اتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل الباب الثاني في تزويجها بعلي وجهازها ومتعلقات ذلك رضي الله عنها زواج الطاهرة تزويجها بعلي
لما شبت فاطمة وترعرعت، وبلغت من العمر خمس عشرة سنة، وقيل: ست عشرة سنة وقيل: ثماني عشرة سنة وقيل أحدى وعشرين، تزوجها علي وعمره نحو إحدى وعشرين سنة وقيل: غير ذلك في رمضان من السنة الثانية من الهجرة.
قالت الليث: بعد وقعة بدر.
وقيل: في رجب منها.
وقيل: في صفر.
وقيل: بعد وقعة أحد، وبني بها بعد العقد بنحو أربعة أشهر، وقيل ستة أشهر، ولم يتزوج قبلها ولا عليها.
قال الليث: فولدت له حسنا وحسينا ومحسنا مات صغيرا، وأم كلثوم الكبرى التي تزوجها عمر، فولدت له زيدا ورقية، ولم يعقبا، وتزوجت بعد عمر عوف بن جعفر ثم بأخيه محمد، ثم بأخيهما عبد الله، ولم تلد إلا للثاني فولدت له ابنة صغيرة.
وولدت فاطمة الزهراء أيضا(زينب الكبرى) تزودها (عبد الله ابن جعفر) فولدت له عدة أولاد، ولها العقب؛ فعقب أبي جعفر انتشر من على، وأم كلثوم وزينب ابنتي فاطمة.
ويقال لكل من ينسب إلى هؤلاء (جعفري)، ولا ريب أن لهم شرفا لكنهم لا يحاذون شرف المنسوبين للحسنين؛ ولهذا ترضى العباسيون بالشرف مع أن الشرفية المطلقة لعقب الحسنين فقط لاختصاص ذريتهما بشرف النسبة.
وعرف مصر أن الأشراف: كل حسنى وحسني.
تزوجيها بأمر الله تعالى: وكان تزويج المصطفى فاطمة لعلي بأمر الله تعالى: فعن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي).
رواه الطبراني ورجاله ثقات وعن أنس قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت منا صحتي وقدمي في الإسلام وإني...قال: وما ذاك؟ قال تزوجني فاطمة. فأعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها. ثم فعل عمر ذلك، فأعرض عنه، فرجع إلى أبي بكر فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها. انطلق بنا إلى علي نأمره أن يطلب مثل ما طلبنا. قال علي فأتياني له، فقالا: بنت عمك تخطب، فنبهاني لأمر، فقمت أجر ردائي..طرفه على عاتقي به، وطرفه الآخر في الأرض، حتى انتهيت إليه، فقعدت بين يديه فقلت: قد علمت قدمي في الإسلام، ومُناصَحَتي، وأني...قال: وما ذاك؟ قال تزوجني فاطمة، قال: وما عندك؟ قال: فرسى، وبدني.
قال : أما فرسك، فلا بد لك منه. وأما بدنك فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما، فأتيته بها، فوضعها في حجره، فقبض منها قبضة، فقال: يا بلال، ابتع طيبا، وأمرهم أن يجهزوها، فعجل لها سريرا مشروطا، ووسادة من أدم حشوها ليف، وقال: (آت أهلك فلا تحدث بها حتى آتيك). فجاءت مع أم أيمن، فقعدت في جانب البيت، وأنا في الجانب الآخر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ها هنا أخي؟ ) قالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك؟! فقال لفاطمة: (آتيني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء، فأتته به، فمج فيه، ثم قال: قومي، فنضح بين يديها، وعلى رأسها، وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. ثم قال: آتيني بماء، فعلمت الذي يريده، فملأت القعب فأتيته به، فأخذ منه بفيه، ثم مجه فيه، ثم صب على رأس علي وبين قدميه ثم قال: (ادخل على أهلك باسم الله).
رواه الطبراني وفيه محسن الأسلمي ضعيف وعن أنس رضى الله عنه أيضا: أن عمر أتى أبا بكر فقال: ما منعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا يزوجني! قال: إذا لم يزوجك فمن يزوج؟! وإنك من أكرم الناس وأقدمهم إسلاما.
فانطلق أبو بكر إلى عائشة - رضي الله عنها - فقال: إذا رأيت من محمد طيب نفسك به وإقبالا - أي عليك - فاذكرى له: أني ذكرت فاطمة فلعل الله أن ييسرها لي.
فرأت منه طيب نفس وإقبالا، فذكرت ذلك له، فقال: (حتى ينزل القضاء).
فرجع إليها أبو بكر فقالت: ما أتاه، ووددت أني لم أذكر له ما ذكرت.
فلقى أبو بكر عمر، فذكر لهما أخبرته عائشة، فانطلق عمر إلى حفصه وقال: إذا رأيت منه طيب نفس وإقبالا، فاذكريني له، واذكرى فاطمة لعل الله ييسرها لي.
فرأت منه إقبالا وطيب نفس فذكرت له، فقال: (حتى ينزل القضاء) فأخبرته وقالت: وددت أني لم أذكر له شيئا!! فانطلق عمر إلى علي وقال: ما يمنعك من فاطمة؟! قال: أخشى أن لا يزوجني! قال: إن لم يزوجك فمن؟ أنت أقرب خلق الله إليه، فانطلق علي إليه، ولم يكن له مقل. قال: إني أريد أن أتزوج فاطمة. قال: فافعل. قال: ما عندي إلا درعي الحُطَمِيَّة. قال: فاجمع له ما قدرت، وأتني به، فباعها بأربعمائة وثمانين، فأتاه بها، فزوجه فاطمة، فقبض ثلاث قبضات، فدفعها إلى أم أيمن فقال: اجعلي منها قبضة في الطيب، والباقي فيما يصلح للمرأة من المتاع، فلما فرغت من الجهاز، وأدخلتها بيتا قال: يا على، لا تحدثن إلى أهلك شيئا حتى آتيك.
فأتاهم، فإذا فاطمة متعففة، وعلي قاعد، وأم أيمن، فقال: يا أم أيمن، آتيني بقدح من ماء، فأتته به، فشرب، ثم مج فيه، ثم ناوله فاطمة، فشربت، وأخذ منه، فضرب جبينها وبين قدميها، وفعل بعلي مثل ذلك. ثم قال: اللهم أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
رواه البزار وفيه محمد بن ثابت وهو ضعيف، بل لوائح الوضع ظاهرة عليه.
فإن تزويج فاطمة كان في السنة الثانية اتفاقا، وبناء المصطفى بحفصة بنت عمر إنما كان في الثالثة.
وعن ابن عباس قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يذكرها أحد إلا صد عنه فيئسوا منها. فلقى سعد بن معاذ فقال: إني والله ما أراه يحبسها إلا عليك، فقال: ما أنا بأحد الرجلين.
ما أنا بصاحب دنيا يلتمسها منى وقد علم: مالي صفراء ولا بيضاء، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه. يعنى مبالغة بها. إني لأول من أسلم.
فقال سعد: عزمت عليها لتفرجها عني؛ فإن لي في ذلك فرجا ماذا أقول؟! قال: تقول: جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله. فقال النبي من كلمة ضعيفة، ثم رجع إلى سعد، فقال له: لم يزد على أن رحب بي، كلمة ضعيفة.
قال: أنكحك.
والذي بعثه بالحق إنه لا خلف ولا كذب عند، أعزم عليك، فلتأتينه غداً، فأتاه، فقال: يا نبي الله، متى؟ قال الليلة: إن شاء الله. ثم دعا ثلاثا، فقال: زوجت ابنتي ابن عمي، وأنا أحب أني كون سنة أمتى الطعام عند النكاح فخذ شاة، وأربعة أمداد، واجعل قصعة اجمع عليها المهاجرين والأنصار، فإذا فرغت فآذني. ففعل، ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه، فطعن في رأسها وقال: أدخل الناس رفة بعد رفة فجعلوا يردون كلما فرغت رفة، وردت أخرى حتى فرغوا. ثم عمد إلى ما فضل منها، فتفل فيها، فوضعها بين يديه، وبارك، وقال: احملها إلى أمهاتك، وقل لهن: كلن وأطعمن من غشيكن، ثم قام فدخل على النساء فقال: زوجت بنتي ابن عمي، وقد علمتن منزلها مني، وأنا دفعها إليه، فدونكم، فقمن فطيبنها من طيبهن وألبسنها من ثيابهن، وحليهن.
فدخل، فلما رأته النساء ذهبن، وتخلقت أسماء بنت عميس.
فقال: على رسلك من أنت؟ قالت: على رسلك من أنت؟ قالت: أنا التي أحرس ابنتك.
إن الفتاة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة قريبة منها إن عرضت لها حاجة، أو أرادت أمرا أفضت إليها به.
قال: فإني أسأل إلاهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وشمالك من الشيطان الرجيم ثم خرج بفاطمة، فلما رأت عليا بكت، فخشى المصطفى أن يكون بكاؤها أن عليا لا مال له! فقال: ما يبكيك؟! ما ألومك في نفسي، وقد أصبت لك خير أهلي، والذي نفسي بيده، لقد زوجتك سيدا في الدنيا وفي الآخرة لمن المصلحين.
فدنا منها..قال آتيني بالمخضب فأميليه.
فأتت أسماء به فمج فيه، ثم دعا فاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب على رأسها وبين قدميها، ثم التزمها فقال: اللهم، إنها منى، وإني منها. اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرها.
ثم دعا بمخضب آخر فصنع بعلى كما صنع بها ثم قال: قوما، جمع الله شملكما، وأصلح بالكما. ثم قام وأغلق عليهما بابه.
رواه الطبراني بإسناد ضعيف وعن بريدة قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال: ا رسول الله، ذكرت فاطمة فقال: مرحبا وأهلا!. لم يزد عليها. فخرج علي بن أبي طالب إلى رهط من الأنصار ينتظرونه. فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري..غير أنه قال: مرحبا وأهلا قالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما: أعطاك الأهل والمرحب، فلما كان بعد ما زوجه قال: يا علي، إنه لا بد للعروس من وليمة.
قال سعد رضي الله عنه: عندي كبش، وجمع له الأنصار أصوعا من ذرة، فلما كان ليلة البناء، قال: لا تحدث شيئا حتى تلقاني! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على فقال: (اللهم بارك فيهما وبارك لهما في بنائهما).
رواه الطبراني بإسناد صحيح هل هناك تعارض بين الأحاديث؟ ولا يعارضه ما سبق: أن الذي نبهه لذلك العمران.
وما في حديث ابن عباس: أن سعدا لما خرج له ثم لقيه سعد، فحثه عليه من غير أن يعلم أحدهم بما فعله الآخر.
ولا حديث أسماء. إذ مرادها وليمة علي ما قام به بنفسه غير ما جاء به الأنصار وسعدا.
أو أن الوليمة تعددت فيما دفعه المصطفى لها للنساء.
وبقية حديثها يشهد له وذاك للرجال.
ولا حديث أنس المصرح بإيقاعه عليهما؛ لتغاير الكيفية كما أفاده المحب الطبرى.
وعن جابر، لما حضرنا عرس على وفاطمة رضي الله عنهما فما رأينا عرسا كان أحسن منه.
حشونا الفراش يعني الليف - وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا. وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش.
رواه البزار. وفيه ضعف وعن علي قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا.
قالت: فقد خطبت. فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيزوجك؟! فقلت: أو عندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئته زوجك. فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت عليه - وكانت له جلالة وهيبة - فلما قعدت بين يديه أفحمت، فما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة! فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟! فسكت.
فقال: (لعلك جئت تخطب فاطمة)؟! قلت: نعم.
قال: (وهل عندك من شيء تستحلها به؟).
فقلت: (ما فعلت درع سلَّحتُكُها؟).
فوالذي نفس علي بيده إنها لحطمية. ما قيمتها أربعة دراهم. فقلت: عندي. فقال: قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها، فإن كانت لصدق فاطمة. بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: المحب الطبري: يشبه أن العقد وقع على الدرع وبعث بها على ثم ردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيعها فباعها، وأتاه بثمنها.
ثم هذه الأحاديث وقائع حال فعلية محتملة، فعدم تصريح علي بالقبول فيها لا يدل على عدم اشتراطه لاحتمال أنه قيل ما شاء لمن شاء. ولا تدل أيضا على عدم وجوب تسمية المهر في العقد بدليل ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال: لما تزوج علي فاطمة قال له المصطفى: أعطها شيئا. قال: ما عندي شيء.
قال: أني درعك الحطمية؟! فقوله: (لما تزوج) فيه تصريح بأنه إنما ذكر ذلك بعد وقوع العقد.
وروى إسحاق - بسند ضعيف - عن علي أنه لما تزوج فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجعل عامة الصداق في الطيب).
وعن أبي يعلى بسند ضعيف عن علي قال: خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة. قال: فباع علي درعا وبعض ما باع من متاعه، فبلغ أربعمائة وثمانين درهما، وأمر رسول الله أن يجعل ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب، ومج في جرة من ماء وأمرهم أن يغتسلوا به وأمرها أن لا تستبقه برضاع ولدها فسبقته برضاع الحسين، وأما الحسن فإنه عليه الصلاة والسلام صنع في فيه شيئا لا ندري ما هو فكان أعلم الرجلين.
وعن علي بن أحمد اليشكرى أن عليا تزوج فاطمة فباع بعيرا له بثمانين وأربعمائة درهم. فقال المصطفى: اجعلوا ثلثين في الطيب، وثلثا في الثياب.
رواه ابن سعد في الطبقات وهذا لا ينافيه ما مر أنه أصدقها ذلك الدرع؛ لأن الدرع هو الصداق، وثمن البعير قام بما لها ما عليه من حقوق الوليمة واللوازم العرفية والعادية ونحو ذلك. وعن حجر بن عنبس - وكان قد أدرك الجاهلية لكنه لم ير المصطفى - قال: خطب أبو بكر وعمر إلى رسول الله فاطمة، فقال رسول الله: (هي لك يا علي) رواه الطبراني بإسناد صحيح وعن حجر المذكور قال: خطب علي إلى رسول الله فاطمة، فقال: (هي لك يا علي لست بدخال) - أي لأنه كان قد وعده فقال: إني لا أخلف الوعد.
رواه البزار ورجاله ثقات وظاهر حديث حجر الأول أن المصطفى لما خطبها الشيخان ابتدأ عليا فزوجه إياها بغير طلب.
وظاهر الباقي أنه لما خطباها علم علي فجاء فخطبها، فأجابه، ويدل عليه كثير من الأخبار المارة.
والظاهر أن الواقعة تعددت فخطباها فلم يجب، ولم يرد، فجاء علي فوعده وسكت، فلما يعلما بوعده، فأعاد الخطبة، فابتدأ وزوجها من على لسبق إجابته له.
وفي حديث عكرمة: أنه استأذنها قبل تزويجها منه، فقد روى ابن سعد عن عطا قال: خطب على فاطمة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عليا يريد يتزوجك، فسكتت، فزوجها.
ففيه أنه يستحب استئذان البكر، وأن إذنها سكوتها، وعليه الشافعي.
وروى ابن أبي حاتم عن أنس وأحمد عنه بنحوه قال: جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى المصطفى فسكت ولم يرجع إليهما شيئا، فانطلقا إلى علي يأمرانه يطلب ذلك. قال على. فنهاني لأمر فقمت أجرر ردائي حتى أتيته فقلت: تزوجني فاطمة؟ (قال: وعندك شيء؟ قلت: فرسى وبدني. قال: أما فرسك، فلا بد لك منه، وأما بدنك - أي درعك - فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين فجئته بها، فوضعها في حجرة، فقبض منها قبضة فقال: أي بلال، ابتع بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها. فجعل لها سريرا مشروطا، ووسادة من أدم حشوها ليف، وقال لي: إذا أتيت فلا تحدثن شيئا حتى آتيك فجئت مع أم أيمن فقعدت في جانب البيت وأنا في جانب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ها هنا أخي..قالت أم أيمن: أخوك وتزوجه ابنتك؟! قال نعم، فقال لفاطمة: آتيني بماء، فقامت فأتت بعقب - أي قدح - في البيت فيه ماء، فأخذه ومج فيه، ثم قال لها تقدمي، فتقدمت، فنفخ بين يديها، وعلى رأسها وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، ثم قال: أدبرى فأدبرت، وصب بين كتفيها، ثم فعل مثل ذلك مع على. ثم قال له: ادخل بأهلك باسم الله والبركة).
وأخرج الخطيب البغدادي في كتاب التلخيص عن أنس قال: بينما أنا عند المصطفى إذا غشيه الوحي، فلما سرى عنه قال لي: تدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ (إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من على. انطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وعدة من الأنصار. فلما اجتمعوا، وأخذوا مجالسهم - وكان علي غائبا - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع سلطانه، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيهم محمدا إن الله - تبارك اسمه وتعالت عظمته - قال عز من قائل: (وَهُوَ الَّذي خَلَقَ مِنَ الماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصَهراً وَكانَ رَبُّكَ قَديراً).
فأمر الله مجرى إلى قضائه، وقضاؤه مجرى إلى قدره، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
ثم إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي، فاشهدوا على أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضي على بذلك. ثم دعا بطبق من بسر. ثم قال انتبهوا فانتبهنا، ودخل علي فتبسم النبي في وجهه ثم قال: (إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضل، أرضيت؟ فقال: رضيت.
زاد ابن شاذان في رواية: ثم خر علي ساجدا شكرا لله تعالى.
فقال المصطفى: (جمع الله شملكما وبارك عليكما، وأخرج منكما صالحا طيبا).
زاد في رواية ابن شاذان: (وجعل نسلكما مفاتيح الرحمة ومعدن الحكمة).
وهذه واقعة محتملة كما مر لأن يكون على قبل لما حضر وعلم.
وقوله: (إن رضى) صورة تعليق، لا حقيقته، لأن الأمر منوط برضى الزوج.
على أن هذا الحديث قد حكم ابن الجوزى بوضعه وتبعه الذهبي.
وقالا هو من وضع (محمد بن دينار)، ورواه ابن عساكر بنحوه وقال: غريب لا أعلمه.
قال ابن طاهر المهدسي: محمد بن دينار روى عن هيثم عن يونس عن الحسن عن أنس تزويج فاطمة، والراوى عنه فيه جهالة.
ورواه ابن قانع وغيره من طريق محمد بن دينار عن جابر.
قال ابن الجوزى: وضع ابن دينار هذا الحديث فوضع الطريق الأول إلى أنس، ووضع الطريق الثاني إلى جابر، وأقره على الجزم بوضعه الجلال السيوطي فيما تعقبه عليه مع تحريه لاجتهاد في أحكامه ما وجد بذلك سبيلا.
والحاصل أن هذه الكيفية من الخطبة عند العقد والاجتماع كذلك لا أصل له بالكلية.
وأما وقوع التزويج بالأمر الإلهي لعلي وخطبة الشيخين لها قبل ذلك جعل الدرع صداقا، فلا شك فيه لوروده من طرق بأسانيد صحيحة.
وأما ما زعمه الشيخ شهاب الدين بن حجر الهيتمي من أن لذلك أصلا فممنوع، وما تمسك به من كلام الحافظ بن حجر في اللسان فمدفوع، فإن الحافظ لم يقل فيه إنه غير موضوع، بل حكى عن ابن عساكر أن الرواي عن محمد بن دينار دمشقى فيه جهالة.
على أن محمد بن دينار وضاع، فمراده زيادة توهين الحديث، وأنه مع كونه من رواية ابن دينار فالراوى عنه أيضا فيه جهالة، فهي ظلمات بعضها فوق بعض.
وأخرج ابن سعد في طبقاته عن عكرمة قال لما زوج المصطفى عليا فاطمة كان فيما جهزت به سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف وقربة. وقال لعلى: إذا أتيت بها فلا تقربها حتى آتيك.
وكانت اليهود يأخذون الرجل عن امرأته، فلما أتى بها قعدا جنبا في ناحية البيت، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بماء فأتى به فمج فيه ومسه بيده، ثم دعا عليا فنضح من ذلك على كتفيه وصدره، وذراعيه، ثم دعا فاطمة فأقبلت تتعثر في ثوبها حياء من رسول الله ففعل بها مثل ذلك.
ثم قال لها يا فاطمة، أما إني ما أليت أن أنكحتك خير أهلي.
وأخرج ابن ماجه عن علي قال: لقد أهديت ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم فما كان فراشنا ليلة أهديت إلا إهاب كبش.
وروى الطبراني: (لما أهديت فاطمة إلى على لم نجد في بيته إلا رملا مبسوطا، ووسادة حشوها ليف وجزة وكوزا..).
وروى عن رجل قال: أخبرتني جدتي: أنها كانت مع النسوة اللاتي أهدين فاطمة إلى على، قالت: أهديت في بردين عليها، ودملجان من فضة مصفران، فدخلت بيت علي، فإذا إهاب شاة، ووسادة فيها ليف، وقربة، ومنخل، وقدح.
وروى أحمد في الزهد عن علي قال: جهز رسول الله فاطمة في خميلة وقربة، ووسادة من أدم حشوها ليف.
وروى عن علي قال: ما كان لنا إلا إهاب كبش تنام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحتيه.
وروى أبو بكر بن فارس وابن مشدد عن ضمرة بن حبيب: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وقضى على علي بما كان خارج البيت.
وروى البخاري في الخمس، ومسلم في الدعوات، وغيرهما، عن على: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها خميلة ووسادة من آدم وحشوها ليف ورحيين، ومسقا وجرتين.
فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد مرت سنون حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بصبي، فاذهبي فاستخدميه. فقالت: والله أنا طحنت حتى مجلت يداي! فأتت النبي، فقال: ما جاء بك أي بنية؟! قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت! فقال: ما فعلت؟ قالت: استحيت أن أسأله، فأتياه جميعا، فقال علي يا رسول الله، من الله عليك بِسَبيٍ وسعة، فأخدمنا.
فقال: والله، لا أعطيكما وأدع أهل البيعة تطوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم. ولكني أبيعهم، وأنفق عليهم وأحفظ عليهم إيمانهم، فرجعا فأتاهما وقد دخلا إلى قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما.
قال: ألا أخبركما بخير ما سألتماني؟ قالا: بلى. قال: كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان الله عشرا، وتكبران عشرا.
وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين.
قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله.
فقال له ابن اللواء: ولا ليلة صفين؟ قال: نعم.
وسرى ذلك إلى ذريتهما.
ولهذا لما ذهب عنهم الخلافة الظاهرة لكونها صارت ملكا، ومن ثم لم تتم للحسنين عوضوا منها بالخلافة الباطنة حتى ذهب كثيرون إلى أن قطب الأولياء لا يكون في كل زمن إلا منهم.
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |