10-25-2014, 10:33 AM
|
|
إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّكَ قد أَخَذْتَ على الدَّهْر عَهْداً أنْ يكونَ كما تُريدُ في جميع شُؤونِكَ وأطوارِكَ ، وألا يعطيَك ولا يَمْنَعَكَ إلا كما تُحِبُّ وتَشْتَهي ، فَجَديرٌ بكَ أن تُطْلِقَ لِنَفْسكَ في سَبيلِ الحزْنِ عِنانَها كلَّما فاتَكَ مَأْربٌ ، أو اسْتَعْصى عليكَ مَطْلَبٌ ، وإن كُنْتَ تَعْلَمُ أَخلاقَ الأيامِ في أَخْذِها وَرَدِّها ، وعطائِها ومنعها ، وأَنَّها لا تنامُ عن مِنْحَةٍ تَمنَحها حتى تَكِرَّ عليها راجعةً فتَسْتَردُّها ، وأنَّ هذه سُنَّتُها ، وتلك خَلَّتُها في جميع أبناءِ آدمَ سَوَاءٌ في ذلك ساكِنُ القَصْرِ وساكِنُ الكُوخِ ، ومَنْ يَطَأُ بِنَعْلِهِ هَامَ الجَوْزاء ، ومَنْ ينامُ على بِساطِ الغَبْراء ، فَخَفِضْ مِنْ حُزْنِكَ ، وكَفْكِفْ من دَمْعِكَ ، فما أَنْتَ بأَوَّلِ غَرَضٍ أصابَهُ سَهْمُ الزَّمان ، وما مُصابُكَ بأول بِدْعَةٍ طَريفَةٍ في جريدةِ المصائب والأحزان .
أَنتَ حزينٌ لأنَّ نَجْماً زاهراً من الأمَلِ كان يَتَراءى لكَ في سماء حياتِكَ فيَمْلأُ عينَيْكَ نُوراً ، وقلبكَ سروراً ، وما هي إلا كَرَّةُ الطَّرْفِ أَنِ افْتَقَدْتَه ، فما وَجَدْتَه ، ولو أنَّكَ أَجْمَلْتَ في أمَلِكَ لَمَا غَلَوْتَ في حُزْنِكَ ، ولو أنَّكَ أَنْعَمْتَ نظرَكَ فيما يَتَراءى لكَ لرأيْتَ بَرْقاً خاطِفاً ما تَظُنُّه نَجْماً زاهراً ، وهنالك لا يَبْهَرُكَ طلوعُه ، فلا يفجعُكَ أُفُولُه .
أسْعَدُ الناسِ في هذه الحياةِ مَنْ إذا وافَتْهُ النِّعْمةُ تَنَكَّرَ لها ، ونَظَرَ إليها نَظْرةَ المُسْتَريبِ بها ، وتَرقَّبَ في كُلِّ ساعَةٍ زوالَها وفَناءَها ، فإِنْ بَقِيَتْ في يَدِهِ فذاكَ ، وإِلا فَقَدْ أَعَدَّ لِفِراقِها عُدَّتَهُ من قَبْلُ .
لولا السُّرورُ في ساعَةِ المِيلادِ ما كانَ البُكاءُ في ساعة المَوْتِ ، ولولا الوُثوقُ بِدَوامِ الغِنَى ما كانَ الجَزَعُ من الفَقْرِ ، ولولا فَرْحةُ التَّلاقِ ما كانَتْ تَرْحةُ الفِراقِ . منقول لمدونتي من ادب المنفلوطي ( أيها المحزون ) للمنفلوطي
__________________ متيقنة
أن الله ب القرب دائماً اللهم ارحم امي وابي واعفو عنهما واغفر لهما اللهم إنك أرحم مني عليهم فأدخلهم الجنة من أوسع أبوابها واغفر لهم
|