغ كل ما تحتويه معدتها .. وبالرغم من ذلك فقد رافقها ذلك الشعور بالضعف و الوهن أجبرها على النوم دون تفكير .. أعادت النظر لهم لتلك النظرات القلقة حتى من آلبرت لتبتسم بهدوء وضعف وهي تتحدث بصوت مبحوح :" لم يكن هناك من داعٍ للقلق ربما فقط لم أقم بتدفئة نفسي جيدا و الشتاء على الأبواب صحيح ؟"
ربتت والدتها على شعرها بحنان لتتحدث :" لا يهم الآن , إرتاحي جيداً و لا داعي للذهاب إلى المدرسة اليوم .. سأتغيب عن العمل وأطلب من الطبيب القدوم إلى هُنا "
أومأت برأسها سلباً لتتحدث بذات نبرتها السابقة :" لا يا أُمي انا بخير لا داعي للقلق ... لديكِ إجتماع مهم اليوم سأكون بخير .. أعدكم لن أتحرك من فراشي أبداً أو أغادر المنزل "
نظروا جميعاً إلى بعضهم البعض بقليل من الشك قبل أن تتحدث هي بغضب :" ماذا ؟ لستُ طفلة في الثامنة من العُمر تغادر المنزل وهي مصابة بالحُمى لإنها شعرت بالملل و السماء مليئة بالغيوم التي تنذر على قدوم عاصفة ما ! "
إبتسم آلبرت بسخرية شديدة وهو يتحدث :" تُنذر ! تعنين أنها بالفعل كانت تثلج .. وأن تلك الفتاة البلهاء علقت في التل المجاور للمدينة بسبب الثلوج وقد سائت حالتها الصحية أكثر والأسوء أن الشخص الذي أنقذها مريض بالقلب وقد تسببت بإصابته هو الآخر بالحُمى مما أجبرهما على قضاء ما يقارب الأسبوع والنصف في المشفى "
أخفضت جوليا رأسها بخجل قبل أن تتحدث بحِدة :" لا شأن لك بذلك يا مُزعج .. ومن ثم أنت من كان يفترض به مُراقبتي في ذلك اليوم ولكنك تخليت عن مهمتك وذهبت للعب مع أصدقائك وتركتني لوحدي "
أراد أن يجبيها ولكن سُعالها الحاد أوقفه عن ذلك كما أبعد ملامح الغضب عن وجهه لتُستبدل بملامح القلق كما فعل البقية إلا أنها هدأت بعد فترة قصيرة من الزمن لتتحدث بصوت مبحوح ومُرهق :" تباً لا تجعلني أستخدم حنجرتي في الصراخ عليك .. هذا مؤلم "
شعر بقليل من تأنيب الضمير وبالرغم من ذلك لم يستطع أن يمنع تلك الإبتسامة المُستفزة عن الظهور إلا أنه سرعان ما شعر بضربة خفيفة على مرفقه من شقيقه الأكبر ألفريد ليتحدث الأخير بإبتسامة لطيفة :" لا بأس جوليا الآن فتاة راشدة وقطعاً لن تقوم بحركات متهورة ولذلك يمكننا الوثوق بها كما أنني سأعود اليوم مُبكراً .. تحديداً بعد ساعتين ونصف مع مسافة الطريق "
نفخت وجنتيها بقليل من الإنزعاج لتتحدث بحقد قد توضح بسبب نظرات عينيها :" مما يعني أنني سأكون تحت المُراقبة صحيح ؟ لستُ طفلة كما تعلم ! "
ظهرت إبتسامة رقيقة على وجه محدثها كما حدث للبقية اللذين نهضوا معاً بعد أن أعطتها والدتها دواء لخفض الحرارة ليغادرو الغرفة .. تنهدت هي بتعب وملل لتعود لوضعية الإستلقاء وتدخل في عالم من الأحلام أو الكوابيس . وبإحدى البنايات الضخمة الزُجاجية عُلقت لافتة حملت إسم أسرة روبنز وشعار الأسرة وبداخل المبنى الضخم كانت الحركة تشبه خلية النحل من حيث دقتها و نشاطها وسرعتها كُل الموظفين يتحركون على إيقاع واحد دون توقف أو إصطدام .. الجميع يعلم تماماً ماذا سيفعل ولما هو موجود في هذه المنظمة إلا أن تلك الحركة توقفت تماماً عندما أطل رجلان بدى على أحدهما أنه في الثانية و الاربعين من العُمر و الآخر في الأربعين تقريباً لينحني الجميع لهما بذات التنظيم بينما وقف كلاهما يحدقان بهم بإعجاب وقليل من الغيظ فهُما لو مهما فعلا لن يتمكنا من العثور على ثغر واحد في هذا الفرع من الشركة الخاصة بهما .. صوت مألوف لهما جعل كلاهما ينظر بِحدة لصاحبه الذي وقف بكل هدوء وبرود ينظر لهما يرتدي بذلة رسمية سوداء وقد صفف شعره البُني للخلف برسمية أيضاً إضافة إلى الكم الهائل من السخرية المُنبعثة من عينيه البندقيتان نحوهما ليتحدث بشيء من الإحترام الزائف وهو ينحني بطريقة مُبتذلة :" أهلا وسهلا بكما هُنا , لم أتوقع زيارتكما المُفاجأة اليوم وإلا لكُنت حضرت إستقبالاً أفضل لكما "
إبتسما بسخرية فهو حقاً يتوق لرفع ضغطهما حتى وإن تسبب ذلك بعقابه .. إضافة إلى معرفته التامة أن لا أحد سيجرأ على لمسه ما دام خارج المنزل !
تحدث الأكبر سناً وقد حافظ على إبتسامته الساخرة :" رولند يا صغيري أنت تُدير الأمور هنا بطريقة مُبتكرة ورائعة حقاً , كيف لنا أن نكافئك على ذلك ؟"
رفع أحد حاجبيه بتعجب قبل أن يطلق ضحكة خفيفة وهو يقودهما لمكتبه الخاص في آخر طابق حيث إحتوى على اللون السُكري كورق حائط أما الأثاث فقد صُبغ باللون البُني الداكن .. وقف ثلاثتهم أمام ذلك المكتب ليتحدث رولند بهدوئه :" تفضلا بالجلوس رجاءاً "
جلس ديريك خلف المكتب الخاص برولند لإغاظته ولكن لم يكن الأمر ليؤثر حقاً على رولند الذي بقيت ملامح وجهه باردة بينما تحدث اليكسس :" تعلم جيداً ان الحفل الذي سيتم سيكون على شرف النجاح الذي حققته أنت .. لذا من الأفضل لك الظهور به .. و التصرف بطريقة جيدة "
إبتسم بقليل من السخرية قبل أن يجيب :" أجل بالطبع , سأظهر هناك وسأمثل بأنني أسعد شخص في الوجود برفقتكم و من ثم سنمثل جميعاً أننا أسرة واحدة ونُحب بعضنا البعض ولا يتمنى أي منا قتل الآخر صحيح ؟"
ضرب ديريك بكفيه المكتب بقوة قبل أن ينهض ليقف أمام رولند ويُمسك به من ياقته ليتحدث بغضب شديد :" رولند روبنز أُقسم أنك إن حاولت التذاكي سأقضي عليك .. تعلم جيداً أنه لولا أن ذلك الأحمق جين الذي عينك قائداً ووريثاً شرعياً لأسرة روبنز وثروتها لكُنت ميتاً منذ أعوام .. وكأنه لا ينقصني إلا أنت بعد أن إرتحت أخيراً من ذلك المغفل والدك "
إحتدت عيناه وهو يبعد يدا ديريك ليتحدث بحِدة :" إياك وأن تذكر أبي أو عمي بسوء وإلا فأنا أقسم لك أنك ستودع ثروة روبنز هذه إلى الابد "
تحدث أليكسس بسخرية :" لا تنسى يا صغيري أنني إن عثرت على شقيقتك الصغرى سأتمكن من قتلك وستصبح هي الوريثة الشرعية بدلاً منك "
إبتسم بسخرية أكبر ليتحدث :" أرجوك سيدي , أنت تبحث عنها مُنذ أن تزوج شقيقك الأحمق هذا بأُمي .. لن تتمكن من الإمساك بجينيفر حتى لو كانت حياتي الثمن "
تركه ديريك وعاد للجلوس بهدوء ليتحدث بمكر :" وهذه هي نقطة ضعفك لن تجرأ على الهرب ولن تجرأ على عصيان أوامرنا حتى لا نبدأ بالبحث عن شقيقتك الصغرى ونعثر عليها .. لإنك وببساطة لن تسمح لها بأن تعيش الجحيم ذاته الذي تعيشه أنت .. هذه أيضاً كانت نقطة ضعف والدك شقيقه الأصغر "
إبتسم رولند بهدوء ليتحدث :" الواقع نقطة الضعف هذه قد تتحول لنقطة قوة في أحد الأيام .. وأيضاً لن تفهما شيئاً كهذا بما أن المال هو كُل ما تفكران به , بكل حال لا داعي للقلق أنا لن أرتكب أي حماقة وذلك الإحتفال سيكون على أتم وجه .. تماما كحال أي شيء أكون أنا من يرأسه "
ختم تلك الجُملة بإبتسامة واثقة ومُستفزة مما دفع كُل من ديريك و أليكسس لمغادرة ذلك المبنى قبل ان يقتلاه حقاً .. راقب رحيلهما بهدوء من مكتبه ليبعد تلك الإبتسامة عن شفتيه وهو يراقب السماء التي بدأت الغيوم بإخفائها ليتحدث بهدوء وربما القليل من الحُزن :" صحيح أننا نمتلك ذات نقطة الضعف ولكن بفضل نقطة ضعف أبي أنا الآن أمتلك نقطة لصالحي .. لن أسمح لنهايتي أن تُرسم مثلك يا أبي , ولكن أيضاً أنا آسف حقاً " بعيداً عن تلك الأجواء الحزينة في المدرسة الخاصة بأبناء الطبقة المُخملية كانت الفوضى قد عمت تماماً في إحدى الفصول بسبب تغيب أحد المُدرسين .. الجميع كان يتحدث و يمزح والبعض الآخر يتشاجر إلا ذلك الفتى ذو الشعر الأسود حيث كانت عيناه الزرقاوتين تنظران للخارج بشرود وشيء من القلق قبل أن يتهادى لمسامعه صوت زميله القلق :" ما الأمر سيدي ؟ هل أنت بخير ؟"
نظر لعيني صديقه ليتحدث بهدوء وبقلق بسيط :" جوليا لم تحضر اليوم للمدرسة .. أنا حقاً قلق "
بان القلق على وجه ريو ليتحدث بهدوء وهو يمسك بيد صديق طفولته :" لا داعي للقلق سيدي ماكس .. ستكون بخير إنها فتاة قوية ومن ثُم يمكننا الذهاب والإطمئنان عليها بعد المدرسة .. لا تنسى أننا نعيش في القصر المجاور لهم ! "
تنفس بعمق وهو يرسم إبتسامة مُجبرة على شفتيه ليتحدث بقليل من الإنزعاج والعِتاب :" لا تعاملني كطفل صغير وتُمسك يدي بهذه الطريقة المُزعجة .. أعلم أني مريض ولكن هذا لا يعني أنني عالة على من هم حولي "
نظر ريو له بهدوء فهو يعلم تماماً حساسية صديقه من موضوع مرضه ليتحدث بنبرة مشابهة لنظرته :" اعلم , وأنت لست كذلك ! أنت أغلى شخص لدي ولا أرغب في أن افقدك .. هذا كُل ما في الأمر "
مرر أنامله بين خُصلات شعره السوداء وهو يتنفس بعمق قبل أن يتحدث بقليل من الأسف :" أرجوك أعذرني ريو لم أقصد , ومن ثم هلا ناديتني بإسمي رجاءاً (إبتسم بكل هدوء وهو يردف بعد أن لمح الرفض تطغى على ملامح وجه صديقه ) :" لا بأس سيأتي يوم ما تتخلى عن مناداتي بهذا اللقب "
إبتسم الآخر له أيضاً . وفي تلك الغرفة كانت صديقتنا جوليا قد نهضت من فراشها وأخذت حماماً دافئاً لتعود وتجلس على فِراشها وهي تشعر بالملل إلا أنها تذكرت المُذكرة فقطعاً لن يكون هنالك وقت أفضل من هذا لقراءة المزيد من الأحداث ودون مقاطعة أحد لذلك فتحت الدرج بجانبها وأخرجت تلك المُذكرة لتبدأ بالعودة بالزمن إلى حيث الأشخاص الذين شعرت بأنها جزء لا يتجزأ منهم : عند الساعة الثانية عشر ظهراً نهض جين من مقعده ليقوم ببعض الألعاب الرياضية بعد أن شعر أن دماغه لم يعد قادراً على إستيعاب المزيد وجسده قد تصلب تماماً .. نظر إلى غرفة يوجين المُلحقة بغرفته ليتحدث بخفوت :" ألم يصحوا بعد ؟ هذا غريب أنا لم أتوقع أنه سينام أساساً "
بقي يرمق الغرفة بهدوء قبل أن تقوده قدماه إلى الداخل , لم يستأذن بالدخول إلى الداخل كما هي عادته في أغلب الأحيان وإنما إكتفى بفتح الباب و الدخول فقط .. نظر حوله وقد إستقر نظره على السرير حيث كان يوجين مستلقياً على سريره دون غطاء وقد بدى على ملامح وجهه الألم وقد خرج خط دماء من فمه وإحدى يديه على صدره بينما الأخرى مرمية بإهمال بجانبه وقد غطتها الدماء مما جعله يندفع نحوه ويبدأ بتحريك جسده بقلق شديد وهو يتحدث :" يو , يوجين إنهض .. هل أنت بخير يو ؟"
تركه قليلاً وهو يتنفس بعمق في محاولة منه لإمساك أعصابه التالفة ليضع رأس يوجين في صدره بينما يقوم بمسح الدماء عن وجهه بيده برفق .. بتلك اللحظة بدء يوجين بالشعور بجسده والذي كان يألمه بالفعل وكذلك بيد جين التي كانت تمسح الدماء عن وجهه برفق ذلك دفعه لفتح عينيه بسرعة ودفع جسده المرهق بعيداً عن جين الذي تصلب بسبب الدهشة أو الصدمة من ردة فعل يوجين التي جعلته يظن أن الأخير خائف منه .. دقائق طويلة مرت عليهما بصمت يوجين يحاول إلتقاط أنفاسه بينما جين ينظر له بصدمة ترافقها لمسة حُزن واضحة .. هدئت أنفاس يوجين أخيراً ليرفع نظره إلى سيده ويرى تلك الملامح مُرتسمة عليه ذلك جعله يُخفض رأسه مجدداً وهو يعض على شفته السُفلية بندم .. تحدث بعد عِدة دقائق عندما شعر بنهوض جين بتردد :" آسف .. لم أقصد حقاً .. ظننت أنك شخص آخر .. أرجو المعذرة "
رمقه المعني بنظرة شك قبل أن يتحدث بشك لم يتمكن من إخفائه :" ومن سيتمكن من الدخول إلى هُنا وأنا مُستيقظ يو ؟ تعلم أنني سأمنع أي احد من الإقتراب .. لكن يبدو لي أنك تغيرت أنت الآخر بعد معرفتك بأنني ..."
لم يتمكن من إكمال كلامه بسبب مقاطعة يوجين له بسرعة وإندفاع غريب لا يتلائم وشخصيته المُعتادة :" لا , أنت مخطئ سيدي .. أنا أعلم بذلك مُنذ البداية "
عاد الصمت إلى أرجاء تلك الغرفة بعد أن شعر يوجين بأنه أقترف غلطة بإخباره عن تلك الحقيقة التي تفوه بها بينما توسعت حدقتا جين بصدمة أخرى .. فيوجين كان يعلم منذ البداية ولم يخبره بذلك لا يعلم كيف فعل ذلك ولكنه لم يشعر إلا بكفه يهوي على خد يوجين بقوة مُحدثاً صوت قطع ذلك الصمت الموحش لثواني معدودة .. لم تكن ملامح يوجين ظاهرة حقاً فقد غطت خصلات شعره الفضية عيناه بينما بدء جسد جين بالإرتجاف بقوة قبل أن يغادر تلك الغرفة . في إحدى تلك الحدائق الغناء جلست أمام تلك الزهرة المُفضلة لديها وهي تشعر بقليل من القلق فصغيرها مُصاب بالحُمى وهي لا تعلم السبب كما أنها غير قادرة على مساعدته لو أنها بمنزلها فقط لأخذته لإحدى العيادات لكن أن تطلب من والداها المُساعدة فهذا هو المُستحيل بعينه .. تنهدت بتعب وهي تراقب أنفاس طفلها المُرهقة وقد بدى أنها مُستعدة لتتنازل عن كبريائها من أجله الآن .. شهقت بفزع وهي تشعر بتلك اليد التي وضعت على كتفها لتليها نبرته القلقة :" ما الأمر إينوري ؟ لماذا يبدوا أن أنفاس رولند صعبة الخروج ؟"
نظرت له والدموع بدئت بالتجمع بعينيها وكأنها كانت تنتظر شخص ما ليسألها مثل هذا السؤال حتى تبدأ بالبكاء ..جلس ذلك الشاب القرفصاء أمامها ومسح دمعة تسللت للخارج دون إذن صاحبتها ليتحدث بهدوء :" هل هو مريض ؟ لماذا لم تخبري أحد لكي يحضر الطبيب له ؟"
بتلك اللحظة تفجرت بقية دموعها ليتنهد ذلك الشاب الذي لم يكن إلا كريستيان ويساعدها على الوقوف وهو يقودها للداخل !
كان الحاكم وزوجته يتحدثان معاً بسعادة بينما كانت آنجلي تجلس معهما وقد بدى عليها الإستمتاع ولكن تلك الإبتسامة إختفت من وجوههم ما إن رأو وجه إينوري الباكي .. نهض الحاكم من مجلسه ليتقدم بسرعة بإتجاه إبنته وهو يتحدث بقلق :" ماذا حدث إينوري ؟ هل أنتي بخير ؟ هل أصابك مكروه ؟"
مسحت دموعها بسرعة وهي تلعن نفسها لإنها لم تتمكن من الحفاظ على صلابتها أمام من لم يتمكن قلبها وعقلها من الوثوق به بعد .. إلا ان صوت كريستيان الهادئ أنهى ذلك النقاش قبل أن يبدا حتى وهو يتحدث بإحترام وشيء من الرسمية :" إنه رولند , لقد أُصيب بالحُمى على ما يبدو وإينوري كانت خائفة أو مترددة من طلب المساعدة منكم "
رفع الحاكم أحد حاجبيه بإستنكار تام بينما نهضت آنجلي مسرعة لأخذ الصغير من أمه وإرساله لطبيب القصر .. تنهد الحاكم بتعب وهو يتحدث :" ماذا علي أن افعل حتى تثقي بأنني لن أقوم بإيذاء حفيدي ؟! "
أخفضت رأسها قليلاً ولكنها سرعان ما شهقت بِخفة إثر شعورها بنفسها بين أحضان والدها .. يداه القويتان أمسكتا بها بإحكام في محاولة منه لِبث الأمان في قلب صغيرته التي بدت في أسوء حالاتها .. لم تبذل أي مجهود لمحاولة منع دموعها من الإنفجار مجدداً فهي تعلم أن والدها يعرف تماما أنها في أسوء حالاتها النفسية وأنها لن تستفيد من شيء إذ هي قاومت لإنه سيتمكن في النهاية من إجبارها على البُكاء وإظهار ضعفها أمامه . وفي تلك الغرفة الكئيبة والتي إحتوت على شخص بدى أنه يصارع للبقاء على قيد الحياة أو رُبما يبحث عن سبب كافي يجعله ينهض مُجدداً ويتحمل ذلك الألم الهائل الذي سرى في جسده وقلبه ومشاعره .. فتح عينيه ببطئ ليجبر نفسه على النهوض والإستحمام وإرتداء تلك الثياب الرسمية سار بخطوات بطيئة حتى وصل لمقبض الباب .. تنفس بعمق شديد وهو يستجمع كل قواه للخروج والإستعداد لأي معاملة أو عقوبة يتلقاها الآن .. المشكلة أنه ليس بخير حقاً ليتحمل تلقي مثل هذه العقوبات القاسية ولا الكلام الجارح من الشخص الذي ناضل للبقاء حياً فقط من اجله ومن أجل الإطمئنان أنه بخير .. الشخص الذي توسل هو إليهم للإبقاء على حياته التافه والمُثيرة للشفقة فقط كي يراه يكبر أمامه ويطمئن من أنه أصبح قادراً على حمل المسؤولية لوحده دون مُساعدة من أحد .. أخفض رأسه وهو يشعر بدمعة تداعب جفنيه برقة وكأنها تُشفق على حاله هي الأخرى .. تراجع عدة خطوات وهو يمسح تلك الدمعة قبل أن يعود للسير وفتح الباب دون إستجماع قواه فهو قطعاً يعلم بأن لا ذرة واحدة على الأقل من الإحتمال قد بقيت لديه .. وقف وقد بدى على وجهه التوتر والقلق فهو لم يعد قادراً على رسم ذلك الوجه البارد و الهادئ بل إنه يكاد يقسم أنهُ لو تعرض لموقف مشابه من جين الآن سيبدا بالبكاء كطفل صغير!
اغمض عينيه وقد بدء بالسير بالفعل ناحية ذلك المكتب الذي يجلس سيده عليه لينحني بهدوء قبل أن يركع على قدم واحدة أمامه ويتحدث بألم وحزن وندم ربما :" أعتذر سيدي , حقاً آسف على كل ما سببته لك من مشاكل وعلى كل الأسرار التي أخفيتها عنك , لكنني فقط لم أرد أن أرى هذا الحزن في عينيك .. أرجوك لا تظن أنني نفذت أوامر أحدهم بإخفاء هذه الحقيقة عنك ولكنني فعلتها من اجلك .. حتى لا يؤثر أي شيء على سعادتك , حقاً آسف "
لم يتلقى أي إجابة ولا حتى نظرة غاضبة أو باردة أو أي شيء وهذا ما جعل قوة إحتماله و تماسكه تنهار تماماً ليتمنى أن يحظى بصفعة أخرى أو أي ضربة أو تعذيب حتى لا يهم .. ولكن هذا الصمت كان يقتله ببطئ وقسوة .. أغمض عينيه بعد أن جلس على الأرض قرب قدميه وهو يضع رأسه على ركبتا سيده ويسمح لدموعه بالتحرر .. هو لم يعد قادراً على الإحتمال أكثر .. عليه أن يخرج أي شيء مما يحمله ,وقطعاً لن يتمكن من إخباره بكل ما يعتصر قلبه من ألالام ومخاوف لذلك فالدموع هي الحل الأمثل !
رمش بعينيه عدة مرات وهو ينظر إلى يوجين الذي إنهار فجأة وبدء بالبكاء ! شعر بإنقباضة في قلبه فهو قطعاً لم يعتد على رؤية يوجين يبكي .. ربما رأى دموعه بالصدفة ولكن أن ينهار أمامه هذا قطعاً ليس يوجين .. ألقى ما كان يمسك به بيده لينخفض ويجلس أرضاً بقرب يوجين وهو يضع رأسه بصدره ليتحدث بندم وأسف :" أنا آسف , يو أقسم أنني آسف .. لم أقصد حقاً أن أقوم بإيذائك أو صفعك حتى .. لم أقصد أن أغضب منك أرجوك لا تبكي يو .. إن بدئت أنت بالبُكاء فماذا علي أنا أن افعل ؟ أنا أستمد قواي كُلها منك أنت .. لذلك أرجوك لا تضعف أنت "
ختم تلك الكلمات وقد بدأت دموعه بالإنهمار هذا الأمر الذي أجبر يوجين على مسح دموعه وإظهار إبتسامة خفيفة على وجهه وهو يمسح دموع سيده .. وما إن أبعد يوجين يده على وجه جين حتى فوجأ بذراعي جين تُحيطان به بقوة وهو يهمس بأذنه بكلمات أعادت لروحه الكسيرة القليل من الصلابة و الأمل :" أنا آسف موافق , لا تغضب أو تحزن بسبب تصرفاتي الطائشة يو .. أُقسم لك بانني لن أكرهك لو مهما حدث .. فأنت من كان إلى جانبي دائماً وأنت من ساعدتني على النهوض بعد كل سقطة .. لذلك أرجوك إغفر تهوري وحماقتي أو كبريائي و أنانيتي في بعض الأحيان "
إبتسامة أوسع من سابقتها رُسمت على مُحياه وهو يبادل جين ذلك العناق الذي كان حقاً بحاجة له ليستعيد جزء آخر من عزيمته التي كاد ان يفقدها أو فقدها بالفعل .
إبتعد جين عنه بهدوء ليتحدث بإبتسامة :" إذن سنذهب الآن للمشفى , لا تظن أنني نسيت أنك بدأت تسعل دماً وسنقوم بتأجيل زيارتنا للقصر ليوم آخر "
ظهر الإنزعاج جلياً على وجه يوجين الذي قال :" لكن سيدي لقد وعدت سيدي الحاكم بالذهاب ورؤيته اليوم ومن ثم أنا بخير ولستُ بحاجة للمشفى , كل ما في الأمر هو أنني أجهدت نفسي قليلاً فقط في الآونة الاخيرة "
إبتسم جين بمكر وهو يقف ويساعد يوجين على الوقوف ليتحدث بخبث :" ومنذ متى يفضل يوجين القصر على المشفى ؟ أعني صحيح يوجين يكره المشفى ولكن قطعا سيكون أفضل بالنسبة له من القصر والحاكم "
أشاح يوجين بوجهه قليلاً عن جين الذي أردف بذات النبرة :" صحيح أليست إينوري هناك ؟"
ظهر القليل من الخجل على وجه يوجين الذي تحدث بشيء من الإنزعاج والحرج :" لا بأس إسخر كما تشاء ولكن في المرة القادمة التي نذهب بها للقصر لن أتدخل في شجارك مع إينوري "
لم يتمكن جين من كبت ضحكته التي إنفجرت لرؤية يوجين مُحرج للمرة الأولى في حياته فآخر ما كان يتوقعه هو أن يكون رفيقه سهل الإحراج ..إلا ان تلك الضحكة تبخرت وهو يذكر دموعه الحارقة قبل قليل .. تلك الدموع لم تكن فقط بسبب الموقف قبل قليل فيوجين ليس ضعيفاً إلى هذه الدرجة .. هنالك ما يزعجه ويثقل كاهله ولكن ما هو وهل من المعقول أن يتمكن ذلك الشيء من إفساد صداقتهما ؟ أغمض عينيه مُبعداً تلك الإحتمالات من عقله عندما رأى يوجين يقف أمامه وهو يحمل له ثياب للخروج من المنزل ليبتسم وهو يلتقطها منه بينما تحدث بهدوء :" تعلم يوجين اليوم إكتشفت أنك طفل كبير تُحب البكاء و سهل الإحراج كما إكتشفت قبل مُدة أنك شخص مرح خارج حدود عملك تحديداً مع زوجتك وطفلك .. أظن انني إكتشفت الكثير من الصفات خلال عام واحد بينما نحن قضينا معاً أكثر من إثنى عشر عاماً !"
إبتسم يوجين له ليتحدث بهدوء هو الآخر :" لستُ طفلاً يحب البكاء .. فأنا لم أبكي أمامك إلا مرة واحدة فقط .. ولكن من تظن أنه تغير حتى تمكنت أنت من إكتشاف هذه الصفات ؟ أأنا من أصبح يعبر عن مشاعره أم انت من بات يحاول بكل وسعه أن يفهم مشاعري وشخصيتي ؟ بالنسبة لي لا أعلم الإجابة بالفعل "