عرض مشاركة واحدة
  #333  
قديم 11-08-2014, 05:59 PM
 
Chapter 30
،
،،"

أطلقت زفرة طويلة، لا أتذكر كيف كانت تعابير وجهها عندما تركتها بعد أن قلت لها تلك الحكمة عن الصداقة، " الصديق الحقيقي هو الذي يمسك بيدك عندما تقول له "أريد أن أصبح وحيداً" ".. هناك أناس كثيرون قد حاولوا التقرب مني عندما كنت في الابتدائية و الاعدادية لكنهم سرعان ما تركوني، لذا لست مستعداً هذه المرة للإقامة علاقة صداقة جديدة اعرف نهايتها .
. . .
كانت أيامي متشابهة، بالكاد أفرق بين أيام الاسبوع بسبب تشابهها، و كأنني في مسلسل تعاد حلقاته كل يوم، فارغ من الداخل، لا أتكلم مع أي أحد، من كنت أتكلم معهم جميعهم قد اختفوا، مارشا، ماغي و لوكا، خسرت الجميع، جميع من أحب، هل من غير الصحيح لي أن أحب إنساناً؟ كل شخص أحبه، يدنو اجله أو يفارقني، أهذا قدري حقاً؟ أهذه حياتي التي سوف أعيشها ليوم موتي؟ متى سوف يتحقق كلام ماغي؟ و هو بأنني سوف أجد الشخص المقدر الذي سوف يبقى معي و بجانبي بصدق، شخص أستطيع أن أثق فيه، أصدق ما يقوله، أحبه! أياً يكن هذا الشخص المنشود أرجوك إظهر! لقد ضاق قلبي و خفتت أنفاسي و كأني ميت، آهات صمت و جرح مفتوح يتصدع يوماً تلو الآخر ،عبرات أذرفها كل ليلة، الشخص الوحيد الذي كنت أتكلم معه كان قريني، نعم، نفسي الاخرى في المرآة، أنا الوحيد الذي أستطيع رؤية صورته و سماع صوته، كان نفسي التي أكرها، لكنني في نفس الوقت كان يغمرني الرغد عندما أتحدث معه، أعلم بأنك تصفني بالمجنون الآن ،لكن هذه حقيقة، الوحدة ،الفراق، الحزن، الالم، البكاء، سوء الظن، القدر، لعنة الحب، كلها كانت في جوفي.
أتذكر همساته ذات ليلة و هو يقول لي "الشخص المنشود قريب منك، عندما تدرك هذا سوف ينتهي دوري"
كنت أتفوه بكلام جارح، مافي قلبي كان على لساني، كنت أريد إنساناً صادقاً مثل لوكا، يحبني مثل ماغي و يحنو علي مثل مارشا، ما أتذكره هو بأنني جرحت في سنتي الثانية من الثانوية تلك الفتاة المدعوة كاثرين عندما إشتركت معها في مشروع للمدرسة، قلت لها بأنني سوف أفعل كل العمل و لا داعي لتدخلها، قابلتني بصفعة قوية !حسناً كنت أتوقع هذا فكل من قلت له هذا الكلام كان يملك نفس ردة فعلها، الشئ المختلف الوحيد هو بأنها قد عملت على المشروع وحدها فعلاً! و هذا ما أدهشني، لذا حاولت إختبارها أكثر و ألقيت مشروعي أنا في سلة المهملات فقامت بإلتقاطه ..
منذ ذلك اليوم كان كلامي معها مجرد أطراف حديث بسيطة مثل التحية، شعرت بأنني إنسان من جديد بسببها، آه لو تعلم كم مر من وقت لم أكلم فيه روحاً حية؟ حتى لو كان مجرد "مرحباً" .
مع هذا كانت هي دائماً من تبدأ بالكلام لا أنا، كنت أريد أن أتعمق معها و أصبح صديقها، إلا انني خشيت من أن أفقد شخص غالي آخر، مثل مارشا، ماغي و لوكا، لم أكن أملك الاستعداد لكي أتذوق نفس الدواء المر للمرة الرابعة، لذا كنت أتجنبها قدر الامكان .
كنت أقضي وقتي بعد المدرسة في غرفة الموسيقى على البيانو، في يوم من الايام دخلت علي هذه المدعوة كاثرين، قالت بأنها قد سمعت صوت الالحان فأتت لتكتشف، لتجلس قربي بدون أي مقدمات، ثم قالت بأنها تريد أن تتعلم البيانو، من خلال معالم وجهها عرفت بأنها تكذب إلا انني تغاضيت عن هذا، لا أتذكر ماذا حدث بالتفاصيل ،كل ما اتذكره هي إبتسامتها التي لم تفارق محياها، فجأة بدأت تحكي قصة حياتها، بأن والدها كان عنيفاً جداً و بأن والدتها قد ماتت، حكايات حياتها قد قصتها لي مع انني لست مقرباً منها أو اي شئ من هذا القبيل، و كأنها تحاول أن تخرجني من وحدتي و عزلتي بشكل غير مباشر
. . .
كانت هذه المدعوة كاثرين تأت بعد ذلك اليوم و تتكلم معي و كأنني صديق منذ الطفولة، لم تكن تضع أي حواجب أمامها أو رسميات، صحيح انني أقسمت بأن لا أحب أي شخص آخر مرة اخرى، إلا أنني أخلفت هذا القسم و أقسمت بأن أحمي هذا الشخص هذه المرة.
مارشا قد فقدتها و أنا بعمر الخمس سنوات فلم أستطع فعل أي شئ، ماتت خلف ناظري، ماغي قد شعرت بدنو أجلها بنفسها فلم أستطع منع موتها، أما لوكا فقد كانت مكيدة من والدي ،لذا سوف أجعل كاثرين تعرفني فقط، ليس لها علاقة بعائلتي المشؤومة بتاتاً !
هذا ما قررته بشأن كاثرين، و بالفعل نجحت في هذا، إلا أن الرياح لا تسري دائماً بما تشتهي السفن.
. . .
كانت هذه آخر الكلمات التي كتبها لوي في ذلك الدفتر، لكن عندما كدت أن أغلقه رأيت ورقة اخرى مطوية و موضوعة داخل الدفتر، تناولتها و قرأتها، كانت تقول ..
صباح الخير أو مساء الخير، لا أعلم الوقت التي تقرأين فيه هذه رسالتي..
لابد أنك تريدين أن تعاتبيني الآن، توبخيني، و تقولين بأن ما فعلته خطأ، و أنا أعلم بأن ما فعلته هو خطأ بحقك، لذا أود أن أعتذر، لكنني شعرت بأنك في خطر بعد قابلت والدي، والدتي و الحادثة التي وقعت في عيدميلاد أم لويس مع أن ليس لك علاقة بها. الفاعل كان رجلاً يحدق على والدي منذ زمن للأنه قد خسر أمامه في سوق العمل كما يبدو، و أنا كنت أعلم هذا منذ البداية، حديثي بأن جيسيكا إبنة عمتي هي من فعل هذا كان مجرد خدعة لا أكثر، هي لا تفعل هذا، صحيح بأن والدي كان سبباً في موت والدتها التي كان من المفترض أن تكون هي رئيسة شركة العائلة، لكن والدي هو من ينفق عليها لذا هي لن تكون متهورة لهذه الدرجة .
لابد بأنك لم تفهي شيئاً صحيح، حسناً هذا لا يهم، المهم هو بأن جيسيكا ليست هي المذنبة، بجانب أن الفاعل الحقيقي حر طليق، أنا الوحيد الذي عرفت بأنه هو و لم أخبر أي أحد سواك .
أنا متأكد بأنك الآن تدعيني بالاحمق في سرك، أعلم بأنني كنت أحمقاً طول حياتي و سوف أظل، فقدت ثلاثة أشخاص كانوا عزيزين علي، أمي تركتني و لا أعرف مشاعرها إتجاهي في الحقيقة، أبي يعتبرني كفأر تجارب، لكنك كنت مثل مارشا، ماغي و لوكا، كنت اليد التي تسحبني لرؤية العالم مرة اخرى بعد أن كنت في العالم السفلي بين عرصات الظلمة، و ها أنا الآن أعود لمسقط رأسي للأسفل، بعد أن أبعدت الشخص العزيز بيدي هذه المرة للأنني لا أريد أن أتذوق ذلك الطعم المر مرة اخرى، و لا تظني بأني الآن لا أعاني، بل أعاني أكثر منك ..! لقد أعدتك لمسقط رأسك، حيث أخويك و قبر والدتك، صحيح بأنك ربما تفتقدين قبر والدك بعد أن سامحتيه إلا انني لا أستطيع أن أفعل شئ حيال هذا.. نعم، فالموتى لا يسيرون، لذا إعتبريني ميتاً، إنسيني، إنسي جميع الذكريات معي للأنه أفضل لك ..
إنسي جميع الاشخاص التي قابلتيهم عندما أتيتي هنا، لورين، جاك، ليندا، نانسي، ليليان، هانتر، كارل، كيفين، لويس، جيسيكا، كارولينا، إيان شقيق كارولينا، والدة جاك هيلين، ووالده ستيفين، والدي، والدتي لوكا، مايكل صديق هانتر، كل شئ، كل شخص! و عيشي حياتك السابقة المسالمة حيث كنت لا تعرفيني ،جدي أصدقاء جدد، أقضي أوقاتاً أكثر مع نيكولاس و هنري، جدي حباً جديداً ،و إستمري بالحياة .
بعد أن أنهيت الرسالة، طويتها مرة اخرى و ترجلت من على السرير ثم خرجت من الغرفة إلى غرفة الجلوس، حيث كانت النار التي في المدفأ تصارع الهواء القاتم في الغرفة، نيكولاس كان نائماً على الاريكة و هو يغطي نفسه ببطانية سميكة و قد إرتدى ملابس الشتاء، لطالما كان حساساً للبرودة، بينما هنري كان جالساً على الاريكة الثانية وهو يقرأ كتاباً و النظارة الطبية على عينه .
تقدمت للنار و أنا أحمل الرسالة، ثم ألقيتها في النار لكي تلتهما، لابد أنكم تسألون لماذا فعلت هذا؟ هذا هو دليل رفضي للطلب المكتوب في هذه الرسالة، "انسى كل شئ"، كل هذه الذكريات، كل هذه الضحكات، كل هذه الدموع، كل هذه العيون و اللحظات الحزينة و السعيدة، مشاعر الصداقة التي شعرت بها للأول مرة من لورين و جاك و ليندا، مشاعر توحي بأنني مهمة لشخص ما من ليليان، مشاعر شخص يحبني من كيفين، هواجس قلق و خوف من مايكل صديق هانتر، غضب ،فرح، ندم، راحة، شجار، براءة، كل هذه و أكثر! أشياء و أشخاص لا أستطيع نسيانها مهما فعلت، تعلقت بالجميع و أحببتهم، أنا مثلك يا لوي لا أريد أن أفقد أشخاص أحبهم، هذا هو جوابي !
إلى أن شعرت بدفء قد عانقني بعدما كنت أشعر بالبرد، كان هنري، إحتضنني فإنهالت العبرات من عيني، مسح فوق رأسي بلطف، آهات حزن و دموع صمت كان تشق طريقها على خدي، نار غضب تتأجج داخل جوفي و رغبة طاغية في داخلي ، ضيق فظيع يشرب من دمائي، سرطان ندم ينهش في جسمي البارد، ندم لا يرحم الاحساس قد تحالف مع الزمن ضدي، أين هو حنانتك ايها الحبيب لكي يمسح دمعتي التي على خدي؟
. . .
إستيقظت صباح اليوم التالي، إستشعرت رطوبة الوسادة التي أنام عليها بسبب العبرات التي أغرقتها، كانت الغرفة مظلمة تقريباً إلا انني استطيع أن ارى، النافذة أصبحت مثل لوحة مطلية باللون الابيض الناصع، نعم، لقد بدأ الثلج يتساقط منذ البارحة، أغرق البلاد بلونه الابيض، المباني، الشوارع، السيارات، كل شئ.
عن نفسي أحسست بحرارة في جسمي، يبدو بأنني قد أصبت بحمى منذ البارحة، شعرت بالدوار إلا انني ترجلت من على السرير و فتحت النافذة، أسقطت كومات الثلج البيضاء التي كانت مخيمة قرب النافذة، شعرت برياح الشتاء القارصة قد حركت خصلات شعري المنسدلة على كتفي، عندما شعرت بألمها أغلقت النافذة ثم إرتديت معطفاً فوق رداء النوم و خرجت بعد أن إنتعلت الخف المنفوش .
خرجت لغرفة الجلوس فرأيت نيكولاس جالساً فوق الاريكة يشاهد التلفاز، كان ملتفاً في تلك البطانية السميكة، و هو يرتدي وشاحاً و كنزة صوفية، جوارب و قفازات و كأنه وسط عاصفة ثلجية، عندما رأني إبتسم و قال: آه، صباح الخير!
أعدت إلقاء التحية، ثم قلت له :ارى بأنك لا تزال تعاني من ضعف ضد البرودة .
فأجابني بإبتسامة مصطنعة: أنا لست ضعيفاً، كل ما في الامر هو بأنني أخذ إحتياطاتي لكي لا أصاب بالحمى .
ليأتي هنري و هو يحمل في يده ثلاثة أكواب من القهوة الساخنة و يقول: لا تكن قاسياً و تقول هذا الكلام، أتذكر عندما كنت صغيراً كيف تأتي لحضن أخيك الاكبر بسبب البرد ؟
كاد أن ينفجر في وجه، إلى أن شعرت بدوار في رأسي فلم أستطيع الوقوف على ساقي ثم وقعت على الارض نصف واعية، فأخذني هنري لغرفتي و مددني على السرير، بعد أن قاس حرارتي وجدها مرتفعة عن المعدل الطبيعي، فأطلق زفرة طويلة و قال:يبدو أنك نمت البارحة بملابس صيفية أليس كذلك؟
إلتزمت الصمت للأن كلامه كان عين الصواب، فأنا من النوع الذي يشعر بالحر بسرعة، إلا انني لابد أن أمرض في نهاية المطاف ،و مرضي يكون من النوع الثقيل الذي يستمر لاسبوع تقريباً، فأظل معانقة السرير لمدة أسبوع كامل.
. . .
بقيت مستلقية على السرير، كان وقتي بين النوم و الطعام أو التحديق في السقف، مع مرور الوقت بدأ المرض يزداد لذا كنت مضطجعة في أغلب وقتي، إلى أن مرت خمسة أيام فبدأت أتحسن اخيراً، بعد هذه الايام أتذكر بأنني قد إستيقظت في الصباح على صوت شخص ما، كان صوت فتاة عزيزة على قلبي، فتحت عيني بتثاقل حيث كان الوقت لا يزال صباحاً فرأيت ليليان، عندها عدلت جلستي فوراً فعانقتني بحرارة ،بينما كنت أنا في حالة لا واعية بعض الشئ، أخذت وقتاً لكي أستوعب، لذا كنت هادئة و لم أبادلها العناق في البداية ..
بعد أن تركتني رأيت كارل و هو واقف بجانب الباب مسنداً ظهره على الجدار، فسألت بهدوء: هل أنت من جاء بليليان هنا؟
هز رأسه بخفة، فسألته بعدها: كيف حال لوي؟ كيف حال صحته؟ هل يأكل جيداً؟
إبتسم كارل من طرف فمه وقال: هل أنت امه؟
لم أرد عليه بل كانت عيني نصف مفتوحة بتثاقل شديد لسبب ما، عندها جعلتني ليليان أستلقي مرة اخرى و قالت: لابد انك لا تزالين مريضة، يجب أن تستلقي.
لكنني عدلت جلستي مرة اخرى و قلت لها بإبتسامة: أنا أفضل حالاً الآن، آسفة.
ثم قلت لكارل: هل يمكنك أن تأخذني للوي؟
فلوح بيده أمام وجه و قال: مستحيل، مستحيل، لو علم بأننا هنا عندك لقتلني.
فقالت لي ليليان: كنت أريد أن أزورك، لكنني تفاجأت بأن الشقة قد سكنت من قبل شخص آخر، لذا ذهبت لكارل.
لقد غير الشقة، حسناً، هو ليس شخصاً غبياً لكي يبقى فيها، لابد انه كان يعلم بأنني سوف آتي له.
تنهدت بضجر، إلى أن إنتصبت ليليان على رجلها و قالت لي: إذن، أنا سوف أذهب الآن.
فقلت لها بإلحاح: لماذا؟ لقد رأيتك للتو؟ إبقي هنا أكثر.
إبتسمت و قالت: لا تنسي بأنني مجرمة مطلوبة، لا أريد أن أورطكم في المشاكل.
قبلتني و إنصرفت هي و كارل، ليأتي كارل بعد ثوان ليقول لي: صحيح، أخ لوي، كيفين سوف يأتي هذه الليلة هنا، لقد إتصل لي لكي يسألني عنك و قلت له عن موقعك، الوداع !
ثم إنصرف، فإنتصبت على رجلي و عبرات حزن في مقلتي، لا تسألوا لماذا للأنها دائماً تقبع هناك، أخذت حماماً ساخناً ثم خرجت لنيكولاس و هنري ..
مر اليوم بشكل طبيعي، إلى أن حل الليل و خيم، فجاء كيفين حينها، جلست معه و تحدثنا مثل أي شخصان يعرفان بعضهما، مجرد أحاديث جانبية عادية، كان طبيعياً لدرجة انني استشعرت بأنه يريد أن يكلمني على انفراد، أقصد، هو لم يسألني لماذا لوي قد احضرني إلى هنا، كان يتعامل برسمية.
لذا دعوته لغرفتي بحجة انني سوف أريه ألبوم الصور، فدخلت و أغلق هو الباب خلفي، ثم أخذ يجول بنظره في الغرفة بدهشة مصطنعة، فقلت له بهدوء: هل لديك ما تقوله؟ أشعر بأن لديك الكثير من الكلام و الاسئلة في جعبتك.
نظر لي و إبتسم برقة، ثم قال متمتماً: أنت تفهمينني مثلها .
نظرت بإستغراب، فجلست على السرير و جلس هو بقربي، فسألني: لماذا غادرت فجأة؟
وضعت يدي خلف رأسي و قلت: آسفة، الموضوع معقد جداً و لا أستطيع أن أصيغه في كلمات، لكن يمكنك أن تقول بأن لوي هو من احضرني هنا.
و أنا أتكلم كنت أطلق زفيراً من فمي الذي يخرج البخار في يدي بسبب البرد، كانت يدي باردة جداً، كله بسبب الثلج الذي يواصل في التساقط خارجاً، فأمسك كيفين يدي و شبك أصابعي مع اصابعه، أخذت أنظر له بأعين براقة مستغربة، فإبتسم و قال لي: ألا تشعرين بالدفء الآن؟
شددت على يده، حقاً، شعرت بالدم يسري مرة اخرى في شراييني، إبتسمت بإرتياح و حركت رأسي بخفة، عندها قال لي كيفين: أتعلمين، أنت تشبهين أمي كثيراً في الخلق و الخُلق.
آه، إنه مثل كلام لوي في الدفتر، ليكمل كيفين كلامه قائلاً: تملكان نفس المظهر و الشكل، و نفس الصفات، كلاكما طيب القلب و من النوع الذي تشعر بالراحة عندما تكون بجواره.
إبتسم بخجل، ليسألني بعدها: هل سوف تعودين؟ حيث لوي.
فقلت له: نعم، لكنه قد غير شقته لذا لا أعلم عن موقعه شيئاً، لكن هذه ليست مشكلة.
عندها أبعد كيفين يده عن يدي و قال لي: كان لوي متعلقاً بأمي كثيراً، بعد وفاتها عاد لعزلته، خصوصاً بأن أبي كان يمنعه من أي احتكاك خارجي مع أي شخص.
ثم أردف: بالنسبة لنا نحن الثلاثة، لوي كان يتفوق في القوة العقلية بكثير، كان في بعد آخر، ثم يأتي لويس الذي كان يغار منه، بعدها أنا، كنت أدنى شخص بينهم، لكنني كنت أمتلك قوة و ميولاً جسدية و رياضية لذا صببت طاقتي في كرة السلة، شعرت و خصوصاً بعد وفاة أمي بأنني بدون فائدة، أبي يهتم فقط بلوي لا غير، لويس يهتم بنفسه فقط و يحاول اللحاق بلوي لكن عبثاً، أما أنا كنت مثل النكرة في ذلك القصر.
أمسكت يده و قلت: تذكر بأن مهما عانيت هناك أشخاص عانوا أكثر منك، لذا لا تحزن.
فجأة، وضع يده على خدي و أدخل أصابعه بين خصلات شعري و قال: أنت حقاً طيبة القلب، منذ أن رأيتك للأول مرة رأيت فيك أمي الراحلة.
ثم أمسك يدي بيده الاخرى و قال: كاثرين، أنا أحبك.
توسعت عيني فجأة، فأكمل كلامه مباشرة: لا أريد منك رداً و لا أريد منك أن تصبحي حبيبتي أو ماشابه مع انني أفضل ذلك، لكنني فقط كنت أريد أن أقول لك ما أشعر به، أعرف بأنك لا تنظرين إلا للوي و ليس هناك أحد غيره في نظرك، لكن، إن كان لوي حقاً هو من تخلى عنك هذه المرة، لماذا لا تنظرين لشخص آخر؟
فاضت عيني بالدموع بشكل لا إرادي، عندها إنتفض كيفين مكانه و إعتذر، فقاطعته وقلت:لا! أنا آسفة، لكنها أول مرة يقول لي فيها إنسان هذا الكلام غير لوي، لذا أنا سعيدة لا غير، إلا انني لا أستطيع أن أنظر لشخص آخر.
إبتسم بحزن، ثم قبل يدي و ربت على رأسي و قال: كنت أعلم بأنك سوف تقولين هذا الكلام، لهذا أنا أحبك، وفية و مخلصة مهما كانت الظروف.
قبلني قبلة اخرى على رأسي ثم ودعني و إنصرف، بينما أنا إستلقيت على السرير أنظر للسقف، ثم ترجلت و ذهبت للنافذة، كان الثلج لا يزال يتساقط، هذه المرة من النوع الناعم الذي يشبه الكريستال، لطالما أحببته و عشقته، إنه جميل بالفعل، أحب أشكاله المزخرفة التي تلمع وسط ظلام الليل المخيف.
ثم نظرت للأسفل حيث كان كيفين قد إنصرف للتو بسيارته، عندها أسندت رأسي قرب النافذة و أنا أحدق فيه، إلى أن فتح هنري باب غرفتي و قال بصوت عال: أغلقي النافذة! هل تريدين أن تمرضي مرة اخرى؟
قطع حبل أفكاري و جعلني أنسى كل شئ بسبب طريقة حديثه البسيطة هذه، لابد انه كان يعلم ما دار بيننا إلا انه لا يريدني أن أفكر كثيراً لذا كلمني بشكل عادي.
تجمعنا على طاولة العشاء ثلاثتنا، للأفتح الموضوع أنا قائلة: أنا أريد أن أذهب للوي.
فقال نيكولاس بعد أن عطس بقوة: لماذا تريدين أن تذهبي لهذا الشاب مرة اخرى؟ مع انه هو من أتى بك إلى هنا.
إبتسم هنري و قال :شخص أعزب مثلك لم يفهم معنى الحب لذا لا فائدة من الشرح لك.
ليقول له بغضب: أنت آخر من تتكلم، أنا لا أزال في العشرينات بينما أنت قد دخلت الثلاثينات!
فقال له بهدوء: الانسان يقاس عمره بروحه لا بالسنين التي عاشها.
ظلا يتجادلان، بينما أنا أفكر، أفكر و أفكر ..
. . .
بعد أن مر عيدالميلاد، إتصلت لجاك و إتفقت معه بأن أتي لكي أقضي بضعة أيام معه و مع ليندا إلى أن أجد لوي، لم أتصل لكيفين للأنني لا أعرف كيف أقابله ،و لم أتصل بلورين للأنها سوف تزعجني بأسئلتها الكثيرة و فضولها، لذا جاك و ليندا كانا الحل الوحيد.
غادرت المنزل بعد أن ودعت نيكولاس و هنري، ركبت القطار و أنا أحمل حقيبتي، و أرتدي تلك السترة و ألف الوشاح حول رقبتي، عندما خرجت من القطار أخذت أنتظر جاك و ليندا، كنت في تلك الاثناء أخرج البخار من فمي لكي أدفء يدي، إلى أن وصلا اخيراً فركبت معهما.
ذهبنا لبيت جاك، حيث كانا يعيشان هناك، قالت ليندا بأنهما سوف ينتقلان إلى بيت آخر بعد شهرين، على كل! خصصت لي غرفة وحدي و هي تلك التي قضيت فيها ليلة سابقاً، عندما خلعت سترتي و الملابس الشتوية من علي، جاء جاك و قال لي: هل يمكنني أن أتكلم معك؟
ثم اتى و لم يجلس، بل ظل واقفاً و قال و هو مكتف يديه: أتذكرين آخر مرة عندما ألقى أبي لوي في بركة السباحة؟
حركت رأسي موافقة، فأكمل جاك قائلاً: أعتقد بأنني فهمت القصة قليلاً، لقد كان أبي يريد أن يتزوج بوالدة لوي، إلا أنني سمعت بأن أموراً كثيرة قد حدثت لذا لم يستطع الزواج منها.
ظللت صامتة للحظات، ثم قلت له: لماذا تخبرني أنا؟
نظر لي بإستغراب شديد، ثم قال: لماذا؟ للأنك صديقتي و تهتمين للأمر لوي، صحيح؟
لم أرد عليه إلا انني شعرت بالفرحة، ثم قلت له: لكنك أنت و لورين، لا تهتمان للأمره صحيح؟
إبتسم و قال: إن أردت الصراحة فجوابي أنا و لورين نعم، عندما صادقتيه في الثانوية تفاجأنا في البداية و لم نتقبل الوضع، صحيح بأننا كنا نكلمه مجرد محادثات رسمية سرعان ما تنتهي إلا اننا لم نعتبره كصديق.
إبتسمت بحزن و قلت له: هذا الكلام.. لا يسعدني يا جاك.
ظل مبتسماً من طرف فمه وقال: توقعت بأنك سوف تقولين هذا، إلا ان المحبة القلبية ليست بالشئ الذي يأتي للأي شخص.
لم أرد عليه بل إمتقعت عيني و شفتاي، عندها أطلق زفرة طويلة و قال مغيراً الموضوع: على كل، أبي مريض في هذه الايام لذا هو ملازم الفراش دائماً، و هذا من حسن حظك لأن لو رآكِ ربما كان ليطردك من هنا.
شكرته، ثم قلت له: هل يمكنك أن تجعل إيان يأتي لهنا؟ أريد أن أتحدث معه.
فقال لي بإستغراب: ماذا تريدين منه؟
إبتسمت برقة و قلت له:لاشئ مهم، أنا أحب أن أتكلم مع هذا الصبي لا غير.
هز كتفيه ثم خرج من الغرفة، لم تمض دقائق كثيرة ليأتي إيان و هو على كرسيه المتحرك، يحرك تلك العجلات الكبيرة بيديه البيضاء، أتى لي و ألقى التحية، سألت عن أحواله و كيف يقضي أيامه، ثم سألني: عن ماذا تريدين أن تكلمينني؟
إبتسمت و قلت له: لقد قلت بأنك لا تتذكر أي شئ عن ما حدث في ماضيك، بمعنى آخر أنت فاقد الذاكرة.
فأجابني بهدوء: أعلم بأنني فاقد الذاكرة، لقد قال لي الطبيب هذا من قبل.
شعرت بالاسى نحوه، فقلت له: هل تريد أن تعلم ماضيك ؟
ظل صامتاً لفترة قبل أن يرد، ثم تكلم قائلاً: لا أعلم، لدي شعور بأن الماضي لم يجلب لي سوى التعاسة لذا لا أريد أن أعرفه لكن في نفس الوقت علي الواجب بأن اعرفه، و حياتي الآن لا أعلم كيف أوصفها، بعد أن فقدت السيدة هيلين والدة جاك عيناها أصبحت مختلفة عن السابق.
ثم سألني بحدة: هل تقولين بأن تعرفين شيئاً عني؟
فأجبته بهدوء: لست متأكدة، إلا انك تشبه إمرأة أعرفها في الشكل، و هي قد فقدت أخاها الصغير في السابق.
فجأة لمعت عينه لمعة تبعث الامل، فقلت له مستدركة: لكنها الآن في مكان لا نستطيع أن نصل له.
سألني بخيبة أمل: هل هي ميتة؟
هززت رأسي نافية، نعم، كارولينا على قيد الحياة، إلا انها خلف القضبان و سوف تظل خلفهم إلى أن تموت، هي في مكان لا نستطيع أن نصل لها فيه، قطع حبل أفكاري و قال بشغف: إذن هذه المرأة على قيد الحياة، إذا كانت على قيد الحياة نستطيع أن نصل لها!
شعرت بالندم للحظة و ما أصعب هذا الشعور، ماذا أقول له ؟ماذا أجيبه يا ترى؟ هذا الصبي ذو القلب الصافي النقي لا يعلم أي شئ، كل ما في خاطره هو رؤية هذه المرأة التي كانت تمثل عائلته، و لا تزال تمثل عائلته التي لا يتذكر منها شيئاً.
فجأة فتح جاك و ليندا الباب، ظل جاك يطرق الباب بطرقات خفيفة و يقول: المعذرة، لكن هل يمكنكما أن تضماني في الحديث أنا و ليندا ؟
فقلت لهما بإندفاع: هل كنتما تتجسسان ؟
إبتسم جاك بسخرية و قال: آسف آسف، لكن راودني فضول بأن أعرف عن الموضوع.
تنهدت، و قلت لهم :سوف أقول لكم، لكن بشرط أن يبقى الموضوع سر بيننا.
. . .
في اليوم التالي ،الساعة 5:00 عصراً
أخذنا سيارة لكي تذهب بنا للسجن حيث تقبع كارولينا، كان إيان صامتاً طول الطريق، أما ليندا كانت تسألني أسئلة مختلفة عن كارولينا و كيف تبدو، بينما جاك كان يسمعنا فقط، إلى أن وصلنا اخيراً.
خرجنا و توجهنا حيث المكان المخصص للزوار، كان جاك يدفع كرسي إيان إلى أن وصلنا لغرفة الزيارة و إنتظرنا الشرطي لكي يأتي بكارولينا هنا، كان إيان لا يزال صامتاً، بينما جاك كان يشتكي من البرد الشديد بالخارج، مرت خمسة عشر دقيقة بالضبط، بعدها أتى الشرطي اخيراً و معه كارولينا .
شعرها الذهبي الطويل قد إختفى، نعم، قصته إلى كتفيها بعدما كان يغطي ظهرها بأكمله، فقد لمعانه و بريقه و أصبح باهتاً، عينيها أصبحتا ذابلتان، إلى أن فتنة جسمها لم تتغير كثيراً، لكنها قد خسرت نصف جمالها.
عندما دخلت رفعت نظرها، كان أول عين تلتقي بها هي أنا، ما إن رأتني حتى إبتسمت و قالت: كيف حالك ؟
لم أرد، عجزت عن التكلم بسبب الدهشة و رؤية ما حل بها، لكنها ظلت مبتسمة و قالت لي بعد أن جلست على الكرسي الموجود: لا تنظري لي هكذا، ماذا كنت تتوقعين ؟
ثم ظلت تتصفح الوجوه اخرى، جاك و ليندا و قالت: ارى انك قد أحضرت أصدقائك هذه المرة.
ما إن وقعت عيناها في عين إيان حتى تصلبت، أخذت فترة و هي تنظر له بدهشة، ثم قالت متمتمة: ماثيو ..
نظرت للإيان الذي لم يبدو بأنه شعر بشئ مختلف، فجأة إنتصبت كارولينا على رجليها و قالت له: هل أنت أخي ماثيو ؟
بينما إيان الذي من المفترض أن يكون ماثيو، مرت دقائق و هو مختبئ تحت جناح الصمت، فجأة فاضت أعينه بالدموع فأخذ يمسحها، عندها سأله جاك: هل تذكرت؟
تمالك نفسه، و قال لنا: نعم ليس كل شئ، تذكرت عندما إختطفني اللصوص.
فإحتضنته كارولينا بحرارة، بادلها العناق و هو لا يزال على الكرسي، ظلا هكذا إلى أن قال الشرطي: لقد إنتهى وقت الزيارة.
فإبتعدت كارولينا عنه، و شعرت بأنها كلما إبتعدت عنه تقترب منه برهة و تبتعد برهة اخرى، إلى قبلت رأسه و أعطته ظهرها، فإستوقفها و قال بإندفاع: سوف آتي معك!
إنتفضنا مكاننا، بينما كارولينا كانت هادئة بشكل غريب، إلتفت له و قالت: يا أخي إسمعني، لقد فاضت عبراتي من قلبي و أصبحت عيني تبكي دماً، فلا تزيد الحزن حزناً ،و لا تأتي في نفس الطريق التي تسلكه أختك.
ظل ينظر لها بحزن، إمتلأت مقلتاه بالعبرات و قال بحرقة: حسناً، سوف أعود لطريقي المعتاد، لكن لدي طلب!
ثم أردف و قال بهدوء يقطع القلب: إمسحي برأسي يا أختي، فغداً أصير يتيماً مرة اخرى.
. . .
كانت تلك آخر مرة رأيت فيها كارولينا، بعد مرور ثلاثة أيام من البحث عن لوي عبثاً، و الترجي من كارل أن يقول لي عن مكانه مضيعة للوقت، كنت أعيش حياتي مع جاك، ليندا و إيان فقط، السيدة هيلين لم أكن اراها، بينما السيد ستيفين كان مضطجعاً على سريره طوال الوقت بسبب المرض.
في اليوم الرابع، في الصباح الباكر، إستيقظت كالعادة في الساعة الثامنة، إرتديت ملابسي و نزلت لكي أتناول الفطور مع الجميع، و أنا أمشي في البهو لكي أنزل، كنت أمر على غرفة والد جاك التي لا يدخلها سوى الخدم، لكن اليوم عندما خرجت من غرفتي رأيت السيدة هيلين و هي تتحسس بيدها الطريق امامها، ثم دخلت لغرفة والد جاك و أغلقت الباب ورائها .
توجهت عندها للغرفة فسمعت صوت السيدة هيلين و هي تكلم زوجها: كيف حالك اليوم؟
فأجابها بصوت بالكاد يُسمع: و لماذا إنتظرتي هذا اليوم لكي تأتي و تسألي عن أحوالي؟ هل شعرت بدنو أجلي ؟
لم ترد عليه، فأكمل كلامه قائلاً: هل سوف تبكين علي إن مت؟
فقالت له: حبيبي، شهادة الموت لا تكتب بالدموع بالحبر.
__________________
.
.
،*
Laugh until tomorrow ♡
رد مع اقتباس