10-30-2014, 08:35 AM
|
|
كان نهار العطلة الأسبوعية، لكن المنزل بدا هادئاً على غير العادة.
فلورا الصغيرة لم تكن تلهو أو تلعب، أو تتضاحك وصديقتها المقربة -ابنة الجار- كما اعتادت دوماً.
فالطفلة البالغة ستة أعوام، جلست اليوم في منتصف حديقة منزلها هادئة للغاية، تحتضن دبها المفضل وبصرها الشارد معلق في السماء كما لو أنها تراقب شيئاً شيقاً، رغم خلو سماء ذلك النهار حتى من الغيوم العابرة.
أثار سلوك الصغيرة الغريب ذاك قلق سام الذي وقف يراقبها من نافذة المنزل.
لكن الفضول كان يصبغ قلقه على ابنته، ويحتكر الجزء الأكبر من تفكيره.. لم يكن لديه شك أن تفسير صغيرته لهذا التصرف سيكون أمراً طفولياً طريفاً كالعادة!
تحرك سام خارجاً إلى حديقة المنزل، حتى وقف أمام صغيرته يحجب عنها المنظر الذي كانت تتابعه بإهتمام.
راقبها ترمش قليلاً، حاجباه الأشقران ينعقدان كما يحدث دوما عندما تكون بمنتهى الجدية... فكر سام بتسلية، أن أياً كان ما تنتظر ظهوره في السماء هذا اليوم، فلابد وأنه مهم جداً بالنسبة لها!
-أبي ؟!
نطقت الصغيرة بصبر، كما لو أنها تسأله ماذا يريد ولماذا يقاطعها؟
جعل ذلك ابتسامة ترتسم على شفتي سام، قال: ماذا تفعل صغيرتي جالسة وحدها اليوم ؟
عبست لورا قليلاً قبل أن تنظر إلى والدها، وتلفظ كلماتها التالية بمنتهى الجدية والوضوح : أنا لست صغيرة أبي!
انحنى سام ثم حمل طفلته الجادة ودبها بين ذراعيه، قائلاً : إذا ما الذي تفعلينه أيتها الكبيرة ؟!
ابتسمت لورا، قبل أن تشير بيدها إلى الأعلى مجيبة : أريد أن أحلق في السماء!
كبت سام ضحكة، وسألها بإهتمام : وكيف هذا؟ أنت لا تملكين أجنحة؟
هزت لورا كتفيها الصغيرين وردت : قال معلمي أننا نستطيع التحليق إذا رسمنا جسراً بين الأرض والسماء.
ابتسم سام متسلياً.. وها هو التفسير الذي توقعه! قال مجارياً إياها : لكنك لم تكوني ترسمين يا لورا؟ فكيف هذا ؟!
قالت لورا كما لو أن الإجابة أكثر شيء بديهي في العالم : الأحلام... إنها الأحلام يا أبي، هي الجسر الذي سنرسمه ومن ثم سيوصلنا إلى السماء!
هز سام رأسه بفهم ثم تساءل : وماذا ستجدين هناك ؟!
أنار وجه لورا بهجة وهي تجيبه : السعادة، بعيداً عن الحزن والشقاء... هكذا قال لنا المعلم.
رق وجه سام إثر إجابتها، همس : وأنت في هذا العمر .. ماذا تعرفين عن الحزن والشقاء؟!
لم يكن ينتظر منها رداً، لكنها قالت : أعرف أنها المشاعر التي تجعل القلب يتألم ، يبكي ولا تتوقف دموعه!
أومأ سام برأسه موافقاً على صحة مفهومها، قبل أن يبتسم بمكر، و يشرع في دغدغتها هاتفا : دعيني أخمن.. المعلم قال هذا أيضاً؟!
ضحكت لورا، وسره إلى حد كبير سماع ضحكتها المغردة التي افتقدها هذا النهار، أخذت الطفلة تتمتم بين ضحكها : أجل .. وأنا أحبُ معلمي جداً .. جدا.. بل وكل الطلاب يحبونه أيضا...
تمنى سام أن تضحك صغيرته دوماً، وألا تحتاج يوماً إلى جسر ينقلها بعيداً عن الشقاء.
ليس الآن على الأقل بينما لاتزال طفلة، سيكون لديها الوقت حين تكبر وتصبح مدركة فعلاً أن الحياة مليئة بالهموم التي يستحيل تجنبها كلها.
صوت الأم القادم من مدخل المنزل قاطع مداعبة الأب وابنته المعتادة : طعام الغداء معد.. هيا تعاليا .
قبَّل الأب وجنة ابنته الصغيرة، ثم انزلها أرضاً قائلاً : لا تخبري أمك عن رغبتك هذه، فلنجعلها سراً بيننا.
منحته لورا ابتسامة بهجة وحماسة، مستمتعة بفكرة أن تتشارك سراً مع والدها، همست : اتفقنا .
ثم اندفعت إلى داخل المنزل، وم إن غابت عن ناظري والديها حتى سألت ريتا زوجها : بماذا كنت تتهامس وابنتك؟
- نتشاطر فكرة امتناننا لوجودك في حياتنا!
ضحكت ريتا قبل أن تقول : يسرني هذا التقدير إذاً... لكن أخبرني هل عرفت ما الذي كان يشغل لورا اليوم؟
أحاط سام بكتفيها يقودها إلى داخل المنزل مجيباً بابتسامة واثقة، مطمئنة: ابنتنا طفلة ذكية وواعية أكثر من أقرانها، ذلك كل ما في الأمر .. فلا تقلقي. ____________ النقد
__________________ افتَقِدُني
music4 |